صفحة 1 من 1

فن السياسة بين الماوردي و المكيافيلي - الواجب الأول

مرسل: السبت نوفمبر 07, 2009 7:38 pm
بواسطة أنس العقلاء
المبحث الرابع
في فن السياسة بين الماوردي و المكيافيلي


سوف نستعرض قواعد فن الحكم لدى مكيافيلي تميداه لوضع فكر الماوردي لمواجهتها:
أولا : إطلالة على قواعد فن الحكم في فكر مكيافيلي:
إن على الأمير الراغب في دوام سلطانه -حسب مكيافيلي- أن لا يعبأ كثيرا بالفضائل ، ذلك بأن الغرض من السياسة هو الحفاظ على القوة السياسية و تدعيمها ، و ذلكم إذا معيار نجاح السياسي من عدمه ، بغض النظر عن ممارساته السياسية ، و سواء كانت قاسية أو غادرة ، أو غير مشروعة.
إن على الأمير -في علاقته برعاياه- أن ال يكون طيبا على الدوام و إنما ينبغي عليه أن يجيد كيف يكون طيبا و كيف لا يكون كذلك وفق ما تقتضيه الضرورة ، و ما تتطلبه مصلحته .
إنه جميل -يقول مكيافيلي- أن يكون الأمير حر النزعة ، غير أن ذلك إن أدى به إلى كسب تأييد قلة من الناس فإن فيه إتاحة لخلق روح المقاومة لدى الكثرة . كذلك الحال بالنسبة للكرم ، فإن الأمير لا يتعين أن يكون كريما على نحو يؤدي إلى فقره ، لإنه إن افتقر انصرف رعاياه عنه ، كما أن عليه أن يكون قاسيا إزاء رعاياه ذلك بأن من شأن الرحمة أن تؤدي إلى الفوضى . أما القسوة فتقيم النظام و تحقق الوحدة و تقضي على الفتنة .
و فوق ما تقدم على الأمير أن يكون مهاب الجانب يخشى بأسه بدلا من أن يكون لينا محبوبا ، ذلك أن استناده محبة الرعية يعني اعتماد سلطانه على إرادة غيره.
و يؤكد صاحب الأمير أن التزام الأمير تجاه رعاياه بالقواعد المتقدمة هو وحده كفيل بإبقاء حكمه و تدعيم سلطانه في عالم الأصل في قاطنيه من البشر أنهم شريرون .

و على صعيد العلاقات الخارجية ينصح مكيافيلي الأمير أن ينهج نهج القدماء فيجمع في تصرفاته بين أساليب الإنسان و أساليب الحيوان ، فإن هو التجأ لأساليب الحيوان تعين عليه أن يكون ثعلبا و أسدا في ذات الوقت ، ذلك بأنه لم يكن إلا أسدا لما استطاع أن يتبين ما ينصب له من فخاخ ، كما أنه إن لم يكن ثعلبا لعجز عن معالجة الذئاب . و عليه أن يكون قويا باطشا كالأسد كما أن عليه أن يكون ثعلبا بحيث تكون الخديعة و الرياء.
جملة القول: أن من شأن الحاكم في علاقاته الخارجية أن يكون مخادعا مداهنا مرائيا ماكرا محتالا كالثعلب ، قويا عنيفا قاسيا باطشا كالأسد.

ثانيا: فن السياسة في فكر الماوردي :
استأثر فن السياسة جانبا كبيرا من اهتماماته ، فهاهو يقدم للحاكم مجموعة من قواعد السلوك السياسي نصحه أن يلتزمها إن هو أراد أن تستقيم أمور سلطانه ، و تدعم أركان حكمه ، و يصلح حال المجتمع و الرعية.
إنها القواعد التي صاغها الماوردي معتمدا على خبراته المستمدة من تجربته السياسية الذاتية و معايشته لواقع عصره السياسي من ناحية و قراءاته المتنوعه لتاريخ أنظمة الحكم لدى الحضارات الأخرى ، و الحق أن قواعد الحكم التي قدمها جاءت كلها مستندة إلى القيم الإسلامية السامية المستمدة من القرآن الكريم و السنة النبوية ، الأمر الذي جعل منها نموذجا لما يسمى بفن السياسة الأخلاقي ، في مواجهة المكيافيلية المعروف بها عالم السياسة و اللاأخلاقية التي تتسم بها أفكار أشهر رواد فن السياسة.

قواعد فن السياسة لدى الماوردي:

ينصح الشيخ البصري الحاكم و السياسي ضرورة الأخذ بناصية الأخلاق و التمسك بالفضائل ، كما أن على السياسي أن يجعل الاستقامة ديدنه قبل أن يطالب رعاياه بلزومها ، و هو مطالب بتبني مكارم الأخلاق إن هو أراد لمحكوميته الفضيلة ، ذلك بأنه هو مرآتهم ، كما أن الناس على دين ملوكهم .
ثم يمضي الماوردي في نصحه للحاكم فيحذره من الغرور مؤدا على أن أقدار الملوك تقاس بما ينجزونه من أعمال و ليس بالكبر و التعالي على رعاياهم من بني البشر.
و في ذات الإطار فإن على الحاكم أن يحذر قبول المدح من المنافقين ، كما أن عليه أن يميز بين الناصح الأمين و المنافق الوصولي ، ذلك أن الذي يركن إلى منافقيه يخسر دونما شك المخلصين من ناصحيه .

أما القاعدة التالية من قواعد فن الحكم التي قدمها الماوردي للسياسي فهي ضبط اللسان ، و لزوم الصمت ما أمكن و اجتناب الكلام دونما ضرورة ، فإن هو كان لا محالة متكلما فعليه أن يمعن التفكير قبل أن يطلق للسانه العنان . لعل هذه النصيحة الماوردية تذكرنا بما نقول اليوم في علم السياسة بصدد الخصائص التي يتعين توافرها في الدبلوماسي و التي من بينها اللباقة و القدرة على اختيار اللفظات و العبارات .

و يرتبط بالقاعدة السابقة قاعدة أخرى و هي كتمان السر و القدرة على ضبط أمارات الوجه ، أما ما يتعلق بضبط أمارات الوجه فعلى الملك أن يروض نفسه حتى لا يظهر على وجهه أمارة سخط و لا رضا ، و لا يعرف منه آثار حزن أو سرور فيظهر ما في نفسه و هو كامن فيظن أنه كتم سره و قد ذاع و طوى مافي نفسه و قد شاع .
كما نصح الحاكم أن يجمع في سياسته بين الترغيب و الترهيب ، و تحقيق وعده أو وعيده دونما نقص أو تجاوز .
و يحذر فقيهنا السياسي من الغضب و ينصحه بتجنبه لأن من شأنه أن يبتعد بالمرء عن جادة الصواب و يوقعه في فخ الشطط.
إن على الحاكم فوق ما تقدم أن يعرف كيف يكون رحيما رقيقا ، كما أن يكون غليظا قاسيا . بالتالي يتعين أن يكون بمقدوره التمييز بين الموافق التي تتطلب الرحمه و تلك التي لا مفر فيها من القسوة.
و إن كانت الرحمة مطلوبة فإن ذلك شريطة أن لا تكون بالقدر المهيئ لشيوع الفساد و غيبة العدل و تحريك أطماع الطامعين الذين لا زاجر لهم إلا الخوف . أما القسوة و الغلظة يقول الماوردي فيهما :"إن غلبت أفضت إلى مجاوزة الحدود في الحياة و عقوبة الأخيار المبراة ، و المؤاخذة بالتهم و الظنون"
إذن فالقسوة مرفوضة عند الماوردي إذا كان من شأنها اختلال ميزان العدالة و شيوع الظلم و تجاوز الحدود الشرعية.
أما القاعدة الذهبية التي لا يمل الماوردي من تكرارها فتتمثل في الشورى . أما استشارة العلماء من ذوي الألباب و الخبراد الذين حنكتهم التجارب فمن شأنها استجلاء حقائق الأمور و سبر أغوار المشكلات <
و على صعيد آخر يرى الماوردي أن الوفاء بالعهود يمثل إحدى القواعد الرئيسية التي يتعين أن يرتكز إليها الحاكم ، سواء في سياسته لرعيته ، أو في معاملاته الخارجية. إذ يرى أنه لا شئ أضر بالملك من الغدر و لا أنفع له من الوفاء .
فضلا على ما تقدم فإن على الحاكم أن يجد في الاستخبار عن حال رعيته و مسلك موظفيه و مرؤسيه ، و يخصص لهذا الغرض عمالا أكفاء ، أمناء و مخلصين .
و أخيرا و ليس آخرا فإن على الحاكم إن هو أراد لدولته البقاء و المنعة أن لا يقصر في أمر التعرف على أخبار البلاد المجاورة لدولته ، ذلك أن الأوضاع السائدة في تلك البلاد تؤثر دونما شك في دولته

تعقيب:
ينصح في كل ما تقدم أنه في الإسلام لا مجال للفصل بين السياسة و الأخلاق في سائر أمور الدنيا بما في ذلك و على رأسه السياسة و سلوك الحكام .