- الأربعاء مايو 26, 2010 12:37 am
#27181
السياسة في فرنسا
مقدمة:
من المسلم به أن لدراسة النظم السياسية في العالم المعاصر أهمية كبرى وذلك لأن العالم به اليوم أكثر من مائة وخمسين دولة مستقلة لكل منها نظامها السياسي وقانونها الدستوري، والنظام السياسي اصطلاح موضوعي في صيغة الجمع من حيث اللغة. أما من حيث الاصطلاح فهو مكون من كلمتين هما "النظام" و "السياسي" وكلمة النظام تعني الشيء المستقيم على نهج معين فيقال: "نظم معتوق اللؤلؤ" بمعنى جمعه في السلك و"نظمت الأمر" بمعنى أقمته فاستقام. فإذا كان هذا الشيء جماعة من البشر فإن ذلك يعني أن هذه الجماعة تعتنق منهجاً معيناً واحداً (الزائري، 1997، 7).
و"السياسي" هي صفة مشتقة من الفعل ساس ومصدره "سياسة" أما من حيث الاصطلاح القانوني فقد عّرف بعض الفقهاء "النظام السياسي" بأنه مجموعة القواعد والمبادئ التي تنظم في قيادة مجتمع بشري.
ويميز فقها الفلسفة السياسية بين الفكر السياسي والنظرية السياسية والأيديولوجية السياسية، ومن هذه الأنظمة – النظام السياسي في فرنسا والذي يتشكل من الأحزاب السياسية والقوى الضاغطة وهو نظام برلماني.
نشوء الجمهورية الفرنسية الخامسة وتطورها:
تتمتع فرنسا بمميزات جغرافية لا تتمتع بها أية دولة أخرى في أوربا فيه البلاد الوحيدة التي تطل على كلٍ من البحر المتوسط والمحيط الأطلسي والقنال الإنجليزي وبحر الشمال ولها وجود مع خمس دول هي بلجيكا من الشمال ومن الشرق ألمانيا وسويسرا وإيطاليا، ومن الجنوب أسبانيا.
وتُعد فرنسا كبيرة من حيث المساحة بالمقاييس الأوربية فهي أوسع الدول الأوربية إذا تبلغ مساحتها 5470026كم2 وعدد سكانها حسب تخمين عام 1987م بلغ 55.5 مليون نسمة.
وكانت فرنسا من الدول الملكية في أوربا، حيث أطيح بالملكية باندلاع الثورة الفرنسية في تموز عام 1789م وتم تأسيس أول جمهورية بين عامي 1792-1815م، وتم تأسيس الإمبراطورية الأولى تحت قيادة نابليون وعادة الملكية مرة أخرى بين 1814-1848م.
ويمكن تقسيم التاريخ الفرنسي السياسي منذ قيام الثورة الفرنسية 1789م حتى الجمهورية الخامسة عام 1958م على ثلاث مراحل:
1- المرحلة الأولى التي بدأت عام 1789م وانتهت عام 1814م بسقوط نابليون.
2- المرحلة الثانية التي بدأت عام 1814م بعودة الملكية ثانية، وانتهت عام 1870م بقيادة الجمهورية الثالثة.
3- المرحلة الثالثة التي بدأت قيام الجمهورية الثالثة عام 1870م حتى قيام الجمهورية الخامسة عام 1958م وحتى وقتنا الحاضر.
والذي يفيدنا في دراستنا للنظام السياسي الفرنسي. الأسباب التي أدت إلى قيام الجمهورية الخامسة وما تلاها من تطورات سياسية, فإن ضعف الأجهزة التنفيذية أمام المجالس التشريعية الفائقة القدرة في ظل الجمهوريتين الثالثة والرابعة وعدم الاستقرار الحكومي في الجمهورية الثالثة كان المن العوامل الرئيسة التي رفضت واضعي الدستور في عام 1958م إلى وقف جهدهم الأساسي على تعزيز السلطة التنفيذية، وبصورة أدق سلطة رئيس الجمهورية تعزيزاً ملحوظاً، كما أن الممارسة قّوت أيضاً هذا الطابع المهيمن على الدستور المتعدد العناصر (محمد، 1988، 168).
كما ساهم نظام تعدد الأحزاب الذي كان سائداً في ظل الجمهورية الثالثة والرابعة الذي استمر إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية. وهذا النظام الحزبي التعددي كان يتجاذبه تيارات هما اليسار المتطرف "الشيوعي" واليمين المتطرف "البوجاديون" خصما الديمقراطية. وهذا الوضع يجعله يساهم في قيام هيئة تشريعية ذات نفوذ قوي تقابله هيئة تنفيذية قلقة وعاجزة عن توفير الزعامة القوية التي يمزقها نظام تعدد الأحزاب، وعليه فإن الدستور الذي وضع في بداية الجمهورية الخامسة قد صحح هذا الافتقار إلى التوازن. بحيث أصبحت الإدارة التكنوقراطية الموجهة من الخبراء الفنيين تحت إشراف الوزارة ورئيس الجمهورية، وقد نص الدستور على عدم الجمع بين عضوية الوزارة، وعضوية مجلس الأمة. وللوزارة في النظام الجديد سلطة مستقلة محددة لم تكن هكذا من قبل. في حين يبدو مجلس الأمة أقرب إلى العجز بعد أن كان قادراً على كل شيء ولم يعد رئيس الجمهورية مختاراً بأصوات مجلس الأمة ومجلس الشيوخ مجتمعين كما كان في الجمهورية الرابعة وإنما عن طريق الانتخاب العام المباشر. وقد التحقت بالدستور تعديلات كثيرة من أبرزها تعديل عام 1962م.
القوى والأحزاب السياسية المؤثرة في الحياة العامة:
تعد تعدد الأحزاب السياسية من أبرز المظاهر التي يتميز بها النظام السياسي الفرنسي والمصدر الأساسي للاضطرابات التي كانت تعاني منها فرنسا قبل قيام الجمهورية الخامسة فينما اتجه البنيان الحزبي في غالبية الدول الأوربية إلى نظام الحزبين كما في بريطانيا أو الأحزاب الثلاثة كما في بلجيكا أو الأحزاب الأربعة كما في الدول الاسكندينافية هناك في الوقت الحاضر ثمانية أحزاب كبرى في فرنسا والعديد من الأحزاب الصغيرة الأخرى.
وقد اختلف الكتاب في تفسيرهم ظاهرة تعدد الأحزاب الفرنسية فمنهم من أرجعها إلى طبيعة الفرنسيين المستمدة من أصلهم اللاتيني الذي يميل إلى الجمود الفكري وشدة التمسك بالرأي، ومنهم من أرجعها إلى سرعة تأثر الفرنسيين بالصراعات والشخصيات القوية. الأمر الذي يؤدي إلى ظهور كثير من الأحزاب التي تعرف بـ "أحزاب الأشخاص" والتي ترتكز أساساً على شخصية زعيم معين وتزول بزواله، أو تستمر في العمل السياسي دون أن يكون لها مبادئ واضحة ومنهم من فسرها باستمرار تأثر الفرنسيين بالخلافات والمنازعات التقليدية التي شهدها تاريخ أمتهم كالصراع بين الدولة والكنيسة أو بين الملكية والجمهورية. وأياً ما كانت العوامل الكامنة وراء تعدد الأحزاب السياسية الفرنسية فإن السبب المباشر "يرجع إلى كثرة الانقسامات في داخل الاتجاهات السياسية الواحدة وخاصة داخل اليمين الذي ينقسم إلى متطرف ومعتدل. واليمين المعتدل بدوره ينقسم إلى عدة أحزاب، وكذلك الحال بالنسبة لليمين المتطرف واليسار والوسط" (الشرقاوي، 1982، 189).
وقد أسهم في ظهور التعددية الحزبية وتنوعها مسألة تغيير الدستور الفرنسي عدة مرات. كما أن الأحزاب السياسية في فرنسا ليست كثيرة العدد، والواقع أنه كلما نجد أحزاباً في فرنسا ذات أعداد كبيرة بصورة دائمة باستثناء الحزب الشيوعي وبصورة متقطعة الحزب الاشتراكي وقد شهد الحرب الديجولي أيضاً ازدياداً مفاجئاً في بعض الأحيان.
وكلما نشاهد أحزاباً جماهيرية وإنما فيها أحزاب الموظفين حيث تجمع قياداتها عملياً كل فعالية الحركة مثل أحزاب اليمين (الجمهوريين المستقلين – وأحزاب الوسط) ومن المسلم به أن ضعف الانتماء الحزبي أبرز سمات الأحزاب الفرنسية إلا أن ذلك لا يعني أنها ليس مؤثرة في الرأي العام الفرنسي بل العكس تماماً لها الدور الكبير والمؤثر في أثناء الانتخابات ويمتد تأثيرها إلى عدد كبير من المنظمات النقابية والمهنية والتربوية والثقافية (جماعات الضغط).
وهناك بجور الأحزاب السياسية قوى مؤثرة في الحياة العامة، ومن أبرز تلك القوى نقابات العمال المتعددة ذات الصفة التمثيلية الأقوى وهي المنظمات العالمية تضطلع معاً أو مع بقائها منظمات خاصة ومنفردة بدور كبير جداً في تمثيل المهن. بالإضافة إلى النقابات هناك عدد كبير من الجمعيات وجماعات الضغط التي تؤدي دوراً مؤثراُ في أصحاب السلطة من الهيئات الرئاسية والحكومية والإدارية وعدد هذه الجمعيات يتجاوز العشرات في مختلف الاهتمامات الإنسانية والدينية والاجتماعية ولابد هنا من الإشارة لأبرز القوى السياسية والحزبية في فرنسا:
أولاً: قوى اليمين الفرنسية:
لا يعتبر اليمين الفرنسي تياراً سياسياً جديداً على الساحة السياسية الفرنسية حيث ترجع أصوله إلى القرن التاسع عشر إلا أنه توجد اختلافات حول استخدام مدلول اليمين نظراً للتطورات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي حصلت طيلة مسيرته، أما اليمين المتطرف الجديد الذي ظهر في السبعينات وحقق نجاحاً غير متوقع في الثمانينات والتسعينات فهو مختلف من حيث أنه يعبر عن حركة تبحث عن تغيير أيديولوجي شامل دون مناقشة شرعية الدستور أو المؤسسات القائمة في الدولة "فالجبهة الوطنية" تؤكد أن المبرر الأساسي لوجودها هو تمثيلها للثقافة والهوية الفرنسية وتدعى بأن بقية الأحزاب اليمينية والأجهزة الإعلامية لا تعبر عنها بصدق، وهي تتحرك بدعوى الدفاع عن التقاليد الفرنسية التي هي أقدم من دستور الجمهورية الخامسة ذاته.
وعلى أثر انكماش تيار اليمين المتطرف بعد فقدان الثقة التي تعرض له نتيجة لتجربة نظام "فيش" وتعاونه مع ألمانيا النازية اختفت الجماعات اليمينية الصغيرة التي كانت قائمة في ذلك الوقت. وتوقفت عن ممارسة أي نشاط سياسي ولم يبدأ التيار المذكور نشاطه إلا في منتصف الخمسينات على يد "بيير بوجاد" وأخيراً يمكن الإشارة إلى أن مرحلة التسعينات قد عرفت ظاهرة خطيرة هي الانشقاق عن ائتلاف عين الوسط الحاكم بحزبيه التجمع من أجل الجمهورية الديجولي والاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية "اليمين الليبرالي" "وقد استطاع اليسار التغلب على قوى اليمين كلياً (الانتخابات التشريعية والرهان الاشتراكي على مستقبل فرنسا السياسية الدولية، مجلة، العدد 129، يوليو 1997م، ص150).
وكان آخرها على صعيد الرئاسة بين عامي 1981-1992م وكأغلبية برلمانية لا تزال مستمرة حتى بعد انتخابات 1997م وتتكون قوى اليمين من الأحزاب التالية:
1- حزب التجمع من أجل الجمهورية:
وتعود جذور هذا الحزب إلى مرحلة الأربعينات عندما بذل ديجول محاولاته لتنظيم اليمين الفرنسي وتوحيد صفوفه في إطار مبادئ معتدلة بعيدة عن التطرف التقليدي وفي السنوات الأخيرة أصبح (حزب التجمع من أجل الجمهورية R.R.R) بقيادة جاك شيراك. وعلى الرغم من محاولات شيراك عند وصوله على رئاسة الحكومة 1974م حيث عمد إلى تقوية الحزب ليكون المعبر عن سياسة ديجول بعد رحيله وليس أدل على ذلك من تلك النتيجة التي حصل عليها في الانتخابات العامة التي جرت في 25 مايو 1997م حيث حصل فيها على نسبة 15.6% من الأصوات غلا أن الحزب يفتقد اليوم ذلك السحر وتلك النجومية التي كان يضيفه عليه الجنرال ديجول.
2- الاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية:
تأسس عام 1978م تلبية لرغبة جيكار ديستان من أجل إيجاد مجموعة متماسكة من القوى السياسية المؤيدة له في الجبهة الوطنية ويمكن إجمال أهم طروحاتهم الجديدة وتأتي في المقدمة منها بناء الدولة الحديثة من خلال القضاء على الإرهاب والعنف ومحاربة الفساد والهجرة غير الشرعية والمخدرات من خلال التماسك بين الطبقات الاجتماعية، وإصلاح حكومي في ميدان العمل الوظيفي مع إزالة الحوافز القائمة بين المواطن والسلطة وإصلاح إداري من خلال إضعاف السلطات المركزية وتقليل عدد الوزارات من تشديد الرقابة البرلمانية على الحكومة "ويؤكدون على أن مستقبل فرنسا في أوربا مع التأكيد على قبول العملة الأوربية الموحدة (يورو) باعتبارها مكسباً لفرنسا مع اقتراح تخصيص ميزانية ثابتة لها (القويل، 2002، 115).
أما نتيجة الحزب في الانتخابات التي جرت في 25 مايو 1997م فقد كانت مقاربة لحزب التجمع من أجل الجمهورية وهي 14.3%" (كامل، 1997، 150).
وحزب الاتحاد عبارة عن (كونفدرالية) تضم الأحرار والوسط والراديكاليين يمكن أن نجملها:
أ- الحزب الجمهوري وتأسس عام 1977م وانبثق عن الجمهوريين المستقلين وأصبح فيما بعد الدعامة السياسية للرئيس دسيكان.
ب- الحزب الراديكالي: تأسس عام 1901م وكان يدعو إلى النظام الجمهوري وإلى سياسة اجتماعية متطلعة وقد دافع عن العلمانية وفي عام 1971م شكل مع حزب الوسط الديمقراطي الحركية الإصلاحية وهي تدعو إلى الدفاع عن الحريات واحترام الحرية الفردية ومن أشهر زعماء هذا الحزب "بيير مندرس فرانس"، "آلن بوهير" و"جان جاك سرفن شريفر".
ج- الوسط الديمقراطي: انبثق عن الحركة الجمهورية الشعبية عام 1965 وكان يرأسه جان لوكانويه وتكاد تكون أيدلوجية هذا الحزب نابعة من أيدلوجية الحزب الراديكالي. وفي الوقت الحاضر هناك حزبان للوسط الديمقراطيين الاجتماعيين وسكرتيره العام جاك بارز. والحزب الاجتماعي الديمقراطي ويترأسه ماكس لوجن.
د- الجبهة الوطنية: تعد من الأحزاب ذات الاتجاه اليميني المتطرف وترجع جذورها إلى الثلاثينات من هذا القرن عندما انتعشت الأفكار الفاشية وتأسست الجبهة الوطنية عام 1972م التي يقودها جان ماري لوبين أحد نواب البودجادين وتستند الجبهة الوطنية إلى مقومات أساسية منها القومية والعنصرية وتمجيد النظام والتقاليد.
وخلاصة القول أن وضع اليمين لم يكن بأفضل من وضع اليسار سواء في المعارضة من 1981 لغاية 1992م أو هو يتولى الحكومة من 1986-1988 ومن 1992 حتى الآن فقد فشل اليمين المعتدل في توسيع قائمته الائتمانية اجتماعياً فظلت مختلفة بالنسبة للتغييرات التي مر بها المجتمع الفرنسي. وتقاعس حزبا اليمين من محاولة التنافس مع اليسار لجذب الثبات وترك الباب مفتوحاً أمام "الجبهة الوطنية" لتتقدم جماهيرياً بسبب اهتمامها بمشكلة البطالة وتجديدها لأساليب العمل السياسي.
ثانياً: قوى اليسار السياسية الفرنسية:
تتكون قوى اليسار السياسية في فرنسا من اليسار واليسار
المتطرف وهي:
أ- الحزب الاشتراكي الفرنسي: تأسس عام 1905م باسم الجناح الفرنسي للدولية العمالية ويعد أهم قوة سياسية في الوقت الحاضر حيث تعرض الحزب لانقسامات عديدة أبرزها انقسام عام 1920م الذي تفرع من الحزب الاشتراكي الحالي والقسم الآخر توجه نحو التطرف وأسس الحزب الشيوعي الفرنسي الحالي. ويعد الحزب الاشتراكي الفرنسي
(P. S. F) من أهم الأحزاب الاشتراكية الممثلة للدولية الاشتراكية الثانية إلا أن ميلاد الحزب الاشتراكي الجديد يرجع إلى اليوم الرابع من آيار 1969م أبان مؤتمر (ALFOET VILLE) وذلك بمناسبة انتخابات الرئاسة. والحزب الاشتراكي من القوى السياسية التي أسهمت في مقاومة الاحتلال النازي وشارك في قيام الجمهورية الرابعة في بعض حكوماتها ورئاسة حكومة الجبهة الشعبية عام 1936. وعند وصول ديجول إلى السلطة اتخذ منه موقف المعارضة ومنذ عام 1971م استطاع تعزيز موقعه بصعود "فرانو ميتران" إلى زعامة الحزب وفي عام 1972م وقع مع الحزب الشيوعي البرنامج المشترك وكانت أهم النقاط التي تم الاتفاق عليها: التأميم والإنعاش بواسطة الاستهلاك والسياسة الصناعية وقبل ذلك استطاع الحزب تجميع كل الأحزاب اليسارية في جبهة واحدة ليتمكن من إقامة تألف ديمقراطي يمكن أن يفرض حكومة يسارية وقد تعرض هذا الحزب لبعض العثرات خلال مسيرته الطويلة.
ب- الحزب الشيوعي الفرنسي: (Parti Communiste) تأسس الحزب الشيوعي الفرنسي عام 1920 ويعد أكثر الأحزاب السياسية الفرنسية تنظيماً إذ بلغ عدد أعضائه عام 1976 حوالي نصف مليون عضو وفاز بـ 20.6% من الأصوات عام 1978م. وتتميز سياسة الحزب بميلها لتأييد الاتحاد السوفيتي وتبعيته لها في كثير من الجوانب. لذا قيل أنه أبن بالتبني للثورة البلشفية وابن شرعي للاشتراكية الفرنسية.
ونشر الحزب الشيوعي الفرنسي في تشرين الأول 1971م برنامجه القائم على أساس "الحكومة الديمقراطية للوحدة الشعبية". وفي السنوات الأخيرة تقلص نفوذه وشعبيته لأسباب داخلية وخارجية مرتبطة إلى حد ما بالجو العام الذي صاحب فشل التجربة الشيوعية وانهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفيتي.
ج- حركة الراديكاليين اليساريين: انبثقت الحركة عن الجناح اليساري للحزب الراديكالي في حزيران 1972م بعد أن رفض هذا الجناح صعود "جان جاك سيرفان شرابير" لرئاسة الحزب الراديكالي وفي السنة نفسها وقعت هذه الحركة البرنامج المشترك إلى جانب كل من الحزب الاشتراكي الفرنسي والحزب الشيوعي والبعض يضع حركة الراديكاليين ضمن تيار الوسط وقد أسهمت في الحكومة الاشتراكية بعد فوز فرانسوا ميتران عام 1981م.
د- اليسار المتطرف: هو وليد عدة عوامل منها الحرب الفيتنامية ومشكلات العالم الثالث والأزمة الشيوعية العالمية وتأييد الحزب الشيوعي الفرنسي لسياسة "خروشوف" والأزمة الجامعية ثم الأزمة السياسية والاجتماعية المتولدة عن أزمة آيار عام 1968 ويتوزع على عدة تيارات شيوعية متطرفة منها: الاتجاه التروتسكي الذي نجم عن مناهضة اليسار لستالين وقد تأثر هذا التيار بأفكار "تروتسكي" الذي أسس الدولة الرابعة عام 1938 ومن التيارات التروتسكية "العصبة الشيوعية الثورية" و"الكفاح العمالي" وهناك "الحزب الشيوعي العالمي" الذي تأسس عام 1985م. و"الحركة من أجل حزب العمال" ويمكن القول بأن ضعف الأحزاب الفرنسية اليميني منها واليسار المعتدل والمتطرف يعود لتقاعسها في مواجهة التطورات الاجتماعية والسياسية الجديدة. فابتعدت عن لغة الخطاب السياسي سواء من جانب الحكومة أو المعارضة وكذلك عن توقعات الجماهير لحل مشاكلهم وأصبح الخطاب السياسي يميل إلى إضفاء الكثير مما يجري على الساحة السياسية.
تعاظم أهمية السلطة التنفيذية بالنسبة إلى البرلمان والسلطة القضائية:
يقرر النظام البرلماني مبدأ ثنائية الجهاز التنفيذي بمعنى أن السلطة التنفيذية تتكون من طرفين: رئيس الدولة من جهة والوزارة من جهة ثانية التي يرأسها رئيس الوزراء وفي النظام البرلماني وكما هو معروف أن السلطة الحقيقية تمارسها الوزارة التي تعد المحور الرئيسي في ميدان السلطة التنفيذية باعتباره الجهة الوحيدة التي تتحمل المسئولية السياسية. لقد اعتنق دستور عام 1958م مبدأ ثنائية الجهاز التنفيذي كأصل عام. على أن التطور في هذا الخصوص يتمثل في تقوية دور رئيس الجمهورية إلى حد أصبح يتمتع فيه بالدور الرئيسي الفعال في ميدان السلطة التنفيذية وبذلك قلب الدستور الجديد ميزان الاختصاص بين طرفي هذه السلطة ومن المهم القول أن التعديل الدستوري. لعام 1962 كان حاسماً في هذا المجال.
أما تعاظم السلطة التنفيذية بالنسبة للسلطة القضائية فيظهر من خلال "نصوص الدستور فقد نصت المادة (64) من الدستور الفرنسي على أن يضمن رئيس الجمهورية استقلال السلطة القضائية وبالمقابل فقد أشارت المادة (65) إلى أن يرأس رئيس الجمهورية مجلس القضاء الأعلى ويكون وزير العدل وكيلاً لهذا المجلس بحكم القانون ويجوز أن يحل محل رئيس الجمهورية ولكن لرئيس السلطة التنفيذية وسائلة القانونية وصلاحياته الدستورية لفرض السيطرة على السلطة القضائية" (عمار، 2002، 168).
وعليه فإن من بين الأسباب التي أدت إلى تعاظم السلطة التنفيذية بالنسبة إلى البرلمان والسلطة القضائية عجز الجماعات الحزبية المختلفة عن الاتفاق على برنامج تشريعي فعال وعن تأييد حكومة ثابتة مستقرة والجدل العنيف غير المنظم والخصومة بين المصالح السياسية المتباينة ورغبة بعض المخربين من أقصى اليسار واليمين في السيطرة على الديمقراطية البرلمانية. كل هذا ساعد على ترويج صورة عن المجلس التشريعي خلاصتها أنه منبر للمصالح الخاصة المتناصرة والمستهترة بمسئولياتها. وكان من أثر هذا أنه أصبح الناس أكثر استعداداً لإتباع زعيم وعدهم بالاستقرار السياسي وزعيم يوضع المصالح القومية فوق المصالح الحزبية كل ذلك يتوقف على الظرف التاريخي وعلى شخصية ونوعية أعضاء البرلمان وما يملكه رئيس الدولة من هيبة ونفوذ معتمداً على حنكته السياسية وشخصيته التاريخية ومنزلته الاجتماعية.
صلاحيات رئيس الجمهورية:
إن النظام البرلماني الذي أقامه دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية عام 1958 يعطي رئيس الجمهورية عدداً من الامتيازات لا وجود لها في النظام البرلماني الكلاسيكي. فرئيس الجمهورية الفرنسية منذ عام 1962م ينتخبه الشعب مباشرة بالاستفتاء العام المباشر ويمكن "أن يمارس نوعاً من الديكتاتورية "الدستورية" المؤقتة حين يتعرض البلد لخطر يهدد مؤسساته الدستورية ووحدته واستقلاله أو تنفيذ التزاماته الدولية" ولكنه لا يستطيع إرغام رئيس الوزارة على الاستقالة ما دامت تحوز ثقة المجلس (سعد، 1992، 148).
كيفية ممارسة السلطة:
لقد عمل دستور الجمهورية الخامسة على تطوير النظام البرلماني ومبادئه خاصة في ميدان السلطة التنفيذية التي عمل على تقويتها حتى تفوقت هذه السلطة على السلطة التشريعية وأن الدستور الجديد لم يفعل على تقوية السلطة التنفيذية وسيطرتها كأصل عام فقط بل أصبح لرئيس الدولة الدور الرئيس الفعال بعد أن كانت للوزارة في ظل الدساتير السابقة أما علاقة رئيس الجمهورية بالوزارة التنفيذية فهي متوازنة نظراً لاختصاصات رئيس الجمهورية وصلاحياته. ورئيس الجمهورية في ظل النظام الحالي يعمل على رسم السياسة العامة.
المواطنون:
لقد رأس الدستور قواعد عدة فقد أقام قانوناً لنظام نصف رئاسي أي نظام حيث رئيس الجمهورية. ثم أن المنظومة السياسية الفرنسية هي ديمقراطية ليبرالية ترتكز على سيادة المواطنين. يعبرون هذه السيادة بالاستفتاء أو بانتخاب مثلين في انتخابات تنافسية بالاقتراع المباشر الشامل: سواء في الانتخابات التشريعية لتعيين الجمعية الوطنية أو انتخاب رئيس الجمهورية. وحده اقتراح مجلس الشيوخ غير ديمقراطي: لكن سلطاته ضعيفة ويهدف تعيينه إلى تأمين تمثيل الجماعات المحلية.
إن نشاط المواطنين الفرنسيين في الحياة السياسية لا يُمارس فقط عبر الانتخابات والاستفتاءات ولكن أيضاً عبر الأحزاب تلعب هذه الأخيرة دوراً أساسياً في الانتخابات ومنظومة الأحزاب هي جزئياً نتيجة للمنظومة الانتخابية. وعلى الصعيد كان للعودة لنظام الاقتراع في 1958 والانتخابات الرئاسية منذ 1965 تأثير كبير (عبد الله، 2005، 351).
الاقتراع الشامل:
هي قاعدة المنظومة السياسية الفرنسية الحالية ونظام الاقتراع هذا طُبق للمرة الأولى تحت الثورة لانتخابات الكونفاسيون عام 1792، وفي الاستفتاء حول الدستور 1793 ثم توارى تحت الديركتوار ليعود العمل به تحت الإمبراطورية الأولى ثم استبدال بالاقتراع الضريبي وحق الاقتراع في الاقتراع الشامل يمنح حق التصويت لجميع أعضاء المجتمع دون أي تمييز من حيث الجنس أو العنصر أو الثروة أو الوضعية الاجتماعية يتوجب فقط ملء شروط الجنسية والسن وألا يكون المواطن فاقداً للأهلية القانونية الآيلة إلى حرمانه من حق التصويت.
الحكومة:
تتكون من رئيس الوزراء، الوزراء، وأمناء سر الدولة. لكل من هذه الأجهزة صلاحياته الخاصة إلا أن السلطات الرئيسية للحكومة تمارس جماعياً ضمن مجلس الوزراء كجهاز جماعي يتخذ قرارات الحكومة تحت رئاسة رئيس الجمهورية من ناحية ثانية تحاط الحكومة بأجهزة استشارية تساعدها في تحضير قراراتها. غالبية هذه الأجهزة تتعلق بمجالات إدارية خاصة لكن اثنين منها على الأقل لها دور سياسي ويرتبطان إذاً بالقانون الدستوري: مجلس شورى الدولة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي.
أسس المنظومة السياسية الفرنسية:
ترتكز المنظومة السياسية الفرنسية الجديدة على قاعدتين أساسيتين من ناحية تطور المجتمع الذي وضع حداً للانقسام الكبير الذي أدت إليه ثورة 1789م ومن ناحية ثانية التقنيات المؤسساتية الانتخابية أساساً: "الاقتراع الأغلبي بدورتين لتعيين النواب الاقتراع الشامل لاختيار رئيس الجمهورية" ومن هذه الأسس: (الزائدي، 1997، 199).
1- إرساء الاتفاق الوطني.
2- الاتفاق حول الديمقراطية.
3- تطور المجتمع.
4- التطور باتجاه مجتمع مختلط.
5- التقنيات المؤسساتية.
الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن:
صدر في عام 1789م الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن وقد تكون من سبعة عشرة مادة توضح حقوق الإنسان والمواطن، ثم صدر بعد ذلك عدة مواثيق لحقوق الإنسان من خلال القارة الأوربية والأمم المتحدة.. ففي عام 1950 اعتمدت الجمعية الاستشارية لأوربا اتفاقية "حقوق الإنسان والحريات السياسية" ثم اعتمد الاتحاد الأوربي عدة اتفاقات وهي (1959، 1967، 1980، 1981، 1984، 1990). وفي فرنسا كبقية دول الغرب فإن حقوق الإنسان مهدرة، وقد صدرت الحضارة الغربية إلى العالم الثالث أساليب العنف والدمار وفساد الأخلاق والعبث بالإنسان، والاستهانة بالحياة، والفضيلة والأخلاق ومسلسل الجرائم ومشاهد القتل اليومية.
جماعات الضغط والأحزاب:
جماعات الضغط في فرنسا كالنقابات والاتحادات والهيئات المدنية كثيراً ما تختلط نشاطاتها مع نشاطات الأحزاب فكلاهما يلعب دوراً مهماً في إدارة الشئون العامة من خلال مشاركتها في توجيه سياسة الدولة والتأثير في موظفي الحكومة إلا أن الأحزاب تهدف دائماً للسيطرة على الحكم وتركز اهتمامها بشكل أساسي على المشاركة في وظائف الحكومة بينما نجد جماعات الضغط تهتم بشكل أساسي بالمشاركة في رسم السياسة العامة للحكومة أكثر من اهتمامها بالمشاركة الوظيفية في إدارتها "فمشاركة جماعات الضغط لا تهدف إلا السيطرة على الحكومة في عمومها كما هو الحال في المشاركة الحزبية ولكنها تتجه لتحقيق مهام ضيقة" (الغويل، 2002، 201).
حيث أن تأثيرها في السياسة تقتصر على المواضيع التي تعنيها فقط. وبالتالي فهي لا تهدف للسيطرة على السلطة العامة للدولة ككل، وإن كانت جماعات الضغط هي الأخرى تهتم كذلك بانتخاب وتعيين نواب وموظفي الدولة وتشارك كذلك بالتأثير في هذه التعيينات أو على الأقل المصادقة عليها. وتسعى لأن يكون انتخابات النواب مؤيداً لمصالحها ومنسجماً مع أهدافها لكنها لا تأخذ على عاتقها مسئولية تسمية أو دعم المرشحين فهذه المسئولية من صميم مهام الأحزاب السياسية.
في الوقت الذي نجد في المشاركة الحزبية تتجه دائماً للسيطرة على الحكم من خلال الانتخابات فإن مشاركة جماعات الضغط في هذه الشأن تتم من خلال محاولاتها التأثير في الأحزاب لكنها تبقى دائماً خارج البناء الحزبي. فمشاركة جماعات الضغط وخاصة من هذه الزاوية تتميز دائماً بكونها مشاركة غير مباشرة حيث لا تشارك في حيازة السلطة ولا في ممارستها مشاركة مباشرة إنما تكتفي بالتأثير على السلطة مع بقائها خارجها فهي تضغط على السلطة ومن هنا جاء اسمها (المجدوية، 1996، 182).
جماعات المصالح:
جماعات المصالح في فرنسا على سبيل المثال البنوك والمصانع الكبرى وشركات التأمين تعتبر جماعات لها مصالح خاصة وهي تتحول إلى جماعات ضغط ولو كانت مؤممة لأنها قد تتدخل لتطلب من الدولة أن توفر لها مزيداً من الحرية أو تخفف من مركزية إدارة المشروعات المؤممة وتعتبر جماعات الضغط في هذه الحالة جماعات ضغط التخفيف عامة.
وتتحول جماعات المصالح في فرنسا إلى جماعات ضغط سياسية عندما تشارك في رسم السياسة العامة وتتحول إلى وسيلة من وسائل التأثير في علاقات السلطة السياسية، وتقوم جماعات الضغط وقد تشاركها جماعات المصالح بإتباع عدة أساليب كثيرة ومتنوعة لتحقيق أغراضها ومنها: الإقناع، المال، التهديد والعنف، التظاهر والأحزاب، عرقلة العمل الحكومي بالامتناع عن التعاون مع السلطات الحاكمة وتصعيد الأزمات المالية والتهرب من دفع الضرائب، والتنافس والتحالف، الرأي العام.
خلاصة القول: فإن منظومة الحياة السياسية الفرنسية وجدنا فيها استئثار نفر قليل بالسلطة وحكم الدولة دون سائر أفراد الشعب حتى بعد الاعتراف للمواطنين بممارسة الديمقراطية من خلال مؤسسة الانتخاب نتيجة سيطرة هذه النخبة بوسائل متعددة وأساليب متنوعة على لعبة الاقتراع العام وتقرير مصير البلاد قد جعل بعض الفئات من الشعب التي لم تستطيع اختراق الجدار القوي لنظام الحكم تلجأ إلى نفسها في اطر جماعية يعبر كل منها عن مجموعة الأفراد ذوي المصالح الواحدة والأهداف الواحدة لأجل المحافظة على مصالحهم الخاصة والدفاع عن أهدافهم المشتركة.
وتمثلت هذه التنظيمات الجماعية بصورة خاصة في الأحزاب السياسية التي لعبت دوراً خطيراً في التعبئة للانتخابات وتحديد ممارستها واعتماداً على الفكرة نفسها نشأت الجماعات الضاغطة التي لعبت هي الأخرى أخطر الأدوار في التأثير على إدارة قواعد اللعبة السياسية لمصلحة الجماعات المختلفة التي تمثلها، وخير مثال عليها التنظيمات النقابية للعمال واتحادات رجال المال والأعمال التي وإن كانت لا تشارك في حيازة السلطة ولا في مارستها مشاركة مباشرة ولا ترغب في ذلك كما هو الحال بالنسبة للأحزاب فإنها تكتفي بالمشاركة غير المباشرة التي تتجسد في التأثير في السلطة وتوجيه قراراتها لمصلحتها مع بقائها خارجها (الغويل، 2002، 297).
مقدمة:
من المسلم به أن لدراسة النظم السياسية في العالم المعاصر أهمية كبرى وذلك لأن العالم به اليوم أكثر من مائة وخمسين دولة مستقلة لكل منها نظامها السياسي وقانونها الدستوري، والنظام السياسي اصطلاح موضوعي في صيغة الجمع من حيث اللغة. أما من حيث الاصطلاح فهو مكون من كلمتين هما "النظام" و "السياسي" وكلمة النظام تعني الشيء المستقيم على نهج معين فيقال: "نظم معتوق اللؤلؤ" بمعنى جمعه في السلك و"نظمت الأمر" بمعنى أقمته فاستقام. فإذا كان هذا الشيء جماعة من البشر فإن ذلك يعني أن هذه الجماعة تعتنق منهجاً معيناً واحداً (الزائري، 1997، 7).
و"السياسي" هي صفة مشتقة من الفعل ساس ومصدره "سياسة" أما من حيث الاصطلاح القانوني فقد عّرف بعض الفقهاء "النظام السياسي" بأنه مجموعة القواعد والمبادئ التي تنظم في قيادة مجتمع بشري.
ويميز فقها الفلسفة السياسية بين الفكر السياسي والنظرية السياسية والأيديولوجية السياسية، ومن هذه الأنظمة – النظام السياسي في فرنسا والذي يتشكل من الأحزاب السياسية والقوى الضاغطة وهو نظام برلماني.
نشوء الجمهورية الفرنسية الخامسة وتطورها:
تتمتع فرنسا بمميزات جغرافية لا تتمتع بها أية دولة أخرى في أوربا فيه البلاد الوحيدة التي تطل على كلٍ من البحر المتوسط والمحيط الأطلسي والقنال الإنجليزي وبحر الشمال ولها وجود مع خمس دول هي بلجيكا من الشمال ومن الشرق ألمانيا وسويسرا وإيطاليا، ومن الجنوب أسبانيا.
وتُعد فرنسا كبيرة من حيث المساحة بالمقاييس الأوربية فهي أوسع الدول الأوربية إذا تبلغ مساحتها 5470026كم2 وعدد سكانها حسب تخمين عام 1987م بلغ 55.5 مليون نسمة.
وكانت فرنسا من الدول الملكية في أوربا، حيث أطيح بالملكية باندلاع الثورة الفرنسية في تموز عام 1789م وتم تأسيس أول جمهورية بين عامي 1792-1815م، وتم تأسيس الإمبراطورية الأولى تحت قيادة نابليون وعادة الملكية مرة أخرى بين 1814-1848م.
ويمكن تقسيم التاريخ الفرنسي السياسي منذ قيام الثورة الفرنسية 1789م حتى الجمهورية الخامسة عام 1958م على ثلاث مراحل:
1- المرحلة الأولى التي بدأت عام 1789م وانتهت عام 1814م بسقوط نابليون.
2- المرحلة الثانية التي بدأت عام 1814م بعودة الملكية ثانية، وانتهت عام 1870م بقيادة الجمهورية الثالثة.
3- المرحلة الثالثة التي بدأت قيام الجمهورية الثالثة عام 1870م حتى قيام الجمهورية الخامسة عام 1958م وحتى وقتنا الحاضر.
والذي يفيدنا في دراستنا للنظام السياسي الفرنسي. الأسباب التي أدت إلى قيام الجمهورية الخامسة وما تلاها من تطورات سياسية, فإن ضعف الأجهزة التنفيذية أمام المجالس التشريعية الفائقة القدرة في ظل الجمهوريتين الثالثة والرابعة وعدم الاستقرار الحكومي في الجمهورية الثالثة كان المن العوامل الرئيسة التي رفضت واضعي الدستور في عام 1958م إلى وقف جهدهم الأساسي على تعزيز السلطة التنفيذية، وبصورة أدق سلطة رئيس الجمهورية تعزيزاً ملحوظاً، كما أن الممارسة قّوت أيضاً هذا الطابع المهيمن على الدستور المتعدد العناصر (محمد، 1988، 168).
كما ساهم نظام تعدد الأحزاب الذي كان سائداً في ظل الجمهورية الثالثة والرابعة الذي استمر إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية. وهذا النظام الحزبي التعددي كان يتجاذبه تيارات هما اليسار المتطرف "الشيوعي" واليمين المتطرف "البوجاديون" خصما الديمقراطية. وهذا الوضع يجعله يساهم في قيام هيئة تشريعية ذات نفوذ قوي تقابله هيئة تنفيذية قلقة وعاجزة عن توفير الزعامة القوية التي يمزقها نظام تعدد الأحزاب، وعليه فإن الدستور الذي وضع في بداية الجمهورية الخامسة قد صحح هذا الافتقار إلى التوازن. بحيث أصبحت الإدارة التكنوقراطية الموجهة من الخبراء الفنيين تحت إشراف الوزارة ورئيس الجمهورية، وقد نص الدستور على عدم الجمع بين عضوية الوزارة، وعضوية مجلس الأمة. وللوزارة في النظام الجديد سلطة مستقلة محددة لم تكن هكذا من قبل. في حين يبدو مجلس الأمة أقرب إلى العجز بعد أن كان قادراً على كل شيء ولم يعد رئيس الجمهورية مختاراً بأصوات مجلس الأمة ومجلس الشيوخ مجتمعين كما كان في الجمهورية الرابعة وإنما عن طريق الانتخاب العام المباشر. وقد التحقت بالدستور تعديلات كثيرة من أبرزها تعديل عام 1962م.
القوى والأحزاب السياسية المؤثرة في الحياة العامة:
تعد تعدد الأحزاب السياسية من أبرز المظاهر التي يتميز بها النظام السياسي الفرنسي والمصدر الأساسي للاضطرابات التي كانت تعاني منها فرنسا قبل قيام الجمهورية الخامسة فينما اتجه البنيان الحزبي في غالبية الدول الأوربية إلى نظام الحزبين كما في بريطانيا أو الأحزاب الثلاثة كما في بلجيكا أو الأحزاب الأربعة كما في الدول الاسكندينافية هناك في الوقت الحاضر ثمانية أحزاب كبرى في فرنسا والعديد من الأحزاب الصغيرة الأخرى.
وقد اختلف الكتاب في تفسيرهم ظاهرة تعدد الأحزاب الفرنسية فمنهم من أرجعها إلى طبيعة الفرنسيين المستمدة من أصلهم اللاتيني الذي يميل إلى الجمود الفكري وشدة التمسك بالرأي، ومنهم من أرجعها إلى سرعة تأثر الفرنسيين بالصراعات والشخصيات القوية. الأمر الذي يؤدي إلى ظهور كثير من الأحزاب التي تعرف بـ "أحزاب الأشخاص" والتي ترتكز أساساً على شخصية زعيم معين وتزول بزواله، أو تستمر في العمل السياسي دون أن يكون لها مبادئ واضحة ومنهم من فسرها باستمرار تأثر الفرنسيين بالخلافات والمنازعات التقليدية التي شهدها تاريخ أمتهم كالصراع بين الدولة والكنيسة أو بين الملكية والجمهورية. وأياً ما كانت العوامل الكامنة وراء تعدد الأحزاب السياسية الفرنسية فإن السبب المباشر "يرجع إلى كثرة الانقسامات في داخل الاتجاهات السياسية الواحدة وخاصة داخل اليمين الذي ينقسم إلى متطرف ومعتدل. واليمين المعتدل بدوره ينقسم إلى عدة أحزاب، وكذلك الحال بالنسبة لليمين المتطرف واليسار والوسط" (الشرقاوي، 1982، 189).
وقد أسهم في ظهور التعددية الحزبية وتنوعها مسألة تغيير الدستور الفرنسي عدة مرات. كما أن الأحزاب السياسية في فرنسا ليست كثيرة العدد، والواقع أنه كلما نجد أحزاباً في فرنسا ذات أعداد كبيرة بصورة دائمة باستثناء الحزب الشيوعي وبصورة متقطعة الحزب الاشتراكي وقد شهد الحرب الديجولي أيضاً ازدياداً مفاجئاً في بعض الأحيان.
وكلما نشاهد أحزاباً جماهيرية وإنما فيها أحزاب الموظفين حيث تجمع قياداتها عملياً كل فعالية الحركة مثل أحزاب اليمين (الجمهوريين المستقلين – وأحزاب الوسط) ومن المسلم به أن ضعف الانتماء الحزبي أبرز سمات الأحزاب الفرنسية إلا أن ذلك لا يعني أنها ليس مؤثرة في الرأي العام الفرنسي بل العكس تماماً لها الدور الكبير والمؤثر في أثناء الانتخابات ويمتد تأثيرها إلى عدد كبير من المنظمات النقابية والمهنية والتربوية والثقافية (جماعات الضغط).
وهناك بجور الأحزاب السياسية قوى مؤثرة في الحياة العامة، ومن أبرز تلك القوى نقابات العمال المتعددة ذات الصفة التمثيلية الأقوى وهي المنظمات العالمية تضطلع معاً أو مع بقائها منظمات خاصة ومنفردة بدور كبير جداً في تمثيل المهن. بالإضافة إلى النقابات هناك عدد كبير من الجمعيات وجماعات الضغط التي تؤدي دوراً مؤثراُ في أصحاب السلطة من الهيئات الرئاسية والحكومية والإدارية وعدد هذه الجمعيات يتجاوز العشرات في مختلف الاهتمامات الإنسانية والدينية والاجتماعية ولابد هنا من الإشارة لأبرز القوى السياسية والحزبية في فرنسا:
أولاً: قوى اليمين الفرنسية:
لا يعتبر اليمين الفرنسي تياراً سياسياً جديداً على الساحة السياسية الفرنسية حيث ترجع أصوله إلى القرن التاسع عشر إلا أنه توجد اختلافات حول استخدام مدلول اليمين نظراً للتطورات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي حصلت طيلة مسيرته، أما اليمين المتطرف الجديد الذي ظهر في السبعينات وحقق نجاحاً غير متوقع في الثمانينات والتسعينات فهو مختلف من حيث أنه يعبر عن حركة تبحث عن تغيير أيديولوجي شامل دون مناقشة شرعية الدستور أو المؤسسات القائمة في الدولة "فالجبهة الوطنية" تؤكد أن المبرر الأساسي لوجودها هو تمثيلها للثقافة والهوية الفرنسية وتدعى بأن بقية الأحزاب اليمينية والأجهزة الإعلامية لا تعبر عنها بصدق، وهي تتحرك بدعوى الدفاع عن التقاليد الفرنسية التي هي أقدم من دستور الجمهورية الخامسة ذاته.
وعلى أثر انكماش تيار اليمين المتطرف بعد فقدان الثقة التي تعرض له نتيجة لتجربة نظام "فيش" وتعاونه مع ألمانيا النازية اختفت الجماعات اليمينية الصغيرة التي كانت قائمة في ذلك الوقت. وتوقفت عن ممارسة أي نشاط سياسي ولم يبدأ التيار المذكور نشاطه إلا في منتصف الخمسينات على يد "بيير بوجاد" وأخيراً يمكن الإشارة إلى أن مرحلة التسعينات قد عرفت ظاهرة خطيرة هي الانشقاق عن ائتلاف عين الوسط الحاكم بحزبيه التجمع من أجل الجمهورية الديجولي والاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية "اليمين الليبرالي" "وقد استطاع اليسار التغلب على قوى اليمين كلياً (الانتخابات التشريعية والرهان الاشتراكي على مستقبل فرنسا السياسية الدولية، مجلة، العدد 129، يوليو 1997م، ص150).
وكان آخرها على صعيد الرئاسة بين عامي 1981-1992م وكأغلبية برلمانية لا تزال مستمرة حتى بعد انتخابات 1997م وتتكون قوى اليمين من الأحزاب التالية:
1- حزب التجمع من أجل الجمهورية:
وتعود جذور هذا الحزب إلى مرحلة الأربعينات عندما بذل ديجول محاولاته لتنظيم اليمين الفرنسي وتوحيد صفوفه في إطار مبادئ معتدلة بعيدة عن التطرف التقليدي وفي السنوات الأخيرة أصبح (حزب التجمع من أجل الجمهورية R.R.R) بقيادة جاك شيراك. وعلى الرغم من محاولات شيراك عند وصوله على رئاسة الحكومة 1974م حيث عمد إلى تقوية الحزب ليكون المعبر عن سياسة ديجول بعد رحيله وليس أدل على ذلك من تلك النتيجة التي حصل عليها في الانتخابات العامة التي جرت في 25 مايو 1997م حيث حصل فيها على نسبة 15.6% من الأصوات غلا أن الحزب يفتقد اليوم ذلك السحر وتلك النجومية التي كان يضيفه عليه الجنرال ديجول.
2- الاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية:
تأسس عام 1978م تلبية لرغبة جيكار ديستان من أجل إيجاد مجموعة متماسكة من القوى السياسية المؤيدة له في الجبهة الوطنية ويمكن إجمال أهم طروحاتهم الجديدة وتأتي في المقدمة منها بناء الدولة الحديثة من خلال القضاء على الإرهاب والعنف ومحاربة الفساد والهجرة غير الشرعية والمخدرات من خلال التماسك بين الطبقات الاجتماعية، وإصلاح حكومي في ميدان العمل الوظيفي مع إزالة الحوافز القائمة بين المواطن والسلطة وإصلاح إداري من خلال إضعاف السلطات المركزية وتقليل عدد الوزارات من تشديد الرقابة البرلمانية على الحكومة "ويؤكدون على أن مستقبل فرنسا في أوربا مع التأكيد على قبول العملة الأوربية الموحدة (يورو) باعتبارها مكسباً لفرنسا مع اقتراح تخصيص ميزانية ثابتة لها (القويل، 2002، 115).
أما نتيجة الحزب في الانتخابات التي جرت في 25 مايو 1997م فقد كانت مقاربة لحزب التجمع من أجل الجمهورية وهي 14.3%" (كامل، 1997، 150).
وحزب الاتحاد عبارة عن (كونفدرالية) تضم الأحرار والوسط والراديكاليين يمكن أن نجملها:
أ- الحزب الجمهوري وتأسس عام 1977م وانبثق عن الجمهوريين المستقلين وأصبح فيما بعد الدعامة السياسية للرئيس دسيكان.
ب- الحزب الراديكالي: تأسس عام 1901م وكان يدعو إلى النظام الجمهوري وإلى سياسة اجتماعية متطلعة وقد دافع عن العلمانية وفي عام 1971م شكل مع حزب الوسط الديمقراطي الحركية الإصلاحية وهي تدعو إلى الدفاع عن الحريات واحترام الحرية الفردية ومن أشهر زعماء هذا الحزب "بيير مندرس فرانس"، "آلن بوهير" و"جان جاك سرفن شريفر".
ج- الوسط الديمقراطي: انبثق عن الحركة الجمهورية الشعبية عام 1965 وكان يرأسه جان لوكانويه وتكاد تكون أيدلوجية هذا الحزب نابعة من أيدلوجية الحزب الراديكالي. وفي الوقت الحاضر هناك حزبان للوسط الديمقراطيين الاجتماعيين وسكرتيره العام جاك بارز. والحزب الاجتماعي الديمقراطي ويترأسه ماكس لوجن.
د- الجبهة الوطنية: تعد من الأحزاب ذات الاتجاه اليميني المتطرف وترجع جذورها إلى الثلاثينات من هذا القرن عندما انتعشت الأفكار الفاشية وتأسست الجبهة الوطنية عام 1972م التي يقودها جان ماري لوبين أحد نواب البودجادين وتستند الجبهة الوطنية إلى مقومات أساسية منها القومية والعنصرية وتمجيد النظام والتقاليد.
وخلاصة القول أن وضع اليمين لم يكن بأفضل من وضع اليسار سواء في المعارضة من 1981 لغاية 1992م أو هو يتولى الحكومة من 1986-1988 ومن 1992 حتى الآن فقد فشل اليمين المعتدل في توسيع قائمته الائتمانية اجتماعياً فظلت مختلفة بالنسبة للتغييرات التي مر بها المجتمع الفرنسي. وتقاعس حزبا اليمين من محاولة التنافس مع اليسار لجذب الثبات وترك الباب مفتوحاً أمام "الجبهة الوطنية" لتتقدم جماهيرياً بسبب اهتمامها بمشكلة البطالة وتجديدها لأساليب العمل السياسي.
ثانياً: قوى اليسار السياسية الفرنسية:
تتكون قوى اليسار السياسية في فرنسا من اليسار واليسار
المتطرف وهي:
أ- الحزب الاشتراكي الفرنسي: تأسس عام 1905م باسم الجناح الفرنسي للدولية العمالية ويعد أهم قوة سياسية في الوقت الحاضر حيث تعرض الحزب لانقسامات عديدة أبرزها انقسام عام 1920م الذي تفرع من الحزب الاشتراكي الحالي والقسم الآخر توجه نحو التطرف وأسس الحزب الشيوعي الفرنسي الحالي. ويعد الحزب الاشتراكي الفرنسي
(P. S. F) من أهم الأحزاب الاشتراكية الممثلة للدولية الاشتراكية الثانية إلا أن ميلاد الحزب الاشتراكي الجديد يرجع إلى اليوم الرابع من آيار 1969م أبان مؤتمر (ALFOET VILLE) وذلك بمناسبة انتخابات الرئاسة. والحزب الاشتراكي من القوى السياسية التي أسهمت في مقاومة الاحتلال النازي وشارك في قيام الجمهورية الرابعة في بعض حكوماتها ورئاسة حكومة الجبهة الشعبية عام 1936. وعند وصول ديجول إلى السلطة اتخذ منه موقف المعارضة ومنذ عام 1971م استطاع تعزيز موقعه بصعود "فرانو ميتران" إلى زعامة الحزب وفي عام 1972م وقع مع الحزب الشيوعي البرنامج المشترك وكانت أهم النقاط التي تم الاتفاق عليها: التأميم والإنعاش بواسطة الاستهلاك والسياسة الصناعية وقبل ذلك استطاع الحزب تجميع كل الأحزاب اليسارية في جبهة واحدة ليتمكن من إقامة تألف ديمقراطي يمكن أن يفرض حكومة يسارية وقد تعرض هذا الحزب لبعض العثرات خلال مسيرته الطويلة.
ب- الحزب الشيوعي الفرنسي: (Parti Communiste) تأسس الحزب الشيوعي الفرنسي عام 1920 ويعد أكثر الأحزاب السياسية الفرنسية تنظيماً إذ بلغ عدد أعضائه عام 1976 حوالي نصف مليون عضو وفاز بـ 20.6% من الأصوات عام 1978م. وتتميز سياسة الحزب بميلها لتأييد الاتحاد السوفيتي وتبعيته لها في كثير من الجوانب. لذا قيل أنه أبن بالتبني للثورة البلشفية وابن شرعي للاشتراكية الفرنسية.
ونشر الحزب الشيوعي الفرنسي في تشرين الأول 1971م برنامجه القائم على أساس "الحكومة الديمقراطية للوحدة الشعبية". وفي السنوات الأخيرة تقلص نفوذه وشعبيته لأسباب داخلية وخارجية مرتبطة إلى حد ما بالجو العام الذي صاحب فشل التجربة الشيوعية وانهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفيتي.
ج- حركة الراديكاليين اليساريين: انبثقت الحركة عن الجناح اليساري للحزب الراديكالي في حزيران 1972م بعد أن رفض هذا الجناح صعود "جان جاك سيرفان شرابير" لرئاسة الحزب الراديكالي وفي السنة نفسها وقعت هذه الحركة البرنامج المشترك إلى جانب كل من الحزب الاشتراكي الفرنسي والحزب الشيوعي والبعض يضع حركة الراديكاليين ضمن تيار الوسط وقد أسهمت في الحكومة الاشتراكية بعد فوز فرانسوا ميتران عام 1981م.
د- اليسار المتطرف: هو وليد عدة عوامل منها الحرب الفيتنامية ومشكلات العالم الثالث والأزمة الشيوعية العالمية وتأييد الحزب الشيوعي الفرنسي لسياسة "خروشوف" والأزمة الجامعية ثم الأزمة السياسية والاجتماعية المتولدة عن أزمة آيار عام 1968 ويتوزع على عدة تيارات شيوعية متطرفة منها: الاتجاه التروتسكي الذي نجم عن مناهضة اليسار لستالين وقد تأثر هذا التيار بأفكار "تروتسكي" الذي أسس الدولة الرابعة عام 1938 ومن التيارات التروتسكية "العصبة الشيوعية الثورية" و"الكفاح العمالي" وهناك "الحزب الشيوعي العالمي" الذي تأسس عام 1985م. و"الحركة من أجل حزب العمال" ويمكن القول بأن ضعف الأحزاب الفرنسية اليميني منها واليسار المعتدل والمتطرف يعود لتقاعسها في مواجهة التطورات الاجتماعية والسياسية الجديدة. فابتعدت عن لغة الخطاب السياسي سواء من جانب الحكومة أو المعارضة وكذلك عن توقعات الجماهير لحل مشاكلهم وأصبح الخطاب السياسي يميل إلى إضفاء الكثير مما يجري على الساحة السياسية.
تعاظم أهمية السلطة التنفيذية بالنسبة إلى البرلمان والسلطة القضائية:
يقرر النظام البرلماني مبدأ ثنائية الجهاز التنفيذي بمعنى أن السلطة التنفيذية تتكون من طرفين: رئيس الدولة من جهة والوزارة من جهة ثانية التي يرأسها رئيس الوزراء وفي النظام البرلماني وكما هو معروف أن السلطة الحقيقية تمارسها الوزارة التي تعد المحور الرئيسي في ميدان السلطة التنفيذية باعتباره الجهة الوحيدة التي تتحمل المسئولية السياسية. لقد اعتنق دستور عام 1958م مبدأ ثنائية الجهاز التنفيذي كأصل عام. على أن التطور في هذا الخصوص يتمثل في تقوية دور رئيس الجمهورية إلى حد أصبح يتمتع فيه بالدور الرئيسي الفعال في ميدان السلطة التنفيذية وبذلك قلب الدستور الجديد ميزان الاختصاص بين طرفي هذه السلطة ومن المهم القول أن التعديل الدستوري. لعام 1962 كان حاسماً في هذا المجال.
أما تعاظم السلطة التنفيذية بالنسبة للسلطة القضائية فيظهر من خلال "نصوص الدستور فقد نصت المادة (64) من الدستور الفرنسي على أن يضمن رئيس الجمهورية استقلال السلطة القضائية وبالمقابل فقد أشارت المادة (65) إلى أن يرأس رئيس الجمهورية مجلس القضاء الأعلى ويكون وزير العدل وكيلاً لهذا المجلس بحكم القانون ويجوز أن يحل محل رئيس الجمهورية ولكن لرئيس السلطة التنفيذية وسائلة القانونية وصلاحياته الدستورية لفرض السيطرة على السلطة القضائية" (عمار، 2002، 168).
وعليه فإن من بين الأسباب التي أدت إلى تعاظم السلطة التنفيذية بالنسبة إلى البرلمان والسلطة القضائية عجز الجماعات الحزبية المختلفة عن الاتفاق على برنامج تشريعي فعال وعن تأييد حكومة ثابتة مستقرة والجدل العنيف غير المنظم والخصومة بين المصالح السياسية المتباينة ورغبة بعض المخربين من أقصى اليسار واليمين في السيطرة على الديمقراطية البرلمانية. كل هذا ساعد على ترويج صورة عن المجلس التشريعي خلاصتها أنه منبر للمصالح الخاصة المتناصرة والمستهترة بمسئولياتها. وكان من أثر هذا أنه أصبح الناس أكثر استعداداً لإتباع زعيم وعدهم بالاستقرار السياسي وزعيم يوضع المصالح القومية فوق المصالح الحزبية كل ذلك يتوقف على الظرف التاريخي وعلى شخصية ونوعية أعضاء البرلمان وما يملكه رئيس الدولة من هيبة ونفوذ معتمداً على حنكته السياسية وشخصيته التاريخية ومنزلته الاجتماعية.
صلاحيات رئيس الجمهورية:
إن النظام البرلماني الذي أقامه دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية عام 1958 يعطي رئيس الجمهورية عدداً من الامتيازات لا وجود لها في النظام البرلماني الكلاسيكي. فرئيس الجمهورية الفرنسية منذ عام 1962م ينتخبه الشعب مباشرة بالاستفتاء العام المباشر ويمكن "أن يمارس نوعاً من الديكتاتورية "الدستورية" المؤقتة حين يتعرض البلد لخطر يهدد مؤسساته الدستورية ووحدته واستقلاله أو تنفيذ التزاماته الدولية" ولكنه لا يستطيع إرغام رئيس الوزارة على الاستقالة ما دامت تحوز ثقة المجلس (سعد، 1992، 148).
كيفية ممارسة السلطة:
لقد عمل دستور الجمهورية الخامسة على تطوير النظام البرلماني ومبادئه خاصة في ميدان السلطة التنفيذية التي عمل على تقويتها حتى تفوقت هذه السلطة على السلطة التشريعية وأن الدستور الجديد لم يفعل على تقوية السلطة التنفيذية وسيطرتها كأصل عام فقط بل أصبح لرئيس الدولة الدور الرئيس الفعال بعد أن كانت للوزارة في ظل الدساتير السابقة أما علاقة رئيس الجمهورية بالوزارة التنفيذية فهي متوازنة نظراً لاختصاصات رئيس الجمهورية وصلاحياته. ورئيس الجمهورية في ظل النظام الحالي يعمل على رسم السياسة العامة.
المواطنون:
لقد رأس الدستور قواعد عدة فقد أقام قانوناً لنظام نصف رئاسي أي نظام حيث رئيس الجمهورية. ثم أن المنظومة السياسية الفرنسية هي ديمقراطية ليبرالية ترتكز على سيادة المواطنين. يعبرون هذه السيادة بالاستفتاء أو بانتخاب مثلين في انتخابات تنافسية بالاقتراع المباشر الشامل: سواء في الانتخابات التشريعية لتعيين الجمعية الوطنية أو انتخاب رئيس الجمهورية. وحده اقتراح مجلس الشيوخ غير ديمقراطي: لكن سلطاته ضعيفة ويهدف تعيينه إلى تأمين تمثيل الجماعات المحلية.
إن نشاط المواطنين الفرنسيين في الحياة السياسية لا يُمارس فقط عبر الانتخابات والاستفتاءات ولكن أيضاً عبر الأحزاب تلعب هذه الأخيرة دوراً أساسياً في الانتخابات ومنظومة الأحزاب هي جزئياً نتيجة للمنظومة الانتخابية. وعلى الصعيد كان للعودة لنظام الاقتراع في 1958 والانتخابات الرئاسية منذ 1965 تأثير كبير (عبد الله، 2005، 351).
الاقتراع الشامل:
هي قاعدة المنظومة السياسية الفرنسية الحالية ونظام الاقتراع هذا طُبق للمرة الأولى تحت الثورة لانتخابات الكونفاسيون عام 1792، وفي الاستفتاء حول الدستور 1793 ثم توارى تحت الديركتوار ليعود العمل به تحت الإمبراطورية الأولى ثم استبدال بالاقتراع الضريبي وحق الاقتراع في الاقتراع الشامل يمنح حق التصويت لجميع أعضاء المجتمع دون أي تمييز من حيث الجنس أو العنصر أو الثروة أو الوضعية الاجتماعية يتوجب فقط ملء شروط الجنسية والسن وألا يكون المواطن فاقداً للأهلية القانونية الآيلة إلى حرمانه من حق التصويت.
الحكومة:
تتكون من رئيس الوزراء، الوزراء، وأمناء سر الدولة. لكل من هذه الأجهزة صلاحياته الخاصة إلا أن السلطات الرئيسية للحكومة تمارس جماعياً ضمن مجلس الوزراء كجهاز جماعي يتخذ قرارات الحكومة تحت رئاسة رئيس الجمهورية من ناحية ثانية تحاط الحكومة بأجهزة استشارية تساعدها في تحضير قراراتها. غالبية هذه الأجهزة تتعلق بمجالات إدارية خاصة لكن اثنين منها على الأقل لها دور سياسي ويرتبطان إذاً بالقانون الدستوري: مجلس شورى الدولة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي.
أسس المنظومة السياسية الفرنسية:
ترتكز المنظومة السياسية الفرنسية الجديدة على قاعدتين أساسيتين من ناحية تطور المجتمع الذي وضع حداً للانقسام الكبير الذي أدت إليه ثورة 1789م ومن ناحية ثانية التقنيات المؤسساتية الانتخابية أساساً: "الاقتراع الأغلبي بدورتين لتعيين النواب الاقتراع الشامل لاختيار رئيس الجمهورية" ومن هذه الأسس: (الزائدي، 1997، 199).
1- إرساء الاتفاق الوطني.
2- الاتفاق حول الديمقراطية.
3- تطور المجتمع.
4- التطور باتجاه مجتمع مختلط.
5- التقنيات المؤسساتية.
الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن:
صدر في عام 1789م الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن وقد تكون من سبعة عشرة مادة توضح حقوق الإنسان والمواطن، ثم صدر بعد ذلك عدة مواثيق لحقوق الإنسان من خلال القارة الأوربية والأمم المتحدة.. ففي عام 1950 اعتمدت الجمعية الاستشارية لأوربا اتفاقية "حقوق الإنسان والحريات السياسية" ثم اعتمد الاتحاد الأوربي عدة اتفاقات وهي (1959، 1967، 1980، 1981، 1984، 1990). وفي فرنسا كبقية دول الغرب فإن حقوق الإنسان مهدرة، وقد صدرت الحضارة الغربية إلى العالم الثالث أساليب العنف والدمار وفساد الأخلاق والعبث بالإنسان، والاستهانة بالحياة، والفضيلة والأخلاق ومسلسل الجرائم ومشاهد القتل اليومية.
جماعات الضغط والأحزاب:
جماعات الضغط في فرنسا كالنقابات والاتحادات والهيئات المدنية كثيراً ما تختلط نشاطاتها مع نشاطات الأحزاب فكلاهما يلعب دوراً مهماً في إدارة الشئون العامة من خلال مشاركتها في توجيه سياسة الدولة والتأثير في موظفي الحكومة إلا أن الأحزاب تهدف دائماً للسيطرة على الحكم وتركز اهتمامها بشكل أساسي على المشاركة في وظائف الحكومة بينما نجد جماعات الضغط تهتم بشكل أساسي بالمشاركة في رسم السياسة العامة للحكومة أكثر من اهتمامها بالمشاركة الوظيفية في إدارتها "فمشاركة جماعات الضغط لا تهدف إلا السيطرة على الحكومة في عمومها كما هو الحال في المشاركة الحزبية ولكنها تتجه لتحقيق مهام ضيقة" (الغويل، 2002، 201).
حيث أن تأثيرها في السياسة تقتصر على المواضيع التي تعنيها فقط. وبالتالي فهي لا تهدف للسيطرة على السلطة العامة للدولة ككل، وإن كانت جماعات الضغط هي الأخرى تهتم كذلك بانتخاب وتعيين نواب وموظفي الدولة وتشارك كذلك بالتأثير في هذه التعيينات أو على الأقل المصادقة عليها. وتسعى لأن يكون انتخابات النواب مؤيداً لمصالحها ومنسجماً مع أهدافها لكنها لا تأخذ على عاتقها مسئولية تسمية أو دعم المرشحين فهذه المسئولية من صميم مهام الأحزاب السياسية.
في الوقت الذي نجد في المشاركة الحزبية تتجه دائماً للسيطرة على الحكم من خلال الانتخابات فإن مشاركة جماعات الضغط في هذه الشأن تتم من خلال محاولاتها التأثير في الأحزاب لكنها تبقى دائماً خارج البناء الحزبي. فمشاركة جماعات الضغط وخاصة من هذه الزاوية تتميز دائماً بكونها مشاركة غير مباشرة حيث لا تشارك في حيازة السلطة ولا في ممارستها مشاركة مباشرة إنما تكتفي بالتأثير على السلطة مع بقائها خارجها فهي تضغط على السلطة ومن هنا جاء اسمها (المجدوية، 1996، 182).
جماعات المصالح:
جماعات المصالح في فرنسا على سبيل المثال البنوك والمصانع الكبرى وشركات التأمين تعتبر جماعات لها مصالح خاصة وهي تتحول إلى جماعات ضغط ولو كانت مؤممة لأنها قد تتدخل لتطلب من الدولة أن توفر لها مزيداً من الحرية أو تخفف من مركزية إدارة المشروعات المؤممة وتعتبر جماعات الضغط في هذه الحالة جماعات ضغط التخفيف عامة.
وتتحول جماعات المصالح في فرنسا إلى جماعات ضغط سياسية عندما تشارك في رسم السياسة العامة وتتحول إلى وسيلة من وسائل التأثير في علاقات السلطة السياسية، وتقوم جماعات الضغط وقد تشاركها جماعات المصالح بإتباع عدة أساليب كثيرة ومتنوعة لتحقيق أغراضها ومنها: الإقناع، المال، التهديد والعنف، التظاهر والأحزاب، عرقلة العمل الحكومي بالامتناع عن التعاون مع السلطات الحاكمة وتصعيد الأزمات المالية والتهرب من دفع الضرائب، والتنافس والتحالف، الرأي العام.
خلاصة القول: فإن منظومة الحياة السياسية الفرنسية وجدنا فيها استئثار نفر قليل بالسلطة وحكم الدولة دون سائر أفراد الشعب حتى بعد الاعتراف للمواطنين بممارسة الديمقراطية من خلال مؤسسة الانتخاب نتيجة سيطرة هذه النخبة بوسائل متعددة وأساليب متنوعة على لعبة الاقتراع العام وتقرير مصير البلاد قد جعل بعض الفئات من الشعب التي لم تستطيع اختراق الجدار القوي لنظام الحكم تلجأ إلى نفسها في اطر جماعية يعبر كل منها عن مجموعة الأفراد ذوي المصالح الواحدة والأهداف الواحدة لأجل المحافظة على مصالحهم الخاصة والدفاع عن أهدافهم المشتركة.
وتمثلت هذه التنظيمات الجماعية بصورة خاصة في الأحزاب السياسية التي لعبت دوراً خطيراً في التعبئة للانتخابات وتحديد ممارستها واعتماداً على الفكرة نفسها نشأت الجماعات الضاغطة التي لعبت هي الأخرى أخطر الأدوار في التأثير على إدارة قواعد اللعبة السياسية لمصلحة الجماعات المختلفة التي تمثلها، وخير مثال عليها التنظيمات النقابية للعمال واتحادات رجال المال والأعمال التي وإن كانت لا تشارك في حيازة السلطة ولا في مارستها مشاركة مباشرة ولا ترغب في ذلك كما هو الحال بالنسبة للأحزاب فإنها تكتفي بالمشاركة غير المباشرة التي تتجسد في التأثير في السلطة وتوجيه قراراتها لمصلحتها مع بقائها خارجها (الغويل، 2002، 297).