- الثلاثاء مايو 25, 2010 5:23 pm
#27104
" مستقبل العلاقات الإسلامية الأمريكية في ظل الرئاسة الجديدة "
مرفت عبدالجبار
د. سعد العتيبي: " هذا الرجل سيرته الذاتية ومواقفه لا تبشر بالاعتدال الذي يأمل فيه الكثير من العرب والمسلمين "
د اللويحق: " سيبقى القلق الأمريكي وشماعة الإرهاب حاضرة ما دامت الملفات الساخنة في العالم الإسلامي مفتوحة "
مرفت عبدالجبار – جدة
عبّر كثير من مفكري الأمة الإسلامية عن توقعاتهم وآمالهم في العلاقات الأمريكية الإسلامية في ظل الرئاسة الأمريكية الجديدة لباراك أوباما، وذلك عبر الصحف ومواقع الإنترنت واللقاءات التلفزيونية، آخذين بعين الاعتبار العلاقات القديمة التي ربطتهما في عهد من تعاقبوا على الرئاسة الأمريكية، حيث أجمع الأغلب أنه لم يكن هناك جديد يذكر على صعيد العلاقات مع الشرق الأوسط، وعلى صفحتنا هذه نناقش التغيير الذي نادى به أوباما، هل سينعكس فعلياً على العلاقات تجاه الشرق الأوسط؟ وبخاصة أنه وعد بسحب الجيش الأمريكي من العراق والنظر في القضية الفلسطينية.
بداية مع د.سعد العتيبي، عضو هيئة التدريس بقسم السياسة الشرعية في المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حيث أجاب قائلاً:
إذا ما نُظر إلى الشعار الذي صوت له الناس ممن رشحوا أوباما من الناخبين الأمريكيين، سنجد أنه شعار: التغيير؛ وهذا يعني أن الناس قد ملّت حياتها في الولايات المتحدة، وأنهم سئموا قيادة المحافظين الجدد لهم، تلك القيادة التي استمرت قرابة عقد من الزمن، ولا سيما بعد إفرازاتها النتنة، في داخل الولايات المتحدة وخارجها بدءاً بالحروب، وانتهاء بالمعضلة الاقتصادية؛ ولهذا وجدنا اتجاهاً عالمياً يتمنى سقوط ماكين بوصفه امتداداً للمحافظين الجدد، ويود فوز أوباما نكاية بهم، وظناً منه أنه لن يكون - مهما كان - أكثر سوءا من ولايتي بوش ونائبه – وإن شئتم أستاذه - ديك تشيني.
ولكن هذه المشاعر إن عبرت عن رفض الأمريكيين في الولايات المتحدة جميعها لواقع طالما نادى به المتأمركون في عالمنا العربي والإسلامي؛ فإنَّ توقع حقيقة التغيير، واستشراف مستقبل السياسة الأمريكية فيما يتعلق بقضايانا في الشرق الأوسط فلسطين والعراق أو غيرهما، لا يمكن الركون فيه إلى تلك المشاعر، وإنما ينبغي أن يستشرف من خلال آلية نظام الحكم الأمريكي، وحقيقة الشخصيات التي تديره، ومواقفها السياسية المسبقة من قضايانا، وأقدمها وأعقدها قضية فلسطين المحتلة.
وإذا ما عدنا إلى صلاحيات الرئيس الأمريكي في الشأن الخارجي - الذي يهم العالم الإسلامي - فإنها بمقتضى المادة الثانية من الدستور الأمريكي تتمثل في: رسم السياسة الخارجية والإشراف على تنفيذها، فهو المسؤول الأول عن تنظيم العلائق الخارجية كإجراء المفاوضات، وعقد الاتفاقيات والمعاهدات، والاعتراف بالدول، وتعيين الدبلوماسيين، لكن النظام السياسي الأمريكي يجعل من رئيس الدولة رئيسا فعليا للسلطة التنفيذية بخلاف أنظمة الحكم البرلمانية؛ ولذلك لا بد أن يعتمد على وجود جهاز تنفيذي، وهذا الجهاز هو الذي يقوم بوظيفة مؤثرة جداً في قيادة الدولة، ومن خلالها يتحول النظام المؤسسي الأمريكي إلى نظام تديره نخبة من الشخصيات التي غالباً ما تكون ذات تأثير بالغ في توجيه الدولة، ويتحول فيها الرئيس إلى ما يشبه الرمز، بينما تتحول بقية المؤسسات التقنينية إلى ميدان للشد والجذب في إطار يتحكم في مساره في الغالب الجهاز التنفيذي للرئيس، وبمعنى آخر: فإن الولايات المتحدة وإن كانت دولة مؤسسات في الظاهر إلا أنها تدار في حقيقة الأمر من خلال الشخصيات ذات النفوذ في الجهاز التنفيذي للرئيس، فحكومتها الحقيقية حكومة خفية...
كما أن الرئيس الأمريكي هنا مرشح حزب؛ وهذا يعني أن تصرفاته يجب ألاّ تخرج عن سياسة الحزب؛ فأوباما مرشح الحزب الديمقراطي، وليس مرشحاً مستقلاً.
ومن هنا فإن من المهم جداً أن لا نقرأ مستقبل السياسة الأمريكية من خلال شخصية الرئيس مهما كانت معتدلة الطبع، فإن اعتدالها يتحول في أحسن حالاته إلى طريقة التعامل لا إلى حقيقة السياسة، وبمعنى آخر: قد يكون أكثر دبلوماسية.
وبناء على ما سبق فإن استشراف مستقبل العلاقة الأمريكية الإسلامية يعتمد في قراءة الموقف الأمريكي في رئاسة أوباما قراءة عامة، على فهم قضيتين:
الأولى: الشخصيات المتنفّذة في الجهاز التنفيذي لأوباما بصفته رئيساً.
والثانية: موقف الحزب الديمقراطي من القضايا التي يراد استشراف مستقبل سياسة أوباما فيها.
وإذا ما أردنا النظر في القضية الأولى من خلال ما أمكن الوقوف عليه من معلومات معلنة، فسنجد ما يلي:
في وقت الحملة الانتخابية كان من مستشاريه: ديفيد آرون DAVID AARON، وهو من المشاركين في دراسات مؤسسة راند! ومن ذلك الكتاب الأخير: " الجهاد بعباراتهم أو بأصواتهم " (IN THEIR OWN WORDS Voices of jihad)، الذي تحدث فيه عن نقولات منسوبة لعدد من علماء الإسلام ودعاته من السابقين واللاحقين، ومنهم المجددان: أبو العباس ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب والشيخ حسن البنا وغيرهم. وليس المجال الآن للحديث عن هذا الكتاب الذي يضم عشرة فصول فيما يزيد على ثلاثمائة صفحة.
وإثر فوز أوباما في الانتخابات – وذكر أن ذلك قبل فوزه بساعتين!- اختار رام إسرائيل إيمانويل لشغل منصب كبير موظفي البيت الأبيض، وهو يشبه منصب رئيس الوزراء، بل إن من المحللين والمراقبين من يرون أنه أقوى تأثيراً من منصب نائب الرئيس! فهو ذو رأي مؤثر جداً في اختيار موظفي البيت الأبيض والوزارات المختلفة، بما في ذلك وزارة الخارجية، والمستشارين الخارجيين، يقول الباحث في الشؤون الأمريكية د.باسم خفاجي: " إن من سيشغل هذا المنصب سيكون له تأثير فعلي في الإدارة الأمريكية القادمة، فهو من يشرف على جميع الأعمال والموظفين في البيت الأبيض، وهو من يحدد جدول الرئيس الأمريكي، وهو من يقرر من يقابل الرئيس، ومتى يقابله، وهو مسؤول عن إدارة المعلومات التي تصل للرئيس، أو تعرض عليه، وهو أيضاً حلقة الوصل بين الرئيس وبين الكونجرس الأمريكي، وغير ذلك من المهام الحساسة والمؤثرة، ويشار إليه عادة أنه أقرب منصب شبيه بمنصب رئاسة الوزراء في الدول التي تتبع ذلك النظام ".
وتابع " العتيبي ": ورام إيمانويل: يهودي متدين، ولد لأم تحمل جنسية الكيان الصهيوني... بل إنه قد خدم كمتطوع مدني في (جيش الدفاع الإسرائيلي) عام 1991م، وأمضى في شبابه الكثير من عطلات الصيف في الكيان الصهيوني ليتعرف عليه عن قرب، وليجمع تاريخ الأسرة في مواجهة العرب في فلسطين، كما تذكر صحيفة نيويورك تايمز في مقال مطول عنه نشر في عام 1997م، أي منذ أكثر من 11 عاماً، وتنبأ المقال كذلك، أن هذا الرجل سيكون له مستقبل واعد في الحياة الأمريكية السياسية!
ويذكر أن من المهام التي اعتبرها تتويجاً لعمله في البيت الأبيض في مدة رئاسة كلينتون لارتباطها بالكيان الصهيوني، أنه كان المشرف العام على جميع ترتيبات الحفل الذي عقد في البيت الأبيض في عام 1993م لتوقيع اتفاقية أوسلو، وبقي عضواً في مجلس النواب منذ عام 2003م حتى توليه منصب كبير موظفي البيت الأبيض في الإدارة القادمة. وهو الوحيد بين الديمقراطيين من ولاية إلينوي الذي صوت لصالح الحرب على العراق، وخالف بذلك إجماع الفريق الديمقراطي للولاية في هذا القرار المهم. ومما جاء في ترجمته أنه معروف بعلاقة قوية باللوبي الصهيوني الأمريكي "إيباك"، وأنه هو من قام بنفسه بتعريف باراك أوباما بقيادات هذا اللوبي خلال الحملة الانتخابية. وعرف بأنه يلوم العرب على أنهم لا يحاربون استخدام الفلسطينيين للمقاومة، وأنه معروف بحدة طباعه، وجرأته في الحديث والتعبير عن آرائه، وقد أصدر مؤخراً كتاباً هاماً بعنوان " الخطة: أفكار كبرى للولايات المتحدة الأمريكية"، وساهم بقوة في عودة التيار الديمقراطي إلى الفوز بالأغلبية في مقاعد مجلسي النواب والشيوخ، وكان يعد الشخصية الرابعة في الترتيب القيادي للكونجرس الأمريكي الديمقراطي حتى اختياره للمنصب الجديد.
وأما تاريخ عائلته وعلاقتها بالصهاينة، وعلاقة والده بمنظمة صهيونية متطرفة وفق التصنيف البريطاني فيطول الحديث بذكره.
ولهذا قال د.باسم خفاجي: " إن سيرته الذاتية، ومواقفه العامة لا تبشر بالاعتدال الذي يأمل فيه الكثير من العرب والمسلمين في الإدارة القادمة عند التعامل مع ملف الصراع حول فلسطين. التأثير الذي سيمارسه رام إيمانويل سيظهر سريعاً على المواقف السياسية الأمريكية من هذا الملف، ما لم يختر باراك أوباما شخصية قوية مقابلة لرام في منصب وزارة الخارجية الأمريكية، وهو ما سيعرف في القريب ".
وأما إذا ما أردنا النظر في القضية الثانية وهي موقف الحزب فربما كانت الصورة فيها أوضح، بسبب ماضي الحزب، ويكفي في هذا التذكير بماضي الحزب الديمقراطي بشأن فلسطين والعراق مثلاً، فسنجد أنه كان أقلّ حماسة من المحافظين الجدد، لكنه لا ينفك عن التزامات الولايات المتحدة تجاه الكيان الصهيوني التي بدأت واضحة، وكانت صريحة منذ لحظة الاعتراف به بُعَيد إعلان الكيان بمقدار وصول صوت الأثير من فلسطين المحتلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية فقط! حتى لا يتم الاعتراف قبل الإعلان كناحية شكلية!
أليس الحزب الديمقراطي هو الذي كانت حكومته تحتج على أعمال المقاومة وتصمت عن أعمال الصهاينة، وتشدد الحصار على العراق حتى مات بسبب حصارها مئات الآلاف من أطفال العراق... وهل نسينا مَن ضرب مصنع الشفاء للأدوية في السودان رداً على ضرب سفارتي بلاده في نيروبي ودار السلام؟!
لعل في هذه الإشارات ما يكفي لتذكر ذلك الماضي.
وأضاف د.جميل اللويحق عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى بذات النقطة: من المعلوم أن الخطوط العامة في السياسة الأمريكية لا تتغير بتغير القادة السياسيين، سواء كانوا من الديمقراطيين وهم الأكثر هدوءاً في العادة أو من الجمهوريين, وأن لها أجندة شبه معلنة وخصوصاً فيما يخص المنطقة والحالة الإسلامية عموماً, وعطفاً على هذه المسلمة المعروفة فلا أظن أن من المنطق والحكمة في شيء التعويل على ظنون أو إشارات تغيير تصدر من هنا وهناك.
ومع ذلك فالمتوقع أن يحدث بعض التغيير البطيء في جانب السياسات التي تحقق تلك الخطوط العامة، فربما تأخر قليلاً مبدأ استخدام القوة العسكرية المباشرة في المرحلة الحالية عطفاً على الإرث المزعج الذي خلفته الإدارة السابقة وعلى بروز المشكلة المالية، ولن تجد الإدارة الحالية حرجاً في ذلك باعتبار أن التغيير السياسي الجديد سيكون غطاءً مناسباً لمثل هذا الترتيب.
وشخصياً أعتقد أن المرحلة القادمة ستشهد انحساراً في التجاوز الأمريكي على العالم لضخامة الأعباء الداخلية بالدرجة الأولى، ولكون العالم اليوم يشهد نفرة هائلة من العم الأمريكي بسبب حماقاته السابقة, وفي الوقت نفسه سيبقى القلق الأمريكي وشماعة الإرهاب حاضرة في التعاطي مع الحالة الإسلامية ما دامت الملفات الساخنة في العالم الإسلامي لا تزال مفتوحة, وردود الأفعال المتعلقة بها واردة وفي مقدمتها الملف الفلسطيني الذي لم تتأخر الإدارة الجديدة في الإعلان عن رؤيتها له من خلال إعلانها الانحياز التام للطرف الإسرائيلي المظلوم والذي تمثل حمايته سياسةً أمريكيةً دائمةً يورثها السابق للاحق، وإعلان ذلك كان دائماً أحد أعمدة الحملة الانتخابية لكلا المرشحين, والذي كان مصداقه العاجل تعيين كبير موظفي البيت الأبيض من رؤوس الإسرائيليين في واشنطن. وينضاف إلى ذلك الملف العراقي، والأفغاني.
مرفت عبدالجبار
د. سعد العتيبي: " هذا الرجل سيرته الذاتية ومواقفه لا تبشر بالاعتدال الذي يأمل فيه الكثير من العرب والمسلمين "
د اللويحق: " سيبقى القلق الأمريكي وشماعة الإرهاب حاضرة ما دامت الملفات الساخنة في العالم الإسلامي مفتوحة "
مرفت عبدالجبار – جدة
عبّر كثير من مفكري الأمة الإسلامية عن توقعاتهم وآمالهم في العلاقات الأمريكية الإسلامية في ظل الرئاسة الأمريكية الجديدة لباراك أوباما، وذلك عبر الصحف ومواقع الإنترنت واللقاءات التلفزيونية، آخذين بعين الاعتبار العلاقات القديمة التي ربطتهما في عهد من تعاقبوا على الرئاسة الأمريكية، حيث أجمع الأغلب أنه لم يكن هناك جديد يذكر على صعيد العلاقات مع الشرق الأوسط، وعلى صفحتنا هذه نناقش التغيير الذي نادى به أوباما، هل سينعكس فعلياً على العلاقات تجاه الشرق الأوسط؟ وبخاصة أنه وعد بسحب الجيش الأمريكي من العراق والنظر في القضية الفلسطينية.
بداية مع د.سعد العتيبي، عضو هيئة التدريس بقسم السياسة الشرعية في المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حيث أجاب قائلاً:
إذا ما نُظر إلى الشعار الذي صوت له الناس ممن رشحوا أوباما من الناخبين الأمريكيين، سنجد أنه شعار: التغيير؛ وهذا يعني أن الناس قد ملّت حياتها في الولايات المتحدة، وأنهم سئموا قيادة المحافظين الجدد لهم، تلك القيادة التي استمرت قرابة عقد من الزمن، ولا سيما بعد إفرازاتها النتنة، في داخل الولايات المتحدة وخارجها بدءاً بالحروب، وانتهاء بالمعضلة الاقتصادية؛ ولهذا وجدنا اتجاهاً عالمياً يتمنى سقوط ماكين بوصفه امتداداً للمحافظين الجدد، ويود فوز أوباما نكاية بهم، وظناً منه أنه لن يكون - مهما كان - أكثر سوءا من ولايتي بوش ونائبه – وإن شئتم أستاذه - ديك تشيني.
ولكن هذه المشاعر إن عبرت عن رفض الأمريكيين في الولايات المتحدة جميعها لواقع طالما نادى به المتأمركون في عالمنا العربي والإسلامي؛ فإنَّ توقع حقيقة التغيير، واستشراف مستقبل السياسة الأمريكية فيما يتعلق بقضايانا في الشرق الأوسط فلسطين والعراق أو غيرهما، لا يمكن الركون فيه إلى تلك المشاعر، وإنما ينبغي أن يستشرف من خلال آلية نظام الحكم الأمريكي، وحقيقة الشخصيات التي تديره، ومواقفها السياسية المسبقة من قضايانا، وأقدمها وأعقدها قضية فلسطين المحتلة.
وإذا ما عدنا إلى صلاحيات الرئيس الأمريكي في الشأن الخارجي - الذي يهم العالم الإسلامي - فإنها بمقتضى المادة الثانية من الدستور الأمريكي تتمثل في: رسم السياسة الخارجية والإشراف على تنفيذها، فهو المسؤول الأول عن تنظيم العلائق الخارجية كإجراء المفاوضات، وعقد الاتفاقيات والمعاهدات، والاعتراف بالدول، وتعيين الدبلوماسيين، لكن النظام السياسي الأمريكي يجعل من رئيس الدولة رئيسا فعليا للسلطة التنفيذية بخلاف أنظمة الحكم البرلمانية؛ ولذلك لا بد أن يعتمد على وجود جهاز تنفيذي، وهذا الجهاز هو الذي يقوم بوظيفة مؤثرة جداً في قيادة الدولة، ومن خلالها يتحول النظام المؤسسي الأمريكي إلى نظام تديره نخبة من الشخصيات التي غالباً ما تكون ذات تأثير بالغ في توجيه الدولة، ويتحول فيها الرئيس إلى ما يشبه الرمز، بينما تتحول بقية المؤسسات التقنينية إلى ميدان للشد والجذب في إطار يتحكم في مساره في الغالب الجهاز التنفيذي للرئيس، وبمعنى آخر: فإن الولايات المتحدة وإن كانت دولة مؤسسات في الظاهر إلا أنها تدار في حقيقة الأمر من خلال الشخصيات ذات النفوذ في الجهاز التنفيذي للرئيس، فحكومتها الحقيقية حكومة خفية...
كما أن الرئيس الأمريكي هنا مرشح حزب؛ وهذا يعني أن تصرفاته يجب ألاّ تخرج عن سياسة الحزب؛ فأوباما مرشح الحزب الديمقراطي، وليس مرشحاً مستقلاً.
ومن هنا فإن من المهم جداً أن لا نقرأ مستقبل السياسة الأمريكية من خلال شخصية الرئيس مهما كانت معتدلة الطبع، فإن اعتدالها يتحول في أحسن حالاته إلى طريقة التعامل لا إلى حقيقة السياسة، وبمعنى آخر: قد يكون أكثر دبلوماسية.
وبناء على ما سبق فإن استشراف مستقبل العلاقة الأمريكية الإسلامية يعتمد في قراءة الموقف الأمريكي في رئاسة أوباما قراءة عامة، على فهم قضيتين:
الأولى: الشخصيات المتنفّذة في الجهاز التنفيذي لأوباما بصفته رئيساً.
والثانية: موقف الحزب الديمقراطي من القضايا التي يراد استشراف مستقبل سياسة أوباما فيها.
وإذا ما أردنا النظر في القضية الأولى من خلال ما أمكن الوقوف عليه من معلومات معلنة، فسنجد ما يلي:
في وقت الحملة الانتخابية كان من مستشاريه: ديفيد آرون DAVID AARON، وهو من المشاركين في دراسات مؤسسة راند! ومن ذلك الكتاب الأخير: " الجهاد بعباراتهم أو بأصواتهم " (IN THEIR OWN WORDS Voices of jihad)، الذي تحدث فيه عن نقولات منسوبة لعدد من علماء الإسلام ودعاته من السابقين واللاحقين، ومنهم المجددان: أبو العباس ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب والشيخ حسن البنا وغيرهم. وليس المجال الآن للحديث عن هذا الكتاب الذي يضم عشرة فصول فيما يزيد على ثلاثمائة صفحة.
وإثر فوز أوباما في الانتخابات – وذكر أن ذلك قبل فوزه بساعتين!- اختار رام إسرائيل إيمانويل لشغل منصب كبير موظفي البيت الأبيض، وهو يشبه منصب رئيس الوزراء، بل إن من المحللين والمراقبين من يرون أنه أقوى تأثيراً من منصب نائب الرئيس! فهو ذو رأي مؤثر جداً في اختيار موظفي البيت الأبيض والوزارات المختلفة، بما في ذلك وزارة الخارجية، والمستشارين الخارجيين، يقول الباحث في الشؤون الأمريكية د.باسم خفاجي: " إن من سيشغل هذا المنصب سيكون له تأثير فعلي في الإدارة الأمريكية القادمة، فهو من يشرف على جميع الأعمال والموظفين في البيت الأبيض، وهو من يحدد جدول الرئيس الأمريكي، وهو من يقرر من يقابل الرئيس، ومتى يقابله، وهو مسؤول عن إدارة المعلومات التي تصل للرئيس، أو تعرض عليه، وهو أيضاً حلقة الوصل بين الرئيس وبين الكونجرس الأمريكي، وغير ذلك من المهام الحساسة والمؤثرة، ويشار إليه عادة أنه أقرب منصب شبيه بمنصب رئاسة الوزراء في الدول التي تتبع ذلك النظام ".
وتابع " العتيبي ": ورام إيمانويل: يهودي متدين، ولد لأم تحمل جنسية الكيان الصهيوني... بل إنه قد خدم كمتطوع مدني في (جيش الدفاع الإسرائيلي) عام 1991م، وأمضى في شبابه الكثير من عطلات الصيف في الكيان الصهيوني ليتعرف عليه عن قرب، وليجمع تاريخ الأسرة في مواجهة العرب في فلسطين، كما تذكر صحيفة نيويورك تايمز في مقال مطول عنه نشر في عام 1997م، أي منذ أكثر من 11 عاماً، وتنبأ المقال كذلك، أن هذا الرجل سيكون له مستقبل واعد في الحياة الأمريكية السياسية!
ويذكر أن من المهام التي اعتبرها تتويجاً لعمله في البيت الأبيض في مدة رئاسة كلينتون لارتباطها بالكيان الصهيوني، أنه كان المشرف العام على جميع ترتيبات الحفل الذي عقد في البيت الأبيض في عام 1993م لتوقيع اتفاقية أوسلو، وبقي عضواً في مجلس النواب منذ عام 2003م حتى توليه منصب كبير موظفي البيت الأبيض في الإدارة القادمة. وهو الوحيد بين الديمقراطيين من ولاية إلينوي الذي صوت لصالح الحرب على العراق، وخالف بذلك إجماع الفريق الديمقراطي للولاية في هذا القرار المهم. ومما جاء في ترجمته أنه معروف بعلاقة قوية باللوبي الصهيوني الأمريكي "إيباك"، وأنه هو من قام بنفسه بتعريف باراك أوباما بقيادات هذا اللوبي خلال الحملة الانتخابية. وعرف بأنه يلوم العرب على أنهم لا يحاربون استخدام الفلسطينيين للمقاومة، وأنه معروف بحدة طباعه، وجرأته في الحديث والتعبير عن آرائه، وقد أصدر مؤخراً كتاباً هاماً بعنوان " الخطة: أفكار كبرى للولايات المتحدة الأمريكية"، وساهم بقوة في عودة التيار الديمقراطي إلى الفوز بالأغلبية في مقاعد مجلسي النواب والشيوخ، وكان يعد الشخصية الرابعة في الترتيب القيادي للكونجرس الأمريكي الديمقراطي حتى اختياره للمنصب الجديد.
وأما تاريخ عائلته وعلاقتها بالصهاينة، وعلاقة والده بمنظمة صهيونية متطرفة وفق التصنيف البريطاني فيطول الحديث بذكره.
ولهذا قال د.باسم خفاجي: " إن سيرته الذاتية، ومواقفه العامة لا تبشر بالاعتدال الذي يأمل فيه الكثير من العرب والمسلمين في الإدارة القادمة عند التعامل مع ملف الصراع حول فلسطين. التأثير الذي سيمارسه رام إيمانويل سيظهر سريعاً على المواقف السياسية الأمريكية من هذا الملف، ما لم يختر باراك أوباما شخصية قوية مقابلة لرام في منصب وزارة الخارجية الأمريكية، وهو ما سيعرف في القريب ".
وأما إذا ما أردنا النظر في القضية الثانية وهي موقف الحزب فربما كانت الصورة فيها أوضح، بسبب ماضي الحزب، ويكفي في هذا التذكير بماضي الحزب الديمقراطي بشأن فلسطين والعراق مثلاً، فسنجد أنه كان أقلّ حماسة من المحافظين الجدد، لكنه لا ينفك عن التزامات الولايات المتحدة تجاه الكيان الصهيوني التي بدأت واضحة، وكانت صريحة منذ لحظة الاعتراف به بُعَيد إعلان الكيان بمقدار وصول صوت الأثير من فلسطين المحتلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية فقط! حتى لا يتم الاعتراف قبل الإعلان كناحية شكلية!
أليس الحزب الديمقراطي هو الذي كانت حكومته تحتج على أعمال المقاومة وتصمت عن أعمال الصهاينة، وتشدد الحصار على العراق حتى مات بسبب حصارها مئات الآلاف من أطفال العراق... وهل نسينا مَن ضرب مصنع الشفاء للأدوية في السودان رداً على ضرب سفارتي بلاده في نيروبي ودار السلام؟!
لعل في هذه الإشارات ما يكفي لتذكر ذلك الماضي.
وأضاف د.جميل اللويحق عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى بذات النقطة: من المعلوم أن الخطوط العامة في السياسة الأمريكية لا تتغير بتغير القادة السياسيين، سواء كانوا من الديمقراطيين وهم الأكثر هدوءاً في العادة أو من الجمهوريين, وأن لها أجندة شبه معلنة وخصوصاً فيما يخص المنطقة والحالة الإسلامية عموماً, وعطفاً على هذه المسلمة المعروفة فلا أظن أن من المنطق والحكمة في شيء التعويل على ظنون أو إشارات تغيير تصدر من هنا وهناك.
ومع ذلك فالمتوقع أن يحدث بعض التغيير البطيء في جانب السياسات التي تحقق تلك الخطوط العامة، فربما تأخر قليلاً مبدأ استخدام القوة العسكرية المباشرة في المرحلة الحالية عطفاً على الإرث المزعج الذي خلفته الإدارة السابقة وعلى بروز المشكلة المالية، ولن تجد الإدارة الحالية حرجاً في ذلك باعتبار أن التغيير السياسي الجديد سيكون غطاءً مناسباً لمثل هذا الترتيب.
وشخصياً أعتقد أن المرحلة القادمة ستشهد انحساراً في التجاوز الأمريكي على العالم لضخامة الأعباء الداخلية بالدرجة الأولى، ولكون العالم اليوم يشهد نفرة هائلة من العم الأمريكي بسبب حماقاته السابقة, وفي الوقت نفسه سيبقى القلق الأمريكي وشماعة الإرهاب حاضرة في التعاطي مع الحالة الإسلامية ما دامت الملفات الساخنة في العالم الإسلامي لا تزال مفتوحة, وردود الأفعال المتعلقة بها واردة وفي مقدمتها الملف الفلسطيني الذي لم تتأخر الإدارة الجديدة في الإعلان عن رؤيتها له من خلال إعلانها الانحياز التام للطرف الإسرائيلي المظلوم والذي تمثل حمايته سياسةً أمريكيةً دائمةً يورثها السابق للاحق، وإعلان ذلك كان دائماً أحد أعمدة الحملة الانتخابية لكلا المرشحين, والذي كان مصداقه العاجل تعيين كبير موظفي البيت الأبيض من رؤوس الإسرائيليين في واشنطن. وينضاف إلى ذلك الملف العراقي، والأفغاني.