التأثير المتبادل بين السياسة الخارجية والداخلية
مرسل: الخميس مايو 27, 2010 8:49 am
التأثير المتبادل بين السياسة الخارجية والداخلية
يعقوب يوسف جبر الرفاعي
ثمة علاقة وثيقة بين سياسة البلدان الداخلية والخارجية لأنهما يعكسان طبيعة المصالح في شتى المجالات فالعلاقات الخارجية بين مختلف بلدان العالم تمثل إطارا تنظيميا يتضمن جملة من المبادئ والضوابط القانونية .
التي تلزم كل طرفين دوليين أو أكثر باحترام المصالح المتبادلة أو المشتركة بين هذين الطرفين أو بين مجموعة من الأطراف المتعاقدة على التقيد بمجموعة من المواثيق المبرمة والمتفق عليها، والهدف الأساسي لإنشاء هذه الأواصر هو تمكين الدول والبلدان من الانتفاع من موارد بعضها البعض، أو التعاون في مجالات متعددة منها التعاون الأمني لحماية سيادة البلدان الأمنية، والحفاظ على ممتلكاتها في البر والبحر والجو، وبهذا تصبح الحاجة ماسة لإقامة هذه الأواصر وتعزيزها بمرور الزمن، وتجسيدها بصورة اتفاقيات ومعاهدات وبروتوكولات لتأخذ طابعا رسميا وتكسب صفة قانونية، فإن لم تأخذ هذا الطابع فإنها تعتبر علاقات هشة فاقدة للتأثير والنفوذ.
بنفس القوة والمستوى هنالك أهمية كبيرة لسياسة البلدان الداخلية فعندما تتمكن حكومات هذه البلدان من اتباع سياسة داخلية ناجحة تتلخص في توفير فرص الرفاهية لمواطنيها بالتساوي ودون تمييز فإنها بلا شك ستنجح خارجيا في توطيد أفضل دبلوماسية لها مع دول العالم، إذن لاينفصل تأثير السياسة الداخلية على السياسة الخارجية، كما أن فشل أو نجاح السياسة الخارجية سيلقي بظلاله على السياسة الداخلية.
بعد حدوث التغيير السياسي في شكل النظام السياسي عام 2003 لم تكن للعراق القدرة على إقامة علاقات دولية قانونية خاصة مع دول الجوار، وعلى فرض جلاء القوات الأجنبية عن أراضيه بشكل تام في المستقبل، فلن تتمكن الحكومة العراقية من إقامة علاقات مثالية مع البلدان بسبب نفوذ بعض القرارات الصادرة من قبل مجلس الأمن الدولي بحق العراق كدولة عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على خلفية غزو دولة الكويت عام 1990، وقد تضمنت هذه القرارت جملة من القيود أو العقوبات التي تمنع العراق من الحصول على إرادته السياسية الدولية الحرة التي تخوله استعادة مكانته وتعزيزها في المنطقة والعالم، وهي قيود دولية يطلق عليها أحكام الفصل السابع التي تحول دون لجوء العراق لاستخدام قوته العسكرية للدفاع عن سيادته أمام التدخلات الخارجية خاصة من قبل دول الجوار، مما أدى إلى لجوء بعض البلدان الإقليمية إلى التدخل السافر في شؤونه بصورة مرعبة جدا، انعكست في شكل انتهاكات لحقوقه الأساسية ومنها حقه في الحصول على الأمن والاستقرار، وحقه في تصدير موارده المهمة مثله مثل بقية البلدان الأخرى، ومن الانعكاسات السلبية التي ألقت بظلالها على الواقع العراقي برمته، تزعزع الوضع الأمني الداخلي وظهور الجماعات المسلحة الإرهابية على أراضيه والتي قامت بسلسلة من العمليات التي لم تستهدف قوات التحالف فقط بل طالت المواطنين الأبرياء، وعلى فرض امتلاك العراق لدبلوماسية خارجية متينة غير مقيدة بعقوبات مجلس الأمن الدولي، لاستطاع الدفاع عن سيادته بصورة متكاملة بدءا من الضغط فورا باتجاه إخراج القوات الأجنبية من أراضيه وأجوائه ومياهه ثم استخدام دبلوماسيته المؤثرة والمستقلة للضغط إقليميا لمنع الدول المجاورة من التدخل في شؤونه، ونجاح هذه الدبلوماسية مرهون بإيقاف جميع أنواع الدعم السياسي والمالي الذي تحصل عليه بعض الأحزاب السياسية العاملة على الساحة العراقية من دول الجوار، فالحصول على الدعم من الخارج يعني ضمان مصالح الدولة المانحة لهذا الدعم بالدرجة الأساس، أما بخصوص انسحاب القوات الأجنبية من العراق والمقصود بها الأمريكية فهو ما يزال خيارا صعب المنال من قبل الحكومة العراقية، بسبب خضوع العراق لأحكام الفصل السابع التي لا تتيح له ممارسة استقلاليته في اتخاذ القرارات الدبلوماسية، وعلى فرض انسحاب القوات الأمريكية من العراق نهاية 2011 وعدم التزام الولايات المتحدة الأمريكية بأحد بنود الاتفاقية العراقية الأمريكية المتضمن مساعدة العراق للخروج من أحكام الفصل السابع ، فمعنى ذلك أن دبلوماسية العراق ستبقى ضعيفة إن لم تكن معطلة تماما، وستستفيد الدول المجاورة من هذه الفرصة المناسبة للضغط أكثر باتجاه التلاعب بمسار العملية السياسية الداخلية والخارجية للعراق، وسيظل العراق ساحة مفتوحة للعبة المصالح الإقليمية والدولية، فيما يتم تهميش المصالح الوطنية العراقية وعدم التفكير الجدي خاصة من قبل بعض الساسة العراقيين في حمايتها وتعزيزها، لكن الذي ينتظره العراقيون في المرحلة القادمة أن يتبنى أعضاء السلطة التشريعية القادمة مشروعا سياسيا عراقيا جديدا ينهض بالعراق في كافة المجالات بدءا من إيجاد الحلول اللازمة لمشكلات المواطنين وكذلك استئصال جذور الفساد المستشري في مؤسسات الدولة وحكومتها، فالأرقام الإحصائية التي تم جمعها من داخل الدولة العراقية تشير إلى توسع دائرة الفساد الداخلي فهنالك الكثير من الموظفين كبارا أو صغارا يتعاطون الرشاوى وفي كافة الوزارات بلا استثناء، كم يجب على أعضاء السلطة التشريعية الجديدة القادمة تبني استراتيجية جديدة لتطوير العلاقات العراقية الخارجية مع كافة دول العالم، إضافة المضي في مشروع إخراج العراق من أحكام الفصل السابع، وحث القوات الأجنبية على الانسحاب من العراق ليحصل على استقلاله باتباع الحوار الدبلوماسي الذي يرتكز على ضمان المصالح العراقية وعدم التفريط بها لصالح الدول الأخرى المؤثرة في سياسات العراق دوليا وإقليميا كالولايات المتحده الامريكيه