منتديات الحوار الجامعية السياسية

الوقائع و الأحداث التاريخية
#27069

معركة فردان
« ١٩١٦مـ »

حاول الألمان في هذه المعركة تحقيق المفاجأة ، ومهاجمة الفرنسيين في أضعف نقطة بدلاً من مهاجمتهم في أقوى نقطة ، ولذلك قامت جماعات الإستطلاع تحت ستر الظلام ، بإستكشاف جبهات القتال لمعرفة الأماكن الضعيفة عند الفرنسيين .
وعندما كانوا يجدون الفرنسيين في نقطة منتبهين وأقوياء ، يحولوا هجومهم إلى مكان آخر ، أو يؤجلوا الهجوم بينما يستمرون في تمهيد إضافي بالمدفعية ، وكان يحالف الألمان دائماً النجاح في هجماتهم الصغرى متأكدين أن في إمكانهم اختراق خط الفرنسيين .
وكان القائد الألماني «فولكنهاين ـ رئيس هيئة الأركان الألمانية » يريد أن يقضي على فرنسا تماماً ؛ كي يحرم بريطانيا من أفضل سيوفها ، وقد انتقى مدينة «فردان» بالذات لهذا الهجوم ؛ لأنه من أجل المحافظة عليها ، ستضطر هيئة الأركان العامة الفرنسية إلى استخدام آخر رجل لديها ، فإذا ما لجأت إلى مثل هذا العمل فإن القوات الفرنسية ستستنزف بخسائرها الدامية .
لذا شهدت هذه المدينة الفرنسية أطول وأشرس معركة جرت خلال الحرب العالمية الأولى ، اشترك نحو مليوني مقاتل في هذه المعركة الطاحنة ، قتل منهم أكثر من نصف مليون رجل ، ومع أن القوات الألمانية انتزعت بعض الحصون الخارجية ، إلا أن «فردان» نفسها التي كان يدافع عنها المارشال «بيتان» والجنرال «نيڤل» قد صدت جميع الهجمات ، وكان شعر الفرنسيين (( إنهم لت يعبروا )) .


التكتيك الألماني لمعركة « فردان » :
استغل الألمان منحنيات نهر الموز ، وصلاحية الأرض هناك للقيام بتطويق الفرنسيين ، وذلك مع التعاون الوثيق بين المدفعية والمشاة الألمانية ، حققها استخدام الإشارات المضيئة ( الصفراء والحمراء والخضراء ) ، بينما لم تستطيع قوات الحلفاء تحقيق ذلك .
وقد قام الألمان بتنظيم خنادقهم بدقة عالية ، مستغلين الفرص التكتيكية أفضل من غيرهم .
ففي يوم ٢١ فبراير ١٩١٦ انطلقت أول قنبلة كبيرة من مدفع ألماني ثقيل انفجرت في ساحة كاتدرائية "فردان" معلنه إبتداء الهجوم ، ثم أعقب ذلك سيل من الحمم الملتهبة تسقط هنا وهناك ، فتنسف خطوط الدفاع الفرنسية الأولى نسفاً .
وكانت خطة القسف المدفعي تتلخص في عبارة تقول: ( قصف ثقيل .. تدمير شامل ) لهذا كانت تنطلق في اليوم الواحد أكثر من مليوني قنبلة ، حيث تهدف هذه الخطة إلى إرهاب خطوط الدفاع الفرنسية بغزارة وتركيز الهجوم ، ثم تحطيم معنوياتهم أو إمكان صمودهم في الموقع .
أما المنطقه القريبة من الجبهة والتي قصفت بالمدفعية ، فقد تحولت إلى حاجز من المستنقعات الطويلة ؛ لأن جسور الأنهار قد إنهارت ، فأصبح عبور المستنقعات في مدقات محدودة جداً ، ومن ثم أصبحت أهدافاً جيدة لمدفعية العدو ، وكانت محاولة الخروج من هذه المدقات مخاطرة بالموت غرقاً.
وتحت ظل هذه الظروف البشعة حطم الإرهاق والضجر المعنويات ، كما حطمها الموت والمستنقعات .

وبالفعل تحولت الأرض تحت أقدم جنود خط الدفاع الأول إلى حفر عميقة ، وشبه أخاديد ومستنقعات ، أي أرض محروقة لاتصلح للدفاع عنها بالتعبير العسكري ، ولكن من حسن حظ الفرنسين أن قوة الجنود التى كانت موجودة في خط الدفاع الأول ، والتي أبيدت تقريباً ، كانت قوة ضيئلة ، ولو كانت القوة الموجودة في قلب دفاعهم كبيرة ، لسقطت «فردان» في نفس اليوم وفقاً للخطة الألمانية .
وفي صباح ٢٣ فبراير شدد الألمان هجومهم ، وركزو في قصف النيران المحرقة بشكل عنيف ، فواجههم الفرنسيون في قرية "ساموغنو" بكل ضراوة وبكل سلاح حتى السلاح الأبيض ، إلا أن التكتيك الألماني استطاع أن يحرز النصر ، ولكن بخسارة في الأرواح فاقت كل تصور .
وكان الفرنسيون يقومون بالهجوم المعاكس بغية استخلاص كل شبر من الأرض استولى على الألمان ، وإن كان ذلك يتم بالتضحية بخسائر بالغة ، فكانت المقاومة الباسلة والقتال المستميت ، تعمل علي إرجاع كل الحصون التى تسقط في يد الألمان في نفس اليوم ، وردهم عما كسبوه .
* وفي الفترة من ١٠-١٥ مارس سقط للفرنسيين خمس حصون ، تم اترداد ثلاثه منها.
وبدأ الألمان وكأنهم في طريقهم إلى النصر النهائي حسب إعتقادهم ، وخاصة عندما قاموا بهجوم شامل في ٢٠ مارس ، اضطر معه القائد الفرنسي «بيتان» إلى الإنسحاب من مواجهة هذا الهجوم ، ولكن «فردان» لم تسقط .
إلا أن المعركة استمرت علي هذا الحال حتى يوم ٩ أبريل ، حين زحف الألمان علي قلعة "مورت هوم" الحصينة ، فتصدت لهم المدفعيه الفرنسية الثقيلة وكبدتهم آلاف القتلى ، مما اضطروا إلى الارتداد ، فكان هذا يوماً مشهوداً في تاريخ «فردان» و «بيتان» والحرب العالمية الأولى بأسرها ، رغم سقوط بعض القلاع الثانوية في يد الألمان بعد قتال عنيف .
وقد ظل القتال دائراً حول فردان حتي شهر يوليو ١٩١٦ ، حقق فيه الفرنسيون صموداً عظيماً ، وإرتفعت معنوياتهم بعد هذه المعركة ، بالرغم من خسائرهم الفادحه في الأعداد إو نوعية الرجال الذين قتلوا ، فقد كانوا أفضل جنودهم العاملة.
وممايذكر أن الإنجليز تقدموا بكسر الخط العسكري في الشمال، فاضطرت القيادة الألمانية إلى تخفيف الضغذ عن الجبهة في «فردان» ، وأصبحت المدينة والأراضي التي جرى عليها القتال عبارة عن مقابر ضخمة لقتلى المعركة ، ثم مزاراٍ وطنياً للفرنسيين ، يخلد بسالتهم وكفاحهم وتضحياتهم في سبيل حماية وطنهم إلى الأبد.

نتائج ودروس من معركة فردان :

عمرت هذه المعركة بالكثر من المفاجآت والمفارقات ، كان زكثرها فس تقارب الخسائر بين الجانبين ، حيث كانت على النحو الآتي :
- الخسائر الفرنسية ٣١٥ ألف جندي .
- الخسائر الألمانية ٢٨٠ ألف جندي .
- إجمالي الخسائر ٥٩٥ ألف جندي .

وبذلك لم يحقق «فولكنهاين» هدفه من استنزاف القى البشرية الفرنسية خلال هذه المعركة ، ومن ثم صارت فردان رمزاً للدمار في الحر الحديثة ، وتحولت المدينة إلى خرائب وأطلال .
ورغم أن الألمان استخدموا الغازا السامة ، إلا أن استخدام المدفعية كان مثالياً من الجانبين ، وللمرة الأول تتفوق المدفعية الفرنسية المتوسطة عيار ١٥٥ مم ، وتدمر بطاريات الهاوتزر الألمني ٤٢٠ مم ، بدع الحصول علي أسرارها بعملية من عمليت التجسس .

وكان أهم دروس معركة فردان على الإطلاق هو بروز التعاون الاستراتيحي الفعال بين مسارح الحرب والجبهات ، فقد كانت أدوار الحلفاء مؤثرة إلى أبعد الحدود في تخفيف قبضة الألمان علي فردان حتى نجحوا في جذب الفرق الألمانية إلى الجبهات الأخرى وهي حسب الأهمية كتالي :
- هجوم بروسيلوف الروسي ( في الجبهة الشرقية ) .
- هجوم السوم البريطاني ( في الجبهة الغربية ) .
- هجوم ايسونزو الأيطالي ( ضد النمسا ) .

وكانت خاتمة النتائج تنحية «فولكنهاين» من رئاسة هية الأركان الألمانية وإعلان فرنسا عن الجنرال «بيتنا» بطلاً قومياً