لازمات السياسيه في جمهورية اليمن
مرسل: الأحد أغسطس 16, 2009 3:35 am
نهج الرئيس علي عبدالله صالح في مواجهة الأزمات السياسية
صحيفة 26سبتمبر
لا يوجد تعريف ولا يوجد تحديد لمدلول مفهوم الأزمة في معناها العام، إذ تتداخل هذه الكلمة في كل أوجه الحياة الإنسانية، ويرتبط مفهوم الأزمة بالإنسان منذ ظهوره على وجه الأرض، ومنذ قيام الأسرة أول خلية في بناء المجتمع، وفي بناء الدولة بدءاً بآدم وحواء أصل البشرية وولديهما قابيل وهابيل، فالأزمة هي: مرحلة من مراحل الصراع الإنساني من أجل الحياة والتعاون, من أجل الدفاع عن النفس، والصراع حقيقة ثابتة ومبرهن عليها في حياة الإنسان وصادقة صدق الموت في حياة البشرية، والصراع يشمل كل مجال من مجالات الحياة صراع مع النفس وصراع مع الغير، صراع ضد الطبيعة، صراع مع المرض، صراع على الموارد المادية ومقومات المعيشة والحياة، صراعات متعددة تبرز في صورة أزمات مالية وصحية واقتصادية، أزمات إنتاج وأزمات عرض وطلب، أزمات عدالة، أزمات سكانية ونمو سكاني، أزمات ثقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، أزمات حكم ومشاركة سياسية، أزمات وأزمات لا عد ولا حصر لها في كل ميدان من ميادين الحياة وبمختلف أوجهها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
د. عمر عثمان سعيد العمودي
الأزمة السياسية
يقال دائماً في الأزمات السياسية: ان أساس الأزمة يبدأ بخلاف وتباين بين طرفين أو أكثر وأن الخلاف قد يتطور إلى صراع صراع إرادات والصراع إلى مشكلة والمشكلة بدورها قد تتحول إلى أزمة إذا عجزت الأطراف المعنية في التوصل إلى حل أو قرار بشأنها، وأن الأزمة قد تتحول كذلك إلى مجابهة والمجابهة إلى قتال أو حرب لا تحمد عقباها، وأن نجاح النظام السياسي المعرض أكثر من غيره لا للضرر والخسارة في احتواء وتجاوز هذه الأزمة هو برهان مادي على رشادة وحصافة ومرونة هذا النظام وقدرته في الدفاع عن مصالح وأهداف بلاده العليا، ولكل أزمة سياسية أو نزاع سياسي سمة عامة بالنسبة لمجال هذا النزاع وأبعاده المحلية والدولية، كما أن لكل نزاع حجماً معيناً صغيراً أو كبيراً وله كذلك حدود وأبعاد متفاوتة بحسب مكوناته وعناصره وما يرتبط به من ظروف وتعقيدات قديمة ومستجدة.
وصناع الأزمات من القادة والحكام هم في الغالب من أنصار ممارسة الضغوط والمناورات السياسية وسياسة القوة مع الغير ويتطلعون إلى تحقيق أهداف سياسية وقومية لبلدانهم والرفع من شأن بريقهم السياسي ومكانتهم السياسية انطلاقا من استغلالهم لبعض الظروف الملائمة لسياساتهم وأحيانًا من منطلق وافتراض أن الطرف الآخر لا يرغب في الصراع وغير قادر أو غير مؤهل لتبعات المواجهة وماهو أكثر من المواجهة إذا تفاقمت الأمور وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وللأزمات السياسية وظهور الأزمات السياسية مصادر كثيرة ترتبط بتغيرات الظروف في البيئة المحلية والإقليمية والدولية، وبخلافات النخب والصفوات السياسية في الداخل، وبتناقضات القوى السياسية الداخلية والقوى السياسية الداخلية والقوى السياسية الخارجية وفي إطار وخلفيات نقص وقصور وضعف قدرات وفعاليات النظام السياسي ورموزه القيادية.
توازن وتكامل شخصية الرئيس علي عبدالله صالح
عندما يلقى الدارس والمتابع السياسي نظرة تحليلية بانورامية على عهد الرئيس علي عبدالله صالح بدءً من تسلمه لدفة الحكم والقيادة في البلاد في 17 يوليو عام 1978م إلى ذكرى احتفال الشعب اليمني اليوم بها 17/7/2006م وما تم بين هذين التاريخين المجيدين من أحداث ومواقف وقرارات وتطورات وإنجازات كبرى في اليمن على صعيد الأمن والاستقرار والنظام وفي مجال الإصلاح والتحديث والوحدة والتنمية والديمقراطية وبناء اليمن الحديث والمعاصر، وبروز الرئيس علي عبدالله صالح كزعيم وقائد تاريخي ورمز لروح الشعب اليمني وكمجدد لهويته وتطلعات هذه الحيوية الوثابة نحو العزة والتقدم والقوة ونحو العلم والنور والإيمان، يتبادر إلى ذهنه فورا وبلا شك ولا ريب أكثر من سؤال حول هذه المرحلة البالغة الأهمية والتميز في تاريخ اليمن السياسي الراهن: فكيف كانت نظرة هذا الرجل إلى نفسه ومسؤولياته وقدراته القيادية عند تسلمه مهام الحكم والقيادة السياسية في يوليو عام 1978م وفي تلك الظروف البالغة التصعيد والتأزم والإضراب على كافة الأصعدة وعلى كافة المجالات؟ هل كانت معالم الطريق والمعوقات واضحة له؟ هل كان صاحب رسالة وخطة وأهداف ووسائل محددة المعالم ويسعى إلى تحقيقها لخدمة الوطن والشعب والصالح العام مسلحا بالإيمان والثقة في الله وتوفيقه ونصره؟ وكيف كانت نظرة الغير له ولقيادته لليمن على المستويين الداخلي والخارجي؟ ثم كيف تصدى لمعالجة المشاكل والأزمات والتحديات التي واجهت عهده في هذه الفترة وهذه المرحلة على مستوى الداخل وعلى مستوى العلاقات الخارجية الإقليمية والدولية؟
تميزت واتسمت التقييمات والتحليلات السياسية المبكرة لخصائص شخصية الرئيس علي عبدالله صالح في السنوات الأولى من حكمه بجانب كبير من السطحية والتسرع، وقد نلمس بعض العذر لأصحابها نظرا لأن شخصية الرئيس علي عبدالله صالح قبل تسلمه مهام وأمانة ومسؤولية الحكم كانت بعيدة عن الأضواء السياسية والضجيج الدعائي فقد كان هذا الرجل الذي خرج من قلب السواد الأعظم من الشعب وبحكم السن والمنصب بعيدا عن منصة الحكم وبريقها السياسي، وقد انحصرت أكثر جهوده كابن من أبناء ثورة سبتمبر وجندي مناضل ومقاتل في صفوف الجيش اليمني الأبي، وفي خدمة الوطن وعبر معارك تثبيت الثورة والنظام الجمهوري ضد مؤامرات وهجمات أعدائه في الداخل والخارج.
وعندما نتحدث عن الخصائص والصفات المتضررة لهذه الشخصية في مجال الحرب والسلم والإدارة وفي مجال البناء والإصلاح والعمران وما يضاف إلى ذلك من قدرات بيولوجية وذهنية التي نراها هبة من الله فإن الحديث في هذا المقام والمجال لا يقوم على أساس دعائي لشخصه ولكن من واقع واستقراء نضاله المجيد والطويل وعلى أساس المهام والمسؤوليات الصعبة التي اضطلع بها والمواقف والقرارات والتحولات التاريخية التي ارتبطت بقيادته والمشاكل والتحديات والأزمات التي واجهها داخلياً وخارجياً ونجح في تجاوزها على مدى من الزمن يناهز الثلاثة عقود، وهي التي تعطي لنا الحق في وصف هذه الشخصية القيادية بأنها شخصية متوازنة ومتكاملة، وخلاصة سماتها وأبعادها كما نرى ونستنتج تتركز في المعالم العامة الآتية:
- توصف الزعامة التاريخية بأنها مزيج من هبة الله والاستعداد الفطري البيولوجي والفكري، وزعامة الرئيس علي عبدالله صالح تندرج بلا تحفظ تحت هذا الوصف على المستوى الشخصي القيادي وعلى مستوى التوفيق والعناية الإلهية.
- تمثل مرابطة واعتصامات مئات الألوف من أبناء الشعب اليمني في ميدان السبعين بالعاصمة وميادين عامة أخرى في اليمن في نهاية يونيو وبداية يوليو من هذا العام 2006م المطالبة باستمرار قيادته ودوره لمصلحة البلاد والصالح العام دليلا قاطعا على صفة التوحد والتواصل العضوي بين القائد والشعب والمحبة الشديدة المتبادلة بينهما وهو ما نسميه في الفقه السياسي بظاهرة الكاريزما أو القيادة الكاريزماتية.
- للرئيس علي عبدالله صالح صفة الإنسان العربي الأصيل والعربي الأصيل يحب الخير للناس كما يحبه لنفسه ويكره الشح والبخل ولا يخشى الفقر، يكره الكذب ولا يعد بما لا يفعل، لا يهلع من الخوف ولا يرتعد من القضاء والأجل فكل شيء لديه بيد الله وإرادة الله.
- يتمسك ولا يتراجع عن دوره في الدفاع عن الوحدة والحرية والديمقراطية وسيادة القانون والأمن والنظام.
- يرفض أن يبني مكانته وهيبته في الحكم على أساس إثارة الرعب والترهيب والمطاردات لخصومه، وهو لا يقبل استخدام الضعف والقهر المادي الشرعي والمشروع إلا في مواجهة أعداء الوحدة ودعاة الفتنة والخارجين على القانون.
- عرف بالحزم والصبر وبعد النظر في إدارته لشؤون الدولة، وبالحوار والتسامح والعقل المفتوح مع المؤيدين والمعارضين ومع الأصدقاء والأعداء.
- هو كغيره من الزعماء التاريخيين صاحب رأس هادئة، لا كرب ولا وجوم في كل الظروف وحتى في أعتى الأزمات والمواقف.
نماذج مختارة لبعض الأزمات السياسية:
وفي حديثنا المختصر عن المشاكل والأزمات السياسية التي واجهت عهد الرئيس علي عبدالله صالح في السنوات الماضية على الصعيد الداخلي وفي علاقة اليمن بالدول الأخرى يهمنا أن نلقي بعض الضوء على نهجه وأسلوبه الخاص في هذا المجال وهو بلا شك تعبير صادق عن تكامل وتوازن شخصية هذا الإنسان وقدراته القيادية ونجاحه في إدارة الأزمات، وسوف نكتفي بالنماذج المحددة التالية:-
1- أزمات ومشكلات التحديث والتنمية:
تظهر هذه الأزمات بوجه عام في دول العالم الثالث في مرحلة التحديث والإصلاح أو التنمية بأوجهها وأضلاعها الثلاثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأساس ظهورها في هذه المجتمعات هو ما يحدث من تغيرات في البيئة المجتمعية وما يرتبط بذلك من خلاف بين النخب السياسية، وتباينات بين أنصار القديم والحديث والمعاصر، ومن تناقضات أيضا بين قوى الداخل وقوى الخارج، وأهم هذه المشكلات والأزمات وباختصار شديد هو:
- أزمة الشرعية أو أزمة بناء الدولة ومؤسساتها وكيف يتحقق لها المشروعية والشرعية، وكيف تطاع وتنفذ قوانينها ونظمها بالوجوب أو الرضا أو بهما معا.
- أزمة بناء الأمة وتعرف أيضا بأزمة الهوية، فكيف يمكن صنع المواطن الجديد العقلاني المزود بالعلم والمعرفة العصرية، المواطن المحب لبلاده الواعي بقضاياه والمدافع عنها، المواطن الإيجابي المعطاء.
- أزمة المشاركة السياسية: وتدور حول كيفية تنظيم الصراع السلمي على السلطة والقوة السياسية وكيف يمارس المواطن حريته السياسية وحقه في المشاركة في مختلف شئون بلاده السياسية والإدارية وعلى أساس من المساواة وتكافؤ الفرص للجميع.
- أزمة التوزيع: وترتبط بكيفية توزيع الدخل القومي والثروة القومية على أساس العدالة الاجتماعية، وحق كل أبناء البلاد وكل أجزاء البلاد في الحصول على نصيبهم العادل من الخدمات الاجتماعية والثقافية وسائر المنافع الأخرى.
- أزمة التغلغل والاختراق: وتدور حول كيفية إيجاد الإدارة المتطورة الفاعلة والحكم الفاعل القادر على الامتداد والتغلغل الإداري والسياسي إلى كل أنحاء البلاد.
وتمثل قدرة النظام السياسي على التكيف والبقاء والتطور وعلى احتواء وتجاوز هذه المشكلات برهانا على نجاحه ووصوله إلى مرحلة الاستقرار القائم على الشرعية والعقلانية، وبلادنا كما نرى ونجزم بقيادة الرئيس المؤسس علي عبدالله صالح وحكومته الرشيدة قد قطعت شوطا كبيراً في مسيرتها التنموية الكبرى وصولا إلى حل وتجاوز هذه المشكلات وهذه المعضلات.
2- أزمة الوحدة اليمنية:
الوحدة هي بالنسبة للشعب اليمني قضية مصيرية وغاية من غاياته الكبرى، وقد ناضل وجاهد في سبيلها عقوداً طويلة ضد الاستعمار وسياساته القائمة على مبدأ فرق تسد، وضد ظلم الإمامة المستبدة وقد حقق هذه الغاية في 22 مايو عام 1990م بقيام دولة الوحدة اليمنية دولة الديمقراطية والتقدم والرخاء، وعندما تهددت هذه الوحدة وتمددت قوى الفتنة عام 1994م بذلت قيادة الرئيس علي عبدالله صالح جهودا مضنية مع رموزها بأمل إصلاحهم وإبعادهم عن قوى التآمر الخارجي على اليمن حفاظا على الوحدة وعلى مكاسب الشعب اليمني وموارده وحفاظاً على دماء أبنائه الزكية الغالية قبل كل شيء، وعندما عمد المتآمرون على الانفصال عن دولة الوحدة اليمنية وهددوا ماديا وعسكرياً ركائز ومؤسسات الدولة اليمنية تم حسم الأمر معهم عسكريا تحت شعار الشعب اليمني القائل: الوحدة أو الموت وتحقق النصر على الانفصاليين ومن يقف خلفهم في 7 يوليو عام 1994م.
3- أزمة جزيرة حنيش وتوابعها:
كان العدوان الاريتري المفاجئ على جزر حنيش اليمنية في 15 ديسمبر عام 1995م عملا من أعمال الابتزاز السياسي والانتهازية السياسية الممقوتة والبغيضة، فقد كان ذلك العدوان على اليمن حربا بالوكالة،وقد سعت حكومة أريتريا إلى استثمار ظروف اليمن التالية على حرب الانفصال وآثارها السلبية على مجمل الأوضاع اليمنية – سعت – إلى تطويع الإرادة اليمنية لخدمة مصالحها القومية ومصالح الجهات السياسية التي وقفت خلفها في ذلك العدوان.
وانطلاقاً من حق اليمن الثابت مادياً وتاريخياً في تلك الجزر فقد حددت القيادة اليمنية خيار الحل السياسي أولاً مع ورود الخيار العسكري وعدم استبعاده عند الضرورة، وفي الوقت الذي تختاره بإرادتها الذاتية وبدون أن تدفع إليه من الغير وفي الوقت الذي تحدده وتختاره، وارتبط الموقف اليمني في معالجة تلك الأزمة بالحكمة والصبر وعدم الاندفاع إلى مغامرة غير محسوبة قد تجر البلدين والشعبين المتجاورين إلى دوامة صراع طويل لا تحمد عقباه، ولعبت السياسة اليمنية والدبلوماسية اليمنية دورا فاعلا ومتميزا على كافة المحاور الإقليمية والدولية، وختم المسار السياسي والدبلوماسي اليمني القائم على الحكمة والتروي والعقلاني بعودة تلك الجزر إلى الوطن الأم في نوفمبر عام 1999م.
4- حل مشاكل الحدود بين اليمن وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية:
وقد التزمت اليمن تجاه معالجة وحل هاتين المشكلتين بالنهج الواقعي المرن والمسؤول والملتزم بالحقوق الوطنية في إطار الرغبة في السلام العادل للجميع وفي ظل شعار ومبدأ «لا ضرر ولا ضرار» وقد حلت مشاكل الحدود مع هذه الدول الشقيقة، مع عمان في عام 1992م، ومع السعودية في يونيو عام 2000م، وقد تحولت منافذ الحدود بين اليمن وهذه الدول الشقيقة إلى جسور ومعابر وطيدة للتواصل الفاعل والتعاون الإيجابي المتطور في كل المجالات وعلى كل الأصعدة.
5- اليمن ومشاكل ما يسمى بالإرهاب الدولي:
أثيرت ضجة كبيرة وحرب نفسية في أيام ضرب أمريكا لقواعد تنظيم القاعدة في أفغانستان وفي أعقاب غزو أمريكا لافغانستان عام 2001م مباشرة حول اليمن وأشيع وقتها أن هناك أوكاراً وبؤراً لتنظيم القاعدة في اليمن وقيل حينذاك: ان التشدد الديني والإرهاب في اليمن قد يصبح سيد الموقف وأن هذه البلاد على وشك الدخول في حرب أهلية بين أبنائها، وأن أمريكا في طريقها إلى توجيه ضربة عسكرية إلى مناطق تواجد ووجود هذه القوى في اليمن، وقد عالجت القيادة السياسية اليمنية هذه المشكلة وما يرتبط بها من لبس وملابسات ودعايات وتهديدات بالحكمة والمرونة والحوار والتحركات السياسية الفاعلة على مستوى اليمن ومع الإدارة الأمريكية والدول الحليفة لها والدول السائرة في فلكها، ونجحت بتفوق وامتياز في إبعاد مخاطر ما يسمى بالإرهاب الدولي عن اليمن وفي تجنيب الشعب اليمني أخطار التهديدات العسكرية وما يرتبط بكل هذه الأبعاد من دعايات وتشويهات مغرضة وضارة بأمن واستقرار اليمن وبجهود ومساعي حكومتها الرشيدة الرامية إلى إبراز صورة اليمن الجديد للعالم الخارجي، اليمن المحب للسلام والتعاون والصداقة جميع الدول لسلام الجميع وخير الجميع.
صحيفة 26سبتمبر
لا يوجد تعريف ولا يوجد تحديد لمدلول مفهوم الأزمة في معناها العام، إذ تتداخل هذه الكلمة في كل أوجه الحياة الإنسانية، ويرتبط مفهوم الأزمة بالإنسان منذ ظهوره على وجه الأرض، ومنذ قيام الأسرة أول خلية في بناء المجتمع، وفي بناء الدولة بدءاً بآدم وحواء أصل البشرية وولديهما قابيل وهابيل، فالأزمة هي: مرحلة من مراحل الصراع الإنساني من أجل الحياة والتعاون, من أجل الدفاع عن النفس، والصراع حقيقة ثابتة ومبرهن عليها في حياة الإنسان وصادقة صدق الموت في حياة البشرية، والصراع يشمل كل مجال من مجالات الحياة صراع مع النفس وصراع مع الغير، صراع ضد الطبيعة، صراع مع المرض، صراع على الموارد المادية ومقومات المعيشة والحياة، صراعات متعددة تبرز في صورة أزمات مالية وصحية واقتصادية، أزمات إنتاج وأزمات عرض وطلب، أزمات عدالة، أزمات سكانية ونمو سكاني، أزمات ثقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، أزمات حكم ومشاركة سياسية، أزمات وأزمات لا عد ولا حصر لها في كل ميدان من ميادين الحياة وبمختلف أوجهها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
د. عمر عثمان سعيد العمودي
الأزمة السياسية
يقال دائماً في الأزمات السياسية: ان أساس الأزمة يبدأ بخلاف وتباين بين طرفين أو أكثر وأن الخلاف قد يتطور إلى صراع صراع إرادات والصراع إلى مشكلة والمشكلة بدورها قد تتحول إلى أزمة إذا عجزت الأطراف المعنية في التوصل إلى حل أو قرار بشأنها، وأن الأزمة قد تتحول كذلك إلى مجابهة والمجابهة إلى قتال أو حرب لا تحمد عقباها، وأن نجاح النظام السياسي المعرض أكثر من غيره لا للضرر والخسارة في احتواء وتجاوز هذه الأزمة هو برهان مادي على رشادة وحصافة ومرونة هذا النظام وقدرته في الدفاع عن مصالح وأهداف بلاده العليا، ولكل أزمة سياسية أو نزاع سياسي سمة عامة بالنسبة لمجال هذا النزاع وأبعاده المحلية والدولية، كما أن لكل نزاع حجماً معيناً صغيراً أو كبيراً وله كذلك حدود وأبعاد متفاوتة بحسب مكوناته وعناصره وما يرتبط به من ظروف وتعقيدات قديمة ومستجدة.
وصناع الأزمات من القادة والحكام هم في الغالب من أنصار ممارسة الضغوط والمناورات السياسية وسياسة القوة مع الغير ويتطلعون إلى تحقيق أهداف سياسية وقومية لبلدانهم والرفع من شأن بريقهم السياسي ومكانتهم السياسية انطلاقا من استغلالهم لبعض الظروف الملائمة لسياساتهم وأحيانًا من منطلق وافتراض أن الطرف الآخر لا يرغب في الصراع وغير قادر أو غير مؤهل لتبعات المواجهة وماهو أكثر من المواجهة إذا تفاقمت الأمور وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وللأزمات السياسية وظهور الأزمات السياسية مصادر كثيرة ترتبط بتغيرات الظروف في البيئة المحلية والإقليمية والدولية، وبخلافات النخب والصفوات السياسية في الداخل، وبتناقضات القوى السياسية الداخلية والقوى السياسية الداخلية والقوى السياسية الخارجية وفي إطار وخلفيات نقص وقصور وضعف قدرات وفعاليات النظام السياسي ورموزه القيادية.
توازن وتكامل شخصية الرئيس علي عبدالله صالح
عندما يلقى الدارس والمتابع السياسي نظرة تحليلية بانورامية على عهد الرئيس علي عبدالله صالح بدءً من تسلمه لدفة الحكم والقيادة في البلاد في 17 يوليو عام 1978م إلى ذكرى احتفال الشعب اليمني اليوم بها 17/7/2006م وما تم بين هذين التاريخين المجيدين من أحداث ومواقف وقرارات وتطورات وإنجازات كبرى في اليمن على صعيد الأمن والاستقرار والنظام وفي مجال الإصلاح والتحديث والوحدة والتنمية والديمقراطية وبناء اليمن الحديث والمعاصر، وبروز الرئيس علي عبدالله صالح كزعيم وقائد تاريخي ورمز لروح الشعب اليمني وكمجدد لهويته وتطلعات هذه الحيوية الوثابة نحو العزة والتقدم والقوة ونحو العلم والنور والإيمان، يتبادر إلى ذهنه فورا وبلا شك ولا ريب أكثر من سؤال حول هذه المرحلة البالغة الأهمية والتميز في تاريخ اليمن السياسي الراهن: فكيف كانت نظرة هذا الرجل إلى نفسه ومسؤولياته وقدراته القيادية عند تسلمه مهام الحكم والقيادة السياسية في يوليو عام 1978م وفي تلك الظروف البالغة التصعيد والتأزم والإضراب على كافة الأصعدة وعلى كافة المجالات؟ هل كانت معالم الطريق والمعوقات واضحة له؟ هل كان صاحب رسالة وخطة وأهداف ووسائل محددة المعالم ويسعى إلى تحقيقها لخدمة الوطن والشعب والصالح العام مسلحا بالإيمان والثقة في الله وتوفيقه ونصره؟ وكيف كانت نظرة الغير له ولقيادته لليمن على المستويين الداخلي والخارجي؟ ثم كيف تصدى لمعالجة المشاكل والأزمات والتحديات التي واجهت عهده في هذه الفترة وهذه المرحلة على مستوى الداخل وعلى مستوى العلاقات الخارجية الإقليمية والدولية؟
تميزت واتسمت التقييمات والتحليلات السياسية المبكرة لخصائص شخصية الرئيس علي عبدالله صالح في السنوات الأولى من حكمه بجانب كبير من السطحية والتسرع، وقد نلمس بعض العذر لأصحابها نظرا لأن شخصية الرئيس علي عبدالله صالح قبل تسلمه مهام وأمانة ومسؤولية الحكم كانت بعيدة عن الأضواء السياسية والضجيج الدعائي فقد كان هذا الرجل الذي خرج من قلب السواد الأعظم من الشعب وبحكم السن والمنصب بعيدا عن منصة الحكم وبريقها السياسي، وقد انحصرت أكثر جهوده كابن من أبناء ثورة سبتمبر وجندي مناضل ومقاتل في صفوف الجيش اليمني الأبي، وفي خدمة الوطن وعبر معارك تثبيت الثورة والنظام الجمهوري ضد مؤامرات وهجمات أعدائه في الداخل والخارج.
وعندما نتحدث عن الخصائص والصفات المتضررة لهذه الشخصية في مجال الحرب والسلم والإدارة وفي مجال البناء والإصلاح والعمران وما يضاف إلى ذلك من قدرات بيولوجية وذهنية التي نراها هبة من الله فإن الحديث في هذا المقام والمجال لا يقوم على أساس دعائي لشخصه ولكن من واقع واستقراء نضاله المجيد والطويل وعلى أساس المهام والمسؤوليات الصعبة التي اضطلع بها والمواقف والقرارات والتحولات التاريخية التي ارتبطت بقيادته والمشاكل والتحديات والأزمات التي واجهها داخلياً وخارجياً ونجح في تجاوزها على مدى من الزمن يناهز الثلاثة عقود، وهي التي تعطي لنا الحق في وصف هذه الشخصية القيادية بأنها شخصية متوازنة ومتكاملة، وخلاصة سماتها وأبعادها كما نرى ونستنتج تتركز في المعالم العامة الآتية:
- توصف الزعامة التاريخية بأنها مزيج من هبة الله والاستعداد الفطري البيولوجي والفكري، وزعامة الرئيس علي عبدالله صالح تندرج بلا تحفظ تحت هذا الوصف على المستوى الشخصي القيادي وعلى مستوى التوفيق والعناية الإلهية.
- تمثل مرابطة واعتصامات مئات الألوف من أبناء الشعب اليمني في ميدان السبعين بالعاصمة وميادين عامة أخرى في اليمن في نهاية يونيو وبداية يوليو من هذا العام 2006م المطالبة باستمرار قيادته ودوره لمصلحة البلاد والصالح العام دليلا قاطعا على صفة التوحد والتواصل العضوي بين القائد والشعب والمحبة الشديدة المتبادلة بينهما وهو ما نسميه في الفقه السياسي بظاهرة الكاريزما أو القيادة الكاريزماتية.
- للرئيس علي عبدالله صالح صفة الإنسان العربي الأصيل والعربي الأصيل يحب الخير للناس كما يحبه لنفسه ويكره الشح والبخل ولا يخشى الفقر، يكره الكذب ولا يعد بما لا يفعل، لا يهلع من الخوف ولا يرتعد من القضاء والأجل فكل شيء لديه بيد الله وإرادة الله.
- يتمسك ولا يتراجع عن دوره في الدفاع عن الوحدة والحرية والديمقراطية وسيادة القانون والأمن والنظام.
- يرفض أن يبني مكانته وهيبته في الحكم على أساس إثارة الرعب والترهيب والمطاردات لخصومه، وهو لا يقبل استخدام الضعف والقهر المادي الشرعي والمشروع إلا في مواجهة أعداء الوحدة ودعاة الفتنة والخارجين على القانون.
- عرف بالحزم والصبر وبعد النظر في إدارته لشؤون الدولة، وبالحوار والتسامح والعقل المفتوح مع المؤيدين والمعارضين ومع الأصدقاء والأعداء.
- هو كغيره من الزعماء التاريخيين صاحب رأس هادئة، لا كرب ولا وجوم في كل الظروف وحتى في أعتى الأزمات والمواقف.
نماذج مختارة لبعض الأزمات السياسية:
وفي حديثنا المختصر عن المشاكل والأزمات السياسية التي واجهت عهد الرئيس علي عبدالله صالح في السنوات الماضية على الصعيد الداخلي وفي علاقة اليمن بالدول الأخرى يهمنا أن نلقي بعض الضوء على نهجه وأسلوبه الخاص في هذا المجال وهو بلا شك تعبير صادق عن تكامل وتوازن شخصية هذا الإنسان وقدراته القيادية ونجاحه في إدارة الأزمات، وسوف نكتفي بالنماذج المحددة التالية:-
1- أزمات ومشكلات التحديث والتنمية:
تظهر هذه الأزمات بوجه عام في دول العالم الثالث في مرحلة التحديث والإصلاح أو التنمية بأوجهها وأضلاعها الثلاثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأساس ظهورها في هذه المجتمعات هو ما يحدث من تغيرات في البيئة المجتمعية وما يرتبط بذلك من خلاف بين النخب السياسية، وتباينات بين أنصار القديم والحديث والمعاصر، ومن تناقضات أيضا بين قوى الداخل وقوى الخارج، وأهم هذه المشكلات والأزمات وباختصار شديد هو:
- أزمة الشرعية أو أزمة بناء الدولة ومؤسساتها وكيف يتحقق لها المشروعية والشرعية، وكيف تطاع وتنفذ قوانينها ونظمها بالوجوب أو الرضا أو بهما معا.
- أزمة بناء الأمة وتعرف أيضا بأزمة الهوية، فكيف يمكن صنع المواطن الجديد العقلاني المزود بالعلم والمعرفة العصرية، المواطن المحب لبلاده الواعي بقضاياه والمدافع عنها، المواطن الإيجابي المعطاء.
- أزمة المشاركة السياسية: وتدور حول كيفية تنظيم الصراع السلمي على السلطة والقوة السياسية وكيف يمارس المواطن حريته السياسية وحقه في المشاركة في مختلف شئون بلاده السياسية والإدارية وعلى أساس من المساواة وتكافؤ الفرص للجميع.
- أزمة التوزيع: وترتبط بكيفية توزيع الدخل القومي والثروة القومية على أساس العدالة الاجتماعية، وحق كل أبناء البلاد وكل أجزاء البلاد في الحصول على نصيبهم العادل من الخدمات الاجتماعية والثقافية وسائر المنافع الأخرى.
- أزمة التغلغل والاختراق: وتدور حول كيفية إيجاد الإدارة المتطورة الفاعلة والحكم الفاعل القادر على الامتداد والتغلغل الإداري والسياسي إلى كل أنحاء البلاد.
وتمثل قدرة النظام السياسي على التكيف والبقاء والتطور وعلى احتواء وتجاوز هذه المشكلات برهانا على نجاحه ووصوله إلى مرحلة الاستقرار القائم على الشرعية والعقلانية، وبلادنا كما نرى ونجزم بقيادة الرئيس المؤسس علي عبدالله صالح وحكومته الرشيدة قد قطعت شوطا كبيراً في مسيرتها التنموية الكبرى وصولا إلى حل وتجاوز هذه المشكلات وهذه المعضلات.
2- أزمة الوحدة اليمنية:
الوحدة هي بالنسبة للشعب اليمني قضية مصيرية وغاية من غاياته الكبرى، وقد ناضل وجاهد في سبيلها عقوداً طويلة ضد الاستعمار وسياساته القائمة على مبدأ فرق تسد، وضد ظلم الإمامة المستبدة وقد حقق هذه الغاية في 22 مايو عام 1990م بقيام دولة الوحدة اليمنية دولة الديمقراطية والتقدم والرخاء، وعندما تهددت هذه الوحدة وتمددت قوى الفتنة عام 1994م بذلت قيادة الرئيس علي عبدالله صالح جهودا مضنية مع رموزها بأمل إصلاحهم وإبعادهم عن قوى التآمر الخارجي على اليمن حفاظا على الوحدة وعلى مكاسب الشعب اليمني وموارده وحفاظاً على دماء أبنائه الزكية الغالية قبل كل شيء، وعندما عمد المتآمرون على الانفصال عن دولة الوحدة اليمنية وهددوا ماديا وعسكرياً ركائز ومؤسسات الدولة اليمنية تم حسم الأمر معهم عسكريا تحت شعار الشعب اليمني القائل: الوحدة أو الموت وتحقق النصر على الانفصاليين ومن يقف خلفهم في 7 يوليو عام 1994م.
3- أزمة جزيرة حنيش وتوابعها:
كان العدوان الاريتري المفاجئ على جزر حنيش اليمنية في 15 ديسمبر عام 1995م عملا من أعمال الابتزاز السياسي والانتهازية السياسية الممقوتة والبغيضة، فقد كان ذلك العدوان على اليمن حربا بالوكالة،وقد سعت حكومة أريتريا إلى استثمار ظروف اليمن التالية على حرب الانفصال وآثارها السلبية على مجمل الأوضاع اليمنية – سعت – إلى تطويع الإرادة اليمنية لخدمة مصالحها القومية ومصالح الجهات السياسية التي وقفت خلفها في ذلك العدوان.
وانطلاقاً من حق اليمن الثابت مادياً وتاريخياً في تلك الجزر فقد حددت القيادة اليمنية خيار الحل السياسي أولاً مع ورود الخيار العسكري وعدم استبعاده عند الضرورة، وفي الوقت الذي تختاره بإرادتها الذاتية وبدون أن تدفع إليه من الغير وفي الوقت الذي تحدده وتختاره، وارتبط الموقف اليمني في معالجة تلك الأزمة بالحكمة والصبر وعدم الاندفاع إلى مغامرة غير محسوبة قد تجر البلدين والشعبين المتجاورين إلى دوامة صراع طويل لا تحمد عقباه، ولعبت السياسة اليمنية والدبلوماسية اليمنية دورا فاعلا ومتميزا على كافة المحاور الإقليمية والدولية، وختم المسار السياسي والدبلوماسي اليمني القائم على الحكمة والتروي والعقلاني بعودة تلك الجزر إلى الوطن الأم في نوفمبر عام 1999م.
4- حل مشاكل الحدود بين اليمن وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية:
وقد التزمت اليمن تجاه معالجة وحل هاتين المشكلتين بالنهج الواقعي المرن والمسؤول والملتزم بالحقوق الوطنية في إطار الرغبة في السلام العادل للجميع وفي ظل شعار ومبدأ «لا ضرر ولا ضرار» وقد حلت مشاكل الحدود مع هذه الدول الشقيقة، مع عمان في عام 1992م، ومع السعودية في يونيو عام 2000م، وقد تحولت منافذ الحدود بين اليمن وهذه الدول الشقيقة إلى جسور ومعابر وطيدة للتواصل الفاعل والتعاون الإيجابي المتطور في كل المجالات وعلى كل الأصعدة.
5- اليمن ومشاكل ما يسمى بالإرهاب الدولي:
أثيرت ضجة كبيرة وحرب نفسية في أيام ضرب أمريكا لقواعد تنظيم القاعدة في أفغانستان وفي أعقاب غزو أمريكا لافغانستان عام 2001م مباشرة حول اليمن وأشيع وقتها أن هناك أوكاراً وبؤراً لتنظيم القاعدة في اليمن وقيل حينذاك: ان التشدد الديني والإرهاب في اليمن قد يصبح سيد الموقف وأن هذه البلاد على وشك الدخول في حرب أهلية بين أبنائها، وأن أمريكا في طريقها إلى توجيه ضربة عسكرية إلى مناطق تواجد ووجود هذه القوى في اليمن، وقد عالجت القيادة السياسية اليمنية هذه المشكلة وما يرتبط بها من لبس وملابسات ودعايات وتهديدات بالحكمة والمرونة والحوار والتحركات السياسية الفاعلة على مستوى اليمن ومع الإدارة الأمريكية والدول الحليفة لها والدول السائرة في فلكها، ونجحت بتفوق وامتياز في إبعاد مخاطر ما يسمى بالإرهاب الدولي عن اليمن وفي تجنيب الشعب اليمني أخطار التهديدات العسكرية وما يرتبط بكل هذه الأبعاد من دعايات وتشويهات مغرضة وضارة بأمن واستقرار اليمن وبجهود ومساعي حكومتها الرشيدة الرامية إلى إبراز صورة اليمن الجديد للعالم الخارجي، اليمن المحب للسلام والتعاون والصداقة جميع الدول لسلام الجميع وخير الجميع.