ازمة دارفور واسبابها
مرسل: الثلاثاء مايو 25, 2010 3:18 pm
ازمة دارفور واسبابها
أزمة دارفور:
أصبحت دارفور في بؤرة الأحداث نتيجة الاجندات الخارجية،فالسودان بمساحته يعتبر «قارة» فيه موارد طبيعية كثيرة، لذلك ما ان يرى الطامعون ان هناك ثروات في منطقة ما حتى يتكالبون عليها وهو ما يحدث الان في دارفور فهو صراع على الموارد الطبيعية بالاضافة الى اجندات خفية وليس صراعاً من اجل وقف اي انتهاكات انسانية.
وهناك وضع قبلي مختلف ومعقد في دارفور،فهي تقع في منطقة جغرافية تعرف بالحزام السوداني يمتد من البحر الأحمر شرقا إلى المحيط غرباً وتكاد تكون الثقافة العربية متجانسة فيه، وإقليم دارفور هو جزء من هذا الحزام العربي الإسلامي يشمل لاهومي ومالي وموريتانيا وجنوب الجزائر والمغرب حتى ان هناك تشابهاً في السحنات واللبس والغناء –فهذه المنطقة يرتبط تاريخها بالإسلام والعروبة، وليس هناك صراع مسلمين وغير مسلمين-الخلفية واحدة،والدين واحد ولا صراع ثقافي كل الذي يحدث نتيجة صراع الإنسان مع الطبيعة.
أســـباب الأزمة فى دارفـور:
1- احتراف معظم أهل دارفور الزراعة والرعى كحرفتين أساسيتين، حيث يتحرك معظم المواطنين بحيواناتهم فى أراض واسعة يتراوح مناخها من السافانا الغنية إلى المناخ الصحراوى، وتبعًا لذلك تختلف درجات الغطاء النباتى، وتتوفر المياه باختلاف فصول السنة مما يتحتم معه حركة الرعاة فى المنطقة طلبًا للكلأ والماء، الأمر الذى يسبب احتكاكات ونزاعات بين القبائل التى تعتمد فى معيشتها على الـزراعة وتلك التى ترعى الماشية والأغنام والجمال، لكن سرعان ما يتم احتواء هذه الاحتكاكات أو الاشتباكات بواسطة أعيان القبائل المختلفة. وكنتاج طبيعى للظروف الطبيعية التى اجتاحت المنطقة فى الأعوام السابقة مثل الجفاف والتصحر فقد ظهرت خلافات ونزاعات بين القبائل التى تمارس الزراعة وتلك التى تحترف الرعى.. وقد كان من الإفرازات السلبية لهذه الظاهرة أن لجأ الأفراد ضعيفو النفوس إلى تكوين عصابات لنهب وترويع المواطنين الأبرياء، وهو ما يعرف بعصابات النهب المسلح التى اتخذت من هذا العمل الإجرامى الذى ينتهك القانون وسيلة لدعم وتمويل النشاط العسكرى للمجموعات المتمردة، فضلًا عمن يقومون بارتكاب مثل هذه الجرائم لمكاسب شخصية. لذلك استوجب هذا الوضع أن تضطلع الحكومة بمسئولياتها وواجباتها فى الحفاظ على أرواح وممتلكات المواطنين الأبرياء، كما قامت الدولة بتشكيل محاكم خاصة لضمان سرعة البت فى تلك الجرائم نظرًا لما لها من مخاطر قد تفضى إلى فتنة وحرب أهلية.
2 - أدت الانفراطات الأمنية، والأحداث السياسية فى بعض الدول المجاورة لإقليم دارفور عبر التاريخ إلى نزوح عدد كبير من قبائل تلك البلدان، خاصة تشاد وأفريقيا الوسطى إلى إقليم دارفور، وقد استقرت أغلب تلك القبائل بأرض الإقليم، ساعد فى ذلك التداخل الأسرى واللغوى والتاريخ المشترك للمنطقة التى كانت مملكة واحدة فيما يسمى بالسودان القديم والذى يمتد من السنغال وغامبيا على المحيط الأطلسي إلى أثيوبيا فى أقصى شرق القارة الأفريقية.
3 - ومن إفرازات النزاعات التشادية الداخلية منذ أوائل السبعينيات، فضلًا عن القتال الذى استمر فى جنوب السودان لعقدين من الزمان انتشار الأسلحة بمختلف أنواعها وتكديسها لدى المواطنين فى بيئة يصعب على الدولة والوجود الحكومى تعقبها، وقد تفاقمت هذه المشكلة فى الفترة الأخيرة عندما برز استخدام الأسلحة المتطورة بواسطة عصابات النهب المسلح التى أضحت تقلق مضاجع المواطنين، الأمر الذى استوجب قيام الدولة بواجبها ومسئوليتها فى بسط هيبتها بتدعيم الأمن وتعقب الجناة وتقديمهم للقضاء العادل.
4 - على صعيد آخر شهد إقليم دارفور الكبرى استقطابًا حادًا فى مختلف عهود الأنظمة الديمقراطية حيث مارست مختلف الأحزاب السياسية، وبخاصة الحزبين الكبيرين، استقطابًا لأغراض حزبية اتسم بالطابع القبلى، ومساندة قبيلة على حساب قبيلة أخرى، الأمر الذى عرّض تماسك النسيج الاجتماعى فى الإقليم إلى الضعف، وأوجد مناخًا من عدم الثقة فيما بين قبائل الإقليم.
5 - منذ بداية نشاط الحركة الشعبية فى جنوب السودان، سعت الحركة إلى إيجاد موطئ قدم لها فى الإقليم عن طريق تجنيد بعض أفراد القبائل، وتسليحهم.
6 - على صعيد آخر، تعرضت دارفور الكبرى، وشمال الإقليم بوجه خاص إلى موجة الجفاف المشهورة فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى والتى امتدت لأكثر من عقد من الزمان، ونجم عنها مجاعة فى أكثر من موقع فى الإقليم، وأدت إلى حراك سكانى هائل من شمال الإقليم إلى جنوبه الذى يتمتع بموارد طبيعية أفضل بكثير من تلك التى تتوفر فى إقليم الشمال. وكان من الإفرازات السالبة لهذا الحراك السكانى قيام تنظيمات مسلحة متباينة الأهداف، منها ما هدف للدفاع عن القبيلة ومصالحها والحفاظ على ممتلكاتها رعيًا كان أم زراعة، ومنها من وجد فى عدم الاستقرار مناخًا ملائمًا لتأسيس تنظيمات للنهب المسلح خدمة لمصالح ذاتية وفردية. وقد انتظمت هذه الجماعات المسلحة فى مجموعات معارضة كحركة تحرير السودان (قطاع دارفور) وحركة العدل والمساواة، وتسببت فى إفشال مساعى الدولة السلمية لمعالجة الأوضاع، ولجأت إلى حمل السلاح وتأجيج الصراعات وترويع المواطنين وتعريض حياتهم وممتلكاتهم للخطر وممارسة أبشع أنواع انتهاكات حقوق الإنسان.
7- الفشل السياسي السوداني في إقامة الدولة الوطنية وإنجاز التنمية المتسامية والعادلة على مستوى القطر، فالسودان منذ الاستقلال ورث الدولة الكولونيالية بحدودها الإدارية واقتصادها وطريقة الحكم دون أن يحولها إلى دولة وطنية حديثة تحقق الاندماج القومي أو الوحدة في التنوع الثقافي بحيث يمكن الثقافات المختلفة التي يضمها السودان من أن تعيش انتماءً قوميًا يمثل الحد الأدنى القادر على ربط كل هذه الشعوب من خلال الشعور بالمواطنة الواحدة التي تساوي الجميع بغض النظر عن الأديان أو اللهجات أو الثقافات، وأن تكون هذه العوامل مصدر قوة في الانتماء للوطن الواحد وليست أدوات فرقة أو اختلافات وخلافات كما يحدث الآن.
لقد تعاقبت الحكومات الوطنية منذ الاستقلال 1956 ولم تهتم بالإقليم فتركزت التنمية والامتيازات في العاصمة وفي المنطقة النيلية الوسطية الشمالية وبعض المدن الكبرى نسبيًا. وكان هذا الوضع يبدو وكأنه التطور الطبيعي لكل دول العالم الثالث ولكن مع ازدياد التهميش والفقر ومع بروز فئات متعلمة وواعية في تلك المناطق، صار من الصعب اعتبار أن الأمر الواقع هو أفضل الممكن أو كما يقال ليس في الإمكان أحسن مما كان. أهملت الحكومات الوطنية قضية التنمية باستمرار فقد كانت برامجها شبه خالية من التنمية لذلك لم تقم مشروعات أثناء توليها الحكم وللمفارقة أن بعض المشروعات التي أقيمت في تلك المناطق قامت بها نظم عسكرية. وبدا وكأن التنمية والديمقراطية لا يلتقيان، وهذه مشكلة سياسية وفكرية تواجه السودانيين حتى الآن: كيف يمكن أن تجمع أحزابهم وقواهم السياسية بين استدامة الديمقراطية وبناء وتنمية شاملة عادلة؟!
يؤكد الدكتور حيدر إبراهيم - مدير مركز الدراسات السودانية - أن مشكلة دارفور هي جزء من مشكلة الفشل السياسي السوداني في إقامة الدولة الوطنية وإنجاز التنمية المتسامية والعادلة على مستوى القطر فهي مشكلة تنموية وسياسية أي حرمان مواطني تلك المناطق من المشاركة الفعلية في السلطة والثروة.
8- بقاء منطقة دارفور سلطنة مستقلة حتى 1916 أي أكثر من سبعة عشر عامًا من الحكم الثنائي على السودان. لذلك لدى الدارفوريين شعور بالاستقلال لأنهم أقرب إلى السودان الغربي الكبير منه إلى السودان النيلي الشرقي. فهي بعيدة جغرافيًا وسياسيًا عن العاصمة وفي فترات الحكم المركزي يكون ارتباطها بالخرطوم شكليًا, فالعاصمة لا تقدم خدمات والإقليم لا يرى ما يستوجب الولاء وهذا ما أضعف الانتماء القومي وسوف يعيد للحياة الانتماءات القبلية ويعمق الفوارق الإثنية وعندما حاول نظام النميري (69-1985) تطبيق النظام اللامركزي تسبب في إحياء التنافس القبلي والعشائري حول المناصب والسلطة السياسية. وتفاقمت الأوضاع خلال الحكم الحالي مع زيادة تفويض الأقاليم في حكم ذاتها مما أشعل الصراع الداخلي وكانت الحكومة تحاول أن تخفي وجود مشكلات سياسية وحين بدأت بعض المجموعات تخرج عن سلطة الدولة كانت تسمى عصابات النهب المسلح ولم تحاول الحكومة البحث عن مسببات الخروج.
9- العامل المحلي الذي ساهم بقوة في تأجيج نيران الفتنة هو استغلال مجموعة من السياسيين للظروف التي أوجدها الصراع المسلح، فحاولوا أن يديروا صراعهم مع الحكومة بدماء الأبرياء والمخدوعين في دارفور، فأضفوا على المشكلة مسحة سياسية مطلبية وظلوا يطوفون بعواصم الغرب - خاصة لندن - ويعقدون المؤتمرات الصحفية ويصرحون لأجهزة الإعلام باعتبارهم ممثلين لأهل دارفور، بينما هدفهم الأول هو السماح لهم بنصيب في كعكة السلطة واقتطاع جزء لهم من موارد الثروة، وفي سبيل تحقيق هذه الغايات أطلقوا شرور العنصرية من عقالها فأفسدوا لوحة التعايش السلمي بين القبائل في الإقليم والتي دامت لعقود طويلة.
10- الولايات المتحدة التي ورثت بريطانيا في المنطقة، تستخدم المبدأ الاستعماري نفسه: (فرق تسد) ولكن بأساليب جديدة وأدوات مستحدثة. وهي اللاعب الرئيس في الساحة السودانية الآن ساعدها في ذلك ضعف وهشاشة القوى السياسية السودانية، وامتلاك الكثير من مقاليد الأمور في دول الجوار السوداني. وهي تعمل بحماس شديد هذه الأيام لتسوية مشكلة جنوب السودان بما يضمن لها أكبر قدر من النفوذ والمصالح في السودان، وقبل عامين رتبت لوقف إطلاق النار في جبال النوبة وتواجدت عسكريًا في تلك البقعة لتنطلق منها إلى شمال السودان بعد أن ضمنت جنوبه، وفي هذا السياق ليس مستغربًا أن يلمح مسئول بوزارة الخارجية الأمريكية إلى إمكانية حل مشاكل دارفور بنفس الطريقة التي عولجت بها مشكلة الجنوب في إشارة إلى مبدأ تقرير المصير وهو ما بدأ يردده متمردو دارفور مؤخرًا مع مطالب تقسيم الثروة والسلطة. ومن هنا ندرك أن السكين الأمريكي لن يتوقف عند حد انفصال الجنوب - الذي بدت ملامحه واضحة الآن - وإنما سيطال تقطيع أجزاء السودان الباقية. فقضايا دارفور وجبال النوبة والإنقسنا والبجا وغيرها مما اصطلحوا على تسميتها بالمناطق المهمشة تظل روافد تغذي الرغبة الأمريكية لتقسيم السودان وتطويعه.
أزمة دارفور:
أصبحت دارفور في بؤرة الأحداث نتيجة الاجندات الخارجية،فالسودان بمساحته يعتبر «قارة» فيه موارد طبيعية كثيرة، لذلك ما ان يرى الطامعون ان هناك ثروات في منطقة ما حتى يتكالبون عليها وهو ما يحدث الان في دارفور فهو صراع على الموارد الطبيعية بالاضافة الى اجندات خفية وليس صراعاً من اجل وقف اي انتهاكات انسانية.
وهناك وضع قبلي مختلف ومعقد في دارفور،فهي تقع في منطقة جغرافية تعرف بالحزام السوداني يمتد من البحر الأحمر شرقا إلى المحيط غرباً وتكاد تكون الثقافة العربية متجانسة فيه، وإقليم دارفور هو جزء من هذا الحزام العربي الإسلامي يشمل لاهومي ومالي وموريتانيا وجنوب الجزائر والمغرب حتى ان هناك تشابهاً في السحنات واللبس والغناء –فهذه المنطقة يرتبط تاريخها بالإسلام والعروبة، وليس هناك صراع مسلمين وغير مسلمين-الخلفية واحدة،والدين واحد ولا صراع ثقافي كل الذي يحدث نتيجة صراع الإنسان مع الطبيعة.
أســـباب الأزمة فى دارفـور:
1- احتراف معظم أهل دارفور الزراعة والرعى كحرفتين أساسيتين، حيث يتحرك معظم المواطنين بحيواناتهم فى أراض واسعة يتراوح مناخها من السافانا الغنية إلى المناخ الصحراوى، وتبعًا لذلك تختلف درجات الغطاء النباتى، وتتوفر المياه باختلاف فصول السنة مما يتحتم معه حركة الرعاة فى المنطقة طلبًا للكلأ والماء، الأمر الذى يسبب احتكاكات ونزاعات بين القبائل التى تعتمد فى معيشتها على الـزراعة وتلك التى ترعى الماشية والأغنام والجمال، لكن سرعان ما يتم احتواء هذه الاحتكاكات أو الاشتباكات بواسطة أعيان القبائل المختلفة. وكنتاج طبيعى للظروف الطبيعية التى اجتاحت المنطقة فى الأعوام السابقة مثل الجفاف والتصحر فقد ظهرت خلافات ونزاعات بين القبائل التى تمارس الزراعة وتلك التى تحترف الرعى.. وقد كان من الإفرازات السلبية لهذه الظاهرة أن لجأ الأفراد ضعيفو النفوس إلى تكوين عصابات لنهب وترويع المواطنين الأبرياء، وهو ما يعرف بعصابات النهب المسلح التى اتخذت من هذا العمل الإجرامى الذى ينتهك القانون وسيلة لدعم وتمويل النشاط العسكرى للمجموعات المتمردة، فضلًا عمن يقومون بارتكاب مثل هذه الجرائم لمكاسب شخصية. لذلك استوجب هذا الوضع أن تضطلع الحكومة بمسئولياتها وواجباتها فى الحفاظ على أرواح وممتلكات المواطنين الأبرياء، كما قامت الدولة بتشكيل محاكم خاصة لضمان سرعة البت فى تلك الجرائم نظرًا لما لها من مخاطر قد تفضى إلى فتنة وحرب أهلية.
2 - أدت الانفراطات الأمنية، والأحداث السياسية فى بعض الدول المجاورة لإقليم دارفور عبر التاريخ إلى نزوح عدد كبير من قبائل تلك البلدان، خاصة تشاد وأفريقيا الوسطى إلى إقليم دارفور، وقد استقرت أغلب تلك القبائل بأرض الإقليم، ساعد فى ذلك التداخل الأسرى واللغوى والتاريخ المشترك للمنطقة التى كانت مملكة واحدة فيما يسمى بالسودان القديم والذى يمتد من السنغال وغامبيا على المحيط الأطلسي إلى أثيوبيا فى أقصى شرق القارة الأفريقية.
3 - ومن إفرازات النزاعات التشادية الداخلية منذ أوائل السبعينيات، فضلًا عن القتال الذى استمر فى جنوب السودان لعقدين من الزمان انتشار الأسلحة بمختلف أنواعها وتكديسها لدى المواطنين فى بيئة يصعب على الدولة والوجود الحكومى تعقبها، وقد تفاقمت هذه المشكلة فى الفترة الأخيرة عندما برز استخدام الأسلحة المتطورة بواسطة عصابات النهب المسلح التى أضحت تقلق مضاجع المواطنين، الأمر الذى استوجب قيام الدولة بواجبها ومسئوليتها فى بسط هيبتها بتدعيم الأمن وتعقب الجناة وتقديمهم للقضاء العادل.
4 - على صعيد آخر شهد إقليم دارفور الكبرى استقطابًا حادًا فى مختلف عهود الأنظمة الديمقراطية حيث مارست مختلف الأحزاب السياسية، وبخاصة الحزبين الكبيرين، استقطابًا لأغراض حزبية اتسم بالطابع القبلى، ومساندة قبيلة على حساب قبيلة أخرى، الأمر الذى عرّض تماسك النسيج الاجتماعى فى الإقليم إلى الضعف، وأوجد مناخًا من عدم الثقة فيما بين قبائل الإقليم.
5 - منذ بداية نشاط الحركة الشعبية فى جنوب السودان، سعت الحركة إلى إيجاد موطئ قدم لها فى الإقليم عن طريق تجنيد بعض أفراد القبائل، وتسليحهم.
6 - على صعيد آخر، تعرضت دارفور الكبرى، وشمال الإقليم بوجه خاص إلى موجة الجفاف المشهورة فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى والتى امتدت لأكثر من عقد من الزمان، ونجم عنها مجاعة فى أكثر من موقع فى الإقليم، وأدت إلى حراك سكانى هائل من شمال الإقليم إلى جنوبه الذى يتمتع بموارد طبيعية أفضل بكثير من تلك التى تتوفر فى إقليم الشمال. وكان من الإفرازات السالبة لهذا الحراك السكانى قيام تنظيمات مسلحة متباينة الأهداف، منها ما هدف للدفاع عن القبيلة ومصالحها والحفاظ على ممتلكاتها رعيًا كان أم زراعة، ومنها من وجد فى عدم الاستقرار مناخًا ملائمًا لتأسيس تنظيمات للنهب المسلح خدمة لمصالح ذاتية وفردية. وقد انتظمت هذه الجماعات المسلحة فى مجموعات معارضة كحركة تحرير السودان (قطاع دارفور) وحركة العدل والمساواة، وتسببت فى إفشال مساعى الدولة السلمية لمعالجة الأوضاع، ولجأت إلى حمل السلاح وتأجيج الصراعات وترويع المواطنين وتعريض حياتهم وممتلكاتهم للخطر وممارسة أبشع أنواع انتهاكات حقوق الإنسان.
7- الفشل السياسي السوداني في إقامة الدولة الوطنية وإنجاز التنمية المتسامية والعادلة على مستوى القطر، فالسودان منذ الاستقلال ورث الدولة الكولونيالية بحدودها الإدارية واقتصادها وطريقة الحكم دون أن يحولها إلى دولة وطنية حديثة تحقق الاندماج القومي أو الوحدة في التنوع الثقافي بحيث يمكن الثقافات المختلفة التي يضمها السودان من أن تعيش انتماءً قوميًا يمثل الحد الأدنى القادر على ربط كل هذه الشعوب من خلال الشعور بالمواطنة الواحدة التي تساوي الجميع بغض النظر عن الأديان أو اللهجات أو الثقافات، وأن تكون هذه العوامل مصدر قوة في الانتماء للوطن الواحد وليست أدوات فرقة أو اختلافات وخلافات كما يحدث الآن.
لقد تعاقبت الحكومات الوطنية منذ الاستقلال 1956 ولم تهتم بالإقليم فتركزت التنمية والامتيازات في العاصمة وفي المنطقة النيلية الوسطية الشمالية وبعض المدن الكبرى نسبيًا. وكان هذا الوضع يبدو وكأنه التطور الطبيعي لكل دول العالم الثالث ولكن مع ازدياد التهميش والفقر ومع بروز فئات متعلمة وواعية في تلك المناطق، صار من الصعب اعتبار أن الأمر الواقع هو أفضل الممكن أو كما يقال ليس في الإمكان أحسن مما كان. أهملت الحكومات الوطنية قضية التنمية باستمرار فقد كانت برامجها شبه خالية من التنمية لذلك لم تقم مشروعات أثناء توليها الحكم وللمفارقة أن بعض المشروعات التي أقيمت في تلك المناطق قامت بها نظم عسكرية. وبدا وكأن التنمية والديمقراطية لا يلتقيان، وهذه مشكلة سياسية وفكرية تواجه السودانيين حتى الآن: كيف يمكن أن تجمع أحزابهم وقواهم السياسية بين استدامة الديمقراطية وبناء وتنمية شاملة عادلة؟!
يؤكد الدكتور حيدر إبراهيم - مدير مركز الدراسات السودانية - أن مشكلة دارفور هي جزء من مشكلة الفشل السياسي السوداني في إقامة الدولة الوطنية وإنجاز التنمية المتسامية والعادلة على مستوى القطر فهي مشكلة تنموية وسياسية أي حرمان مواطني تلك المناطق من المشاركة الفعلية في السلطة والثروة.
8- بقاء منطقة دارفور سلطنة مستقلة حتى 1916 أي أكثر من سبعة عشر عامًا من الحكم الثنائي على السودان. لذلك لدى الدارفوريين شعور بالاستقلال لأنهم أقرب إلى السودان الغربي الكبير منه إلى السودان النيلي الشرقي. فهي بعيدة جغرافيًا وسياسيًا عن العاصمة وفي فترات الحكم المركزي يكون ارتباطها بالخرطوم شكليًا, فالعاصمة لا تقدم خدمات والإقليم لا يرى ما يستوجب الولاء وهذا ما أضعف الانتماء القومي وسوف يعيد للحياة الانتماءات القبلية ويعمق الفوارق الإثنية وعندما حاول نظام النميري (69-1985) تطبيق النظام اللامركزي تسبب في إحياء التنافس القبلي والعشائري حول المناصب والسلطة السياسية. وتفاقمت الأوضاع خلال الحكم الحالي مع زيادة تفويض الأقاليم في حكم ذاتها مما أشعل الصراع الداخلي وكانت الحكومة تحاول أن تخفي وجود مشكلات سياسية وحين بدأت بعض المجموعات تخرج عن سلطة الدولة كانت تسمى عصابات النهب المسلح ولم تحاول الحكومة البحث عن مسببات الخروج.
9- العامل المحلي الذي ساهم بقوة في تأجيج نيران الفتنة هو استغلال مجموعة من السياسيين للظروف التي أوجدها الصراع المسلح، فحاولوا أن يديروا صراعهم مع الحكومة بدماء الأبرياء والمخدوعين في دارفور، فأضفوا على المشكلة مسحة سياسية مطلبية وظلوا يطوفون بعواصم الغرب - خاصة لندن - ويعقدون المؤتمرات الصحفية ويصرحون لأجهزة الإعلام باعتبارهم ممثلين لأهل دارفور، بينما هدفهم الأول هو السماح لهم بنصيب في كعكة السلطة واقتطاع جزء لهم من موارد الثروة، وفي سبيل تحقيق هذه الغايات أطلقوا شرور العنصرية من عقالها فأفسدوا لوحة التعايش السلمي بين القبائل في الإقليم والتي دامت لعقود طويلة.
10- الولايات المتحدة التي ورثت بريطانيا في المنطقة، تستخدم المبدأ الاستعماري نفسه: (فرق تسد) ولكن بأساليب جديدة وأدوات مستحدثة. وهي اللاعب الرئيس في الساحة السودانية الآن ساعدها في ذلك ضعف وهشاشة القوى السياسية السودانية، وامتلاك الكثير من مقاليد الأمور في دول الجوار السوداني. وهي تعمل بحماس شديد هذه الأيام لتسوية مشكلة جنوب السودان بما يضمن لها أكبر قدر من النفوذ والمصالح في السودان، وقبل عامين رتبت لوقف إطلاق النار في جبال النوبة وتواجدت عسكريًا في تلك البقعة لتنطلق منها إلى شمال السودان بعد أن ضمنت جنوبه، وفي هذا السياق ليس مستغربًا أن يلمح مسئول بوزارة الخارجية الأمريكية إلى إمكانية حل مشاكل دارفور بنفس الطريقة التي عولجت بها مشكلة الجنوب في إشارة إلى مبدأ تقرير المصير وهو ما بدأ يردده متمردو دارفور مؤخرًا مع مطالب تقسيم الثروة والسلطة. ومن هنا ندرك أن السكين الأمريكي لن يتوقف عند حد انفصال الجنوب - الذي بدت ملامحه واضحة الآن - وإنما سيطال تقطيع أجزاء السودان الباقية. فقضايا دارفور وجبال النوبة والإنقسنا والبجا وغيرها مما اصطلحوا على تسميتها بالمناطق المهمشة تظل روافد تغذي الرغبة الأمريكية لتقسيم السودان وتطويعه.