- الأحد أكتوبر 25, 2009 8:07 pm
#22155
مع حلول الظلام تكتسي الحارة القديمة ذات البيوت والطرقات المتأكله رداء من الكابة والوجوم يزيد في صمتها وسكونها القاتلين ، لتتحول في تلك الساعات الى مقبرة كبيرة لأجساد ملت صراع الفقر والجهل والمرض الذي لا ينتهي بين جنباتها منذ طلوع الشمس وحتى غروبها …
أجساد ليس لها من الحياة سوى بضع أنفاس ملوثة تقاوم بها خيالات الموت المفروض عليها من كل جانب .. وسط هذا الجنون الهستيري قبعت حانة صغيرة ضئيلة في احدى الزوايا المظلمة كمحصلة نهائية لمستنقع آسن .. مع انتصاف الليل تبدأ الحانة بفتح أبوابها وتقديم خدماتها المشؤومة لطالبيها .. داخلها لم يكن اكثر من جحر صغير حوى عدة مقاعد انتشر عليها مجموعة من بقايا بشرية يقوم على خدمتها نادلان افتقرا لكل شيئ اقله النظافة ، فيما علت سحب الدخان ألأزرق والرمادي الذي اختلط بروائح أخرى تكفي لقتل قطيع من الفيلة سقف المكان وأرجائه ..
لم يكن هناك ما يثير الاستغراب أو يلفت ألأنظار بين الثنايا والحضور سوى منظر اثنان من رواده بديا غير مألوفين ، ولعلهما شكلا بمظهرهما النظيف الذي يشع بأناقة الهيئة وقالب الوجاهة والاحترام شيئا نافرا وغير منسجم في الصورة العامة للمكان ..
انزويا في ركن قصي بعيد عن الأخرين مجتمعين حول صندوق خشبي كحال بقية الموائد وهما يتجاذبا أطراف الحديث همسا ويتجرعا مشروبا سيئ الطعم بين الحين والأخر والذي تنطق بسوئه ملامحهما كلما تناولا منه رشفة ..
لا أحد ممن يشاركهما المكان او حتى النادلين كان بامكانه سماع ما يتحادثا بشأنه خصوصا وان الجميع كان يشعر بالاستنكار والتوجس والقلق منهما وكأن لسان حال الجميع يقول .. ( ماالذي يفعله هذان الاثنان هنا في مثل هذه الحانة المتواضعة ؟!! ) .. نظرات الجميع والخوف من شخصيتهما الغامضة جعل من أمرهما هاجسا لا يدعو للأطمئنان مما حدا بمالك الحانة لسؤال أحد عماله عما اذا استطاع أن يعرف شيئا عنهما فأجابه تخمينا .. النادل ..
ــ أظنهما من المخابرات أو رجال الامن ..
ــ و ما الذي يدعوك لهذا الظن ؟ !
ــ هيئتهما النظيفة ، والملابس والعطر ..
ــ عطر ؟!!
ــ اجل ، العطر هو نفس العطر الذي يضعه رجال الشرطة كلما أتوا ألى هنا بحثا عمن يطلبون .
ــ يا للذكاء !!
ــ لا تصدقني ؟!! أتريدني أن اذهب واسألهما ؟
ألقى اليه رئيسه بنظرة شزره ثم بعد ان نهره انصرف الى استئناف عملة فيما انحنى احد الجلساء الى المالك وهمس مغمغما ..
ــ أظن فتاك محقا في تخمينه .. فلا أحد يمكن ان يكون بهذه الهيئه النظيفة والأناقة ألا رجال القانون او والعياذ بالله رجال الحكومة .
ــ ولم لا يكونان رجلين عاديين او ممن يطلق عليهم رجال اعمال ؟
أطلق صاحبه ضحكة سخرية ثم اردف وهو يسحب نفسا من الشيشة .. وقال ..
ــ رجال اعمال .. وماذا يفعل رجلي اعمال في حانتك القذرة هذه ؟!! ثم اية اعمال هذه غير الخراب والموت والدمار الذي ينتشر بالارجاء .. اشرب ، اشرب هذا السؤ ودعك من الخيالات
***
بعيدا عن كل التساؤلات التي اثيرت حولهما والهمس حول شخصيتهما من قبل الاخرين ، انشغلا هما في امر بعيد تماما عما يدور في اذهان الحضور .. بعد ان تجرع احدهما من المشروب ..
ممتلئ الجثة محمر البشرة ، حليق الوجه .. عقب وفي محياه اثار المشروب السيئ الطعم .. مشمئزا ..
ــ سحقا يا رجل .. الم تجد غير هذه الحانة لنتقابل فيها ؟!!
ــ وهل كنت تظن عيون واذان صاحبك يمكن ان تتركنا دون ان تحاول التجسس علينا لمعرفة سر اجتماعنا هذا ؟ .. لم اجد أأمن ولا ابعد للشبهات من هذا .. ( يتأملة ) الجحر .
ــ على اي حال اين كنا ؟
ــ كنت أقول بأنه لن يوافق على ما تقترحه .
ــ وما المانع ؟!!
ــ ما المانع ؟!! هل جننت ؟!! أنسيت ما كاله لنا من شتائم وسباب في مأدبة اجتماع رئاسة مجلس الوزراء الاسبوع الماضي ؟
ــ معك حق ، وكيف أنسى ؟ الوغد اطاح بكرامتنا امام الجميع ، دون ان يجروء اي منهم للدفاع عنا .
ــ معذورون .. وهل كنا نحن نجروء على ذلك ؟!!
ــ الوغد لا ادري من اين جاء بكل هذا الصلف والجرأة وهو الذي كان يخاف من ظله ابان تلك الايام الخوالى حين كان صعلوكا يتسول العمالة باسم المعارضة .
ــ العمالة تعلم السفالة والانحطاط يا صديقي وهو احسن من يتقنها .
يتعاقبا تجرع المشروب السيئ .. قال الاول ..
ــ ما رأيك لو قدمنا له ما قدمناه في جلسة المفاوضات للاخيره مع الاوربييين؟
ــ لن ينفع ، فقد كان امامه في عشاء البارحة .
ــ أأعجبه ؟
ــ نوعا ما .. لكنه بالتاكيد لم يكن راضيا تماما .
ــ وما ادراك ؟!! هل ابدى اية ملاحظات ؟
ــ كلا ولكن بعد كل ذلك الوقت التي أمضيته بصحبته أظنني استطيع القول بأني بت افهم كيف يفكر ، وعلى اي حال ربما مرد ذلك لفرحه على موافقة الامريكيين الاخيرة .
ــ الحقير ، باع البلد بابخس ثمن !!
تلفت الثاني حوله بتوجس وريبة خشية ان يكون احدا ما قد سمعهما ثم اردف ..
ــ اخفض صوتك ايها الاحمق ، اتريدهم ان يصلبونا غدا على باب قصره؟!
ــ ما الامر يا رجل ،ألم تقل بأنها أأمن مكان ؟!
ــ اجل ولكن هذا لا يمنع من ان نحتاط .. فقد لا يسلم الامرونفاجئ باحد اتباعه او عناصر عصاباته وما اكثرها ،على اي حال دعنا من كل ذلك ولنعد الى موضوعنا الاساس .. علينا ان نفكر بحل سريع قبل ..
يقاطعه صاحبه بوجل .. متسائلا
ــ يطردنا ؟!!
ــ أتمزح ؟ أبعد الحظوة التي اصبح يتمتع بها لدى اسياده تتوقع طردا .. مساعده المدعو شرياني يرنو لما هو اكثر وعيناه على منصبينا حتى يأتي با تباعه ؟
بنظرات ملؤها القلق عقب الثاني وهو يتحسس عنقه .. قائلا
ــ ماذا تعني ؟!!
لحظة صمت تطرأ عليهما للتفكير في مصير اسود سرعان ما تدفعهما للمسارعة بتجرع كمية من المشروب السيئ فيما استرسل الاول معقبا وهو يوشك على تجرع قدحا اخر ..
ــ اشرب ، اشرب لعل الشيطان يلهمنا حلا لهذه المعضلة .
ــ ما رأيك لو استملنا احد مساعديه ، او صهره فهو يستمع الى كل ما يقوله له و .. .
يقاطعه الاول ..قائلا ..
ــ وهل لديك المال الكافي لرشوة امثالهم .. انيست ان كل واحد من هؤلاء يتنفس الرشوة اكثر من الهواء .
ــ صدقت ، لم ارى او اسمع بحياتي هكذا انتهازيين .. الواحد منهم مستعد لطلب الرشوة من امه ... ما العمل اذن ؟!!
ــ لست ادري .
ــ لست تدري !! ( بعصبية وتوتر ) .. من يدري اذن ؟ اسمع يا منتصر انت من اوقعني في هذه الورطة وعليك اخراجي منها باي ثمن .. أتفهم .. لن ارضى ان يرمى بي الى الشارع ليضيع كل الذي عملت وضحيت بالغالي والنفيس من اجل ان احصل عليه بهذه السهوله .
ــ أهدأ يا صديقي أهدأ .. ولنأمل ان تكون النهاية كما وصفت وليس اطلاقة في زاوية مظلمة تستقر في راسك ثم ترمى جثة هامدة في احد المزابل .. أهدأ و لا تدع الخوف والغضب الاعمى يفقدانك عقلك ودعنا نفكر بروية وحكمة ولابد اننا سنجد حلا مناسبا فواجبنا الوطني يجبرنا بان نفعل ذلك .. ( يطالع ساعته ) .. على اي حال الوقت ، قد سرقنا وما عاد بالامكان مواصلة الحديث اكثر .. هيا بنا .
ــ الى اين ؟!!
ــ الى القصر قبل ان يشعروا بأختفائنا ؟
ــ وماذا عن الحل ؟!!
ــ في الطريق سأخبرك .. هيا
ويصل اليهما النادل ليحصل الاجرة فيبادره الثاني بسؤال ..
ــ بالمناسبة يا هذا .. ما نوع المشروب الذي تقدمونه .. انه سيئ للغاية
ــ انه ليس مشروبا يا سيدي .. انه شاي ..
ــ شاي ؟!!
***
خرجا يلفهما الظلام .. ليرتقيا مركبتهما الفاخرة منطلقين حتى توارت عن الانظار ..
مع ساعات الصباح الاولى كانت المركبة تتوقف قبالة بوابة القصر الرئاسي استعدادا للدخول والذي كعادته يعج بحركة العاملين فيه من موظفين وعاملين وخدم .. في كل ارجائه ومن ضمنها المطبخ الذي يدخل اليه الاثنان وقد استبدلا الملابس الفاخرة بملابس الطباخين وانظما الى الفريق المتواجد في المطبخ الواسع الارجاء والانيق ، كل في عمله .. سئل الثاني صاحبه وهما منهمكين باعداد طبق ما ..
ــ أأنت متأكد بأنه سيعجبه ؟
ــ ومن اين لي ان اكون متأكدا ؟!! ادعوا الله ان يكون كذلك .. ناولني الملح ..
***
بعد عدة دقائق كان الاثنان يقدمان طبقا من حساء اصفر لدولة الرئيس في قاعة الطعام الفاخرة .. ارتشف من الحساء رشفة ثم تلذذ بها بصمت وبعدها التفت الى الاثنين المتسمرين قبالته وابتسم قائلا ..
ــ رائع ، هكذا العدس والا فلا .
مع حلول الظلام تكتسي الحارة القديمة ذات البيوت والطرقات المتأكله رداء من الكابة والوجوم يزيد في صمتها وسكونها القاتلين ، لتتحول في تلك الساعات الى مقبرة كبيرة لأجساد ملت صراع الفقر والجهل والمرض الذي لا ينتهي بين جنباتها منذ طلوع الشمس وحتى غروبها …
أجساد ليس لها من الحياة سوى بضع أنفاس ملوثة تقاوم بها خيالات الموت المفروض عليها من كل جانب .. وسط هذا الجنون الهستيري قبعت حانة صغيرة ضئيلة في احدى الزوايا المظلمة كمحصلة نهائية لمستنقع آسن .. مع انتصاف الليل تبدأ الحانة بفتح أبوابها وتقديم خدماتها المشؤومة لطالبيها .. داخلها لم يكن اكثر من جحر صغير حوى عدة مقاعد انتشر عليها مجموعة من بقايا بشرية يقوم على خدمتها نادلان افتقرا لكل شيئ اقله النظافة ، فيما علت سحب الدخان ألأزرق والرمادي الذي اختلط بروائح أخرى تكفي لقتل قطيع من الفيلة سقف المكان وأرجائه ..
لم يكن هناك ما يثير الاستغراب أو يلفت ألأنظار بين الثنايا والحضور سوى منظر اثنان من رواده بديا غير مألوفين ، ولعلهما شكلا بمظهرهما النظيف الذي يشع بأناقة الهيئة وقالب الوجاهة والاحترام شيئا نافرا وغير منسجم في الصورة العامة للمكان ..
انزويا في ركن قصي بعيد عن الأخرين مجتمعين حول صندوق خشبي كحال بقية الموائد وهما يتجاذبا أطراف الحديث همسا ويتجرعا مشروبا سيئ الطعم بين الحين والأخر والذي تنطق بسوئه ملامحهما كلما تناولا منه رشفة ..
لا أحد ممن يشاركهما المكان او حتى النادلين كان بامكانه سماع ما يتحادثا بشأنه خصوصا وان الجميع كان يشعر بالاستنكار والتوجس والقلق منهما وكأن لسان حال الجميع يقول .. ( ماالذي يفعله هذان الاثنان هنا في مثل هذه الحانة المتواضعة ؟!! ) .. نظرات الجميع والخوف من شخصيتهما الغامضة جعل من أمرهما هاجسا لا يدعو للأطمئنان مما حدا بمالك الحانة لسؤال أحد عماله عما اذا استطاع أن يعرف شيئا عنهما فأجابه تخمينا .. النادل ..
ــ أظنهما من المخابرات أو رجال الامن ..
ــ و ما الذي يدعوك لهذا الظن ؟ !
ــ هيئتهما النظيفة ، والملابس والعطر ..
ــ عطر ؟!!
ــ اجل ، العطر هو نفس العطر الذي يضعه رجال الشرطة كلما أتوا ألى هنا بحثا عمن يطلبون .
ــ يا للذكاء !!
ــ لا تصدقني ؟!! أتريدني أن اذهب واسألهما ؟
ألقى اليه رئيسه بنظرة شزره ثم بعد ان نهره انصرف الى استئناف عملة فيما انحنى احد الجلساء الى المالك وهمس مغمغما ..
ــ أظن فتاك محقا في تخمينه .. فلا أحد يمكن ان يكون بهذه الهيئه النظيفة والأناقة ألا رجال القانون او والعياذ بالله رجال الحكومة .
ــ ولم لا يكونان رجلين عاديين او ممن يطلق عليهم رجال اعمال ؟
أطلق صاحبه ضحكة سخرية ثم اردف وهو يسحب نفسا من الشيشة .. وقال ..
ــ رجال اعمال .. وماذا يفعل رجلي اعمال في حانتك القذرة هذه ؟!! ثم اية اعمال هذه غير الخراب والموت والدمار الذي ينتشر بالارجاء .. اشرب ، اشرب هذا السؤ ودعك من الخيالات
***
بعيدا عن كل التساؤلات التي اثيرت حولهما والهمس حول شخصيتهما من قبل الاخرين ، انشغلا هما في امر بعيد تماما عما يدور في اذهان الحضور .. بعد ان تجرع احدهما من المشروب ..
ممتلئ الجثة محمر البشرة ، حليق الوجه .. عقب وفي محياه اثار المشروب السيئ الطعم .. مشمئزا ..
ــ سحقا يا رجل .. الم تجد غير هذه الحانة لنتقابل فيها ؟!!
ــ وهل كنت تظن عيون واذان صاحبك يمكن ان تتركنا دون ان تحاول التجسس علينا لمعرفة سر اجتماعنا هذا ؟ .. لم اجد أأمن ولا ابعد للشبهات من هذا .. ( يتأملة ) الجحر .
ــ على اي حال اين كنا ؟
ــ كنت أقول بأنه لن يوافق على ما تقترحه .
ــ وما المانع ؟!!
ــ ما المانع ؟!! هل جننت ؟!! أنسيت ما كاله لنا من شتائم وسباب في مأدبة اجتماع رئاسة مجلس الوزراء الاسبوع الماضي ؟
ــ معك حق ، وكيف أنسى ؟ الوغد اطاح بكرامتنا امام الجميع ، دون ان يجروء اي منهم للدفاع عنا .
ــ معذورون .. وهل كنا نحن نجروء على ذلك ؟!!
ــ الوغد لا ادري من اين جاء بكل هذا الصلف والجرأة وهو الذي كان يخاف من ظله ابان تلك الايام الخوالى حين كان صعلوكا يتسول العمالة باسم المعارضة .
ــ العمالة تعلم السفالة والانحطاط يا صديقي وهو احسن من يتقنها .
يتعاقبا تجرع المشروب السيئ .. قال الاول ..
ــ ما رأيك لو قدمنا له ما قدمناه في جلسة المفاوضات للاخيره مع الاوربييين؟
ــ لن ينفع ، فقد كان امامه في عشاء البارحة .
ــ أأعجبه ؟
ــ نوعا ما .. لكنه بالتاكيد لم يكن راضيا تماما .
ــ وما ادراك ؟!! هل ابدى اية ملاحظات ؟
ــ كلا ولكن بعد كل ذلك الوقت التي أمضيته بصحبته أظنني استطيع القول بأني بت افهم كيف يفكر ، وعلى اي حال ربما مرد ذلك لفرحه على موافقة الامريكيين الاخيرة .
ــ الحقير ، باع البلد بابخس ثمن !!
تلفت الثاني حوله بتوجس وريبة خشية ان يكون احدا ما قد سمعهما ثم اردف ..
ــ اخفض صوتك ايها الاحمق ، اتريدهم ان يصلبونا غدا على باب قصره؟!
ــ ما الامر يا رجل ،ألم تقل بأنها أأمن مكان ؟!
ــ اجل ولكن هذا لا يمنع من ان نحتاط .. فقد لا يسلم الامرونفاجئ باحد اتباعه او عناصر عصاباته وما اكثرها ،على اي حال دعنا من كل ذلك ولنعد الى موضوعنا الاساس .. علينا ان نفكر بحل سريع قبل ..
يقاطعه صاحبه بوجل .. متسائلا
ــ يطردنا ؟!!
ــ أتمزح ؟ أبعد الحظوة التي اصبح يتمتع بها لدى اسياده تتوقع طردا .. مساعده المدعو شرياني يرنو لما هو اكثر وعيناه على منصبينا حتى يأتي با تباعه ؟
بنظرات ملؤها القلق عقب الثاني وهو يتحسس عنقه .. قائلا
ــ ماذا تعني ؟!!
لحظة صمت تطرأ عليهما للتفكير في مصير اسود سرعان ما تدفعهما للمسارعة بتجرع كمية من المشروب السيئ فيما استرسل الاول معقبا وهو يوشك على تجرع قدحا اخر ..
ــ اشرب ، اشرب لعل الشيطان يلهمنا حلا لهذه المعضلة .
ــ ما رأيك لو استملنا احد مساعديه ، او صهره فهو يستمع الى كل ما يقوله له و .. .
يقاطعه الاول ..قائلا ..
ــ وهل لديك المال الكافي لرشوة امثالهم .. انيست ان كل واحد من هؤلاء يتنفس الرشوة اكثر من الهواء .
ــ صدقت ، لم ارى او اسمع بحياتي هكذا انتهازيين .. الواحد منهم مستعد لطلب الرشوة من امه ... ما العمل اذن ؟!!
ــ لست ادري .
ــ لست تدري !! ( بعصبية وتوتر ) .. من يدري اذن ؟ اسمع يا منتصر انت من اوقعني في هذه الورطة وعليك اخراجي منها باي ثمن .. أتفهم .. لن ارضى ان يرمى بي الى الشارع ليضيع كل الذي عملت وضحيت بالغالي والنفيس من اجل ان احصل عليه بهذه السهوله .
ــ أهدأ يا صديقي أهدأ .. ولنأمل ان تكون النهاية كما وصفت وليس اطلاقة في زاوية مظلمة تستقر في راسك ثم ترمى جثة هامدة في احد المزابل .. أهدأ و لا تدع الخوف والغضب الاعمى يفقدانك عقلك ودعنا نفكر بروية وحكمة ولابد اننا سنجد حلا مناسبا فواجبنا الوطني يجبرنا بان نفعل ذلك .. ( يطالع ساعته ) .. على اي حال الوقت ، قد سرقنا وما عاد بالامكان مواصلة الحديث اكثر .. هيا بنا .
ــ الى اين ؟!!
ــ الى القصر قبل ان يشعروا بأختفائنا ؟
ــ وماذا عن الحل ؟!!
ــ في الطريق سأخبرك .. هيا
ويصل اليهما النادل ليحصل الاجرة فيبادره الثاني بسؤال ..
ــ بالمناسبة يا هذا .. ما نوع المشروب الذي تقدمونه .. انه سيئ للغاية
ــ انه ليس مشروبا يا سيدي .. انه شاي ..
ــ شاي ؟!!
***
خرجا يلفهما الظلام .. ليرتقيا مركبتهما الفاخرة منطلقين حتى توارت عن الانظار ..
مع ساعات الصباح الاولى كانت المركبة تتوقف قبالة بوابة القصر الرئاسي استعدادا للدخول والذي كعادته يعج بحركة العاملين فيه من موظفين وعاملين وخدم .. في كل ارجائه ومن ضمنها المطبخ الذي يدخل اليه الاثنان وقد استبدلا الملابس الفاخرة بملابس الطباخين وانظما الى الفريق المتواجد في المطبخ الواسع الارجاء والانيق ، كل في عمله .. سئل الثاني صاحبه وهما منهمكين باعداد طبق ما ..
ــ أأنت متأكد بأنه سيعجبه ؟
ــ ومن اين لي ان اكون متأكدا ؟!! ادعوا الله ان يكون كذلك .. ناولني الملح ..
***
بعد عدة دقائق كان الاثنان يقدمان طبقا من حساء اصفر لدولة الرئيس في قاعة الطعام الفاخرة .. ارتشف من الحساء رشفة ثم تلذذ بها بصمت وبعدها التفت الى الاثنين المتسمرين قبالته وابتسم قائلا ..
ــ رائع ، هكذا العدس والا فلا .