صفحة 1 من 1

التنشئه السياسي والعنف السياسي في النظام السياسي

مرسل: الخميس مايو 27, 2010 12:22 am
بواسطة عبدالله حكمي
باعتبار أن العنف السياسي هو سلوك سياسي والسلوك السياسي هو نتاج التنشئة والثقافة السياسية فمعرفة طبيعة الثقافة والتنشئة السياسة لأي نظام سياسي تساعد على تحديد خصائص النظام السياسي مثل تحديد موضع السلطة، تحديد العلاقة بين مكونات النظام، وأهداف النظام. وكما تساعد الثقافة السياسية في تحليل وفهم أنماط العلاقات والتفاعلات بين مكونات النظام السياسي، وذلك من خلال تحليل أطرها الفكرية. والسؤال الذي نسعى هنا الإجابة عنه هو إلى أي مدى كانت الثقافة السياسية وطبيعة التنشئة السياسية لعناصر النظام السياسي الفلسطيني تهدف إلى تماسك مكونات النظام ومدى قدرتها في خلق التماسك داخل المجتمع وتعميق الانتماء لان التكامل بين وحدات النظام مرتبطة بالرضي ألقيمي؟. ولان العنف السياسي هو نتيجة لعكس ذلك.

هناك تباين واختلاف في القيم السياسية في النظام السياسي الفلسطينيين، ويمكن تقسيمها إلى:

أولاُ: القيم السياسية الوطنية التي تتبناها كافة القوى السياسية العلمانية، الجبهة الشعبية والديمقراطية، حركة فتح وباقي الفصائل الوطنية باستثناء الحركات الإسلامية.

ثانياً: القيم السياسية الإسلامية والتي تمثلها حركتي حماس والجهاد.

وهذا التباين في القيم السياسية لدى حركات الإسلام السياسي(حماس والجهاد الإسلامي) والحركات السياسية الأخرى مثل فتح وباقي الفصائل والقوى الوطنية، وما صاحبه من عملية تعبئة اجتماعية وسياسية جعل هناك فجوة وعدم رضا الأفراد عن النظام السياسي، ومن ثم عدم الالتزام بقواعده واحترام مؤسساته. هذا ما دفع النظام الحاكم منذ مجيء السلطة الوطنية إلي ارض الوطن، إلى سياسات قمعية حتى يمرر أهدافه وسياساته والتي تتناقض مع أهداف وسياسات حركات الإسلام السياسي وخصوصاً حركة حماس، ولجأت أيضاً حركة حماس إلى ممارسة العنف بأشكاله المختلفة ضد النظام الحاكم لأنه يتناقض مع أهدافها وسياساتها.

هذه الفجوة والعلاقة بين عدم الاتساق بين مضمون التنشئة السياسية بين مفردات النظام، يظهر لنا عدم الاتساق بين طبيعة المؤسسات السياسية القائمة والتنشئة السياسية لمفردات النظام السياسي. هذا التناقض ٍفتح الباب على مصراعيه أمام ظاهرة عدم الاستقرار وبالتالي حدوث مظاهر متلاحقة من العنف السياسي في النظام السياسي الفلسطيني.

ومنذ مجيء السلطة الفلسطينية و النظام الحاكم يسعى عبر مؤسساته إلى غرس قيم سياسية من خلال التحكم في وسائل التنشئة السياسية وذلك عبر وسائل الإعلام والكتب المدرسية . ومن خلال مسح للكتب المدرسية وخصوصا كتب التربية الوطنية، التاريخ، التربية المدنية، خلال المراحل التعليمية ابتداءً من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية. وباستخدام منهج تحليل المضمون للكتب الدراسية ، فقد تبين من خلال عملية المسح وتحليل المضمون هذه أن عملية غرس القيم السياسية وكذلك التنشئة السياسية ركزت على القيم السياسية التالية: الحوار وقيم التسامح والعدالة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والدولة الفلسطينية المستقلة وحرية الرأي والتعبير وحرية تشكل الأحزاب والمشاركة السياسية.

وأيضا بأجراء مسح لعينة من البيانات والمنشورات والكتيبات الصادرة عن حركة حماس وإجراء تحليل مضمون لتلك المنشورات والبيانات، والتي تكشف لنا مضمون القيم السياسية التي تمثلها الحركة، ومن خلال عملية المسح هذه أظهرت أن هناك خللاً في القيم السياسية التي تُعتمل داخل الحركة، ويظهر هذا الخلل من خلال التالي:

1.أن هناك خلل في علاقة حماس بالآخر، والمقصود بالآخر هنا ليس فقط المخالف في العقيدة وإنما المخالف في الانتماء السياسي كفتح وباقي الفصائل العلمانية الأخرى. فمن خلال المسح يظهر لنا أن صورة الآخر هو عدو وعميل يسعى إلى إلحاق الضرر بالوطن والأمة. إذن يسود حركة حماس بنظرتها للآخر خللاً وجهلاً الأمر الذي يكرس الانقسام والطلاق في المجتمع السياسي الفلسطيني.

2.الخلل في فهم التعددية فهي تقف من مبدأ التعددية موقف الرفض العدائي أو الريبة والتشكك والشك في شرعيتها أو ضرورتها.

3.الخلل في فهمها للتاريخ وعلاقته بالعصر والواقع الحالي، حيث كغيرها من الحركات الإسلامية فهي تحاول أن تعيش الماضي وتقديس الموروث وقتل الإبداع، وأن الخيرية المطلقة للماضي أي لجيل الرسول r والصحابة، وهي نظرة تؤمن بتراجع الخيرية والتقدم بمرور الزمن وتقادم التاريخ.

4.الخلل في علاقة الحركة في الإبداع والتطور الفكري حيث تعاني من قراءتها الجامدة للنصوص الدينية وتدني جرعة العقلانية وغياب الفكر العقلاني والمنهجي ذي المدى البعيد، وهي تفتقر إلى الرؤية الموضوعية الشاملة للواقع وغلبة التفكير الإطلاقي على النسبي. وفي الغالب تطرح شعارات تعبوية ولن تطرح برامج ومشاريع واقعية ومقنعة بالتعامل مع الواقع بتحدياته وتعقيداته مما أسهم في تكريس إخفاقها وتعثرها، وظهر ذلك بعد نجاحها في انتخابات التشريعية الثانية.

5.الخلل في علاقة الطاعة بالحرية حيث تقوم الحركة بغرس قيم الطاعة والخضوع بدلاً من قيم الحرية والإبداع والنقد.

6.أن حركة حماس قامت بتنشئة أفرادها بصورة مبالغ فيها؛ حيث عظمت من أهدافها ومقاصدها وغاياتها دون أن تملك وسائل أو آليات تنفيذ تلك الأهداف الطموحة والمثالية ومن هنا يمكن أن ينتج عن هذه الحالة في المستقبل حالة من الإحباط لدى أفرادها وحالة من التخبط في سلوكها.

7.الاعتقاد السائد عند أبناء حركة حماس وهو أن الأمة العربية جربت حركات وأحزاب وأنظمة وإيديولوجيات كلها نماذج فشلت والبديل هو الحركة الإسلامية، أي أن الحركة الإسلامية هي المعقل الأخير وبالتالي يجب أن تنجح، مما ترتب على ذلك عدم الاعتراف بأي فشل وفرض فكرها ومنهاجها على الجميع وبالتالي رفضها المشاركة مع القوى السياسية الأخرى المخالفة لفكرها السياسي لان التاريخ ثبت فشلها حسب ما تعتقد الحركة.

8.أن حركة حماس ليس لديها معيار من خلاله يمكن أن تحكم على سلوكها السياسي بأنه فشل أو يشوبه الخلل وبالتالي يمكن تصويبه بل دائما النجاح حليفها والفشل ليس من سماتها.

هذا التباين والتناقض في القيم السياسية زاد الفجوة والمسافة السيكولوجية التي تفصل بين مكونات النظام السياسي وحركة حماس مما مهد الطريق إلى العنف السياسي وبالتالي غياب الاستقرار السياسي عن النظام السياسي الفلسطيني.

نخلص من ذلك أن ظاهرة العنف أصبحت ظاهرة متغلغلة في مؤسسات التنشئة السياسية والاجتماعية , فالتنافس السياسي الحاد والصراعات الحزبية ورثت مؤيديها وأكسبتهم ثقافة العنف, والصراعات العائلية والقبلية نشرت هذه الثقافة بين أفرادها, من هنا ساهمت التنشئة الحزبية والأسرية في تغيير مسار التنشئة السياسية والاجتماعية وحرفته عن أداء رسالته الا وهي دمج الأفراد وتكييفهم مع النظام السياسي. وترتب على ذلك غياب التوافق على القيم السياسية والذي بدونها لا يتحقق الاجتماع السياسي. فالتنشئة السياسية افتقرت قدرتها على دمج وصهر سياسي واجتماعي لمكونات النظام السياسي مما قلل الفرص أمام الإجماع الوطني الشامل وعدم التوافق على الثوابت والقيم الوطنية مما صاحبه أحداث متلاحقة من العنف السياسي الرسمي وغير الرسمي