(أزمة المشاركة)
يرى البعض أن التحديث السياسي لابد وأن يتمخض عن ظهور الرغبة في المشاركه السياسية لدى قطاعات أوسع من المواطنين داخل المجتمع الوالج إلى عالم الحداثة,وأن أي شكل من أشكال تحديث السياسي لابد أن يتمخض عن علاقة بين الفرد والسلطة,كما لابد وأن تكون من شأنه طهور أنماط جديدة للمشاركة السياسية,فضلآ عن تنامي أعداد المتطلعين إلى المشاركة في الحياة السياسية,وهنا تطل أزمة المشاركة السياسية برأسها عندما تقوم الصفوة الحاكمة بوضع العراقيل أما الراغبين في المشاركة السياسية,وتضييق الخناق عليهم على نحو يؤدي إلى تضاؤل أعداد المشاركين في الحياة السياسية.
فتمثل أزمة المشاركة السياسية إحدى السمات البارزة التي تتسم بها الحياة السياسية داخل بلدان العالم الثالث,ويرتد ذلك إلى ميل القيادات السياسية في هذه البلدان إلى تركيز السلطه في قبضتها,وإقامة نظم ديكتاتورية تسلطية,وفرض قيود صارمة على مشاركة الجماهير في الحياة السياسية,واعتبار كافة المحاولات التي يقوم بها الرعايا لنيل الحق في المشاركه السياسية تصرفات غير مشروعه,حيث تعتبر الصفوة أن وحدها صاحبة الحق في الحكم استنادآ إلى تاريخها النضالي خلال مرحلة ماقبل الاستقلال,حيث يلاحظ أن أغلب الصفوات في دول العالم الثالث التي اعتلت سدة الحكم غداة استقلالها قد راحت تجرم قيام الأحزاب السياسية وغيرها من المنظمات اللارسمية,ثم مالبثت تلك الصفوات أن تخلت عن موقفها الرافض لوجود الأحزاب وأوجدت نظامآ للحزب الواحد.
ففي زائير على سبيل المثال اعتلى موبوتو سيسيسيكو سدة الحكم في البلاد عام1965 على اثر انقلاب عسكري,ثم مابرح أن الغى سائر الأحزاب القائمة آنذاك,وظلت الساحة الزائيرية بلا أحزاب حتى عام1970 عندما قام موبوتو بتأسيس حزب الحركة الشعبية,واذا انتقلنا إلى ليبيريا فسنجد ذلك الحزب الذي قبع في السلطة لحقبة تجاوزة القرن,إنه حزب تروهويج الذي حكم البلاد خلال الفترة(1878-1980).
وهكذا فإن البيئة السياسية في البلدان الافريقية ظلت لسنين طويلة حسب قول البعض بيئة الحزب الواحد حيث يقبض ذلك الحزب على السلطة,ويظل قابضا عليها بغض النظر عن شرعية ذلك,وتجدر الإشارة إلى أن نظم الحزب الواحد لم يقتصر وجودها على الدول الافريقية ففضلآ عن الأمثلة المتقدمة لنظم الحزب الواحد فقد عرفت نظيرات لها في كل من مصر عبدالناصر,وسودان النميري,وزامبيا كاوندا,وسوريا حافظ الأسد,وعراق حسن البكر وصدام حسين,حيث تشير الملاحظة إلى أن نظم الحزب الواحد كانت تشيع أجواء إرهابية قمعية داخل أروقة الحياة السياسية لبلدانها,حيث كانت الأقلية المسيطرة على الحزب تلجأ إلى أساليب الطرد والتطهير لكي تتخلص من المعارضة داخل صفوف الحزب بينما تبالغ في اجراءات القمع لمواجهة حالة التذمر خارج ذلك الحزب.
فقد كانت ظاهرة الحزب الواحد التي شهدتها أغلب بلدان العالم الثالث غداة استقلالها أحد الأسباب الرئيسية لأزمة المشاركة على النحو المتقدم ويضاف إلى ذلك أنه على الرغم من اتجاه العديد من بلدان العالم الثالث خلال العقدين الأخيرين إلى الأخذ بنظم التعددية الحزبية إلا أن الصفوات الحاكمة داخل الكثير من هذه البلدان لاتسمح للقوى والجماعات السياسية ذات الثقل الجماهيري بإنشاء أحزاب تعبر عنها خوفآ من يؤدي ذلك إلى زعزعة حكم الصفوة,ولعل من أوضح الأمثلة على ماتقدم تجربة التعددية الحزبية المصرية المعاصرة,والتي تشهد منذ ولادتها في أواخر عقد السبعينات حالة من السيطرة لحزب الصفوة الحاكمة(الحزب الوطني)شبه المطلقة على المجلس التشريعي(مجلس الشعب).
حيث نرى أن النظم الحزبية التي أنشأتها يد الصفوات الحاكمة في بلدان العالم الثالث غداة الاستقلال وماصاحب تلك النظم من أجواء سياسية إرهابية كانت هي السبب الرئيسي وراء تجذر أزمة المشاركة السياسية داخل تلك البلدان,يضاف إلى ذلك كأسباب للأزمة أن الجماعات الساعية إلى المشاركة قد تنتظم في منظمات سياسية تنظر إليها الصفوة باعتبارها منظمات غير مشروعة,فتعمد إلى تشويه صورتها,والحط من شأن وسائلها,ومن ثم اتعقال زعمائها ومطاردة أعضائها ومؤيديها,ويتزايد تعنت الصفوة الحاكمة في موقفها عندما يسود لدى أفرادها الاعتقاد أن تلك الجماعات المتطلعة إلى المشاركة لاتقبل تقاسم السلطة مع الصفوة,وإنما هي تسعى مواقع السلطة بدلآ منها,وهكذا فخوفآ من تنامي شعبية تلك الجماعات وتهديدها لهيمنة الصفوة على الحكم تلجأ الأخيرة كما قدمنا إلى تصفيتها,ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك موقف الصفوات الحاكمة في كل من مصر وسوريا وتونس وليبيا والمغرب من جماعة الأخوان المسلمين.
وعلى صعيد آخر وبصدد أزمة المشاركة في بلدان العالم الثالث فإن ثمة هناك أسبابآ أخرى قد أسهمت بنصيب وافر في تكريسها.ولعل من أظهر هذه الأسباب في رأينا مايلي:
أولآ: ارتفاع نسبة الأمية داخل أغلب بلدان العالم الثالث ، فعلى سبيل المثال نجد أن نسبة الأمية الإجمالية في الباكستانحسب احصائية البنك الدولي لعام1990 قد بلغت 65% وفي مصر بلغت 52% أي أكثر من نصف سكان البلاد,حيث أن ارتفاع نسبة الأمية من شأنه التأثير بالسلب على معدلات المشاركة السياسية والأمية تعني عدم معرفة الفرد للقراءة والكتابة وبالتالي لا يعرف حقوقه وواجباتها ولا سيما السياسية منها ، ونتيجة لذلك تسود لدى الأميين الامتثال للسلطة والانصياع الكامل لها وعدم المبالاة السياسية.
ثانيآ:استشراء الفقر وشيوعه داخل قطاعات واسعة من سكان بلدان العالم الثالث,فعلى سبيل المثال نجد أن متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي في موزمبيق حسب احصائيات البنك الدولي لعام 1992 بلغ80 دولار فقط.فالفقر الحاد لدى هذه القطاعات يدفع بالفرد الى البحث عن لقمة عيشه حيث ان المشاركة السياسية تبدو له رفاهية ليس لأمثاله من الفقراء أن يتطلعوا للمشاركة بها.
الطالب:فيصل محمد العويرضي
الرقم الجامعي:427104694