جذور الخلاف بين الهند وباكستان
مرسل: الخميس مايو 27, 2010 10:09 pm
الحرب الهندية الباكستانية:-
الصراع بين الهند وباكستان استمرار لصراعات دينية وعرقية سابقة بين المسلمين والهندوس، زادت في الحدة والتوتر بسبب الظروف السياسية التي طرأت بعد التقسيم.
قامت ثلاث حروب بين البلدين، حربان منها بسبب "إقليم كشمير" التي يعود النزاع بشأنه إلى سنة التقسيم (1947م) ، إذ تبلغ نسبة المسلمين في كشمير حوالي 80% من سكانها، وكان الاستعمار البريطاني قد منحها الحكم الذاتي خلال فترة الاستعمار، وكان الحاكم الهندوسي لكشمير (المهراجا) قد رفض الانضمام إلى أي من الدولتين بعد التقسيم وأراد الاستقلال لكشمير، إلا ن السكان المسلمين ثاروا عليه مطالبينه بالانضمام إلى باكستان، فهرب إلى الهند لطلب النجدة، فاقتحمت القوات الهندية كشمير مما جعل القوات الباكستانية تتدخل لحماية المسلمين هناك، فنشبت الحرب بين قوات البلدين منذ أواخر 1948م، واستمرت حتى يناير 1949م، حيث تم وقف إطلاق النار؛ فتشكلت الحدود الفاصلة بين شطري كشمير عند هذا الخط، فأصبح ثلثي كشمير تحت سيطرة الهند والثلث الباقي تحت السيطرة الباكستانية.
وقد فشلت هيئة الأمم المتحدة بعد ذلك في إقناع الهند بفكرة الاستفتاء وحرية تقرير المصير للشعب الكشميري، رغم موافقة باكستان على هذا الاقتراح، إلا أن عدم إحراز الأمم المتحدة لأي تقدم بشأن كشمير جعل نهرو (رئيس الوزراء الهندي) يعلن ضم كشمير رسمياً للهند تحت مسمى (جامو وكشمير) وذلك عام 1957م، مما أجج نار الحرب التي اندلعت في عام 1965م، لكنها لم تستمر طويلاً، هُزمت فيها باكستان وخسرت من الأراضي الكشميرية أكثر مما في السابق.
واستمر تطلع البلدين لضم إقليم كشمير لأسباب دينية واقتصادية وسياسية، يبدو العامل الاقتصادي الأبرز بينها؛ لما تتمتع به كشمير من موارد اقتصادية ضخمة.
وتقيم الهند دعواها-في هيئة الأمم المتحدة- لضم كشمير إليها بناءً على الأسس التالية:
1 - إن حكومة كشمير الشرعية وافقت على الانضمام للهند في عام 1947م.
2 - قيام الهند - منذ عام 1947م - بإنشاء مشروعات تنموية واقتصادية ضخمة في كشمير، وترى الحكومة الهندية أنها قادرة على تحقيق المستقبل الاقتصادي لكشمير - بفضل أسواقها الضخمة - أكثر مما تستطيعه باكستان.
3 - إن المطالب الباكستانية بالمياه يمكن أن تنظمه معاهدة دولية بين البلدين (وهذا ما حصل فعلاً عام 1960م).
4 - إن الهند ملتزمة بحماية الأقليات الهندوسية التي تعيش في جامو.
بينما تقيم باكستان دعواها للمطالبة بضم كشمير إليها، بناءً على الأسس التالية:
1 - إن غالبية سكان كشمير من المسلمين.
2 - إن كشمير - قبل تقسيم بلاد الهند - كانت مرتبطة بالأقاليم الباكستانية الحالية بطرق تجارية برية تربطها بالعالم الإسلامي.
3 - إن سيطرة الهند على كشمير تُعرض نظم الري ومشروعات الطاقة الكهربائية للخطر، لأن أعلى نهر السند وبعض روافده تجري في كشمير.
4 - إن السيطرة الهندية على كشمير تعرض الأمن القومي الباكستاني للخطر بسبب نقص مقومات الدفاع الطبيعية بين جنوب كشمير وباكستان.
5 - إن السيطرة الباكستانية على كشمير أمر ضروري لتدعيم وسائل دفاعها ضد الأخطار الروسية والصينية.
وتبدو لنا قوة الدواعي والمبررات الهندية التي تدعمها موافقة الحكومة الكشميرية الانضمام إلى الهند عام 1947م .
وقد عرضت هيئة الأمم المتحدة عدة حلول لتسوية النزاع بين الهند وباكستان بشأن كشمير، منها : ـ
1 - إجراء استفتاء عام في جميع أنحاء كشمير يسبقه انسحاب لقوات البلدين ( لكن الهند ترفض تماماً إخلاء المناطق التي سيطرت عليها).
2 - ضم منطقتي جامو (الهندوسية) ولاداخ (البوذية) إلى الهند ، وضم بالتيستان ، وجلجلت (المسلمتين) إلى باكستان، وإجراء استفتاء في باقي المناطق.
3 - استقلال كشمير عن البلدين لتكون كياناً سياسياً مستقلاً.
4 - إشراف الأمم المتحدة - بشكل ما - على كشمير أو منطقة فال.
5 - تقسيم كشمير بناءً على خط وقف إطلاق النار عام 1949م (وقد رحب نهرو بهذا الاقتراح عام 1956م، لكن باكستان ترفض هذا الحل).
ولعل الحل المنطقي والسليم لتسوية الخلاف هو "حق تقرير المصير للشعب الكشميري" سواء بالاستقلال أو الانضمام إلى إحدى الدولتين المتصارعتين، لكن عدم توفر القوة لهيئة الأمم المتحدة، أو بالأحرى عدم الإرادة الدولية للدول العظمى، حال دون تسوية النزاع وبالتالي استمرار الصراع بين الطرفين.
وبسبب التعنت وعدم الرغبة في الحوار؛ تكرست أسباب اندلاع الحرب بين الدولتين فحدثت حرب عام 1971م : ولقد أشرنا آنفاً إلى أن باكستان تكونت من جزأين ، باكستان الغربية وباكستان الشرقية ، وظهرت أسباب الانقسام والفرقة بين الجزأين منذ الاستقلال عام 1947م، لوجود فروقات ثقافية وعرقية وجغرافية ، بالإضافة إلى تذمر الشرقيين من سيطرة الغربيين على مراكز صنع القرار في باكستان.
وفي عام 1970م حدثت فيضانات عارمة في باكستان الشرقية راح ضحيتها اكثر من 200 ألف شخص ، فاتهم الشرقيون الحكومة بالتباطؤ في أعمال الإغاثة .
كما تم في العام نفسه انتخاب جمعية وطنية لصياغة دستور باكستان الجديد ، بلغت نسبة الناخبين الشرقيين 56% من جملة السكان، وعبر الشرقيون عن رغبتهم بالحكم في ظل الدستور الجديد، فقام الرئيس (يحيى خان) بتأجيل انعقاد أول جلسة للجمعية، مما أثار غضب الشرقيين، فنظموا مظاهرات عنيفة تدخل الجيش الباكستاني (بأمر من الرئيس) لقمعها بشدة ، فانفجرت قنبلة الحرب الأهلية في باكستان، مما جعل الهند تتدخل، حين رأت ذلك فرصة سانحة لدعم الشرقيين، فاتسعت دائرة الحرب بين باكستان والهند لتشمل أجزاء من باكستان الغربية وكشمير، وبعد مضى أسبوعين (من دخول القوات الهندية الحرب إلى جانب الشرقيين) أعلنت باكستان استسلامها (في 16 ديسمبر 1971م) وكان الشرقيون قد أعلنوا عن استقلالهم قبل ذلك في 16 مارس 1971م وسموا دولتهم المستقلة (بنجلاديش).
وقد أعلنت باكستان اعترافها الرسمي "ببنجلاديش" في فبراير 1974م في عهد الرئيس الباكستاني (ذو الفقار علي بوتو).
ولا زالت الصراعات الهندية الباكستانية مستمرة، وتزداد حدتها يوماً بعد يوم وتوشك على انفجار عظيم في حرب رابعة .. لكنها ستكون مختلفة إذا وقعت .
سباق التسلح :
خرجت باكستان تلعق جراحها مهزومة في حربها الأخيرة مع الهند أوائل السبعينات، ومما زاد الحال سوءاً لباكستان التجربة النووية التي أجرتها الهند عام 1974م، التي حصلت على تقنيتها النووية والعلمية من بعض الدول (كالاتحاد السوفيتي وفرنسا).
هذه الهزيمة ولدت العزم لدى باكستان لامتلاك قدرات نووية لمجاراة عدوها المتربص بها بين حين وآخر .
وقد قال رئيس الوزراء الباكستاني آنذاك "ذو الفقار علي بوتو كلمته الشهيرة: "ستمتلك باكستان السلاح النووي حتى لو أضطر شعبها لأكل الأعشاب" وأدرك أنه لابد من تنفيذ ثلاثة شروط لامتلاك القنبلة النووية : توفير المواد الأولية القابلة للانشطار من اليورانيوم أو البلوتونيوم ، ثم القاعدة العلمية من علماء وفنيين ، ثم الإرادة السياسية.
وقد سعت باكستان للحصول على مساعدة فرنسا لتحقيق هذه الغاية، وقامت الولايات المتحدة بالضغط على فرنسا لوقف إمدادها للبرنامج النووي الباكستاني .
وفي ديسمبر 1975م حدث تطور باكستاني هام، وهو أن العالم الباكستاني عبدالقدير خان (الذي لقب بأبي القنبلة النووية الباكستانية)( الخبير في علم المعادن زار باكستان خلال عطلة من عمله في شركة ( F. D. O ) الهولندية التي تعمل في توفير خدمات الإخصاب للبرامج الأوربية للطاقة النووية سراً، وكان هذا العالم قد عرض على الرئيس (بوتو) خدماته لباكستان في برنامجها النووي، خصوصاً في مجال إخصاب اليورانيوم، فوافق بوتو شريطة ألا يعود إلى هولندا ، فوافق عبدالقديرخان على أن يعمل مشرفاً على هذا المشروع وأن يضحي بكل شيء من أجل باكستان وشعبها.
يقول عبدالقدير خان: "كان أمامنا هدف أنه لابد من النجاح بسرعة وبدقة ، ذلك أن أمامنا عدواً يتربص بنا ويهدد بلادنا كل يوم .. لقد كانت المعركة قاسية للغاية وليست سهلة " .
وحددت خمس سنوات لجاهزية المشروع ، إلا أن تسرب أنباء المفاعل النووي جعل بعض الدول تتعامل بحذر في تصدير المواد اللازمة لباكستان ، مما أدى إلى التأخر خمس سنوات أخرى ، لتمتلك باكستان القنبلة النووية بعد عشر سنوات من العمل (أي في عام 1984م ) فأصبحت باكستان أول دولة نووية إسلامية، مما أثار بعض الدول ولا سيما الهند وإسرائيل.
ولا شك أن باكستان استفادت من تحالفها مع الولايات المتحدة لصد التوغل السوفيتي في أفغانستان في نهاية السبعينات ، فغضت الولايات المتحدة الطرف عن الجهود النووية الباكستانية .
وكان للجيش والاستخبارات الباكستانية دور كبير في حماية المفاعلات النووية ، وتغطية عملها بالأغراض المدنية السلمية .
ولم تكن دول العالم متأكدة من القدرة النووية الباكستانية، وظل الوضع بشأن هذا الأمر هادئاً حتى انفجر عام 1998م ، حين أعلن علماء الذرة الهنود (عبر مؤتمر صحفي في 17 مايو 1998م) عن قيام الهند بخمس تجارب نووية متضمنة متفجرة انشطارية تبلغ 12 كيلو طن، وأخرى 2و0 كيلو طن، وذلك في 11مايو، أما في 13 مايو فقد بلغت قوة أحد التفجيرات 2و00 كيلو طن وأخرى 6و0 كيلو طن ، ولم يذكر العلماء شيئاً عن المواد المستخدمة أو العمق الذي دفنت فيه قبل الانفجار ، وقد شكك بعض العلماء الغربيين في قوة التفجيرات الهندية التي أجريت على بعد 80 كيلومتراً عن الحدود الباكستانية .
وفي 28 مايو، قامت باكستان بما كان متوقعاً (بعد مظاهرات شعبية كبيرة تطالب رئيس الحكومة "نواز شريف" بإجراء تجارب نووية رداً على ما فعلته الهند) فأجريت خمس تجارب نووية في وقت واحد في نفق تحت جبال (راس كوه) بالقرب من شاجاي في بلوشستان ، وقد تحول لون الجبل الذي أجريت تحته التجارب إلى اللون الأبيض، وقد تسائل بعض علماء الغرب عن عدد القنابل ومدى قوتها التدميرية ؟ وكان عبدالقدير خان قد أعلن أن أقوى هذه التفجيرات بلغ ما بين 30-35 كيلو طن ، وذكر العالم الفيزيائي الباكستاني سمر مباركماند أن مجموع تفجيرات ذلك اليوم بلغت من 40 - 45 كيلو طن، وقد شكك بعض علماء الغرب والهند بالقدرات النووية الباكستانية، ورجحوا أنها أقل مما أعلن بكثير، مما جعل باكستان تقوم بتجربة 30 مايو 1998م ، لتصبح التجارب النووية الباكستانية 6 في مقابل 5 تجارب هندية في ذلك العام .
وقد رأت الهند أنها حققت عدة فوائد من خلال تجاربها النووية التي أجريت عام 1998م أهمها :-
1- رغبة حزب "بهارتيا جاناتا" الحاكم بتحقيق قاعدة تأييد شعبية تفيد في الانتخابات القادمة في الهند، وقد وصلت نسبة التأييد الشعبي لهذا الحزب في قرار إجراء النووية ما يقارب 91% .
2- محاولة خلق توازن استراتيجي بين الهند من جهة وبين باكستان والصين من جهة أخرى (لاسيما وأن الهند قد خسرت حربها بشأن الحدود مع الصين عام 1965م مما تسبب في خلق عدو اتجه للتحالف مع باكستان) .
3- لفت النظر إلى القوة الهندية الطامحة إلى العالمية، والعضوية الدائمة في مجلس الأمن .
بعد 11 شهراً من التجارب النووية المذكورة بدأ سباق تسلح من نوع آخر ، وهو سباق التسلح الصاروخي، ففي 11 مايو 1999م قامت الهند بإطلاق صاروخ باليستي متوسط المدى (آغني 2) له القدرة على حمل رؤوس نووية، فردت باكستان بإطلاق صاروخي (غوري 2) و(شاهين 1) القادرين على حمل رؤوس نووية، لاسيما وأن القدرة النووية لا تقاس بقوتها التدميرية فقط، بل بقدرة الوسائل الحاملة لها كالصواريخ والطائرات.
الهند وباكستان بعد 11سبتمبر :
التفت العالم إلى باكستان بعد التأكد من امتلاكها الأسلحة النووية بعد تفجيرات 1998م ، كما ازدادت أهميتها بعد حرب أمريكا على أفغانستان(طالبان) ضمن خطة محاربتها للإرهاب على إثر تداعيات أحداث 11 سبتمبر / أيلول 2001م الشهيرة ، وقد قامت الولايات المتحدة بالضغط على باكستان للتحالف معها في تلك الحرب، ويذكر أن السفيرة الأمريكية في إسلام أباد هددت بقولها: "سنقيم تحالفاً (هندياً - إسرائيلياً) بقيادتنا، وسندمر ترسانتكم النووية"، وبعد تحفظ الرئيس الباكستاني الجنرال (برويز مشرف) من الدخول في التحالف مع الولايات المتحدة ذكرت السفيرة أن طائرات أمريكية وإسرائيلية حلقت في سماء باكستان لم تكشفها أجهزة الرصد الباكستانية، وقد صرح الجنرال مشرف - في حديث للشعب الباكستاني - أنه سينضم إلى التحالف الأمريكي ضد الإرهاب لمصلحة باكستان وحماية منشآتها النووية .
ومما يذكر أيضاً عن السفيرة الأمريكية قولها: "الديون ستبقى وسنسرع في طلب استيفائها .. قضية كشمير ستخسرونها، هذا إذا امتنعتم عن التعاون معنا ورفضتم فتح سمائكم وأرضكم وملفاتكم التي تحتفظون بها عن طالبان وابن لادن أمام هجومنا الذي نزمع شنه على أفغانستان".
ثم ذكرت الفوائد التي ستجنيها باكستان بانضمامها للتحالف مع الولايات المتحدة، أولها إلغاء الديون التي تقدر بـ (30-40 مليار دولار)، ثم الحصول على مساعدات من البنك الدولي، وبقاء الترسانة النووية الباكستانية، وسيكون للولايات المتحدة موقف مرضٍ لباكستان بخصوص قضية كشمير.
وتحاول الولايات المتحدة تحقيق مصالحها في جنوب آسيا مع تقليص الانتشار النووي ومنع وصوله إلى جماعات إرهابية ودول أخرى.
وخلال ظهور أهمية باكستان الاستراتيجية مؤخراً على المستوى الدولي، فإن وسائل الإعلام الباكستانية رأت أن الهند شعرت بالحنق بسبب تزايد هذه الأهمية، وحرصت على تقديم نفسها كقوة بديلة لباكستان بتكرار جملة أن "باكستان شريكة مع نظام طالبان في الإرهاب"، مما عرض الهند لانتقادات الولايات المتحدة لعدم وجود رغبة أمريكية بانضمامها إلى التحالف الذي تقوده ضد (طالبان) والإرهاب.
وقد استفادت الهند من الهجوم المسلح على برلمانها في 13 ديسمبر (2001م) لربط هذه الحادثة ببعض الجماعات الكشميرية التي تتخذ من باكستان مقراً لها، رغم نفي باكستان علاقتها بذلك، ورفض الهند مشاركة باكستان في التحقيقات، وعدم تقديمها دلائل قاطعة على ضلوع أيادٍ باكستانية في الهجوم المذكور .
وهذا مما أجبر الحكومة الباكستانية على إلغاء نشاط بعض الجماعات الكشميرية واعتقال مئات الأشخاص، مع رفضها تسليم أي منهم للسلطات الهندية، ومتابعة-ثم تقويض- المدارس والجماعات الدينية، لئلا يؤثر التطرف الديني على مستقبل باكستان .
وهذا مما خفف قليلاً من الأمة بين الهند وباكستان رغم استمرار الحشود العسكرية على الحدود بين البلدين ، وبدء المحاولات الدولية لتقليل حدة التوتر.
الأهداف الاستراتيجية الهندية :
تعتبر الهند قيام باكستان في شبه القارة الهندية أحد عوامل الإخلال بتوازن الوحدة الجغرافية والبشرية في الهند، مما أثر في احتوائها لبعض الجماعات الانفصالية .
كما تعتبرها سبباً في بطء نمو مستقبلها الاستراتيجي (الإقليمي والدولي) وعائقاً أمام تحقيقها للهدف الإستراتيجي الأول وهو التحول إلى قوة عالمية دائمة العضوية في مجلس الأمن ، في ظل امتلاكها للمقومات البشرية والجغرافية والاقتصادية والعسكرية الكفيلة بتحقيق الهدف .
وقد انتهجت الهند استراتيجية متعددة المحاور منها :
1 - تنفيذ سياسة الاكتفاء الذاتي، والاعتماد القليل على المعونات الخارجية.
2 - بناء الأسس القوية للجيش والقوات المسلحة معتمدة على الكثافة البشرية الهائلة، لحفظ أمنها الداخلي والقدرة الدفاعية الرادعة.
3 - انتهاج سياسة عدم الانحياز للحفاظ على حريتها في التصرف بين الدول الكبرى، لكنها أقامت - خلال فترة الحرب الباردة - علاقات جيدة مع الاتحاد السوفيتي لمواجهة التحالف الباكستاني الأمريكي، لمنع السوفيت من الوصول إلى (المياه الدافئة) من خلال أفغانستان، وأيضاً لمواجهة التحالف الصيني الباكستاني .
4 - التعاون مع إسرائيل للاستفادة من قدراتها العسكرية والتقنية لمواجهة التقارب العربي الباكستاني -رغم التوازن في العلاقات العربية الباكستانية - ولتحجيم القدرة النووية الباكستانية .
5 - استثمار المناوشات الهندية الباكستانية على شطري كشمير للضغط السياسي على باكستان.
6 -استثمار التقارب الهندي الأفغاني (حديث العهد) لفتح جبهة أخرى ضد باكستان.
7- الأهداف الاستراتيجية الباكستانية :
تركزت الأهداف الاستراتيجية الباكستانية منذ الاستقلال على ضمان الحفاظ على كيانها في ظل التهديدات الهندية، فالهند لم تقبل قط انفصال باكستان .
وقد تعددت المحاور التي تقوم عليها الاستراتيجية الباكستانية ومن أهمها :
1- بناء جيش قوى منتشر على طول الحدود مع الهند في حالة تأهب مستمر، إضافة إلى قوة جوية صغيرة على درجة عالية من التدريب مزودة بأفضل الطائرات المتوفرة لدى باكستان، للقيام بالتدخل الفوري الأرضي والجوي في وقت واحد .
بهدف تحقيق التوغل العسكري داخل الأراضي التي تسيطر عليها الهند، إما لاستردادها، أو احتلالها ثم المساومة السياسية عليها، وهذا ما حدث في عام 1999م حين استولت القوات الباكستانية في كشمير على بعض الأراضي الجبلية في (كارجيل) ولكن العجز السياسي للحكومة الباكستانية في عهد رئيس الوزراء السابق "نواز شريف" حال دون استثمار ما حدث ، واعتُبر هذا نقطة خلاف جوهرية بين الحكومة والجيش ، مما جعل العسكر يأتون إلى سدة الحكم بقيادة الجنرال (برويز مشرف) ليَظهر الجانب القوي للجيش في سيطرته على معظم الحكومات الباكستانية منذ زمن طويل.
2 - سعي باكستان إلى كسب حلفاء لدعم موقفها السياسي الدولي والحصول على الأسلحة، مع إمكانية تدخل هؤلاء الحلفاء نيابة عنها في الحالات القصوى (سياسياً) ، وتتضح هذه الاستراتيجية جلياً في العلاقات الباكستانية الصينية
إسرائيل :
أصبح السلاح النووي الباكستاني مثيراً للقلق في إسرائيل، إذ تخشى إسرائيل - والدول العظمى- وصول تقنيتها إلى أيادٍ عربية أو جماعات متطرفة، لذلك أصبحت إسرائيل تشكل خطراً على القوة الباكستانية، وسنداً للقوة الهندية .
ففي بداية عام (2001م) ذكرت وسائل الإعلام أن الاستخبارات الباكستانية تمكنت من إحباط محاولة إسرائيلية / هندية لمهاجمة المنشآت النووية الباكستانية بطائرات إسرائيلية وصلت إلى ا الهند وتم طلاؤها بلون الطائرات الهندية للتمويه ، مما جعل باكستان تستدعي سفيري الولايات المتحدة والهند، وتوضح لهما أنها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذا الأمر ؛ مما اضطر الطائرات الإسرائيلية للعودة إلى قواعدها في إسرائيل .
ولجأت إسرائيل فيما بعد إلى تزويد الهند ببعض الأسلحة والتقنية الحديثة المتوفرة لديها؛ مما يدل على استمرار المؤامرة ضد باكستان.
ونشرت بعض الصحف الباكستانية أنباءً عن اتصالات سرية بين باكستان وإسرائيل-عبر مظلة الأمم المتحدة- لحل المشكلة؛ فتعهدت إسرائيل بعدم القيام بهجوم على باكستان. كما نُشرت أخبار أخرى عن مطالبة بعض المثقفين الباكستانيين بضرورة الاتصال بإسرائيل لئلا تنفرد بها الهند على حساب باكستان، وهذه الأنباء - إن صحت - دليل على محاولات إسرائيل تدمير القوة الباكستانية، أو إقامة أي نوع من التقارب مع باكستان .
ومما سبق يتضح أن السلاح النووي مصدر قوة عسكرية وسياسية، إلا أنه قد يكون وسيلة للابتزاز أحياناً، فهو سلاح التلويح بالقوة وليس سلاح استخدام القوة إذ لم يستخدم سوى مرة واحدة وذلك خلال الحرب العالمية الثانية .
واليوم أصبحت الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل أصبحت ذريعة للدول العظمى-وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية- لفرض الهيمنة الاقتصادية والسياسية التي يروج لها باسم السلام ونزع أسلحة الدمار الشامل ، وهذا ما يحدث اليوم مع بعض الدول.
من خلال هذه الدراسة برزت عدة نتائج منها :
- التباين الديني والإثني والثقافي أحد أسباب نشوء الخلافات ، وهذا ما حدث في شبه القارة الهندية ساعد الاستعمار البريطاني على إنمائه، مما أدى إلى تقسيم بلاد الهند إلى كتلتين سياسيتين (الهند - باكستان) انبثقت من إحداهما كتلة سياسية ثالثة (بنجلاديش) .
- المفكرون هم عماد الأمم ومصدر قوتها ، لذا ساهم المفكرون في شبه القارة الهندية بقيادة بلادهم نحو استقلالها .
- الاستعمار البريطاني لشبه القارة الهندية أثار أسباب الفرقة والخلاف قبل رحيله لتستمر حاجة شعوب المنطقة إليه .
- مشكلة كشمير نشأت لأسباب عديدة (دينية وسياسية واقتصادية)، ولكن تباطؤ هيئة الأمم المتحدة وعدم جديتها في حل النزاع سبَّب تراكم غبار المشكلة لأكثر من خمسين عاماً؛ مما يجعل حل القضية عسيراً اليوم في ظل ضعف هيئة الأمم المتحدة .
- الخلاف بين شعوب شبه القارة الهندية قسمها إلى دولتين ثم ثلاث، واستمرار الخلاف ربما يصنع دولة رابعة (كشمير) .
- البحث عن مصادر القوة نتيجة طبيعية لأي خلاف، ويبدو أن القوة النووية أصبحت قوة معنوية أكثر من كونها قوة عسكرية، وقد تصبح سلاحاً ذو حدين، علماً أنها لم تستخدم في حالة الحرب سوى مرة واحدة (1945م/ هيروشيما ونجازاكي) ومازالت نتائجها المحزنة ماثلة في الأذهان .
- تحاول إسرائيل دائماً الاستفادة من التداعيات الدولية، والاصطياد في المياه العكرة للقضاء على خصومها وفق توجهات حكوماتها .
- الحوار أفضل طريقة لحل المشكلات، لكنه بحاجة إلى بعض التنازلات من طرفي الخلاف للوصول إلى حلٍ مُرضٍ للطرفين، ولكن يبدو أن فقدان هيئة الأمم المتحدة لفاعليتها الدولية، وعودة دول العالم إلى التكتلات والأحلاف جعل العالم في حالة "صدام بين الحضارات"
الصراع بين الهند وباكستان استمرار لصراعات دينية وعرقية سابقة بين المسلمين والهندوس، زادت في الحدة والتوتر بسبب الظروف السياسية التي طرأت بعد التقسيم.
قامت ثلاث حروب بين البلدين، حربان منها بسبب "إقليم كشمير" التي يعود النزاع بشأنه إلى سنة التقسيم (1947م) ، إذ تبلغ نسبة المسلمين في كشمير حوالي 80% من سكانها، وكان الاستعمار البريطاني قد منحها الحكم الذاتي خلال فترة الاستعمار، وكان الحاكم الهندوسي لكشمير (المهراجا) قد رفض الانضمام إلى أي من الدولتين بعد التقسيم وأراد الاستقلال لكشمير، إلا ن السكان المسلمين ثاروا عليه مطالبينه بالانضمام إلى باكستان، فهرب إلى الهند لطلب النجدة، فاقتحمت القوات الهندية كشمير مما جعل القوات الباكستانية تتدخل لحماية المسلمين هناك، فنشبت الحرب بين قوات البلدين منذ أواخر 1948م، واستمرت حتى يناير 1949م، حيث تم وقف إطلاق النار؛ فتشكلت الحدود الفاصلة بين شطري كشمير عند هذا الخط، فأصبح ثلثي كشمير تحت سيطرة الهند والثلث الباقي تحت السيطرة الباكستانية.
وقد فشلت هيئة الأمم المتحدة بعد ذلك في إقناع الهند بفكرة الاستفتاء وحرية تقرير المصير للشعب الكشميري، رغم موافقة باكستان على هذا الاقتراح، إلا أن عدم إحراز الأمم المتحدة لأي تقدم بشأن كشمير جعل نهرو (رئيس الوزراء الهندي) يعلن ضم كشمير رسمياً للهند تحت مسمى (جامو وكشمير) وذلك عام 1957م، مما أجج نار الحرب التي اندلعت في عام 1965م، لكنها لم تستمر طويلاً، هُزمت فيها باكستان وخسرت من الأراضي الكشميرية أكثر مما في السابق.
واستمر تطلع البلدين لضم إقليم كشمير لأسباب دينية واقتصادية وسياسية، يبدو العامل الاقتصادي الأبرز بينها؛ لما تتمتع به كشمير من موارد اقتصادية ضخمة.
وتقيم الهند دعواها-في هيئة الأمم المتحدة- لضم كشمير إليها بناءً على الأسس التالية:
1 - إن حكومة كشمير الشرعية وافقت على الانضمام للهند في عام 1947م.
2 - قيام الهند - منذ عام 1947م - بإنشاء مشروعات تنموية واقتصادية ضخمة في كشمير، وترى الحكومة الهندية أنها قادرة على تحقيق المستقبل الاقتصادي لكشمير - بفضل أسواقها الضخمة - أكثر مما تستطيعه باكستان.
3 - إن المطالب الباكستانية بالمياه يمكن أن تنظمه معاهدة دولية بين البلدين (وهذا ما حصل فعلاً عام 1960م).
4 - إن الهند ملتزمة بحماية الأقليات الهندوسية التي تعيش في جامو.
بينما تقيم باكستان دعواها للمطالبة بضم كشمير إليها، بناءً على الأسس التالية:
1 - إن غالبية سكان كشمير من المسلمين.
2 - إن كشمير - قبل تقسيم بلاد الهند - كانت مرتبطة بالأقاليم الباكستانية الحالية بطرق تجارية برية تربطها بالعالم الإسلامي.
3 - إن سيطرة الهند على كشمير تُعرض نظم الري ومشروعات الطاقة الكهربائية للخطر، لأن أعلى نهر السند وبعض روافده تجري في كشمير.
4 - إن السيطرة الهندية على كشمير تعرض الأمن القومي الباكستاني للخطر بسبب نقص مقومات الدفاع الطبيعية بين جنوب كشمير وباكستان.
5 - إن السيطرة الباكستانية على كشمير أمر ضروري لتدعيم وسائل دفاعها ضد الأخطار الروسية والصينية.
وتبدو لنا قوة الدواعي والمبررات الهندية التي تدعمها موافقة الحكومة الكشميرية الانضمام إلى الهند عام 1947م .
وقد عرضت هيئة الأمم المتحدة عدة حلول لتسوية النزاع بين الهند وباكستان بشأن كشمير، منها : ـ
1 - إجراء استفتاء عام في جميع أنحاء كشمير يسبقه انسحاب لقوات البلدين ( لكن الهند ترفض تماماً إخلاء المناطق التي سيطرت عليها).
2 - ضم منطقتي جامو (الهندوسية) ولاداخ (البوذية) إلى الهند ، وضم بالتيستان ، وجلجلت (المسلمتين) إلى باكستان، وإجراء استفتاء في باقي المناطق.
3 - استقلال كشمير عن البلدين لتكون كياناً سياسياً مستقلاً.
4 - إشراف الأمم المتحدة - بشكل ما - على كشمير أو منطقة فال.
5 - تقسيم كشمير بناءً على خط وقف إطلاق النار عام 1949م (وقد رحب نهرو بهذا الاقتراح عام 1956م، لكن باكستان ترفض هذا الحل).
ولعل الحل المنطقي والسليم لتسوية الخلاف هو "حق تقرير المصير للشعب الكشميري" سواء بالاستقلال أو الانضمام إلى إحدى الدولتين المتصارعتين، لكن عدم توفر القوة لهيئة الأمم المتحدة، أو بالأحرى عدم الإرادة الدولية للدول العظمى، حال دون تسوية النزاع وبالتالي استمرار الصراع بين الطرفين.
وبسبب التعنت وعدم الرغبة في الحوار؛ تكرست أسباب اندلاع الحرب بين الدولتين فحدثت حرب عام 1971م : ولقد أشرنا آنفاً إلى أن باكستان تكونت من جزأين ، باكستان الغربية وباكستان الشرقية ، وظهرت أسباب الانقسام والفرقة بين الجزأين منذ الاستقلال عام 1947م، لوجود فروقات ثقافية وعرقية وجغرافية ، بالإضافة إلى تذمر الشرقيين من سيطرة الغربيين على مراكز صنع القرار في باكستان.
وفي عام 1970م حدثت فيضانات عارمة في باكستان الشرقية راح ضحيتها اكثر من 200 ألف شخص ، فاتهم الشرقيون الحكومة بالتباطؤ في أعمال الإغاثة .
كما تم في العام نفسه انتخاب جمعية وطنية لصياغة دستور باكستان الجديد ، بلغت نسبة الناخبين الشرقيين 56% من جملة السكان، وعبر الشرقيون عن رغبتهم بالحكم في ظل الدستور الجديد، فقام الرئيس (يحيى خان) بتأجيل انعقاد أول جلسة للجمعية، مما أثار غضب الشرقيين، فنظموا مظاهرات عنيفة تدخل الجيش الباكستاني (بأمر من الرئيس) لقمعها بشدة ، فانفجرت قنبلة الحرب الأهلية في باكستان، مما جعل الهند تتدخل، حين رأت ذلك فرصة سانحة لدعم الشرقيين، فاتسعت دائرة الحرب بين باكستان والهند لتشمل أجزاء من باكستان الغربية وكشمير، وبعد مضى أسبوعين (من دخول القوات الهندية الحرب إلى جانب الشرقيين) أعلنت باكستان استسلامها (في 16 ديسمبر 1971م) وكان الشرقيون قد أعلنوا عن استقلالهم قبل ذلك في 16 مارس 1971م وسموا دولتهم المستقلة (بنجلاديش).
وقد أعلنت باكستان اعترافها الرسمي "ببنجلاديش" في فبراير 1974م في عهد الرئيس الباكستاني (ذو الفقار علي بوتو).
ولا زالت الصراعات الهندية الباكستانية مستمرة، وتزداد حدتها يوماً بعد يوم وتوشك على انفجار عظيم في حرب رابعة .. لكنها ستكون مختلفة إذا وقعت .
سباق التسلح :
خرجت باكستان تلعق جراحها مهزومة في حربها الأخيرة مع الهند أوائل السبعينات، ومما زاد الحال سوءاً لباكستان التجربة النووية التي أجرتها الهند عام 1974م، التي حصلت على تقنيتها النووية والعلمية من بعض الدول (كالاتحاد السوفيتي وفرنسا).
هذه الهزيمة ولدت العزم لدى باكستان لامتلاك قدرات نووية لمجاراة عدوها المتربص بها بين حين وآخر .
وقد قال رئيس الوزراء الباكستاني آنذاك "ذو الفقار علي بوتو كلمته الشهيرة: "ستمتلك باكستان السلاح النووي حتى لو أضطر شعبها لأكل الأعشاب" وأدرك أنه لابد من تنفيذ ثلاثة شروط لامتلاك القنبلة النووية : توفير المواد الأولية القابلة للانشطار من اليورانيوم أو البلوتونيوم ، ثم القاعدة العلمية من علماء وفنيين ، ثم الإرادة السياسية.
وقد سعت باكستان للحصول على مساعدة فرنسا لتحقيق هذه الغاية، وقامت الولايات المتحدة بالضغط على فرنسا لوقف إمدادها للبرنامج النووي الباكستاني .
وفي ديسمبر 1975م حدث تطور باكستاني هام، وهو أن العالم الباكستاني عبدالقدير خان (الذي لقب بأبي القنبلة النووية الباكستانية)( الخبير في علم المعادن زار باكستان خلال عطلة من عمله في شركة ( F. D. O ) الهولندية التي تعمل في توفير خدمات الإخصاب للبرامج الأوربية للطاقة النووية سراً، وكان هذا العالم قد عرض على الرئيس (بوتو) خدماته لباكستان في برنامجها النووي، خصوصاً في مجال إخصاب اليورانيوم، فوافق بوتو شريطة ألا يعود إلى هولندا ، فوافق عبدالقديرخان على أن يعمل مشرفاً على هذا المشروع وأن يضحي بكل شيء من أجل باكستان وشعبها.
يقول عبدالقدير خان: "كان أمامنا هدف أنه لابد من النجاح بسرعة وبدقة ، ذلك أن أمامنا عدواً يتربص بنا ويهدد بلادنا كل يوم .. لقد كانت المعركة قاسية للغاية وليست سهلة " .
وحددت خمس سنوات لجاهزية المشروع ، إلا أن تسرب أنباء المفاعل النووي جعل بعض الدول تتعامل بحذر في تصدير المواد اللازمة لباكستان ، مما أدى إلى التأخر خمس سنوات أخرى ، لتمتلك باكستان القنبلة النووية بعد عشر سنوات من العمل (أي في عام 1984م ) فأصبحت باكستان أول دولة نووية إسلامية، مما أثار بعض الدول ولا سيما الهند وإسرائيل.
ولا شك أن باكستان استفادت من تحالفها مع الولايات المتحدة لصد التوغل السوفيتي في أفغانستان في نهاية السبعينات ، فغضت الولايات المتحدة الطرف عن الجهود النووية الباكستانية .
وكان للجيش والاستخبارات الباكستانية دور كبير في حماية المفاعلات النووية ، وتغطية عملها بالأغراض المدنية السلمية .
ولم تكن دول العالم متأكدة من القدرة النووية الباكستانية، وظل الوضع بشأن هذا الأمر هادئاً حتى انفجر عام 1998م ، حين أعلن علماء الذرة الهنود (عبر مؤتمر صحفي في 17 مايو 1998م) عن قيام الهند بخمس تجارب نووية متضمنة متفجرة انشطارية تبلغ 12 كيلو طن، وأخرى 2و0 كيلو طن، وذلك في 11مايو، أما في 13 مايو فقد بلغت قوة أحد التفجيرات 2و00 كيلو طن وأخرى 6و0 كيلو طن ، ولم يذكر العلماء شيئاً عن المواد المستخدمة أو العمق الذي دفنت فيه قبل الانفجار ، وقد شكك بعض العلماء الغربيين في قوة التفجيرات الهندية التي أجريت على بعد 80 كيلومتراً عن الحدود الباكستانية .
وفي 28 مايو، قامت باكستان بما كان متوقعاً (بعد مظاهرات شعبية كبيرة تطالب رئيس الحكومة "نواز شريف" بإجراء تجارب نووية رداً على ما فعلته الهند) فأجريت خمس تجارب نووية في وقت واحد في نفق تحت جبال (راس كوه) بالقرب من شاجاي في بلوشستان ، وقد تحول لون الجبل الذي أجريت تحته التجارب إلى اللون الأبيض، وقد تسائل بعض علماء الغرب عن عدد القنابل ومدى قوتها التدميرية ؟ وكان عبدالقدير خان قد أعلن أن أقوى هذه التفجيرات بلغ ما بين 30-35 كيلو طن ، وذكر العالم الفيزيائي الباكستاني سمر مباركماند أن مجموع تفجيرات ذلك اليوم بلغت من 40 - 45 كيلو طن، وقد شكك بعض علماء الغرب والهند بالقدرات النووية الباكستانية، ورجحوا أنها أقل مما أعلن بكثير، مما جعل باكستان تقوم بتجربة 30 مايو 1998م ، لتصبح التجارب النووية الباكستانية 6 في مقابل 5 تجارب هندية في ذلك العام .
وقد رأت الهند أنها حققت عدة فوائد من خلال تجاربها النووية التي أجريت عام 1998م أهمها :-
1- رغبة حزب "بهارتيا جاناتا" الحاكم بتحقيق قاعدة تأييد شعبية تفيد في الانتخابات القادمة في الهند، وقد وصلت نسبة التأييد الشعبي لهذا الحزب في قرار إجراء النووية ما يقارب 91% .
2- محاولة خلق توازن استراتيجي بين الهند من جهة وبين باكستان والصين من جهة أخرى (لاسيما وأن الهند قد خسرت حربها بشأن الحدود مع الصين عام 1965م مما تسبب في خلق عدو اتجه للتحالف مع باكستان) .
3- لفت النظر إلى القوة الهندية الطامحة إلى العالمية، والعضوية الدائمة في مجلس الأمن .
بعد 11 شهراً من التجارب النووية المذكورة بدأ سباق تسلح من نوع آخر ، وهو سباق التسلح الصاروخي، ففي 11 مايو 1999م قامت الهند بإطلاق صاروخ باليستي متوسط المدى (آغني 2) له القدرة على حمل رؤوس نووية، فردت باكستان بإطلاق صاروخي (غوري 2) و(شاهين 1) القادرين على حمل رؤوس نووية، لاسيما وأن القدرة النووية لا تقاس بقوتها التدميرية فقط، بل بقدرة الوسائل الحاملة لها كالصواريخ والطائرات.
الهند وباكستان بعد 11سبتمبر :
التفت العالم إلى باكستان بعد التأكد من امتلاكها الأسلحة النووية بعد تفجيرات 1998م ، كما ازدادت أهميتها بعد حرب أمريكا على أفغانستان(طالبان) ضمن خطة محاربتها للإرهاب على إثر تداعيات أحداث 11 سبتمبر / أيلول 2001م الشهيرة ، وقد قامت الولايات المتحدة بالضغط على باكستان للتحالف معها في تلك الحرب، ويذكر أن السفيرة الأمريكية في إسلام أباد هددت بقولها: "سنقيم تحالفاً (هندياً - إسرائيلياً) بقيادتنا، وسندمر ترسانتكم النووية"، وبعد تحفظ الرئيس الباكستاني الجنرال (برويز مشرف) من الدخول في التحالف مع الولايات المتحدة ذكرت السفيرة أن طائرات أمريكية وإسرائيلية حلقت في سماء باكستان لم تكشفها أجهزة الرصد الباكستانية، وقد صرح الجنرال مشرف - في حديث للشعب الباكستاني - أنه سينضم إلى التحالف الأمريكي ضد الإرهاب لمصلحة باكستان وحماية منشآتها النووية .
ومما يذكر أيضاً عن السفيرة الأمريكية قولها: "الديون ستبقى وسنسرع في طلب استيفائها .. قضية كشمير ستخسرونها، هذا إذا امتنعتم عن التعاون معنا ورفضتم فتح سمائكم وأرضكم وملفاتكم التي تحتفظون بها عن طالبان وابن لادن أمام هجومنا الذي نزمع شنه على أفغانستان".
ثم ذكرت الفوائد التي ستجنيها باكستان بانضمامها للتحالف مع الولايات المتحدة، أولها إلغاء الديون التي تقدر بـ (30-40 مليار دولار)، ثم الحصول على مساعدات من البنك الدولي، وبقاء الترسانة النووية الباكستانية، وسيكون للولايات المتحدة موقف مرضٍ لباكستان بخصوص قضية كشمير.
وتحاول الولايات المتحدة تحقيق مصالحها في جنوب آسيا مع تقليص الانتشار النووي ومنع وصوله إلى جماعات إرهابية ودول أخرى.
وخلال ظهور أهمية باكستان الاستراتيجية مؤخراً على المستوى الدولي، فإن وسائل الإعلام الباكستانية رأت أن الهند شعرت بالحنق بسبب تزايد هذه الأهمية، وحرصت على تقديم نفسها كقوة بديلة لباكستان بتكرار جملة أن "باكستان شريكة مع نظام طالبان في الإرهاب"، مما عرض الهند لانتقادات الولايات المتحدة لعدم وجود رغبة أمريكية بانضمامها إلى التحالف الذي تقوده ضد (طالبان) والإرهاب.
وقد استفادت الهند من الهجوم المسلح على برلمانها في 13 ديسمبر (2001م) لربط هذه الحادثة ببعض الجماعات الكشميرية التي تتخذ من باكستان مقراً لها، رغم نفي باكستان علاقتها بذلك، ورفض الهند مشاركة باكستان في التحقيقات، وعدم تقديمها دلائل قاطعة على ضلوع أيادٍ باكستانية في الهجوم المذكور .
وهذا مما أجبر الحكومة الباكستانية على إلغاء نشاط بعض الجماعات الكشميرية واعتقال مئات الأشخاص، مع رفضها تسليم أي منهم للسلطات الهندية، ومتابعة-ثم تقويض- المدارس والجماعات الدينية، لئلا يؤثر التطرف الديني على مستقبل باكستان .
وهذا مما خفف قليلاً من الأمة بين الهند وباكستان رغم استمرار الحشود العسكرية على الحدود بين البلدين ، وبدء المحاولات الدولية لتقليل حدة التوتر.
الأهداف الاستراتيجية الهندية :
تعتبر الهند قيام باكستان في شبه القارة الهندية أحد عوامل الإخلال بتوازن الوحدة الجغرافية والبشرية في الهند، مما أثر في احتوائها لبعض الجماعات الانفصالية .
كما تعتبرها سبباً في بطء نمو مستقبلها الاستراتيجي (الإقليمي والدولي) وعائقاً أمام تحقيقها للهدف الإستراتيجي الأول وهو التحول إلى قوة عالمية دائمة العضوية في مجلس الأمن ، في ظل امتلاكها للمقومات البشرية والجغرافية والاقتصادية والعسكرية الكفيلة بتحقيق الهدف .
وقد انتهجت الهند استراتيجية متعددة المحاور منها :
1 - تنفيذ سياسة الاكتفاء الذاتي، والاعتماد القليل على المعونات الخارجية.
2 - بناء الأسس القوية للجيش والقوات المسلحة معتمدة على الكثافة البشرية الهائلة، لحفظ أمنها الداخلي والقدرة الدفاعية الرادعة.
3 - انتهاج سياسة عدم الانحياز للحفاظ على حريتها في التصرف بين الدول الكبرى، لكنها أقامت - خلال فترة الحرب الباردة - علاقات جيدة مع الاتحاد السوفيتي لمواجهة التحالف الباكستاني الأمريكي، لمنع السوفيت من الوصول إلى (المياه الدافئة) من خلال أفغانستان، وأيضاً لمواجهة التحالف الصيني الباكستاني .
4 - التعاون مع إسرائيل للاستفادة من قدراتها العسكرية والتقنية لمواجهة التقارب العربي الباكستاني -رغم التوازن في العلاقات العربية الباكستانية - ولتحجيم القدرة النووية الباكستانية .
5 - استثمار المناوشات الهندية الباكستانية على شطري كشمير للضغط السياسي على باكستان.
6 -استثمار التقارب الهندي الأفغاني (حديث العهد) لفتح جبهة أخرى ضد باكستان.
7- الأهداف الاستراتيجية الباكستانية :
تركزت الأهداف الاستراتيجية الباكستانية منذ الاستقلال على ضمان الحفاظ على كيانها في ظل التهديدات الهندية، فالهند لم تقبل قط انفصال باكستان .
وقد تعددت المحاور التي تقوم عليها الاستراتيجية الباكستانية ومن أهمها :
1- بناء جيش قوى منتشر على طول الحدود مع الهند في حالة تأهب مستمر، إضافة إلى قوة جوية صغيرة على درجة عالية من التدريب مزودة بأفضل الطائرات المتوفرة لدى باكستان، للقيام بالتدخل الفوري الأرضي والجوي في وقت واحد .
بهدف تحقيق التوغل العسكري داخل الأراضي التي تسيطر عليها الهند، إما لاستردادها، أو احتلالها ثم المساومة السياسية عليها، وهذا ما حدث في عام 1999م حين استولت القوات الباكستانية في كشمير على بعض الأراضي الجبلية في (كارجيل) ولكن العجز السياسي للحكومة الباكستانية في عهد رئيس الوزراء السابق "نواز شريف" حال دون استثمار ما حدث ، واعتُبر هذا نقطة خلاف جوهرية بين الحكومة والجيش ، مما جعل العسكر يأتون إلى سدة الحكم بقيادة الجنرال (برويز مشرف) ليَظهر الجانب القوي للجيش في سيطرته على معظم الحكومات الباكستانية منذ زمن طويل.
2 - سعي باكستان إلى كسب حلفاء لدعم موقفها السياسي الدولي والحصول على الأسلحة، مع إمكانية تدخل هؤلاء الحلفاء نيابة عنها في الحالات القصوى (سياسياً) ، وتتضح هذه الاستراتيجية جلياً في العلاقات الباكستانية الصينية
إسرائيل :
أصبح السلاح النووي الباكستاني مثيراً للقلق في إسرائيل، إذ تخشى إسرائيل - والدول العظمى- وصول تقنيتها إلى أيادٍ عربية أو جماعات متطرفة، لذلك أصبحت إسرائيل تشكل خطراً على القوة الباكستانية، وسنداً للقوة الهندية .
ففي بداية عام (2001م) ذكرت وسائل الإعلام أن الاستخبارات الباكستانية تمكنت من إحباط محاولة إسرائيلية / هندية لمهاجمة المنشآت النووية الباكستانية بطائرات إسرائيلية وصلت إلى ا الهند وتم طلاؤها بلون الطائرات الهندية للتمويه ، مما جعل باكستان تستدعي سفيري الولايات المتحدة والهند، وتوضح لهما أنها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذا الأمر ؛ مما اضطر الطائرات الإسرائيلية للعودة إلى قواعدها في إسرائيل .
ولجأت إسرائيل فيما بعد إلى تزويد الهند ببعض الأسلحة والتقنية الحديثة المتوفرة لديها؛ مما يدل على استمرار المؤامرة ضد باكستان.
ونشرت بعض الصحف الباكستانية أنباءً عن اتصالات سرية بين باكستان وإسرائيل-عبر مظلة الأمم المتحدة- لحل المشكلة؛ فتعهدت إسرائيل بعدم القيام بهجوم على باكستان. كما نُشرت أخبار أخرى عن مطالبة بعض المثقفين الباكستانيين بضرورة الاتصال بإسرائيل لئلا تنفرد بها الهند على حساب باكستان، وهذه الأنباء - إن صحت - دليل على محاولات إسرائيل تدمير القوة الباكستانية، أو إقامة أي نوع من التقارب مع باكستان .
ومما سبق يتضح أن السلاح النووي مصدر قوة عسكرية وسياسية، إلا أنه قد يكون وسيلة للابتزاز أحياناً، فهو سلاح التلويح بالقوة وليس سلاح استخدام القوة إذ لم يستخدم سوى مرة واحدة وذلك خلال الحرب العالمية الثانية .
واليوم أصبحت الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل أصبحت ذريعة للدول العظمى-وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية- لفرض الهيمنة الاقتصادية والسياسية التي يروج لها باسم السلام ونزع أسلحة الدمار الشامل ، وهذا ما يحدث اليوم مع بعض الدول.
من خلال هذه الدراسة برزت عدة نتائج منها :
- التباين الديني والإثني والثقافي أحد أسباب نشوء الخلافات ، وهذا ما حدث في شبه القارة الهندية ساعد الاستعمار البريطاني على إنمائه، مما أدى إلى تقسيم بلاد الهند إلى كتلتين سياسيتين (الهند - باكستان) انبثقت من إحداهما كتلة سياسية ثالثة (بنجلاديش) .
- المفكرون هم عماد الأمم ومصدر قوتها ، لذا ساهم المفكرون في شبه القارة الهندية بقيادة بلادهم نحو استقلالها .
- الاستعمار البريطاني لشبه القارة الهندية أثار أسباب الفرقة والخلاف قبل رحيله لتستمر حاجة شعوب المنطقة إليه .
- مشكلة كشمير نشأت لأسباب عديدة (دينية وسياسية واقتصادية)، ولكن تباطؤ هيئة الأمم المتحدة وعدم جديتها في حل النزاع سبَّب تراكم غبار المشكلة لأكثر من خمسين عاماً؛ مما يجعل حل القضية عسيراً اليوم في ظل ضعف هيئة الأمم المتحدة .
- الخلاف بين شعوب شبه القارة الهندية قسمها إلى دولتين ثم ثلاث، واستمرار الخلاف ربما يصنع دولة رابعة (كشمير) .
- البحث عن مصادر القوة نتيجة طبيعية لأي خلاف، ويبدو أن القوة النووية أصبحت قوة معنوية أكثر من كونها قوة عسكرية، وقد تصبح سلاحاً ذو حدين، علماً أنها لم تستخدم في حالة الحرب سوى مرة واحدة (1945م/ هيروشيما ونجازاكي) ومازالت نتائجها المحزنة ماثلة في الأذهان .
- تحاول إسرائيل دائماً الاستفادة من التداعيات الدولية، والاصطياد في المياه العكرة للقضاء على خصومها وفق توجهات حكوماتها .
- الحوار أفضل طريقة لحل المشكلات، لكنه بحاجة إلى بعض التنازلات من طرفي الخلاف للوصول إلى حلٍ مُرضٍ للطرفين، ولكن يبدو أن فقدان هيئة الأمم المتحدة لفاعليتها الدولية، وعودة دول العالم إلى التكتلات والأحلاف جعل العالم في حالة "صدام بين الحضارات"