وجهة نظر علمانية ف قضية طائفية
مرسل: الثلاثاء أغسطس 11, 2009 11:19 pm
أن ما جرى في لبنان سنة 1982، ليس حدثا عاديا، عابرا. وفي تقديري أن المدخل الصحيح إلى المسألة اللبنانية وعـُقَدِها في الحاضر، يجب أن يبدأ بمعاينة الشـَق الذي دخل منه الغزاة الإسرائيليون إلى العاصمة بيروت. وما يهم في هذا الموضوع هو معرفة ماذا فعل كل فرد، أو جماعة أو مؤسسة رسمية أو مدنية لبنانية، أثناء الإحتلال. يلزم التذكير بالمناسبة، أن مخطط المستعمرين الإسرائيليين لم يكن آنذاك إقصاء فصائل المقاومة الفلسطينية وحسب، ولكنه كان يتضمن أيضا تصفية القضية الفلسطينية نهائيا، بالإضافة إلى القضاء على الكيان اللبناني ،تأسيسا على أن رابطا نشأ بين القضية والكيان، فلا يمكن إلغاء الأولى دون أتلاف الثاني. يكفي الإقتضاب هنا، للقول بأن القصد من مجازر صبرا وشاتيلا ،كان الترهيب بإبادة عيـّنةٍ لإفهام الكل كي لا ينتظروا نفس المصير، وأن المحادثات بين الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية، التي تتوجت بإتفاق 17 أيار (مايو) 1983، كانت غايتها تطبيع العلاقات وتوطين الفلسطينيين. ولو أنجز المستعمرون وأعوانهم هذا أو ذاك، لأنفجر لبنان وألتهمته ألسنة اللهب. هذا لا يعني أن المستعمرين تخلوا عن هذه الأهداف. فما لم يتمكنوا من فرضه خلال سنوات إحتلالهم للبنان، يواصلون السعي إليه بكل الوسائل. ولا شك في انهم أستطاعوا، منذ ذلك الحين، قطع مسافات لا يستهان بها، في هذا السبيل. ولكن لا يتسع المجال هنا للدخول في تفاصيل هذه المستجدات، إذا جاز التعبير، التي طرأت على الذهنية والقيم والمبادئ الأخلاقية في بلاد العرب. إذ ما يعنيني في هذا البحث، هو الرجوع إلى ما يمكن توصيفه دون مغالاة بالحملة العدوانية ضد، المقاومة في لبنان التي يقودها، تنظيم حزب الله.
بادئ ذي بدء، لا جدال في أن هذه المقاومة، هي مقاومة حقيقية وفعلية. فلقد تصدى مقاتلوها، ببسالة قل نظيرها لقوات المستعمرين الإسرائيليين في جنوب لبنان، فناوشوها بلا هوادة حتى أجبروها على الإنسحاب، غير المشروط، سنة 2000، وبعد ذلك وقفوا لها بالمرصاد لمنعها من التوغل، من جديد في الأراضي اللبنانية. مثـّل ذلك أمرا واقعا ً، مناقضا للشروط اللازمة من إجل أستمرارية تطوير المشروع الإستعماري الصهيوني. مما دفع الحكومة الإسرائيلية في عام 2006، إلى تحريك آلتها الحربية، بكل طاقاتها لإنجاز مهمة إجتثاث هذه المقاومة. ولكن رغم صبّ النيران على المدنيين وعلى قراهم وبلداتهم، بطريقة فظة وفظيعة لا تنم البتـّة عن خلق إنساني، فإن المعتدين فشلوا في إتمام مهمتهم. لأن المقاومين قاتلوهم وأنزلوا بهم خسائر لم تكن في الحسبان، ليس فقط في ساحة المعركة، وإنما في فلسطين المحتلة أيضا، حيث غطى مدى القذائف التي كانت في حوزتهم جزءا كبيرا منها.
المقاومة والانظمة
الغريب أن هذه المقاومة مكروهة ايضا، من أنظمة الحكم العربية. ومن التهم الموجهة إليها الحـُمْق والتهور، والعمل على إدامة الحرب والصراع ضد المستعمرين الصهيونيين، بدل البحث عن تسوية سلمية معهم. وكأن هذه التسوية ممكنة، أو كأن كل الوسائل لم تستنفذ بعد، دون جدوى، في أستجداء حل ِ، يقتصر على الحد الأدنى، فتـُعاد بعضُ الحقوق المغتصبة لأصحابها. وأغلب الظن أن الأنظمة العربية خائفة من أن تفقد دورها وموقعها، فأختارت خصمها وإشهرت العداء وإعلنت الحرب عليها. خصوصا، حيثما خرجت المقاومة عن الطاعة، وأظهرت قدرة على مقارعة القوات الإسرائيلية، فأستعصت عليها وردّ تها، مرة بعد مرة، دون بلوغ الهدف من عدوانها. إذ من المعلوم أن طبيعة أنظمة الحكم العربية، الإستبدادية، تـُضعف مصداقيتها وتحد من قدراتها وكفاءاتها، فلا تؤهلها للدخول في مواجهة ضد المستعمرين، لا بل هي تتهيـّبهم على الدوام، بشتى الطرق.
من البديهي، أن الجماهير في ديار العرب، وتلك التي تقطن المناطق المحيطة بفلسطين على وجه التحديد، لا تجاري منطق حكامها، فهي تعرف بحكم التجربة، أن المستعمرين الإسرائيليين يضمرون لها الشر، وأن أطماعهم لا حدود لها، وأن قساوة قلوبهم تشرّع لهم إرتكاب الجرائم الشنيعة، إرهابا وأنتقاما. لذا فإنها أيقنت بأن المقاومة دفاعا عن النفس، ليست خيارا من بين خيارات توجد أمامها، ولكنها فرضٌ، لا مفر منه ألاّ بالهجرة أو إنتظار ما يقرره المستعمرون. ولكن المشكلة كانت دائما، في إزدواجية الخطاب الموجـّه إلى هذه الجماهير. وبإختصار شديد، يمكن القول أن الأنظمة العربية ظلـّت تعِــد ُ بمقاومة الإستعمار في فلسطين، حتى ممات الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1970، وبالمقابل فأن الفصائل المسلحة الفلسطينية، المنضوية في إطار منظمة التحرير، أسقطت سلاح المقاومة، بشكل نهائي، بعد رحيل ياسر عرفات سنة في كانون أول 2004
من الثابت، أن دولة المستعمرين في فلسطين لم تتغير، بل على العكس لا يترك زعماؤها مناسبة، دون أن يعلنوا بصراحة عن تمسكهم بكل أرض فلسطين، وبهضبة الجولان وسيناء، وعن رغبتهم في أن تكون دولتهم دولة لليهود، دون سواهم. ليس أساس المشكلة إذن، رفض الفلسطينيين لقرار التقسيم الذي أصدرته الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947، أو كما يزعم الإسرائيليون، دعوة الحكومات العربية، سنة 1948، الفلسطينيين إلى ترك منازلهم ريثما تقوم الجيوش العربية بتحرير فلسطين، بدليل أن أقطاب الحكومة الإسرائيلية الحالية يتدارسون فكرة طرد الفلسطينيين من 'الدولة اليهودية'، وإقامة دولة لهم خارج فلسطين.
ولكن الحكومات العربية هي التي تغيـّرت في الراهن. فلقد لعبت دورا كبيرا، في إغراق الفصائل الفلسطينية في الوحول اللبنانية. ثم وقفت مكتوفة الأيدي، كأنها أمام فـُرجـَة، سنة 1982، بينما كانت أرتال الدبابات الإسرائيلية تندفع عبر الأراضي اللبنانية. وبعد ذلك سارت، أغلب الجيوش العربية سنة 1991، تحت قيادة الولايات المتحدة، للهجوم على العراق. أما النــُقـْلة النوعية ،والفاصلة، في سياسات هذه الحكومات، فإنها حدثت بعد الهجوم على أبراج نيويورك في 11 ايلول (سبتمبر). 2001، حيث إستجابت للإرادة الأمريكية التي قضت بأن مقاومة الجماهير التي أحتلت أرضها أو أغتصبت، أنما هي عمل إرهابي. تمظهر ذلك على ارض الواقع في الضفة الغربية، التي تستمر فيها مطاردة المناضلين، وفي قطاع غزة أيضا ،أحكم حصار القوات الإسرائيلية ،وطـُبقت المقاطعة العربية على الفلسطينيين، ودمرت مرافقهم ومنازلهم، ولا تسل عن القتل والحرق، ومـُنع الإعمار طالما بقي الجوعى والمشردون، على عنادهم، يرفضون التنازل عن حقوقهم والإستسلام. وأخيرا فإن بالإمكان القول أن المستعمرين الإسرائيليين وحلفاءهم في بلا د الغرب، ووكلاءهم من الحكام العرب لم يهادنوا جميعهم، على الإطلاق، المقاومة اللبنانية. لقد أستخدموا ضدها كل الوسائل التي ذكرت، بالإضافة إلى التحريض المذهبي وإلى إصدار الفتاوى المنفرة.
بادئ ذي بدء، لا جدال في أن هذه المقاومة، هي مقاومة حقيقية وفعلية. فلقد تصدى مقاتلوها، ببسالة قل نظيرها لقوات المستعمرين الإسرائيليين في جنوب لبنان، فناوشوها بلا هوادة حتى أجبروها على الإنسحاب، غير المشروط، سنة 2000، وبعد ذلك وقفوا لها بالمرصاد لمنعها من التوغل، من جديد في الأراضي اللبنانية. مثـّل ذلك أمرا واقعا ً، مناقضا للشروط اللازمة من إجل أستمرارية تطوير المشروع الإستعماري الصهيوني. مما دفع الحكومة الإسرائيلية في عام 2006، إلى تحريك آلتها الحربية، بكل طاقاتها لإنجاز مهمة إجتثاث هذه المقاومة. ولكن رغم صبّ النيران على المدنيين وعلى قراهم وبلداتهم، بطريقة فظة وفظيعة لا تنم البتـّة عن خلق إنساني، فإن المعتدين فشلوا في إتمام مهمتهم. لأن المقاومين قاتلوهم وأنزلوا بهم خسائر لم تكن في الحسبان، ليس فقط في ساحة المعركة، وإنما في فلسطين المحتلة أيضا، حيث غطى مدى القذائف التي كانت في حوزتهم جزءا كبيرا منها.
المقاومة والانظمة
الغريب أن هذه المقاومة مكروهة ايضا، من أنظمة الحكم العربية. ومن التهم الموجهة إليها الحـُمْق والتهور، والعمل على إدامة الحرب والصراع ضد المستعمرين الصهيونيين، بدل البحث عن تسوية سلمية معهم. وكأن هذه التسوية ممكنة، أو كأن كل الوسائل لم تستنفذ بعد، دون جدوى، في أستجداء حل ِ، يقتصر على الحد الأدنى، فتـُعاد بعضُ الحقوق المغتصبة لأصحابها. وأغلب الظن أن الأنظمة العربية خائفة من أن تفقد دورها وموقعها، فأختارت خصمها وإشهرت العداء وإعلنت الحرب عليها. خصوصا، حيثما خرجت المقاومة عن الطاعة، وأظهرت قدرة على مقارعة القوات الإسرائيلية، فأستعصت عليها وردّ تها، مرة بعد مرة، دون بلوغ الهدف من عدوانها. إذ من المعلوم أن طبيعة أنظمة الحكم العربية، الإستبدادية، تـُضعف مصداقيتها وتحد من قدراتها وكفاءاتها، فلا تؤهلها للدخول في مواجهة ضد المستعمرين، لا بل هي تتهيـّبهم على الدوام، بشتى الطرق.
من البديهي، أن الجماهير في ديار العرب، وتلك التي تقطن المناطق المحيطة بفلسطين على وجه التحديد، لا تجاري منطق حكامها، فهي تعرف بحكم التجربة، أن المستعمرين الإسرائيليين يضمرون لها الشر، وأن أطماعهم لا حدود لها، وأن قساوة قلوبهم تشرّع لهم إرتكاب الجرائم الشنيعة، إرهابا وأنتقاما. لذا فإنها أيقنت بأن المقاومة دفاعا عن النفس، ليست خيارا من بين خيارات توجد أمامها، ولكنها فرضٌ، لا مفر منه ألاّ بالهجرة أو إنتظار ما يقرره المستعمرون. ولكن المشكلة كانت دائما، في إزدواجية الخطاب الموجـّه إلى هذه الجماهير. وبإختصار شديد، يمكن القول أن الأنظمة العربية ظلـّت تعِــد ُ بمقاومة الإستعمار في فلسطين، حتى ممات الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1970، وبالمقابل فأن الفصائل المسلحة الفلسطينية، المنضوية في إطار منظمة التحرير، أسقطت سلاح المقاومة، بشكل نهائي، بعد رحيل ياسر عرفات سنة في كانون أول 2004
من الثابت، أن دولة المستعمرين في فلسطين لم تتغير، بل على العكس لا يترك زعماؤها مناسبة، دون أن يعلنوا بصراحة عن تمسكهم بكل أرض فلسطين، وبهضبة الجولان وسيناء، وعن رغبتهم في أن تكون دولتهم دولة لليهود، دون سواهم. ليس أساس المشكلة إذن، رفض الفلسطينيين لقرار التقسيم الذي أصدرته الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947، أو كما يزعم الإسرائيليون، دعوة الحكومات العربية، سنة 1948، الفلسطينيين إلى ترك منازلهم ريثما تقوم الجيوش العربية بتحرير فلسطين، بدليل أن أقطاب الحكومة الإسرائيلية الحالية يتدارسون فكرة طرد الفلسطينيين من 'الدولة اليهودية'، وإقامة دولة لهم خارج فلسطين.
ولكن الحكومات العربية هي التي تغيـّرت في الراهن. فلقد لعبت دورا كبيرا، في إغراق الفصائل الفلسطينية في الوحول اللبنانية. ثم وقفت مكتوفة الأيدي، كأنها أمام فـُرجـَة، سنة 1982، بينما كانت أرتال الدبابات الإسرائيلية تندفع عبر الأراضي اللبنانية. وبعد ذلك سارت، أغلب الجيوش العربية سنة 1991، تحت قيادة الولايات المتحدة، للهجوم على العراق. أما النــُقـْلة النوعية ،والفاصلة، في سياسات هذه الحكومات، فإنها حدثت بعد الهجوم على أبراج نيويورك في 11 ايلول (سبتمبر). 2001، حيث إستجابت للإرادة الأمريكية التي قضت بأن مقاومة الجماهير التي أحتلت أرضها أو أغتصبت، أنما هي عمل إرهابي. تمظهر ذلك على ارض الواقع في الضفة الغربية، التي تستمر فيها مطاردة المناضلين، وفي قطاع غزة أيضا ،أحكم حصار القوات الإسرائيلية ،وطـُبقت المقاطعة العربية على الفلسطينيين، ودمرت مرافقهم ومنازلهم، ولا تسل عن القتل والحرق، ومـُنع الإعمار طالما بقي الجوعى والمشردون، على عنادهم، يرفضون التنازل عن حقوقهم والإستسلام. وأخيرا فإن بالإمكان القول أن المستعمرين الإسرائيليين وحلفاءهم في بلا د الغرب، ووكلاءهم من الحكام العرب لم يهادنوا جميعهم، على الإطلاق، المقاومة اللبنانية. لقد أستخدموا ضدها كل الوسائل التي ذكرت، بالإضافة إلى التحريض المذهبي وإلى إصدار الفتاوى المنفرة.