منتديات الحوار الجامعية السياسية

قسم مختص بالطلاب و اسهاماتهم الدراسية

المشرف: صفيه باوزير

#27061
الاختلاف بين الأيدولوجية والدين
مي عبدالعزيز السديري


هناك من يخلط بين الأيدولوجية والدين بقصد أو من دون قصد ويأتي هذا الخلط من مصدرين أحدهما الجهل الكامل بمفهوم الأيدولوجية والثاني خلط عن عمد وقصد لكي لا يكون هناك مقدس لدى الناس وإيصالهم إلى مرتبة الشك والريبة بالمفاهيم الدينية وتعميمها على أنها مفاهيم أيدولوجية مثلها مثل الأيدولوجيات، وهذا أمر مضاف للحقيقة وبعيد كل البعد عن الموضوعية والواقع إذا أمعنا النظر بالأيدولوجيات تبادر إلى الأذهان مباشرة.

السؤال التالي: ما هو مصدر الأيدولوجيات ومن وضعها؟

وللإجابة عن السؤال:

نجد جوابا واحدا لا غير وهو أن مصدرها هو الإنسان وواضعها هو الإنسان وكلنا نعلم أن هناك ثلاث أيدولوجيات إحداها الشيوعية والثانية الرأسمالية والثالثة الصهيونية في هذا العالم الواسع وقد وضعها الإنسان الذي يأكل ويشرب وينام ويخطئ وبها مساوئ عديدة وقد اعترف منظرون بتلك الأيدولوجيات وحاولوا تعديلها وتفادي تلك الأخطاء ولكنهم لم يوفقوا.

الحديث عن الأيدولوجيات يطول ويطول وقد كتب المفكرون آلاف الكتب والمجلدات في توصيف الأيدولوجية الشيوعية وظهر مناصرون كثر فصوروها على أنها تهيئ للإنسان حياة رغيدة تغمرها السعادة وكلها خير بخير تؤمن المأكل والملبس وتؤمن العلم والتعليم المهم أن يعمل للدولة وأن يعطيها كل وقته وعقله وجهده وإمكانياته بكل بساطة صورت للإنسان أن حياته ستكون حياة شبيهة للحياة في جنة الخلد، وفي الحقيقة فإن هذه الأيدولوجية مادية بحتة تحول الإنسان إلى آلة يعمل ويعمل ويقدم جهده للآخرين فقد سلبت من الإنسان حريته وتركته يتخبط في المجاهل المادية بعيدا عن الروح وكل ما يتعلق بالحياة الروحية للإنسان. وفي الجهة المقابلة ظهرت الأيدولوجية الرأسمالية التي تستعبد الإنسان أيضا ولكن بطريقة مختلفة فبدلا من أن يكون الإنسان عبدا لسيد واحد هو الدولة، جاءت الرأسمالية تظهر في المجتمع سادة هم أصحاب الشركات الكبرى الصناعية والتجارية والزراعية احتكارات متطورة لأنها تسحق كل ما يعترضها في طريقها سواء كان ذلك فردا أو جماعة - تبتلع كل شيء دون رحمة أو شفقة، في حين أن الأيدلوجية الشيوعية جعلت الإنسان عبدا للدولة ترى أن الرأسمالية صيرته عبدا للآلة بل أصبح نفسه آلة يعمل بطريقة نمطية وإذا ما خرج الإنسان من المصنع نراه يعيش حياة روتينية بعيدة كل البعد عن ما تصبو إليه النفس البشرية، وإذا قابلت إنسانا يعيش في مجتمع رأسمالي نجد أن تفكيره كله ينصب في كيفية الحصول على المال وتأمين حياته المادية. نراه منغمسا في ما يمكن أن نسميه ملذات الحياة وكأنه يريد أن يعوض نفسه عن الكثير من الأمور المادية التي تعتبر أساسية في حياة الإنسان. لننظر إلى الحياة الاجتماعية في المجتمع الرأسمالي نجد أن (الروابط) التي تربط أفراد الأسرة ببعضها قد تفككت إلى أبعد حد وعلى سبيل المثال نجد أن إنجلترا أفاقت لتجد أن الحياة الأسرية قد أصبحت نادرة جدا فحاولت أن تعالج المسألة وأوجدت ما يسمى (بقانون لم شمل الأسرة) ذلك القانون الذي نص أن الدولة ستقدم بيتا مجهزا كاملا مجانا لكل أب يعيش مع ابنه أو ابنته في بيت واحد، وبالرغم من أهمية هذا الحافز على المستوى المادي إلا أن ذلك المشروع فشل في تحقيق هدفه وبقي في مهده ولم يصل إلى الطموحات التي وضعتها الدولة البريطانية.

وثالثة هذه الأيدولوجيات الصهيونية التي جاءت بفكرة شعب الله المختار إنها تعتبر أن الشعب اليهودي فوق البشر وهو وحده من يحق له أن يحكم أما الآخرون فهم عبيد وكلنا يعلم ما فعلته هذه الأيدولوجية الصهيونية من شرور. سواء كان ذلك على المستوى العربي أو الإسلامي أو الدولي.

وكلها أيدولوجيات تستعبد الإنسان وتلغي الغير ويكفي القول إن إلغاء الغير هو الظلم بعينه.

أمام هذه الأيدولوجيات البشرية هناك الأديان التي تختلف كل الاختلاف عن هذه الطروحات وعلى الرغم من أنه لا يمكن ولا يجوز أن نقارنها بالأديان لأنها من صنع البشر بكل ما يحمله من سلبيات وضعف.

الديانات من صنع الله إذ إن رسالة الإسلام والمسيحية واليهودية قد أبلغها الله للبشرية على لسان أنبيائه رسالة كاملة للبشرية لأنها من الإله الكامل الخالق خالق الإنسان رسالة تعطى الجسد حقه فهي لا تسمح للظلم بكل أنواعه وهذا الأمر يحقق الهدوء والطمأنينة لدى الإنسان لأن ذلك يحافظ على حقوقه المادية والمعنوية والروحية ويجعله يشعر بقيمته الإنسانية، وكلنا نعرف أيدولوجية هتلر حين وضعت الشعب الألماني فوق الشعوب جلبت الويلات والكوارث للشعب الألماني قبل غيره من الشعوب. ونجد الآن أيدولوجية المحافظين الجدد التي تقسم العالم إلى قسمين: الخير وقسم الشر، الخيرون هم الذين يسيرون بفلكها والعكس ينطبق عليهم الشريرون. وكأنهم آلهة نصبوا أنفسهم على البشر وهنا يبرز سمو الرسالات السماوية وإذا كان القرن العشرين هو ازدهار للأيدلوجيات الإنسانية وابتعاد الناس عن الأديان وذهبوا إلى العلمانية والعقل ولكن في بداية هذا القرن الواحد والعشرين رجوع عن هذه الفكرة وأولها الولايات المتحدة الأمريكية (المحافظين الجدد).

وقد اكتشفوا أن كل الأيدلوجيات الإنسانية فشلت ولكن تبقى الحقيقة الإلهية المتجلية بالأديان هي محط القلوب.

وعادت كل الشعوب إلى أديانها ومنها اليهودية والمسيحية وفي الولايات المتحدة هناك إحصائية أن الأمريكان أكثر الشعوب ذهابا إلى الكنائس وأن هناك ازدياد واضح في عدد الكنائس الفخمة بل أصبح لكل حي كنيسة.

أضف إلى ذلك الميزانيات الضخمة التي رصدتها الحكومة الأمريكية لهذا المشروع والتي بلغت 200 مليار دولار.

بينما يريدون من المسلمين أن يبتعدوا عن الإسلام ويعتبرونه أيدولوجية شمولية!! وقد بلغ التحريض على الإسلام درجة عالية.

ولا نستغرب ذلك، ولكن المؤلم والمستغرب أن كثيرا من مفكرينا العرب والمسلمين تبنوا هذه الفكرة بطريقة عمياء وأصبحوا من دعاتها وهذا الأمر يدعونا للتفكير والوقوف وقفة جدية في وجه هذا التيار.

أما الدين الإسلامي فلا خوف عليه وكما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.