- الاثنين مايو 24, 2010 11:02 pm
#27051
يذكر الدكتور عبدالوهاب المسيري أنه قابل العالم الأميركي فرانز أوبنهايمر، رئيس الفريق الذي اكتشف معادلات القنبلة الذرية، وعندما سأله: «ما هو أول تصرف قمت به بعد لحظة الاكتشاف العلمي؟»، رد العالم الأميركي دون أدنى تفكير: «لقد تقيأت».
ولعمري إن هذا التصرف من ذلك العالم معبر عن حالة التطور العلمي المنبت عن سلطان الفطرة والدين والأخلاق في عصرنا الحاضر. لقد كان من الطبيعي أن يصرخ المكتشف لحظة الاكتشاف فرحا بما حقق، لكن فطرته تحركت فتقيأ، لعلمه أنه كان ينجز مشروعا ضد فطرته، إذ كان يواصل كلال الليل بكلال النهار من أجل اكتشاف أفضل طريقة لقتل أكثر كم ممكن من البشر، هذا التصرف من ذلك العالم يلخص حالة الحضارة الغربية الحديثة.. إنها حضارة تتقيأ، فرغم أنها منتصرة وقوية، إلا أن العالم اليوم الذي انطبع بهذه الحضارة تندر فيه السعادة، وتكثر فيه جيوش المنتحرين الساخطين.
كان من المفترض أن يكون الإنسان المعاصر أسعد إنسان عرفته الأرض، نتيجة الاكتشافات العظيمة التي حققها، والرفاهية التي يعمه فيها، لكن الواقع يقول إنه إنسان بائس وتعيس، فمعدلات الانتحار في ارتفاع، وأمزجة الناس أسوأ، وسرائرهم أخبث من ذي قبل، والسبب هو أن التقدم الذي حصل في معظمه تم في غيبة من الروح وانبتات عن القيم والدين.
ما من أحد يشكك في أن اليابان اليوم تتقدم الصفوف العالمية في الازدهار الاقتصادي، لكنها أيضا تتقدمه أيضا من حيث عدد المنتحرين فيها، إذ يبلغ عدد المنتحرين اليابانيين سنويا 30 ألفا، مما جعل الحكومة تفكر في سياسة جديدة تعيد الناس إلى دياناتهم القديمة، حتى تكفكف بذلك من غلواء المادية الطاحنة حتى لا يتناقص عدد السكان. وأحسن الدول الغربية نظما اجتماعية هي الدول الاسكندنافية وفيها أيضا أعلى معدلات الانتحار.
وإذا ما نظرنا إلى أحاديث المفكرين والفلاسفة في لحظة انتصار الحضارة، نجدهم «يتقيأون» فكريا، فقد بشروا في أدبيات «ما بعد الحداثة» بالعدمية واللا-أخلاقية وبعودة الإنسان إلى الغاب. بشروا بكل هذه النظريات العبثية والعدمية التي تملأ الإنسان رعبا وسخطا، رغم أن حضارتهم كانت في لحظة انتصار. ولعل عبارة المفكر الجزائري مالك بن نبي في كتابه «وجهة العالم الإسلامي» تذكرنا بالجذور السلبية لهذه الحضارة، حيث قال إن الحضارة الغربية بطبيعتها «حضارة سيطرة ذات جذور تقنية»، والجذور التقنية والمادية لا تنتج مجتمعا سعيدا.
إن الصبغة التقنية المنبتة عن القيم هي التي تفسر طابع العنف الذي يحكم هذه الحضارة. لقد كتب ميكيافيلي في «الأمير» يقول: «إن الحرب بين الحين والآخر مقو قومي يعيد النظام والوحدة والقوة»، وذلك تجسيد حي للسعي وراء المصلحة الذاتية بعيدا عن أي وازع أخلاقي.
لقد قتل في القرن العشرين -وهو قرن ازدهار الحضارة الغربية- من البشر ما لم يقتل قط على ظهر البسيطة، واكتشف فيه من وسائل القتل السريع ما لم يكتشف قط طيلة عمر البشرية المديد. لكأن العالم الغربي وضع كلمات ميكيافيلي دستورا حين قال في كتابه «الأمير»: «إن الحرب التي تقوي الأمة هي «حرب خيرة».
فالفكرة المركزية في الحضارة المادية هي أن «الخير» إنما هو «المصلحة»، فأي عمل تجلب من خلاله الرفاهية لقومك فهو «الخير» حتى ولو كان محو ملايين البشر من الوجود.. سواء كانوا هنودا أو فلسطينيين أو عراقيين.
هذه العقلية المصلحية المنبتة عن الأخلاق والأديان هي التي جعلت حضارتنا حضارة تعيسة تتقيأ لحظة انتصارها.
كنآش آحمد فال ولد الدين
ولعمري إن هذا التصرف من ذلك العالم معبر عن حالة التطور العلمي المنبت عن سلطان الفطرة والدين والأخلاق في عصرنا الحاضر. لقد كان من الطبيعي أن يصرخ المكتشف لحظة الاكتشاف فرحا بما حقق، لكن فطرته تحركت فتقيأ، لعلمه أنه كان ينجز مشروعا ضد فطرته، إذ كان يواصل كلال الليل بكلال النهار من أجل اكتشاف أفضل طريقة لقتل أكثر كم ممكن من البشر، هذا التصرف من ذلك العالم يلخص حالة الحضارة الغربية الحديثة.. إنها حضارة تتقيأ، فرغم أنها منتصرة وقوية، إلا أن العالم اليوم الذي انطبع بهذه الحضارة تندر فيه السعادة، وتكثر فيه جيوش المنتحرين الساخطين.
كان من المفترض أن يكون الإنسان المعاصر أسعد إنسان عرفته الأرض، نتيجة الاكتشافات العظيمة التي حققها، والرفاهية التي يعمه فيها، لكن الواقع يقول إنه إنسان بائس وتعيس، فمعدلات الانتحار في ارتفاع، وأمزجة الناس أسوأ، وسرائرهم أخبث من ذي قبل، والسبب هو أن التقدم الذي حصل في معظمه تم في غيبة من الروح وانبتات عن القيم والدين.
ما من أحد يشكك في أن اليابان اليوم تتقدم الصفوف العالمية في الازدهار الاقتصادي، لكنها أيضا تتقدمه أيضا من حيث عدد المنتحرين فيها، إذ يبلغ عدد المنتحرين اليابانيين سنويا 30 ألفا، مما جعل الحكومة تفكر في سياسة جديدة تعيد الناس إلى دياناتهم القديمة، حتى تكفكف بذلك من غلواء المادية الطاحنة حتى لا يتناقص عدد السكان. وأحسن الدول الغربية نظما اجتماعية هي الدول الاسكندنافية وفيها أيضا أعلى معدلات الانتحار.
وإذا ما نظرنا إلى أحاديث المفكرين والفلاسفة في لحظة انتصار الحضارة، نجدهم «يتقيأون» فكريا، فقد بشروا في أدبيات «ما بعد الحداثة» بالعدمية واللا-أخلاقية وبعودة الإنسان إلى الغاب. بشروا بكل هذه النظريات العبثية والعدمية التي تملأ الإنسان رعبا وسخطا، رغم أن حضارتهم كانت في لحظة انتصار. ولعل عبارة المفكر الجزائري مالك بن نبي في كتابه «وجهة العالم الإسلامي» تذكرنا بالجذور السلبية لهذه الحضارة، حيث قال إن الحضارة الغربية بطبيعتها «حضارة سيطرة ذات جذور تقنية»، والجذور التقنية والمادية لا تنتج مجتمعا سعيدا.
إن الصبغة التقنية المنبتة عن القيم هي التي تفسر طابع العنف الذي يحكم هذه الحضارة. لقد كتب ميكيافيلي في «الأمير» يقول: «إن الحرب بين الحين والآخر مقو قومي يعيد النظام والوحدة والقوة»، وذلك تجسيد حي للسعي وراء المصلحة الذاتية بعيدا عن أي وازع أخلاقي.
لقد قتل في القرن العشرين -وهو قرن ازدهار الحضارة الغربية- من البشر ما لم يقتل قط على ظهر البسيطة، واكتشف فيه من وسائل القتل السريع ما لم يكتشف قط طيلة عمر البشرية المديد. لكأن العالم الغربي وضع كلمات ميكيافيلي دستورا حين قال في كتابه «الأمير»: «إن الحرب التي تقوي الأمة هي «حرب خيرة».
فالفكرة المركزية في الحضارة المادية هي أن «الخير» إنما هو «المصلحة»، فأي عمل تجلب من خلاله الرفاهية لقومك فهو «الخير» حتى ولو كان محو ملايين البشر من الوجود.. سواء كانوا هنودا أو فلسطينيين أو عراقيين.
هذه العقلية المصلحية المنبتة عن الأخلاق والأديان هي التي جعلت حضارتنا حضارة تعيسة تتقيأ لحظة انتصارها.
كنآش آحمد فال ولد الدين