الأخلاق والسياسة عند ميكافيللي
مرسل: الثلاثاء مايو 25, 2010 12:59 am
الأخلاق والسياسة عند ميكافيللي
عندما تناول ميكافللي في كتاباته الضرورة السياسية حاول أن يفصلها فصلاً تاماً عن الأخلاق والدين ويعالجها كقضية قائمة بذاتها .
والغاية من هذا الأمر هي أن ميكافللي كان يرى الغرض من السياسة هو الحفاظ على القوة السياسية للدولة وزيادتها بصورة دائمة ، والنجاح في تحقيق ذلك هو السياسة الحقة سواء كانت سياسة ظالمة قاسية أو غادرة أو حتى غير جائزة شرعاً . فلتحقيق غاية سياسية معينة يبيح ميكافللي إستعمال كل الوسائل اللا أخلاقية حتى القتل والكذب .
لهذا فإن إستعمال الوسائل اللا اخلاقية في سبيل الحفاظ على الحكم وتقوية سلطته أمر مباح ، ولكن في حال إستخدام هذه الأساليب اللاأخلاقية ، على الحاكم أن يقوم بذلك بذكاء ودهاء وبسرية تامة حتى يتمكن من الإبقاء على سيطرته على المجتمع وردود الفعل فيه . وميكافللي كثيراً ما ناقش وامتدح مزايا إستخدام الأساليب اللاأخلاقية والذكية لإدراك الغاية السياسية للحاكم ، وهنا يكمن الجانب المسئول عن سمعة ميكافللي السيئة والشريرة والمتمثلة في مقولة (الغاية تبرر الوسيلة ) .
إذا كان ميكافللي يجرد السياسة ويفصلها عن كل الإعتبارات الأخلاقية والدينية ، ويمتدح الحكام اللذين لا يتقيدون بقيم الأخلاق ، فذلك للحفاظ على مراكزهم وتحقيق القوة لسلطتهم ولدولتهم .
إن هذا التجريد والفصل للسياسة عن الإعتبارات الأخلاقية لم يكن يعني أبداً بأن ميكافللي كان يتنكر لما للأخلاق والدين من أثر على جماهير البشر وعلى الحياة الاجتماعية والسياسية . فهو حين يمنح الحكام مبرر لاستخدام أساليب غير أخلاقية لتحقيق الغايات السياسية .
الأخلاق ضرورية للمجتمع ولكن أخلاق المجتمع لا تقيد الحاكم بأي قيد خلقي ولا تلزمه بمراعاة القواعد الخلقية والدينية التي يدين بها رعاياه . وهكذا يكون ميكافللي قد وضع معيارين للأخلاق في الدولة .
الأول للحاكم والآخر للمواطن العادي :-
يقاس المعيار الأول بمدى ما يتوصل إليه الحاكم من النجاح في الحفاظ على سلطته وتقوية دولته . بينما يقاس المعيار الآخر بمدى القوه التي يشيع وينشر بواسطتها المواطن سلوكه ضمن المجموعة الاجتماعية ، ولما كان الحاكم خارج المجموعة الاجتماعية فهو فوق الأخلاق التي يراد فرضها داخل المجموعة .
إذاً من خلال موقفه من الأخلاق والدين يمكن القول أن ميكافللي كان يؤمن بضرورة القوة الروحية للمجتمع إلى جانب القوة المادية .
ويرى أن على الحاكم أن يحقق هاتين القوتين للشعب إذا أراد الحفاظ على الدولة وقوتها مع تأكيده على وجوب عدم تقييد الحاكم بالقواعد الخلقية والدينية التي يتبعها المجتمع لأنه في الأصل يرى الحاكم خارج المجموعة التي يتألف منها المجتمع أو أنه على علاقة خاصة جداً بها تصنعه فوق المجتمع وقواعد أخلاقه وخارج الدين الذي تدين به هذه المجموعة .
إن الغاية من فصل السياسة عن الدين والأخلاق تكمن في رغبة ميكافللي في إبقاء السياسة كغاية في ذاتها ومكونة لعلم مستقل بذاته ومنفصل عن كل الإعتبارات الأخرى . وهذا الفصل والتمييز بين السياسة وبين ما عداها من الإعتبارات الأخرى يعود الفضل فيه لميكافللي لأنه أول من حاول دراسة الظاهرة السياسية وظاهرة الحكم دراسة منفصلة عن بقية الدراسات الفلسفية والنظرية وبذلك وضعت هذه الدراسة اللبنات الأولى لبناء علم مميز ومستقل هو علم السياسة . .
و كمثال على آراء ميكافللي :
" كيف يتوجب على الأمير أن يحافظ على عهوده
"
- لاريب في أن كل إنسان يدرك أن من الصفات المحموده للأمير أن يكون صادقاً في وعوده وأن يعيش في شرف ونبل لا في مكر ودهاء . لكن تجارب عصرنا أثبتت أن الأمراء اللذين قاموا بجلائل الأعمال لم يكونوا كثيري الاهتمام بعهودهم والوفاء بها ، وتمكنوا بالمكر والدهاء ، من الضحك على عقول الناس وإرباكها . وتغلبوا أخيراً على أقرانهم من الذين جعلوا الإخلاص والوفاء رائدهم . جميل من الأمير أن يكون صادقاً في وعوده ولكن الصدق لا يصح في كل الظروف . فالكثير من الأمراء نجحوا في حكمهم وسيطروا على رعيتهم لأنهم نقضوا عهودهم .
- على الأمير أن يتعلم سبيلين للصراع والقتال . الأول عن طريق القانون والثاني عن طريق القوة . ويلجأ الناس إلى السبيل الأول أما الحيوانات فتلجأ إلى السبيل الثاني . فالإنسان سلاحه القانون والصدق بينما سلاح الحيوان هو القوة والحيلة . ولكن لما كان القانون وحده لا يكفي لتحقيق الأهداف عادة فأن على الإنسان أن يلجأ تبعاً لذلك إلى السبيل الثاني أي أن يلجأ لسلاح الحيوان ومن الضروري للأمير أن يحسن إستخدام السبيلين معاً وأن يمتلك في نفس الوقت طبيعة الإنسان وطبيعة الحيوان لأن كل منهما تدعم الأخرى ولأن إحداهما لا يمكن أن تعيش بدون الأخرى . ولما كان على الأمير أن يتخذ طبيعة الحيوان فعليه أن يختار طبيعة الثعلب والأسد في الوقت نفسه . ذلك لأن الأسد لا يستطيع حماية نفسه من الفخاخ المنصوبة له والثعلب لا يتمكن من الدفاع عن نفسه أمام خطر الذئاب ولذا يتحتم على الأمير أن يكون ثعلباً ليميز الفخاخ وأن يكون أسداً ليرهب الذئاب . وكل من يرغب في أن يكون مجرد أسد ليس إلاّ ، لا يفهم هذا . وعلى الحاكم الذكي المتبصر أن لايحافظ على وعوده عندما يرى أن هذه المحافظة ستؤدي إلى الإضرار بمصالحه ، وأن الأسباب التي حملته على إعطاء هذه الوعود لم تعد قائمة . ولو كان جميع الناس طيبين فإن هذا الرأي لايكون طيباً ، ولكن بما أنهم سيئون ، وهم بدورهم لن يحافظوا على عهودهم لك فإنك لست ملزماً بالمحافظة على عهودك لهم ، ولن يعدم الأمير الذي يرغب في إظهار مبررات متلونه للتنكر لوعوده لن يعدم ذريعة مشروعة لتحقيق هذه الغاية . وفي وسع الإنسان أن يورد عدداً لا يحصى من الأمثلة العصرية على هذه الحقيقة وأن يظهر كم من المرات أضحت عهودهم لا قيمة لها من جراء تنكرهم لها وفي مقدور الإنسان البرهنة على أن أولئك الذين تمكنوا من تقليد الثعلب تقليداً قد نجحوا أكثر من غيرهم . ولكن الضرورة تحتم على الأمير الذي يتصف بصفة الثعلب هذه أن يجيد إخفائها عن الناس وأن يكون مداهناً كبيراً ومرائياً عظيماً ولذا فإن من يتقن الخداع يجد دائماً أولئك الذين هم على إستعداد لأن تنطلي عليهم خديعته .
وسأكتفي بسرد مثل عصري واحد . فالبابا الكساندر السادس لم يقم بعمل سوى خداع الآخرين ولم يفكر بشئ سوى ذلك وكان يجد دائماً الفرصة للنجاح في خداعه ولم يكن ثمة من يفوقه مهارة في تقديم الوعود وإغداق التأكيدات داعماً إياها بالإيمان المغلظة في الوقت الذي لم يكن هنا من هو مثله أقل تمسكاً بها ومع ذلك فقد نجح دائماً في خداعه ، إذ أنه كان يتقن هذه الطريقة في معالجة الأمور .
كذلك على الأمير أن لا يسمح لغيره أن يكون أميراً قوياً لأنه بذلك قد ساهم في دمار نفسه . وعليه أن لايكون حيادياً أمام القضايا المطروحة فالحياد هو موقف الأمراء الضعاف والمترددين والذي يقود إلى الخراب . على الأمير أن يكون هو ناصح ومستشار نفسه . وفي حال إحتاج لنصيحة غيره فيجب أن يتم ذلك وفقاً لرغبته ولإرادته هو لا لرغبة وإرادة الآخرين .
هناك صفات من الضروري أن تظهر في سلوك الأمير الناجح ومن غير الضروري أن يكون الأمير متصفاً بها كلها ولكن من الضروري أن يظهر بمظهر من يتصف بها . بل أجرؤ على القول بأنه إذا يتصف بها بالفعل وإذا كان يظهرها دائماً في مسلكه فإنها يمكن أن تلحق به الضرر في حين أنه من المفيد له دائماً أن يكون له ظاهر من يتصف بها فحسن له دائماً مثلاً أن يظهر بمظهر الحليم والأمين والإنساني والصادق والمتدين .. يجب أن ندرك جيداً أنه يستحيل على الأمير ولا سيما الأمير الجديد ، أن يراعي في مسلكه كل ما يجعل الناس يكسبون سمعة رجال الخير ، وأنه مضطر في كثير من الأحيان ومن أجل المحافظة أن يعمل ضد الإنسانية وضد الرحمة وضد الدين نفسه . يجب أن يكون فكره مرناً فيدور في كل الأمور مع الريح ومع ما تقضي به الظروف والطوارئ . يجب بقدر المستطاع ألاّ يحيد الأمير عن جادة الخير ولكن يجب عند الحاجة أن يعرف كيف يسلك طريق الشر . ويجب أن يكون شديد الحرص وأن لا تفلت منه أي أقوال تتناقض مع هذه الصفات الخمس التي ذكرتها . وعليه أن يجعل الناس يرون فيه الإخلاص والرحمة والشرف والإنسانية والتدين . ولعل هذه الصفة الأخيرة هي الأكثر لزوماً للظهور بمظهر من يتصف بها لأن الناس عموماً يحكمون بعيونهم . طالما أن الرؤية وميسورة لهم دائماً . فالناس جميعاً يرون مظهرك وكيف تبدو لهم ولكن القلة يعرفون ما أنت معرفة حقيقية عميقة . ولكن هؤلاء القلة لن يجرؤوا على الوقوف في وجه رأي الأغلبية المدعومة بجلال الدولة في الدفاع عنهم وفي أعال جميع الناس ولاسيما الأمراء فإن هناك حقيقة لا استثناء فيها وهذه الحقيقة هي :
" أن الغاية تبرر الوسيلة "
وإذا استهدف الأمير مثلاً أن يحتل دولة عليه أن يحافظ على الدولة التي إحتلها فإن جميع الناس سيثنون على هذا العمل ويعتبرونه مثالاً للشرف إذ أن من عادة العامه أن تغرهم المظاهر ونتائج الأحداث . ويتألف العالم من العامه أما القلة الذين لا يعتبرون من العامه فهم معزولون عن الناس عندما يقرر المجموع شيئاً يرونه في أميرهم . وهناك أمير أعرفه يعيش في عصرنا هذا ويحسن بنا أن نغفل ذكر إسمه جعل همه ، الدعوة إلى السلام والوفاء للمواثيق بينما هو في الحقيقة عدو لدود لهما ولو قدّر له أن يرعى أحدهما لأضاع دولته وسمعته في كثير من المناسبات التي تعرض لها .
عندما تناول ميكافللي في كتاباته الضرورة السياسية حاول أن يفصلها فصلاً تاماً عن الأخلاق والدين ويعالجها كقضية قائمة بذاتها .
والغاية من هذا الأمر هي أن ميكافللي كان يرى الغرض من السياسة هو الحفاظ على القوة السياسية للدولة وزيادتها بصورة دائمة ، والنجاح في تحقيق ذلك هو السياسة الحقة سواء كانت سياسة ظالمة قاسية أو غادرة أو حتى غير جائزة شرعاً . فلتحقيق غاية سياسية معينة يبيح ميكافللي إستعمال كل الوسائل اللا أخلاقية حتى القتل والكذب .
لهذا فإن إستعمال الوسائل اللا اخلاقية في سبيل الحفاظ على الحكم وتقوية سلطته أمر مباح ، ولكن في حال إستخدام هذه الأساليب اللاأخلاقية ، على الحاكم أن يقوم بذلك بذكاء ودهاء وبسرية تامة حتى يتمكن من الإبقاء على سيطرته على المجتمع وردود الفعل فيه . وميكافللي كثيراً ما ناقش وامتدح مزايا إستخدام الأساليب اللاأخلاقية والذكية لإدراك الغاية السياسية للحاكم ، وهنا يكمن الجانب المسئول عن سمعة ميكافللي السيئة والشريرة والمتمثلة في مقولة (الغاية تبرر الوسيلة ) .
إذا كان ميكافللي يجرد السياسة ويفصلها عن كل الإعتبارات الأخلاقية والدينية ، ويمتدح الحكام اللذين لا يتقيدون بقيم الأخلاق ، فذلك للحفاظ على مراكزهم وتحقيق القوة لسلطتهم ولدولتهم .
إن هذا التجريد والفصل للسياسة عن الإعتبارات الأخلاقية لم يكن يعني أبداً بأن ميكافللي كان يتنكر لما للأخلاق والدين من أثر على جماهير البشر وعلى الحياة الاجتماعية والسياسية . فهو حين يمنح الحكام مبرر لاستخدام أساليب غير أخلاقية لتحقيق الغايات السياسية .
الأخلاق ضرورية للمجتمع ولكن أخلاق المجتمع لا تقيد الحاكم بأي قيد خلقي ولا تلزمه بمراعاة القواعد الخلقية والدينية التي يدين بها رعاياه . وهكذا يكون ميكافللي قد وضع معيارين للأخلاق في الدولة .
الأول للحاكم والآخر للمواطن العادي :-
يقاس المعيار الأول بمدى ما يتوصل إليه الحاكم من النجاح في الحفاظ على سلطته وتقوية دولته . بينما يقاس المعيار الآخر بمدى القوه التي يشيع وينشر بواسطتها المواطن سلوكه ضمن المجموعة الاجتماعية ، ولما كان الحاكم خارج المجموعة الاجتماعية فهو فوق الأخلاق التي يراد فرضها داخل المجموعة .
إذاً من خلال موقفه من الأخلاق والدين يمكن القول أن ميكافللي كان يؤمن بضرورة القوة الروحية للمجتمع إلى جانب القوة المادية .
ويرى أن على الحاكم أن يحقق هاتين القوتين للشعب إذا أراد الحفاظ على الدولة وقوتها مع تأكيده على وجوب عدم تقييد الحاكم بالقواعد الخلقية والدينية التي يتبعها المجتمع لأنه في الأصل يرى الحاكم خارج المجموعة التي يتألف منها المجتمع أو أنه على علاقة خاصة جداً بها تصنعه فوق المجتمع وقواعد أخلاقه وخارج الدين الذي تدين به هذه المجموعة .
إن الغاية من فصل السياسة عن الدين والأخلاق تكمن في رغبة ميكافللي في إبقاء السياسة كغاية في ذاتها ومكونة لعلم مستقل بذاته ومنفصل عن كل الإعتبارات الأخرى . وهذا الفصل والتمييز بين السياسة وبين ما عداها من الإعتبارات الأخرى يعود الفضل فيه لميكافللي لأنه أول من حاول دراسة الظاهرة السياسية وظاهرة الحكم دراسة منفصلة عن بقية الدراسات الفلسفية والنظرية وبذلك وضعت هذه الدراسة اللبنات الأولى لبناء علم مميز ومستقل هو علم السياسة . .
و كمثال على آراء ميكافللي :
" كيف يتوجب على الأمير أن يحافظ على عهوده
"
- لاريب في أن كل إنسان يدرك أن من الصفات المحموده للأمير أن يكون صادقاً في وعوده وأن يعيش في شرف ونبل لا في مكر ودهاء . لكن تجارب عصرنا أثبتت أن الأمراء اللذين قاموا بجلائل الأعمال لم يكونوا كثيري الاهتمام بعهودهم والوفاء بها ، وتمكنوا بالمكر والدهاء ، من الضحك على عقول الناس وإرباكها . وتغلبوا أخيراً على أقرانهم من الذين جعلوا الإخلاص والوفاء رائدهم . جميل من الأمير أن يكون صادقاً في وعوده ولكن الصدق لا يصح في كل الظروف . فالكثير من الأمراء نجحوا في حكمهم وسيطروا على رعيتهم لأنهم نقضوا عهودهم .
- على الأمير أن يتعلم سبيلين للصراع والقتال . الأول عن طريق القانون والثاني عن طريق القوة . ويلجأ الناس إلى السبيل الأول أما الحيوانات فتلجأ إلى السبيل الثاني . فالإنسان سلاحه القانون والصدق بينما سلاح الحيوان هو القوة والحيلة . ولكن لما كان القانون وحده لا يكفي لتحقيق الأهداف عادة فأن على الإنسان أن يلجأ تبعاً لذلك إلى السبيل الثاني أي أن يلجأ لسلاح الحيوان ومن الضروري للأمير أن يحسن إستخدام السبيلين معاً وأن يمتلك في نفس الوقت طبيعة الإنسان وطبيعة الحيوان لأن كل منهما تدعم الأخرى ولأن إحداهما لا يمكن أن تعيش بدون الأخرى . ولما كان على الأمير أن يتخذ طبيعة الحيوان فعليه أن يختار طبيعة الثعلب والأسد في الوقت نفسه . ذلك لأن الأسد لا يستطيع حماية نفسه من الفخاخ المنصوبة له والثعلب لا يتمكن من الدفاع عن نفسه أمام خطر الذئاب ولذا يتحتم على الأمير أن يكون ثعلباً ليميز الفخاخ وأن يكون أسداً ليرهب الذئاب . وكل من يرغب في أن يكون مجرد أسد ليس إلاّ ، لا يفهم هذا . وعلى الحاكم الذكي المتبصر أن لايحافظ على وعوده عندما يرى أن هذه المحافظة ستؤدي إلى الإضرار بمصالحه ، وأن الأسباب التي حملته على إعطاء هذه الوعود لم تعد قائمة . ولو كان جميع الناس طيبين فإن هذا الرأي لايكون طيباً ، ولكن بما أنهم سيئون ، وهم بدورهم لن يحافظوا على عهودهم لك فإنك لست ملزماً بالمحافظة على عهودك لهم ، ولن يعدم الأمير الذي يرغب في إظهار مبررات متلونه للتنكر لوعوده لن يعدم ذريعة مشروعة لتحقيق هذه الغاية . وفي وسع الإنسان أن يورد عدداً لا يحصى من الأمثلة العصرية على هذه الحقيقة وأن يظهر كم من المرات أضحت عهودهم لا قيمة لها من جراء تنكرهم لها وفي مقدور الإنسان البرهنة على أن أولئك الذين تمكنوا من تقليد الثعلب تقليداً قد نجحوا أكثر من غيرهم . ولكن الضرورة تحتم على الأمير الذي يتصف بصفة الثعلب هذه أن يجيد إخفائها عن الناس وأن يكون مداهناً كبيراً ومرائياً عظيماً ولذا فإن من يتقن الخداع يجد دائماً أولئك الذين هم على إستعداد لأن تنطلي عليهم خديعته .
وسأكتفي بسرد مثل عصري واحد . فالبابا الكساندر السادس لم يقم بعمل سوى خداع الآخرين ولم يفكر بشئ سوى ذلك وكان يجد دائماً الفرصة للنجاح في خداعه ولم يكن ثمة من يفوقه مهارة في تقديم الوعود وإغداق التأكيدات داعماً إياها بالإيمان المغلظة في الوقت الذي لم يكن هنا من هو مثله أقل تمسكاً بها ومع ذلك فقد نجح دائماً في خداعه ، إذ أنه كان يتقن هذه الطريقة في معالجة الأمور .
كذلك على الأمير أن لا يسمح لغيره أن يكون أميراً قوياً لأنه بذلك قد ساهم في دمار نفسه . وعليه أن لايكون حيادياً أمام القضايا المطروحة فالحياد هو موقف الأمراء الضعاف والمترددين والذي يقود إلى الخراب . على الأمير أن يكون هو ناصح ومستشار نفسه . وفي حال إحتاج لنصيحة غيره فيجب أن يتم ذلك وفقاً لرغبته ولإرادته هو لا لرغبة وإرادة الآخرين .
هناك صفات من الضروري أن تظهر في سلوك الأمير الناجح ومن غير الضروري أن يكون الأمير متصفاً بها كلها ولكن من الضروري أن يظهر بمظهر من يتصف بها . بل أجرؤ على القول بأنه إذا يتصف بها بالفعل وإذا كان يظهرها دائماً في مسلكه فإنها يمكن أن تلحق به الضرر في حين أنه من المفيد له دائماً أن يكون له ظاهر من يتصف بها فحسن له دائماً مثلاً أن يظهر بمظهر الحليم والأمين والإنساني والصادق والمتدين .. يجب أن ندرك جيداً أنه يستحيل على الأمير ولا سيما الأمير الجديد ، أن يراعي في مسلكه كل ما يجعل الناس يكسبون سمعة رجال الخير ، وأنه مضطر في كثير من الأحيان ومن أجل المحافظة أن يعمل ضد الإنسانية وضد الرحمة وضد الدين نفسه . يجب أن يكون فكره مرناً فيدور في كل الأمور مع الريح ومع ما تقضي به الظروف والطوارئ . يجب بقدر المستطاع ألاّ يحيد الأمير عن جادة الخير ولكن يجب عند الحاجة أن يعرف كيف يسلك طريق الشر . ويجب أن يكون شديد الحرص وأن لا تفلت منه أي أقوال تتناقض مع هذه الصفات الخمس التي ذكرتها . وعليه أن يجعل الناس يرون فيه الإخلاص والرحمة والشرف والإنسانية والتدين . ولعل هذه الصفة الأخيرة هي الأكثر لزوماً للظهور بمظهر من يتصف بها لأن الناس عموماً يحكمون بعيونهم . طالما أن الرؤية وميسورة لهم دائماً . فالناس جميعاً يرون مظهرك وكيف تبدو لهم ولكن القلة يعرفون ما أنت معرفة حقيقية عميقة . ولكن هؤلاء القلة لن يجرؤوا على الوقوف في وجه رأي الأغلبية المدعومة بجلال الدولة في الدفاع عنهم وفي أعال جميع الناس ولاسيما الأمراء فإن هناك حقيقة لا استثناء فيها وهذه الحقيقة هي :
" أن الغاية تبرر الوسيلة "
وإذا استهدف الأمير مثلاً أن يحتل دولة عليه أن يحافظ على الدولة التي إحتلها فإن جميع الناس سيثنون على هذا العمل ويعتبرونه مثالاً للشرف إذ أن من عادة العامه أن تغرهم المظاهر ونتائج الأحداث . ويتألف العالم من العامه أما القلة الذين لا يعتبرون من العامه فهم معزولون عن الناس عندما يقرر المجموع شيئاً يرونه في أميرهم . وهناك أمير أعرفه يعيش في عصرنا هذا ويحسن بنا أن نغفل ذكر إسمه جعل همه ، الدعوة إلى السلام والوفاء للمواثيق بينما هو في الحقيقة عدو لدود لهما ولو قدّر له أن يرعى أحدهما لأضاع دولته وسمعته في كثير من المناسبات التي تعرض لها .