يشهد عصرنا الراهن تزايد غير مسبوق ، وتسارعا في نمو الأهمية التي تحظى بها المعلومات ، إذ أدت الثورة التكنولوجية التي بنيت على التطور الهائل، الذي مرت به أنظمة الاتصال ونظم معالجة المعلومات إلى تغلغلها في كافة مفاصل الحياة اليومية للأفراد والمجتمعات ، في شتى أنماطها الاقتصادية ،الاجتماعية ، العسكرية،السياسية ، وغيرها ، الأمر الذي رفع كثيرا من قيمة المعلومة كجزء مكون لهرم المعرفة الإنسانية ، وأدى بالأخيرة (المعرفة) ، أن أصبحت عمودا من أعمدة القوة في العصر الحديث، مضافا إلى العنف والثروة ، حسب ما يرى ذلك ألفن توفلر في كتابه تحول السلطة Power Shift ، عندما قسم عناصر القوة المستقبلية.
إن انعكاسات هذه الحقائق على طبيعة العلاقات السائدة داخل المجتمع الحديث تبرز وجها جديدا من أوجه التباينات الطبقية ، فمثلما كان التقسيم في الماضي قائما على أساس من يملك الأرض أو من يملك المصنع ومن لا يملك ، (بكل ا يحمله ذلك من تفصيلات تتعلق بتوزيع المصالح والقوى و البنى ضمن تلك الأطر)، أصبحت ( الطبقية المعلوماتية ) و(الاحتكار المعرفي ) واقعا لا مفر منه ، ومعيارا جديدا من معايير تصنيف العلاقات الاجتماعية ، ومرتكزا يحكم العلاقة بين من يملك المعلومات ومن لا يملكها ، بما يجعل المعلومة أداة و هدفا في الوقت ذاته ، بالنسبة لأي نظام اجتماعي (بالمعنى الواسع للمصطلح) ، يسعى إليه ويستخدمه لتحقيق أهدافه في الاستمرار والتطور ، وإذ إن المؤسسات السياسية تمثل جزء رئيس في من النظام الاجتماعي العام ، وتعد الدولة المؤسسة القائدة فيه، بدا أن الدولة الحديثة جعلت من المعلومات أولوية مهمة من أولويات أهدافها العامة التي تقوم عليها سياساتها العامة ، ومن ثم استراتيجياتها بمختلف أوجهها، وهنا ينبغي التنبيه على إن الأمر لا يتعلق بالحصول على المعلومات بهدف زيادة المعرفة وحسب، وإنما السعي إلى الاستخدام الأفضل لها ، ومن ذلك أصبحت نشاطات الدولة الحديثة في أوجه التشريع والتنفيذ والرقابة ، تستخدم احدث الإمكانات التي تمكنها من الحصول على المعلومة وتخليلها وتصنيفها بما يضمن رفع قدراتها المستخدمة في مواجهة مشكلاتها المختلفة على الصعيد الداخلي وعلى الصعيد الخارجي.
عند النظر إلى السياسات الخارجية للدول في العالم المعاصر ، ممثلة بالعلاقات الدولية الراهنة من زاوية معلوماتية ، فأن بحرا يظهر من العلاقات التعاونية ــــ التكاملية ، أو التنافسية ــــ التصارعية في تعامل مختلف الوحدات الدولية مع المعلومات ، فمثلما في الاقتصاد يعد امتلاك دولة ما لنسبة من عملة دولة أخرى مؤشر قوة للأولى على الأخرى ، صارت المعلومات جزء من هذه الجدلية التبادلية ، إذ أصبحت المعلومة سلاحا ذو حدين ترغب الدولة في التحكم بها بالشكل الذي يجعلها تسيطر على ما يصل إلى المجتمع الدولي عنها من معلومات بما يعزز دورها ويدعم مكانتها أمام الرأي العام الدولي مثلما تتحكم في كم وطبيعة المعلومات الواردة إلى الرأي العام المحلي بما يكفل دعمه وتأييده لها.
لقد افرز التقدم الذي شهده مجال المعلوماتية العديد من الحقائق التي أصبحت من المسلمات التي لا مفر منها في علاقات الدولة والمجتمع و المجتمع مع المجتمعات الأخرى والدولة مع محيطها الدولي لعل أبرزها :
1- تهافت الدول وخاصة المتقدمة منها على إحكام قبضتها التي ضعفت نوعا ما على مجتمعاتها وسد الثغرات (خاصة الأمنية منها ) التي تنفذ منها محاولات التأثير على النظام السياسي ، الاجتماعي، الثقافي، الاقتصادي، وغيرها داخل الدولة .
2- محاولة الدول إشاعة نمطها الأيديولوجي في المحيط الدولي عن طريق استخدام ما تتيحه وسائل الثورة المعلوماتية بما تعكسه ضرورات العولمة التي يمر بها النظام الدولي المعاصر.
3- تشكل طبقية معلوماتية ــــ معرفية داخل الدولة الواحدة وفي إطار المجتمع الدولي يتم من خلالها إدماج المعرفة بشكل مباشر في بوتقة عناصر قوة الدولة.
4- أصبحت القوة العلمية ــــ التكنولوجية من الأهمية بمكان في سلم مكونات هرم قوة الدولة بحيث قللت بشكل واضح من عناصر الضعف التي تعاني منها الدولة في بعض مجالات القوة وزادت من فاعلية مجالات أخرى ، مع ضمان انسيابية اكبر في تفاعلها جميعا.
5- فتح أفاق أمام الدولة على صعيد خياراتها السياسية في التعامل مع مشكلاتها الداخلية والخارجية بما يقلل من تكاليف وخسائر الدولة وبما ينمي من أهمية النوع على الكم في تشريع وتنفيذ السياسات العامة للدولة.
يتضح من خلال ما سبق أن كثيرا من الظواهر الاجتماعية(على المستوى الواسع للمصطلح) ، في طريقها للظهور وذلك بسبب تسارع عجلة التقدم التكنولوجي الذي يشهده قطاع المعلومات وهو ما يستدعي التركيز على تفاصيل التفاعل الإنساني ـــــ ألمعلوماتي ، وانعكاسات ذلك على المجتمع السياسي المعاصر ، وهو ما يتطلب جهدا أكاديميا وعلميا مكثفا من قبل الدول المؤسسات العلمية العربية والإسلامية ، لمعرفة ما يجري وما ستؤول إليه تطورات المشهد السياسي العالمي لتكون هذه الدول جزء فاعلا في رسم السياسات العالمية وليس صدى لها.