الدستور -المبحث الثاني-
المبحث الثاني
أنواع الدساتير
يتم تحديد نوع الدستور وفقا للمعيار الذي يرجع إليه عند التحديد، وهناك معياران لتحديد نوع الدستور هما: التدوين، وكيفية التعديل.
من حـيث التدوين وعدمه، يكون للدستور نوعان، دستور مدون، ودستور غير مدون.
ومن حيث كيفية التعديل، يكون للدستور نوعان أيضا هما: الدستور المرن، والدستور الجامد، وفيما يلي توضيح ذلك.
أولا: من حيث التدوين وعدمه:
تنقسم الدساتير من حيث المصدر إلى نوعين، وهما الدساتير المدونة والدساتير غير المدونة أو العرفية، ويرى البعض ( ) . أن استخدام مصطلح غير المدون أدق، لأنه يشمل المصادر غير التشريعية، سواء تمثلت في العرف أو القضاء.
ومناط هذا التقسيم هو التدوين، والمقصود بالتدوين ليس فـقط تسجيل الحكم في وثيقة مكتوبة، وإنما المقصود به التسجيل في وثيقة رسميـة من سلطة مخـتصة بسنها وهو ما يسمى بالتدوين الفني أو الرسمي ( ) .
ويعتبر الدستور مدونا إذا كان صادرا في أغلبه في وثيقة أو عدة وثائق رسمية عن طريق المشرع الدستوري، ويعتبر غير مدون إذا كان مسـتمدا في أغلبه عن طريق العـرف أو القضـاء، وليس عن طريق التشريع ( ) .
والحقيقة أن تقسيم الدساتير إلى مدونة وغير مدونة، هو تقسيم نسبي فلا يوجد دستور في العالم إلا ويشمل أحكاما صدرت عن طريق التشـريـع، وأخـرى صدرت عن المصـادر الأخـرى المتمثلة في العرف والقضاء، ومثال ذلك دستور إنجلترا حيث يعتبر المثال التقليدي للدستور غير المدون، وبالرغم من ذلك فهو يشمل وثائق رسمية لها أهميتها كالعهد الأعظم Magna Charta سنة 1215 م، وملتمس الحقوق سنة 1628م Potition Of Rights وقانون الحقوق Bill Of Rights وقانون توارث العرش Act Of Settlement Act سنة 1701 م وقانون البرلمانParliament Act سنة 1911م ( ) .
وتؤكد التجارب الدستورية في الدول ذات الدساتير المدونة أنه مهما يكن الدستور المدون للدولة مفصلا، فلا بد أن ينشأ عقب صدوره ظروف وتطورات، تؤدي إلى نشؤ أحكام جديدة تفسره، أو تكمله، أو تعدله، يكون مصدرها العرف أو القضاء. وأغلب دول العالم لها اليوم دساتير مدونة ما عدا بريطانيا، حيث انتشرت حـركة تدوين الدساتير بعد استقلال الولايات المتحدة الأمريكية ووضعها لدساتيرها المدونة.
ثانيا: من حيث كيفية التعديل:
تنقسم الدساتير حسب هذا المعيار إلى دساتير مرنة، وأخرى جامدة، فالدساتير المرنة هي التي يمكن تعديلها بالإجراءات نفسها التي تعدل بها القوانين العادية، والدساتير الجامدة هي التي يتطلب تعديلها إجراءات أشد من الإجراءات التي يعدل بها القانون العادي.
والهدف من جعل الدستور جامدا، هو كفالة نوع من الثبات لأحكامه عن طريق تنظيم يجعل تعديله عسيرا ( ) .
وكون الدستور جامدا يحمي مواده من العبث والتغيير المستمر، لسبب ولغير سبب.
وتنقسم الدساتير الجـامدة إلى دساتير تحظر التعديل، ودساتير تجيزه بشروط خاصة:
1 - فالدساتير التي تحظر التعديل لا ينص على الحظر فيها صراحة، وإنما يتم اللجوء إلى الحظر الزمني، أو الحظر الموضوعي، ويقصد بالحظر الزمني، حماية الدستور فترة من الزمن - لضمان نفاذ أحكام الدستور كلها أو جزء - تكفي لتثبيتها قبل أن يسمح باقتراح تعديلها، مثال ذلك دستور الاتحاد الأمريكي الصادر سنة 1789م، فقد حظر تعديل بعض أحكامه قبل سنة 1808م.
أما الحظر الموضوعي فيقصد به، حماية أحكام معينة، بحيث لا يمكن تعديلها، ويكون هذا عادة للأحكام الجـوهرية في الدستور، ولا سيما ما يتعلق منها بنظام الحكم المقرر، ومثاله الدستور الفرنسي لسنة 1875م، حيث نصت المادة الثامنة منه، وفقا للفقرة المضافة إليها في 14 أغسطس 1884م، بأنه لا يجوز أن يكون شكل الحكومة الجمهوري محلا للتعديل ( ) .
2 - أما الدساتير التي تجيز التعديل بشروط خاصة: فـتـختلف هذه الدساتير في كيفية تعديلها، والشروط المعتبرة لذلك، ويرجع هذا الاختلاف لاعتبارين: أحدهما سياسي، والآخر فني، أما الاعتبار السياسي فيتمثل في أن التنظيم المقرر لتعديل الدستور لا بد وأن يرعى جـانب السلطات التي يقوم عليها نظام الحكم، وأما الاعتبار الفني، فيتمثل في أسلوب الصياغة المأخوذ بها عند وضع الدستور، ويظهر جليا أثر هذه الأساليب في ناحيتين هما:
- شرط التماثل في الأوضاع القانونية بين نشأة الدستور وتعديله، مما يؤدي إلى التشدد في إجراء التعديل.
- الاقـتصار على تنظيم الأسس الجـوهرية في الدستور، مما يؤدي إلى التشدد في إجراءات تعديله، بينما إيراد التفصيلات في الدستور ينتج عنه التيسير في تعديله ( ) .
وتحـسن الإشارة - قـبل خـتم هذا المبـحث - إلى أن بعض الباحـثين القانونيين ( ) يخلط بين تقسيم الدساتير إلى مدونة وغير مدونة، وتقسيمها إلى مرنة وجامدة، معتبرا أن كل دستور مدون جامدا، وكل دستور غير مدون مرنا، وهذا الخلط غير صحيح، لاخـتلاف هذين التقسيمين من حيث المعيار الذي على أساسه تم التقسيم، فـهذا مرتبط بالمصدر، وذاك مرتبط بكيفية التعديل، ومن خلال تتبع بعض التجارب الدستورية المختلفة، نجد أنه قد يكون الدستور مدونا ومرنا في الوقت نفسه، كما في دستور فرنسا لسنة 1814م، وسنة 1830م، ودستور إيطاليا لسنة 1848م، ودستور الاتحاد السوفيتي لسنة 1918م، ودستور إيرلندا الحرة لسنة 1922م.
وقـد يكون الدستور غير مدون ومستندا إلى العرف، وهو في الوقت نفسـه جامد، ففي المدن اليونانية القديمة وجدت تفرقـة بين القوانين العادية وقوانين أخرى، مثل القوانين الدائمة وقوانين المدينة، وكان يشترط لتعديل الأخيرة شروط خاصة وإجراءات أكثر أهمية، مما يضفي عليها صفة الجمود، وكذا في العهد الملكي في فرنسا وجدت القوانين الأساسية التي لم يكن يكفي لتعديلها موافقة السلطة التشريعية العادية وإنما يلزم لذلك موافقة الهيئة النيابية ( ) .
ولعل سبب هذا الخلط هو أن دساتيـر العـالم اليوم أصبـحت في الغالب مدونة، فيما عدا الدستور الإنجليزي، وأنها في الوقت نفسه جامدة فـارتبطت لدى القائلين بذلك فكرة التدوين بالجمود، وفي المقابل فكرة عدم التدوين بالمرونة.
* * *