تحالف اقتصادي تحت رحمة تاريخ من العداء!
مرسل: الجمعة مايو 28, 2010 8:15 pm
جاءت الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بين الصين واليابان في أجواء شديدة التعقيد بالنسبة للعلاقة بين الجارتين اللدودتين.
فبدون اتفاق مكتوب أصبحت الصين واليابان حليفين اقتصاديين يحتاج كل منهما الآخر وإن بدرجات متفاوتة. في الوقت نفسه فإن الملفات السياسية الشائكة بين البلدين مازالت مفتوحة لتثير المشكلات من وقت لآخر.
وكانت الأزمة الأخيرة سواء فيما يتعلق بالنزاع الحدودي أو بالموقف الياباني من الأزمة التايوانية وأخيرا المظاهرات الصينية المناهضة لليابان بسبب كتب التاريخ اليابانية التي يرى الصينيون انها تقلل من حجم جرائم الحرب اليابانية في حق الصينيين خلال النصف الأول من القرن العشرين كانت فرصة لفتح ملف العلاقات الاقتصادية بين الصين واليابان. وفي تقرير نشرته (آسيا تايمز) تناول المحلل الاقتصادي جورج زيبين جو تلك العلاقات من جوانبها المختلفة. فقد أشار المحلل الاقتصادي إلى أن الشركات اليابانية أصبحت ثالث أهم مستثمر في الصين بعد رجال الأعمال الصينيين الذين يعيشون خارج الصين والشركات الأمريكية.
وفي عام 2004 بلغت الاستثمارات اليابانية في أسهم الشركات الصينية 66.6 مليار دولار. كما أن البنوك اليابانية تتصدر قائمة المقرضين الدوليين للصين. علاوة على ذلك فإن الاقتصاد الصيني المزدهر أصبح المحرك الرئيسي لخروج الاقتصاد الياباني من دائرة الركود التي يعاني منها منذ أكثر من عشر سنوات. وقد استحوذت الصين على أكثر من خمسين في المائة من الزيادة الأخيرة في الصادرات اليابانية.
الاستثمارات اليابانية
وقد جاءت الاستثمارات اليابانية إلى الصين على ثلاث مراحل: الأولى والتي كانت في الواقع مجرد محاولة لجس النبض جاءت في الثمانينيات. في هذا الوقت شعر المستثمرون اليابانيون بأن الصينيين يفتقدون القدرة الشرائية التي تجعل من الاستثمار في الصين ذا قيمة. وخلال الفترة من عام 1993 حتى 1995 عندما أصبح الاقتصاد الصيني ينمو بمعدل مرتفع بدأت الموجة الثانية من الاستثمارات اليابانية في الصين. ورغم ذلك ظلت الاستثمارات اليابانية محدودة سواء من حيث الحجم أو من حيث المجالات التي تعمل فيها. فقد كانت الشركات تنظر إلى الصين باعتبارها مصنعا للانتاج وليست سوقا للمنتجات. فقد كانت الشركات اليابانية تنتج السلع في الصين ثم تنقلها للبيع في مختلف أنحاء العالم. ولكن بحلول أواخر التسعينيات ازداد وجود الشركات اليابانية في الصين ولم يعد في الوقت نفسه الأمر قاصرا على الشركات اليابانية العملاقة التي تعد ضمن الشركات متعددة الجنسية وإنما أصبحت الصين تستقطب الشركات اليابانية الصغيرة والمتوسطة للاستثمار فيها.
وأصبحت مدينة شنغهاي الصينية بمفردها مقرا لسكن أكثر من أربعين ألف ياباني. وأصبحت المدارس اليابانية موجودة في المدن الصينية الكبرى مثل العاصمة بكين وشنغهاي. وبلغ عدد المسافرين بين الصين واليابان عام 2004 حوالي 4.35 ملايين مسافر.
وقد أصبحت الشركات اليابانية بشكل أساسي متعلقة بالصين وهذا ليس مفاجأة. فالصين أصبحت أكبر سوق استهلاكية في العالم بالإضافة إلى أنها أصبحت واحدة من أكبر الدول الصناعية في العالم وأيضا واحدة من أكبر القوى التجارية في العالم.
ففي عام 2004 بلغ عدد مستخدمي الهاتف المحمول في الصين 334 مليون مستخدم وبلغت مبيعات الكمبيوتر الشخصي 15 مليون جهاز مما جعلها ثاني أكبر سوق في العالم لهذه المنتجات بعد الولايات المتحدة. وقد أصبحت شركات يابانية عديدة تعتمد تماما على الصين مثل شركة ميتسوي التي تمتلك 110 فروع في الصين وكذلك ماتسوشيتا للالكترونيات التي تدير حاليا أكثر من 49 مصنعا وتقيم المزيد من المصانع في الصين وشركة كانون التي تعتزم جعل الصين أكبر سوق لمنتجاتها ومقرا لأكبر مصانعها.
أما شركات السيارات اليابانية العملاقة مثل تويوتا وهوندا فقد أصبحت من اللاعبين الأساسيين في السوق الصينية. ومن الواضح أن مستقبل الشركات اليابانية أصبح أكثر ارتباطا بالصين. ليس هذا فحسب، بل إن الكثير من الشركات اليابانية أقامت مراكز أبحاث وتطوير في الصين وبدأت تتعاون مع مراكز الأبحاث والجامعات الصينية لدعم جهودها المستقبلية في مجال الأبحاث والتطوير.
وهناك نشاط رئيسي آخر يستقطب الشركات اليابانية إلى الصين وهو الاستعانة بخدمات شركات خارجية للقيام بمهام خاصة بها. فعلى سبيل المثال تعتمد شركة سوني كورب العملاقة للإلكترونيات أكثر من ثلاثة آلاف مورد في الصين. كما أن الشركات اليابانية تتجه بصورة أكبر إلى الصين بدلا من الهند للحصول على هذه الخدمات في مجالات برمجيات الكمبيوتر والاتصالات.
سوق استهلاكي ضخم
ولم يعد نشاط الشركات اليابانية في الصين قاصرا على القطاع الصناعي فقط وإنما امتد إلى مختلف قطاعات الاقتصاد الصيني مثل تجارة التجزئة الذي دخلته سلاسل المتاجر اليابانية الكبرى مثل جوستكو وإتو يوكودا وسفن إليفن. وقد أصبحت القوة الاستهلاكية المتزايدة بالصين منجم ذهب بالنسبة لشركات التجزئة اليابانية التي تنافس الشركات العالمية العملاقة مثل وول مارت وتيسكو الأمريكيتين وكارفور الفرنسية وغيرها. أيضا ينمو نشاط البنوك والمؤسسات المالية اليابانية في الصين بصورة مطردة فماذا عن الشركات الصينية في اليابان وهو الوجه الآخر للصورة المعقدة للعلاقات الاقتصادية بين التنين الصيني والكاميكاز الياباني اللذين يرتبطان بميراث قديم من العداء وسنوات قليلة من التقارب الاقتصادي. فالصادرات الصينية لليابان تزايدت بمعدل سريع جدا عام 2004 وأصبحت الصين أكبر مصدر للسوق اليابانية لتحل محل الولايات المتحدة. وأغلب الصادرات الصينية لليابان هي السلع الاستهلاكية وأغلبها تعتمد على حقوق براءات الاختراع المملوكة لشركات يابانية تعمل في الصين.
ونتيجة رخص الأيدي العاملة في الصين تبنت الشركات اليابانية استراتيجية جديدة تعتمد على نقل مراكز انتاجها إلى الصين ثم تصدير الإنتاج إلى السوق اليابانية وغيرها من الأسواق العالمية. والحقيقة أن الميزة النسبية للعمالة الصينية بالنسبة للأجور كبيرة للغاية. فأجر العامل الصيني يصل إلى حوالي 115 دولارا في الشهر. وإلى جانب الأنشطة التجارية فإن الشركات الصينية أصبحت لاعبا نشطا جدا في اليابان خلال السنوات الأخيرة. فبعض الشركات الصينية تتجه لشراء شركات يابانية كوسيلة مثالية للحصول على التكنولوجيا اليابانية وشبكات توزيعها. وهناك حالات عديدة بارزة في هذا المجال مثل نجاح شركة شنغهاي إلكتريك جروب الصينية في الاستحواذ على شركة أكياما اليابانية لانتاج الطابعات عالية التكنولوجيا.
أما الصفقة التالية فجاءت من جانب شركة ميديا الصينية التي توجد في إقليم جواندونج الصيني وهي شركة كبرى في مجال الأجهزة المنزلية التي اشترت قطاع اجهزة الميكرويف التابع لشركة سانيو إلكتريك. وهناك شركة أدوية صينية أقامت عام 1999 مشروعا مشتركا مع شركة أدوية وكيماويات يابانية بهدف تبادل بيع منتجات كلا الشركتين.
والحقيقة أن مثل هذه الصفقات أصابت الشركات اليابانية بالصدمة. ففي صفقة شراء شركة شنغهاي إلكتريك جروب لشركة أكياما كان هدف الصينيين هو الحصول على مصنع الشركة اليابانية حيث كانت مصانع الشركة الصينية متخلفة تكنولوجيا عن نظيرتها البابانية بأكثر من ثلاثين عاما. وعندما نجحت الشركة الصينية في شراء نظيرتها اليابانية تمكنت من طرح طابعات متقدمة بأسعار رخيصة حققت شهرة كبيرة في الصين وخارجها.
وهذه الصفقات أصبحت شائعة أمام الشركات الصينية لتحديث التكنولوجيا لديها والوصول إلى أسواق جديدة في الوقت نفسه. وهذا بالطبع يثير قلق الشركات اليابانية التي ظلت دائما مهتمة ببناء الإمبراطوريات الاقتصادية التي يرأسها اليابانيون أكثر من اهتمامها بتكديس الأموال. ومع ذلك فلم يعد الصينيون في حاجة إلى شراء الشركات اليابانية لتحديث مصانعهم. فالشركات اليابانية تستطيع ببساطة تشغيل المواهب الصينية للعمل لديها ببساطة. وهذا هو ما فعلته شركة سكاي وورث الصينية العملاقة للإلكترونيات عندما استعانت مؤخرا بأحد المهندسين السابقين في شركة ماتسوشيتا مع مجموعة من زملائه الباحثين السابقين في الشركة اليابانية للعمل لديها. وقد أصبح المهندس الصيني مسؤولا رفيع المستوى في الشركة اليابانية. ومن خلال هذه الأساليب وأساليب أخرى بدأت الفجوة التقنية بين اليابان والصين تتقلص بسرعة تفوق التوقعات. وقد أصبح تآكل الميزة التكنولوجية النسبية للمنتجات اليابانية مثار قلق للشركات في اليابان بالفعل. علاوة على ذلك فإن الشركات الصينية الكبرى تتوسع بنشاط بالغ في اليابان. ورغم أن هذه الجهود حققت نجاحا محدودا حتى الآن فإن السبب يبدو مفاجأة وهو أن اليابان تفرض قيودا على نشاط الشركات الأجنبية لتصبح اليابان أشد انغلاقا من الصين المحكومة بنظام سياسي شيوعي. ولذلك فإن أفضل وسيلة لدخول السوق اليابانية هي الشركات المشتركة مع شركات يابانية وهو ما يحدث بالنسبة للصين حاليا. وقد كانت فكرة المشروعات المشتركة بين الشركات اليابانية والشركات الصينية تستهدف في البداية الدخول لسوق الصين ولكن يبدو أن الأمر يتحول بشكل تدريجي ليصبح الهدف دخول الشركات الصينية السوق اليابانية. وقد شهدنا خلال الفترة الأخيرة محاولات دؤوبة من جانب شركات صينية كبرى مثل زد. تي. إي وتي. سي. إل لدخول السوق اليابانية. وبالتحديد فإن شركة هاويي الصينية العملاقة لمعدات الاتصالات أقامت مشروعات مشتركة مع شركتي إن. إي. سي وماتسوشيتا اليابانيتين لإنتاج تكنولوجيا الجيل الثالث من الهاتف المحمول. يتمتع الاقتصاد الياباني وهو ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم بمزايا عديدة لكنه يواجه تحديات عديدة في الوقت نفسه. أكبر مزايا هذا الاقتصاد هي وجود مئات الشركات اليابانية العالمية المستعدة للعمل في أي مكان يمكن أن يعود عليها بالربح.
أما أكبر تحد يواجه الاقتصاد الياباني فينبع من داخل اليابان حيث يعاني الاقتصاد الياباني من حالة ركود منذ أكثر من 14 عاما بالاضافة إلى مشكلات أخرى مثل ارتفاع تكاليف العمالة وتراجع الكفاءة في العديد من الصناعات وهشاشة النظام المصرفي الذي يحاول الخروج من دائرة أزمة الديون المعدومة الضخمة. وانكماش الاقتصاد الياباني في الداخل لعب الدور الرئيسي وراء خروج الشركات اليابانية بحثا عن النمو في الخارج وكانت الصين الخيار الأول لهذه الشركات.
معضلة يابانية
وللأسف فإن المؤسسة السياسية اليابانية تدعم الاتجاه العولمي للشركات اليابانية رغم أنه يتعارض مع مصلحة اليابان. فالقيادة السياسية لليابان تسعى لإعادة بناء الوجود الياباني في الخارج سياسيا وعسكريا. وهذه المعضلة تثير جدلا حادا في اليابان. فقد شاهدنا المظاهرات المناهضة لليابان في كوريا الجنوبية والصين احتجاجا على تدريس كتب تاريخ جديدة في المدارس اليابانية تقلل من جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات اليابانية أثناء الحرب العالمية الثانية وكذلك بسبب اتهام اليابان بالتدخل في الأزمة التايوانية والخلافات الحدودية بين الصين واليابان. وهذه كلها أمور تدور على خلفية سياسية لكنها تؤثر ولا شك على استثمارات الشركات اليابانية في الصين.
كل هذه الأمور جعلت هناك نوعا من الصراع في المصالح بين الشركات اليابانية والحكومة. في الوقت نفسه فإن المزايا التنافسية للشركات اليابانية لم تعد بنفس حدتها كما كانت في الثمانينيات. على سبيل المثال فإن كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تجاوزا اليابان من حيث إجمالي التبادل التجاري مع الصين العام الماضي. كما أن الشركات الكورية الجنوبية تستثمر بصورة متزايدة في الصين.
وقد ضخت الشركات الكورية الجنوبية الكبرى مثل هيونداي وإل جي وسامسونج استثمارات كبيرة في السوق الصينية. وبلغ إجمالي النشاط الاقتصادي لشركة إل جي في الصين العام الماضي عشرة مليارات دولار وهو رقم لم تصل إليه حتى الشركات اليابانية الكبرى. لذلك فالشركات اليابانية تواجه ضغوطا قوية من أجل مزيد من العمل في الصين حتى لا تفقد وجودها في هذه السوق الهائلة. وحتى الآن فإن الصين أقل اعتمادا على الاستثمارات اليابانية مما كان عليه الأمر من قبل. ويرجع هذا إلى أن الاستثمارات الدولية في الصين اصبحت ضخمة للغاية.
فقد بلغت الاستثمارات الاجنبية المباشرة التي دخلت الصين حتى عام 2004 أكثر من 560 مليار دولار منها 6.66 مليار دولار فقط قادمة من اليابان وهي حصة صغيرة. ورغم أن الاستثمارات اليابانية في الصين ما زالت هامة فإن أهميتها النسبية تتراجع باستمرار. في الوقت نفسه تطور الشركات الصينية المحلية نفسها بسرعة وبعضها أصبحت لديه القدرة على انتاج كل أنواع المنتجات. علاوة على ذلك فإن اليابان تقوم بعملية إعادة هيكلة اقتصادية مكلفة للغاية في حين أن المشترين الصينيين بشكل عام يفضلون المنتجات منخفضة التكلفة ولكنها عالية الجودة. على سبيل المثال فإن شركات برمجيات الكمبيوتر الهندية تجد إقبالا على انتاجها في الصين أكثر من الشركات اليابانية. كما أن دخول الشركات الغربية العملاقة الأخرى إلى الصين فرض على الشركات اليابانية منافسة ضارية. فعلى سبيل المثال تواجه شركات السيارات اليابانية مثل هوندا وتويوتا منافسة شرسة في السوق الصينية من جانب شركات أخرى مثل جنرال موتورز الأمريكية وفولكس فاجن الألمانية وهيونداي الكورية الجنوبية. ومن السهل أن نتوقع استمرار تأثير تضارب المصالح بين الشركات اليابانية ورغبات الحكومة اليابانية على السياسة الخارجية لطوكيو في المستقبل بصورة أكبر. وقد كانت العلاقة وطيدة بين الشركات اليابانية وحكومة بلادها بشكل تقليدي في الماضي ومن الصعب بالنسبة للحكومة أن تتحرك بطريقة تتعارض مع مصالح مجتمع الأعمال الياباني.
والحقيقة أن السياسة الخارجية لليابان تتأثر في الواقع بالقضايا الداخلية أكثر مما يعتقد الكثيرون. لذلك فإن الحكومة اليابانية تسعى غالبا إلى المشاركة في حل الصراعات الإقليمية بدلا من المشاركة في تعقيدها من أجل خدمة مصالح شركاتها. لذلك فإن الخلاف الحالي بين طوكيو وبكين يشكل اختبارا حقيقيا لتقاليد السياسة الخارجية اليابانية وللعلاقة التقليدية بين الحكومة اليابانية ومجتمع الأعمال.
فبدون اتفاق مكتوب أصبحت الصين واليابان حليفين اقتصاديين يحتاج كل منهما الآخر وإن بدرجات متفاوتة. في الوقت نفسه فإن الملفات السياسية الشائكة بين البلدين مازالت مفتوحة لتثير المشكلات من وقت لآخر.
وكانت الأزمة الأخيرة سواء فيما يتعلق بالنزاع الحدودي أو بالموقف الياباني من الأزمة التايوانية وأخيرا المظاهرات الصينية المناهضة لليابان بسبب كتب التاريخ اليابانية التي يرى الصينيون انها تقلل من حجم جرائم الحرب اليابانية في حق الصينيين خلال النصف الأول من القرن العشرين كانت فرصة لفتح ملف العلاقات الاقتصادية بين الصين واليابان. وفي تقرير نشرته (آسيا تايمز) تناول المحلل الاقتصادي جورج زيبين جو تلك العلاقات من جوانبها المختلفة. فقد أشار المحلل الاقتصادي إلى أن الشركات اليابانية أصبحت ثالث أهم مستثمر في الصين بعد رجال الأعمال الصينيين الذين يعيشون خارج الصين والشركات الأمريكية.
وفي عام 2004 بلغت الاستثمارات اليابانية في أسهم الشركات الصينية 66.6 مليار دولار. كما أن البنوك اليابانية تتصدر قائمة المقرضين الدوليين للصين. علاوة على ذلك فإن الاقتصاد الصيني المزدهر أصبح المحرك الرئيسي لخروج الاقتصاد الياباني من دائرة الركود التي يعاني منها منذ أكثر من عشر سنوات. وقد استحوذت الصين على أكثر من خمسين في المائة من الزيادة الأخيرة في الصادرات اليابانية.
الاستثمارات اليابانية
وقد جاءت الاستثمارات اليابانية إلى الصين على ثلاث مراحل: الأولى والتي كانت في الواقع مجرد محاولة لجس النبض جاءت في الثمانينيات. في هذا الوقت شعر المستثمرون اليابانيون بأن الصينيين يفتقدون القدرة الشرائية التي تجعل من الاستثمار في الصين ذا قيمة. وخلال الفترة من عام 1993 حتى 1995 عندما أصبح الاقتصاد الصيني ينمو بمعدل مرتفع بدأت الموجة الثانية من الاستثمارات اليابانية في الصين. ورغم ذلك ظلت الاستثمارات اليابانية محدودة سواء من حيث الحجم أو من حيث المجالات التي تعمل فيها. فقد كانت الشركات تنظر إلى الصين باعتبارها مصنعا للانتاج وليست سوقا للمنتجات. فقد كانت الشركات اليابانية تنتج السلع في الصين ثم تنقلها للبيع في مختلف أنحاء العالم. ولكن بحلول أواخر التسعينيات ازداد وجود الشركات اليابانية في الصين ولم يعد في الوقت نفسه الأمر قاصرا على الشركات اليابانية العملاقة التي تعد ضمن الشركات متعددة الجنسية وإنما أصبحت الصين تستقطب الشركات اليابانية الصغيرة والمتوسطة للاستثمار فيها.
وأصبحت مدينة شنغهاي الصينية بمفردها مقرا لسكن أكثر من أربعين ألف ياباني. وأصبحت المدارس اليابانية موجودة في المدن الصينية الكبرى مثل العاصمة بكين وشنغهاي. وبلغ عدد المسافرين بين الصين واليابان عام 2004 حوالي 4.35 ملايين مسافر.
وقد أصبحت الشركات اليابانية بشكل أساسي متعلقة بالصين وهذا ليس مفاجأة. فالصين أصبحت أكبر سوق استهلاكية في العالم بالإضافة إلى أنها أصبحت واحدة من أكبر الدول الصناعية في العالم وأيضا واحدة من أكبر القوى التجارية في العالم.
ففي عام 2004 بلغ عدد مستخدمي الهاتف المحمول في الصين 334 مليون مستخدم وبلغت مبيعات الكمبيوتر الشخصي 15 مليون جهاز مما جعلها ثاني أكبر سوق في العالم لهذه المنتجات بعد الولايات المتحدة. وقد أصبحت شركات يابانية عديدة تعتمد تماما على الصين مثل شركة ميتسوي التي تمتلك 110 فروع في الصين وكذلك ماتسوشيتا للالكترونيات التي تدير حاليا أكثر من 49 مصنعا وتقيم المزيد من المصانع في الصين وشركة كانون التي تعتزم جعل الصين أكبر سوق لمنتجاتها ومقرا لأكبر مصانعها.
أما شركات السيارات اليابانية العملاقة مثل تويوتا وهوندا فقد أصبحت من اللاعبين الأساسيين في السوق الصينية. ومن الواضح أن مستقبل الشركات اليابانية أصبح أكثر ارتباطا بالصين. ليس هذا فحسب، بل إن الكثير من الشركات اليابانية أقامت مراكز أبحاث وتطوير في الصين وبدأت تتعاون مع مراكز الأبحاث والجامعات الصينية لدعم جهودها المستقبلية في مجال الأبحاث والتطوير.
وهناك نشاط رئيسي آخر يستقطب الشركات اليابانية إلى الصين وهو الاستعانة بخدمات شركات خارجية للقيام بمهام خاصة بها. فعلى سبيل المثال تعتمد شركة سوني كورب العملاقة للإلكترونيات أكثر من ثلاثة آلاف مورد في الصين. كما أن الشركات اليابانية تتجه بصورة أكبر إلى الصين بدلا من الهند للحصول على هذه الخدمات في مجالات برمجيات الكمبيوتر والاتصالات.
سوق استهلاكي ضخم
ولم يعد نشاط الشركات اليابانية في الصين قاصرا على القطاع الصناعي فقط وإنما امتد إلى مختلف قطاعات الاقتصاد الصيني مثل تجارة التجزئة الذي دخلته سلاسل المتاجر اليابانية الكبرى مثل جوستكو وإتو يوكودا وسفن إليفن. وقد أصبحت القوة الاستهلاكية المتزايدة بالصين منجم ذهب بالنسبة لشركات التجزئة اليابانية التي تنافس الشركات العالمية العملاقة مثل وول مارت وتيسكو الأمريكيتين وكارفور الفرنسية وغيرها. أيضا ينمو نشاط البنوك والمؤسسات المالية اليابانية في الصين بصورة مطردة فماذا عن الشركات الصينية في اليابان وهو الوجه الآخر للصورة المعقدة للعلاقات الاقتصادية بين التنين الصيني والكاميكاز الياباني اللذين يرتبطان بميراث قديم من العداء وسنوات قليلة من التقارب الاقتصادي. فالصادرات الصينية لليابان تزايدت بمعدل سريع جدا عام 2004 وأصبحت الصين أكبر مصدر للسوق اليابانية لتحل محل الولايات المتحدة. وأغلب الصادرات الصينية لليابان هي السلع الاستهلاكية وأغلبها تعتمد على حقوق براءات الاختراع المملوكة لشركات يابانية تعمل في الصين.
ونتيجة رخص الأيدي العاملة في الصين تبنت الشركات اليابانية استراتيجية جديدة تعتمد على نقل مراكز انتاجها إلى الصين ثم تصدير الإنتاج إلى السوق اليابانية وغيرها من الأسواق العالمية. والحقيقة أن الميزة النسبية للعمالة الصينية بالنسبة للأجور كبيرة للغاية. فأجر العامل الصيني يصل إلى حوالي 115 دولارا في الشهر. وإلى جانب الأنشطة التجارية فإن الشركات الصينية أصبحت لاعبا نشطا جدا في اليابان خلال السنوات الأخيرة. فبعض الشركات الصينية تتجه لشراء شركات يابانية كوسيلة مثالية للحصول على التكنولوجيا اليابانية وشبكات توزيعها. وهناك حالات عديدة بارزة في هذا المجال مثل نجاح شركة شنغهاي إلكتريك جروب الصينية في الاستحواذ على شركة أكياما اليابانية لانتاج الطابعات عالية التكنولوجيا.
أما الصفقة التالية فجاءت من جانب شركة ميديا الصينية التي توجد في إقليم جواندونج الصيني وهي شركة كبرى في مجال الأجهزة المنزلية التي اشترت قطاع اجهزة الميكرويف التابع لشركة سانيو إلكتريك. وهناك شركة أدوية صينية أقامت عام 1999 مشروعا مشتركا مع شركة أدوية وكيماويات يابانية بهدف تبادل بيع منتجات كلا الشركتين.
والحقيقة أن مثل هذه الصفقات أصابت الشركات اليابانية بالصدمة. ففي صفقة شراء شركة شنغهاي إلكتريك جروب لشركة أكياما كان هدف الصينيين هو الحصول على مصنع الشركة اليابانية حيث كانت مصانع الشركة الصينية متخلفة تكنولوجيا عن نظيرتها البابانية بأكثر من ثلاثين عاما. وعندما نجحت الشركة الصينية في شراء نظيرتها اليابانية تمكنت من طرح طابعات متقدمة بأسعار رخيصة حققت شهرة كبيرة في الصين وخارجها.
وهذه الصفقات أصبحت شائعة أمام الشركات الصينية لتحديث التكنولوجيا لديها والوصول إلى أسواق جديدة في الوقت نفسه. وهذا بالطبع يثير قلق الشركات اليابانية التي ظلت دائما مهتمة ببناء الإمبراطوريات الاقتصادية التي يرأسها اليابانيون أكثر من اهتمامها بتكديس الأموال. ومع ذلك فلم يعد الصينيون في حاجة إلى شراء الشركات اليابانية لتحديث مصانعهم. فالشركات اليابانية تستطيع ببساطة تشغيل المواهب الصينية للعمل لديها ببساطة. وهذا هو ما فعلته شركة سكاي وورث الصينية العملاقة للإلكترونيات عندما استعانت مؤخرا بأحد المهندسين السابقين في شركة ماتسوشيتا مع مجموعة من زملائه الباحثين السابقين في الشركة اليابانية للعمل لديها. وقد أصبح المهندس الصيني مسؤولا رفيع المستوى في الشركة اليابانية. ومن خلال هذه الأساليب وأساليب أخرى بدأت الفجوة التقنية بين اليابان والصين تتقلص بسرعة تفوق التوقعات. وقد أصبح تآكل الميزة التكنولوجية النسبية للمنتجات اليابانية مثار قلق للشركات في اليابان بالفعل. علاوة على ذلك فإن الشركات الصينية الكبرى تتوسع بنشاط بالغ في اليابان. ورغم أن هذه الجهود حققت نجاحا محدودا حتى الآن فإن السبب يبدو مفاجأة وهو أن اليابان تفرض قيودا على نشاط الشركات الأجنبية لتصبح اليابان أشد انغلاقا من الصين المحكومة بنظام سياسي شيوعي. ولذلك فإن أفضل وسيلة لدخول السوق اليابانية هي الشركات المشتركة مع شركات يابانية وهو ما يحدث بالنسبة للصين حاليا. وقد كانت فكرة المشروعات المشتركة بين الشركات اليابانية والشركات الصينية تستهدف في البداية الدخول لسوق الصين ولكن يبدو أن الأمر يتحول بشكل تدريجي ليصبح الهدف دخول الشركات الصينية السوق اليابانية. وقد شهدنا خلال الفترة الأخيرة محاولات دؤوبة من جانب شركات صينية كبرى مثل زد. تي. إي وتي. سي. إل لدخول السوق اليابانية. وبالتحديد فإن شركة هاويي الصينية العملاقة لمعدات الاتصالات أقامت مشروعات مشتركة مع شركتي إن. إي. سي وماتسوشيتا اليابانيتين لإنتاج تكنولوجيا الجيل الثالث من الهاتف المحمول. يتمتع الاقتصاد الياباني وهو ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم بمزايا عديدة لكنه يواجه تحديات عديدة في الوقت نفسه. أكبر مزايا هذا الاقتصاد هي وجود مئات الشركات اليابانية العالمية المستعدة للعمل في أي مكان يمكن أن يعود عليها بالربح.
أما أكبر تحد يواجه الاقتصاد الياباني فينبع من داخل اليابان حيث يعاني الاقتصاد الياباني من حالة ركود منذ أكثر من 14 عاما بالاضافة إلى مشكلات أخرى مثل ارتفاع تكاليف العمالة وتراجع الكفاءة في العديد من الصناعات وهشاشة النظام المصرفي الذي يحاول الخروج من دائرة أزمة الديون المعدومة الضخمة. وانكماش الاقتصاد الياباني في الداخل لعب الدور الرئيسي وراء خروج الشركات اليابانية بحثا عن النمو في الخارج وكانت الصين الخيار الأول لهذه الشركات.
معضلة يابانية
وللأسف فإن المؤسسة السياسية اليابانية تدعم الاتجاه العولمي للشركات اليابانية رغم أنه يتعارض مع مصلحة اليابان. فالقيادة السياسية لليابان تسعى لإعادة بناء الوجود الياباني في الخارج سياسيا وعسكريا. وهذه المعضلة تثير جدلا حادا في اليابان. فقد شاهدنا المظاهرات المناهضة لليابان في كوريا الجنوبية والصين احتجاجا على تدريس كتب تاريخ جديدة في المدارس اليابانية تقلل من جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات اليابانية أثناء الحرب العالمية الثانية وكذلك بسبب اتهام اليابان بالتدخل في الأزمة التايوانية والخلافات الحدودية بين الصين واليابان. وهذه كلها أمور تدور على خلفية سياسية لكنها تؤثر ولا شك على استثمارات الشركات اليابانية في الصين.
كل هذه الأمور جعلت هناك نوعا من الصراع في المصالح بين الشركات اليابانية والحكومة. في الوقت نفسه فإن المزايا التنافسية للشركات اليابانية لم تعد بنفس حدتها كما كانت في الثمانينيات. على سبيل المثال فإن كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تجاوزا اليابان من حيث إجمالي التبادل التجاري مع الصين العام الماضي. كما أن الشركات الكورية الجنوبية تستثمر بصورة متزايدة في الصين.
وقد ضخت الشركات الكورية الجنوبية الكبرى مثل هيونداي وإل جي وسامسونج استثمارات كبيرة في السوق الصينية. وبلغ إجمالي النشاط الاقتصادي لشركة إل جي في الصين العام الماضي عشرة مليارات دولار وهو رقم لم تصل إليه حتى الشركات اليابانية الكبرى. لذلك فالشركات اليابانية تواجه ضغوطا قوية من أجل مزيد من العمل في الصين حتى لا تفقد وجودها في هذه السوق الهائلة. وحتى الآن فإن الصين أقل اعتمادا على الاستثمارات اليابانية مما كان عليه الأمر من قبل. ويرجع هذا إلى أن الاستثمارات الدولية في الصين اصبحت ضخمة للغاية.
فقد بلغت الاستثمارات الاجنبية المباشرة التي دخلت الصين حتى عام 2004 أكثر من 560 مليار دولار منها 6.66 مليار دولار فقط قادمة من اليابان وهي حصة صغيرة. ورغم أن الاستثمارات اليابانية في الصين ما زالت هامة فإن أهميتها النسبية تتراجع باستمرار. في الوقت نفسه تطور الشركات الصينية المحلية نفسها بسرعة وبعضها أصبحت لديه القدرة على انتاج كل أنواع المنتجات. علاوة على ذلك فإن اليابان تقوم بعملية إعادة هيكلة اقتصادية مكلفة للغاية في حين أن المشترين الصينيين بشكل عام يفضلون المنتجات منخفضة التكلفة ولكنها عالية الجودة. على سبيل المثال فإن شركات برمجيات الكمبيوتر الهندية تجد إقبالا على انتاجها في الصين أكثر من الشركات اليابانية. كما أن دخول الشركات الغربية العملاقة الأخرى إلى الصين فرض على الشركات اليابانية منافسة ضارية. فعلى سبيل المثال تواجه شركات السيارات اليابانية مثل هوندا وتويوتا منافسة شرسة في السوق الصينية من جانب شركات أخرى مثل جنرال موتورز الأمريكية وفولكس فاجن الألمانية وهيونداي الكورية الجنوبية. ومن السهل أن نتوقع استمرار تأثير تضارب المصالح بين الشركات اليابانية ورغبات الحكومة اليابانية على السياسة الخارجية لطوكيو في المستقبل بصورة أكبر. وقد كانت العلاقة وطيدة بين الشركات اليابانية وحكومة بلادها بشكل تقليدي في الماضي ومن الصعب بالنسبة للحكومة أن تتحرك بطريقة تتعارض مع مصالح مجتمع الأعمال الياباني.
والحقيقة أن السياسة الخارجية لليابان تتأثر في الواقع بالقضايا الداخلية أكثر مما يعتقد الكثيرون. لذلك فإن الحكومة اليابانية تسعى غالبا إلى المشاركة في حل الصراعات الإقليمية بدلا من المشاركة في تعقيدها من أجل خدمة مصالح شركاتها. لذلك فإن الخلاف الحالي بين طوكيو وبكين يشكل اختبارا حقيقيا لتقاليد السياسة الخارجية اليابانية وللعلاقة التقليدية بين الحكومة اليابانية ومجتمع الأعمال.