دارفور والحقيقه المغيبه
مرسل: الجمعة مايو 21, 2010 5:08 am
دارفور والحقيقه المغيبه بينما كثير من المهتمين مشغولون بمتابعة أخبار العراق وممارسات الاحتلال الأمريكي والمقاومة له، وكذلك أخبار ممارسات الاحتلال الصهيوني في فلسطين، وبينما الجميع يستغرب للشد والجذب السياسي فقط بين الصلف الأمريكي مع إيران وكوريا الشمالية دون لجوء للخيار العسكري؛ غير أننا فجأة نجد أن الأضواء الأمريكية والبريطانية سُلطت على (دارفور) غرب السودان، وكأن المشاعر المرهفة والأخلاق الإنسانية استيقظت فجأة لتبصر مشكلة دارفور مع تضخيم الصراع الجاري بين القبائل العربية والقبائل الأفريقية.
وتجمعت سحب داكنة في الأجواء منذرة باحتلال دارفور ذلك الإقليم في غرب السودان الغني بالبترول والغني باليورانيوم الذي تؤكد الدراسات والاكتشافات وجوده في عطبرون بدارفور وكأن الآلة الإعلامية المدعمة بالطغيان الأمريكي تريد أن تسحب التركيز العالمي والعربي من مصائب الاحتلال في العراق إلى دارفور حيث تعلو نبرة إنسانية تمثيلية أمريكية.
والسودان تلك الدولة العربية المسلمة ابتليت بمصائب شتى كان أهمها حركة التمرد الصليبي المدعومة من العدو الصهيوني في جنوب السودان والتي ظلت حكومة السودان تقاومها سنوات طويلة مما عطل وأجهض كثيراً من مشاريع التنمية، واستنزف كثيراً من موارد الدخل، واستنزف أيضاً قوتها العسكرية.
وجاءت مشكلة دارفور بسبب الفقر والجفاف والصراع القبلي، فخلَّفت أوضاعاً إنسانية متردية لتزيد من كَمِّ مصائب السودان التي أجبرت على التفاوض بطريقة مهينة مع حركة التمرد في الجنوب، وقبلت شروطاً وإملاءات تؤدي إلى تقسيم السودان والقبول بالأمر الواقع بكل ما فيه من حضور صهيوني أمريكي في جنوب السودان.
وكان بعض السودانيين يأملون أن تكون اتفاقيات الجنوب نهاية للضغوط التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية حتي اكتفي بعضهم بأقاليم الشمال لتطبق فبها الشريعة الإسلامية، ولينفصل الجنوب تماماً.
ولكن هيهات؛ لأن الطغيان بكل أساليبه القديمة وأشكاله الكئيبة وعداوة الإسلام عادت تطل على السودان في القرن الواحد والعشرين. ومما هو جدير بالذكر أن الخلاف بين العرب والأفارقة زرعت بذوره أيام الاحتلال الإنجليزي للسودان في القرن 19، وكذلك الصراع والخلاف بين الشمال والجنوب بسياسة فرق تسد.
وتتركز الاتهامات حول قيام (الجنجاويد) وهم أصحاب الأصول العربية بما يُزعم من إبادة لأصحاب الأصول الأفريقية، وهو اتهام نفته منظمة العفو الدولية. ورغم أن هناك حركتين للأفارقة في دارفور هما (العدل والمساواة) و (حركة تحرير السودان) تشاركان في كل أحوال الصراع العرقي إلا أنه لم يُشَر إليهما بالاتهام.
بل تطالب الولايات المتحدة الأمريكية بنزع سلاح الجنجاويد فقط وترك السلاح في أيدي الحركتين الأخريين (وهي مفارقة تذكرنا فيما حدث بالبوسنة في عهد بطرس غالي عندما منع السلاح عن المسلمين فقط، وترك السلاح في أيدي الصرب والكروات).
ونظراً للدعم الأمريكي للحركتين المتمردتين المشار إليهما؛ فقد فرض هذا الشرط عند الجلوس على مائدة المفاوضات وهو نزع (سلاح الجنجاويد) فقط، وهو شرط لا يقبله عاقل بالمرة؛ فأبسط مبادئ العدل نزع السلاح عن جميع أطراف الصراع؛ وذلك غير شروط أخرى أقل ما توصف به أنها شروط طرف يشعر بالانتصار والحماية الدولية.
ولا يخفي أن ظهور (مشكلة دارفور) بهذا الشكل المخطط واضح للقبض على السودان متلبساً بأي اتهام كي يسهل إنزال العقوبات وفرض الشروط والتهيئة للاحتلال كما حدث مع العراق.
فالمعلوم أن ظهور الشكل المأساوي لمشكلة دارفور كان نتيجة لضعف الحكومة السودانية اقتصادياً وعسكرياً لاستنزافها في مشكلة الجنوب الخطيرة التي وجهت لها كل الطاقات؛ فضلاً عن الجفاف الذي عصف بغرب السودان.
والسودان كان وحده في مشكلة الجنوب، وتُرك يواجه مصيره دون دعم عربي سياسي أو اقتصادي أو عسكري حتى وصل الأمر به إلى مفاوضات تحت رعاية (منظمة الإيجاد) والأمريكيين والأوربيين؛ فأين ذهبت الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي؟ لا وجود لهما؛ حتى دول الجوار ـ مصر وليبيا ـ لم تكونا حاضرتين في مفاوضات الجنوب في نيفاشا؛ لذا كانت السودان وحيدة في مفاوضات مع اعداء من مختلف الأشكال والألوان متَّحدي الهدف. وتظهر خيوط المؤامرة حول السودان في صدور قرار من مجلس الأمن بمهلة شهر لإنهاء الوضع في دارفور، والتهيئة لفرض عقوبات؛ مما يمهد للإسراع في إعداد قرار بفرض عقوبات على السودان، وقرار بالتدخل العسكري في دارفور عن طريق الأمم المتحدة رغم أن الأمين العام للأمم المتحدة وقَّع اتفاقاً في نهاية يونيو 2004م مع حكومة السودان يقضي بمنح الحكومة مهلة ثلاثة أشهر للقيام بإجراءات عسكرية وسياسية وتنموية لاحتواء التمرد، ولإنهاء المأساة الإنسانية في دارفور، بل الدعوة إلى نزع أسلحة جميع الميليشيات المسلحة المتقاتلة في المنطقة. فأين نشاط وإنسانية الولايات المتحدة وبريطانيا نحو ما يحدث للفلسطينيين من تدمير للمنازل وسفك للدماء وتدمير للزراعات على أيدي الصهاينة المحتلين؟ أليس ما يحدث للفلسطينيين تطهيراً عرقياً وإبادة للفلسطينيين؟ فأين الإنسانية المزعومة؟
ورغم أن المدة لم ينقضِ منها إلا شهر، إلا أن الأمور تطورت، وانقلب كوفي عنان على اتفاقه مع حكومة السودان ليسير وراء أهداف الولايات المتحدة الأمريكية سعياً وراء رضاها كي تجدد له ولاية أخرى في الأمم المتحدة.
ولا يفوتنا ان نشير إلى موقف رمزي من الجامعة العربية تمثل في إرسال بعثة إلى دارفور أعدت تقريراً شمل توصيات منها ضرورة المشاركة العربية في المفاوضات، وتحسين الأوضاع الإنسانية، وتنظيم مؤتمر عربي لدعم التنمية في دارفور، وإرسال معونات ومساعدات عاجلة، ومساعدة حكومة السودان في نزع سلاح الميليشيات المتعاركة. ولكن لم تجد هذه التوصيات آلية للتنفيذ، وتركت السودان وحيداً؛ وهكذا الجامعة العربية التي لا تتعدى قيمتها أن تكون مبنى ومؤتمراً وأميناً وتوصيات لا تنفذ.
الموقف الآخر وهو لمصر التي رفضت توقيع عقوبات على السودان، وطلبت منح مزيد من الوقت لحكومة السودان لاحتواء الموقف في دارفور.
ولكن المحصلة أن هذين الموقفين رمزيان فضلاً عن الموقف العربي والإسلامي السلبي تماماً رغم أن الجميع موقن أن خيوط الاحتلال للسودان بدأت تتجمع بوضوح؛ فلماذا هذا الصمت والسلبية؟ إن الصمت خيانة للسودان العربي المسلم.
الإجابة تتركز حول ثلاث ركائز أساسية لمخطط احتلال السودان.
` لماذا يُستهدف السودان؟
لا شك أن لذلك أسباباً عدة منها:
أولاً: الدور الإسلامي للسودان في شتى المحافل الدولية، ومحاولة تطبيقه للشريعة الإسلامية ولو بشكل مبسط وفي حدود ضيقة؛ وبخاصة لدوره الواضح في تأييد المقاومة في فلسطين والعراق، ورفضه للإملاءات الأمريكية لتغيير الثوابت الإسلامية، ولاتهامه باستضافة جماعات إسلامية غير مرضي عنها؛ فكان ذلك سبباً في استهدافه بضربة جوية صاروخية في عهد كلينتون؛ ورغم انتهاء ذلك الأمر تماماً إلا انه لم يُمحَ من ذاكرة الولايات المتحدة، بل كثير من العرب الذين يخشون الوقوف مع السودان مخافة الاتهام من الولايات المتحدة الأمريكية. ولا يفوتنا في هذا الصدد أن نشير إلى أن صوت الجهاد كان على مقاومة حركة التمرد الصليبي في الجنوب، وتجمع الشباب السوداني متطوعاً تحت راية الجهاد لمقاومة الصليبيين المدعومين من قوى الشر العالمية.
ثانياً: السودان فيه ثروة من المعادن ـ وأهمها البترول ـ لم تستغل حتى الآن، وهناك صراع دائر بين الشركات الغربية حول استغلال تلك الثروة. ولا يفوتنا المشهد السينمائي الأمريكي نحو الاندفاع حول وزارة البترول في العراق واحتلال آبار البترول العراقية.
يزيد في ذلك تأكد وجود اليورانيوم كما سبقت الإشارة إليه مما يعطي أهمية خطيرة لهذا الإقليم.
ومن أسباب الحضور الفرنسي في تشاد بالقرب من دارفور الاستعداد للتدخل عندما تسنح الفرصة؛ وذلك لأسباب اقتصادية. ولا يفوتنا أن نشير إلى إمكانيات السودان الزراعية الكبيرة فضلاً عن المياه العذبة. وقد قيل إن السودان سلة غذاء العالم العربي أو أفريقيا.
ثالثاً: السودان أكبر دولة أفريقية من حيث المساحة أفريقياً وعربياً، بل تزيد مساحتها عن نصف مساحة أوروبا، ولكنها ضعيفة لثلاثة أسباب:
1 - استنزاف مواردها في حرب الجنوب. ثم مشكلة دارفور وما أحدثته من جفاف وصراع.
2 - الصراعات الحزبية العصبية المقيتة بين مختلف الاحزاب للسعي للحكم في ظل حرب الجنوب التي لم تتوقف.
3 - قلة الدعم العربي والعالمي مما ترتب عليه ضعف استغلال الثروات وتفاقم المشكلات الاقتصادية؛ فلو تم دعم السودان من الدول العربية لاكتفى العالم العربي من كافة المحاصيل الزراعية ولم يستورد من الغرب شيئاً ذا بال.
كل تلك الأسباب مجتمعة اضعفت السودان مما جعلها هدفاً سهلاً للتفتيت بانفصال الجنوب عن الشمال، وللاحتلال، وظهور المشكلة الحالية في دارفور وتفاقم الوضع الإنساني.
وبنظرة هادئة نجد أن التربص الأمريكي دائماً يستهدف الدول الضعيفة بسبب ضعف الموارد كأفغانستان، والاستنزاف في الحروب كالعراق، وتأتي السودان فرصة مع قرب الانتخابات الأمريكية باعتبارها هدفاً استراتيجياً ضعيفاً وسهلاً وله شكل مبررات.
وأخيراً: هل يكون موقع السودان الاستراتيجي على البحر الأحمر وجنوب مصر وفي حوض النيل وقلب أفريقيا فاتحاً لشهية سُعار الذئب الأمريكي ليفترس عظام السودان الطيب المكافح في ظل حالة من السلبية أو الخوف عربياً وإسلامياً، وحتى متى نرى أعداءنا يخططون لاحتلال بلداننا واحدة تلو أخرى ونحن صامتون، بل ما زلنا حائرين نفكر ماذا نفعل؟ فهل صدقاً أن التتار الغربيين قادمون نحونا والحكومات تنتظر أقدارها؟ ولكن يبقى الأمل في الله، ثم في أن تبصر الشعوب المسلمة حقيقة عدوها
وتجمعت سحب داكنة في الأجواء منذرة باحتلال دارفور ذلك الإقليم في غرب السودان الغني بالبترول والغني باليورانيوم الذي تؤكد الدراسات والاكتشافات وجوده في عطبرون بدارفور وكأن الآلة الإعلامية المدعمة بالطغيان الأمريكي تريد أن تسحب التركيز العالمي والعربي من مصائب الاحتلال في العراق إلى دارفور حيث تعلو نبرة إنسانية تمثيلية أمريكية.
والسودان تلك الدولة العربية المسلمة ابتليت بمصائب شتى كان أهمها حركة التمرد الصليبي المدعومة من العدو الصهيوني في جنوب السودان والتي ظلت حكومة السودان تقاومها سنوات طويلة مما عطل وأجهض كثيراً من مشاريع التنمية، واستنزف كثيراً من موارد الدخل، واستنزف أيضاً قوتها العسكرية.
وجاءت مشكلة دارفور بسبب الفقر والجفاف والصراع القبلي، فخلَّفت أوضاعاً إنسانية متردية لتزيد من كَمِّ مصائب السودان التي أجبرت على التفاوض بطريقة مهينة مع حركة التمرد في الجنوب، وقبلت شروطاً وإملاءات تؤدي إلى تقسيم السودان والقبول بالأمر الواقع بكل ما فيه من حضور صهيوني أمريكي في جنوب السودان.
وكان بعض السودانيين يأملون أن تكون اتفاقيات الجنوب نهاية للضغوط التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية حتي اكتفي بعضهم بأقاليم الشمال لتطبق فبها الشريعة الإسلامية، ولينفصل الجنوب تماماً.
ولكن هيهات؛ لأن الطغيان بكل أساليبه القديمة وأشكاله الكئيبة وعداوة الإسلام عادت تطل على السودان في القرن الواحد والعشرين. ومما هو جدير بالذكر أن الخلاف بين العرب والأفارقة زرعت بذوره أيام الاحتلال الإنجليزي للسودان في القرن 19، وكذلك الصراع والخلاف بين الشمال والجنوب بسياسة فرق تسد.
وتتركز الاتهامات حول قيام (الجنجاويد) وهم أصحاب الأصول العربية بما يُزعم من إبادة لأصحاب الأصول الأفريقية، وهو اتهام نفته منظمة العفو الدولية. ورغم أن هناك حركتين للأفارقة في دارفور هما (العدل والمساواة) و (حركة تحرير السودان) تشاركان في كل أحوال الصراع العرقي إلا أنه لم يُشَر إليهما بالاتهام.
بل تطالب الولايات المتحدة الأمريكية بنزع سلاح الجنجاويد فقط وترك السلاح في أيدي الحركتين الأخريين (وهي مفارقة تذكرنا فيما حدث بالبوسنة في عهد بطرس غالي عندما منع السلاح عن المسلمين فقط، وترك السلاح في أيدي الصرب والكروات).
ونظراً للدعم الأمريكي للحركتين المتمردتين المشار إليهما؛ فقد فرض هذا الشرط عند الجلوس على مائدة المفاوضات وهو نزع (سلاح الجنجاويد) فقط، وهو شرط لا يقبله عاقل بالمرة؛ فأبسط مبادئ العدل نزع السلاح عن جميع أطراف الصراع؛ وذلك غير شروط أخرى أقل ما توصف به أنها شروط طرف يشعر بالانتصار والحماية الدولية.
ولا يخفي أن ظهور (مشكلة دارفور) بهذا الشكل المخطط واضح للقبض على السودان متلبساً بأي اتهام كي يسهل إنزال العقوبات وفرض الشروط والتهيئة للاحتلال كما حدث مع العراق.
فالمعلوم أن ظهور الشكل المأساوي لمشكلة دارفور كان نتيجة لضعف الحكومة السودانية اقتصادياً وعسكرياً لاستنزافها في مشكلة الجنوب الخطيرة التي وجهت لها كل الطاقات؛ فضلاً عن الجفاف الذي عصف بغرب السودان.
والسودان كان وحده في مشكلة الجنوب، وتُرك يواجه مصيره دون دعم عربي سياسي أو اقتصادي أو عسكري حتى وصل الأمر به إلى مفاوضات تحت رعاية (منظمة الإيجاد) والأمريكيين والأوربيين؛ فأين ذهبت الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي؟ لا وجود لهما؛ حتى دول الجوار ـ مصر وليبيا ـ لم تكونا حاضرتين في مفاوضات الجنوب في نيفاشا؛ لذا كانت السودان وحيدة في مفاوضات مع اعداء من مختلف الأشكال والألوان متَّحدي الهدف. وتظهر خيوط المؤامرة حول السودان في صدور قرار من مجلس الأمن بمهلة شهر لإنهاء الوضع في دارفور، والتهيئة لفرض عقوبات؛ مما يمهد للإسراع في إعداد قرار بفرض عقوبات على السودان، وقرار بالتدخل العسكري في دارفور عن طريق الأمم المتحدة رغم أن الأمين العام للأمم المتحدة وقَّع اتفاقاً في نهاية يونيو 2004م مع حكومة السودان يقضي بمنح الحكومة مهلة ثلاثة أشهر للقيام بإجراءات عسكرية وسياسية وتنموية لاحتواء التمرد، ولإنهاء المأساة الإنسانية في دارفور، بل الدعوة إلى نزع أسلحة جميع الميليشيات المسلحة المتقاتلة في المنطقة. فأين نشاط وإنسانية الولايات المتحدة وبريطانيا نحو ما يحدث للفلسطينيين من تدمير للمنازل وسفك للدماء وتدمير للزراعات على أيدي الصهاينة المحتلين؟ أليس ما يحدث للفلسطينيين تطهيراً عرقياً وإبادة للفلسطينيين؟ فأين الإنسانية المزعومة؟
ورغم أن المدة لم ينقضِ منها إلا شهر، إلا أن الأمور تطورت، وانقلب كوفي عنان على اتفاقه مع حكومة السودان ليسير وراء أهداف الولايات المتحدة الأمريكية سعياً وراء رضاها كي تجدد له ولاية أخرى في الأمم المتحدة.
ولا يفوتنا ان نشير إلى موقف رمزي من الجامعة العربية تمثل في إرسال بعثة إلى دارفور أعدت تقريراً شمل توصيات منها ضرورة المشاركة العربية في المفاوضات، وتحسين الأوضاع الإنسانية، وتنظيم مؤتمر عربي لدعم التنمية في دارفور، وإرسال معونات ومساعدات عاجلة، ومساعدة حكومة السودان في نزع سلاح الميليشيات المتعاركة. ولكن لم تجد هذه التوصيات آلية للتنفيذ، وتركت السودان وحيداً؛ وهكذا الجامعة العربية التي لا تتعدى قيمتها أن تكون مبنى ومؤتمراً وأميناً وتوصيات لا تنفذ.
الموقف الآخر وهو لمصر التي رفضت توقيع عقوبات على السودان، وطلبت منح مزيد من الوقت لحكومة السودان لاحتواء الموقف في دارفور.
ولكن المحصلة أن هذين الموقفين رمزيان فضلاً عن الموقف العربي والإسلامي السلبي تماماً رغم أن الجميع موقن أن خيوط الاحتلال للسودان بدأت تتجمع بوضوح؛ فلماذا هذا الصمت والسلبية؟ إن الصمت خيانة للسودان العربي المسلم.
الإجابة تتركز حول ثلاث ركائز أساسية لمخطط احتلال السودان.
` لماذا يُستهدف السودان؟
لا شك أن لذلك أسباباً عدة منها:
أولاً: الدور الإسلامي للسودان في شتى المحافل الدولية، ومحاولة تطبيقه للشريعة الإسلامية ولو بشكل مبسط وفي حدود ضيقة؛ وبخاصة لدوره الواضح في تأييد المقاومة في فلسطين والعراق، ورفضه للإملاءات الأمريكية لتغيير الثوابت الإسلامية، ولاتهامه باستضافة جماعات إسلامية غير مرضي عنها؛ فكان ذلك سبباً في استهدافه بضربة جوية صاروخية في عهد كلينتون؛ ورغم انتهاء ذلك الأمر تماماً إلا انه لم يُمحَ من ذاكرة الولايات المتحدة، بل كثير من العرب الذين يخشون الوقوف مع السودان مخافة الاتهام من الولايات المتحدة الأمريكية. ولا يفوتنا في هذا الصدد أن نشير إلى أن صوت الجهاد كان على مقاومة حركة التمرد الصليبي في الجنوب، وتجمع الشباب السوداني متطوعاً تحت راية الجهاد لمقاومة الصليبيين المدعومين من قوى الشر العالمية.
ثانياً: السودان فيه ثروة من المعادن ـ وأهمها البترول ـ لم تستغل حتى الآن، وهناك صراع دائر بين الشركات الغربية حول استغلال تلك الثروة. ولا يفوتنا المشهد السينمائي الأمريكي نحو الاندفاع حول وزارة البترول في العراق واحتلال آبار البترول العراقية.
يزيد في ذلك تأكد وجود اليورانيوم كما سبقت الإشارة إليه مما يعطي أهمية خطيرة لهذا الإقليم.
ومن أسباب الحضور الفرنسي في تشاد بالقرب من دارفور الاستعداد للتدخل عندما تسنح الفرصة؛ وذلك لأسباب اقتصادية. ولا يفوتنا أن نشير إلى إمكانيات السودان الزراعية الكبيرة فضلاً عن المياه العذبة. وقد قيل إن السودان سلة غذاء العالم العربي أو أفريقيا.
ثالثاً: السودان أكبر دولة أفريقية من حيث المساحة أفريقياً وعربياً، بل تزيد مساحتها عن نصف مساحة أوروبا، ولكنها ضعيفة لثلاثة أسباب:
1 - استنزاف مواردها في حرب الجنوب. ثم مشكلة دارفور وما أحدثته من جفاف وصراع.
2 - الصراعات الحزبية العصبية المقيتة بين مختلف الاحزاب للسعي للحكم في ظل حرب الجنوب التي لم تتوقف.
3 - قلة الدعم العربي والعالمي مما ترتب عليه ضعف استغلال الثروات وتفاقم المشكلات الاقتصادية؛ فلو تم دعم السودان من الدول العربية لاكتفى العالم العربي من كافة المحاصيل الزراعية ولم يستورد من الغرب شيئاً ذا بال.
كل تلك الأسباب مجتمعة اضعفت السودان مما جعلها هدفاً سهلاً للتفتيت بانفصال الجنوب عن الشمال، وللاحتلال، وظهور المشكلة الحالية في دارفور وتفاقم الوضع الإنساني.
وبنظرة هادئة نجد أن التربص الأمريكي دائماً يستهدف الدول الضعيفة بسبب ضعف الموارد كأفغانستان، والاستنزاف في الحروب كالعراق، وتأتي السودان فرصة مع قرب الانتخابات الأمريكية باعتبارها هدفاً استراتيجياً ضعيفاً وسهلاً وله شكل مبررات.
وأخيراً: هل يكون موقع السودان الاستراتيجي على البحر الأحمر وجنوب مصر وفي حوض النيل وقلب أفريقيا فاتحاً لشهية سُعار الذئب الأمريكي ليفترس عظام السودان الطيب المكافح في ظل حالة من السلبية أو الخوف عربياً وإسلامياً، وحتى متى نرى أعداءنا يخططون لاحتلال بلداننا واحدة تلو أخرى ونحن صامتون، بل ما زلنا حائرين نفكر ماذا نفعل؟ فهل صدقاً أن التتار الغربيين قادمون نحونا والحكومات تنتظر أقدارها؟ ولكن يبقى الأمل في الله، ثم في أن تبصر الشعوب المسلمة حقيقة عدوها