- الجمعة مايو 28, 2010 9:48 pm
#27400
ملاحظات على الدستور الليبرالي∗
جيمس بيوكانن
لا يتضمن أي دستور سياسي قائم أو مقترح قيودًا أو حدودًا كافية تتعلق بسلطة الوكالات الحكومية على أنشطة الأفراد والجماعات، وأبرزها، على تلك الاقتصادية. كما لا يوجد دستور ليبرالي قائم أو من المحتمل أن يتوفر في المنظور القريب. وبهذا المعنى، فإن كافة الدساتير القائمة هي فاشلة، وعلى الأغلب أن كافة المقترحات الجدية للإصلاح لا تعطي أية وعود بالنجاح التام. لقد قدمُت هذه الانتقادات الشاملة للأنظمة الدستورية القائمة والمقترحة دون إطلاع على تفاصيل معينة، ولكن بإدراك واعٍ وتام بالحقيقة التاريخية أنه، ولأكثر من قرن من الزمن، كانت كافة الحوارات السياسية قد تشكلت بواسطة "الغرور القاتل" (هايك 1989)، بأن بمقدور التوجيه السياسي تسهيل، وليس إعاقة، التقدم الاقتصادي، وبناء عليه تأثرت النتائج المؤسسية.
إن كافة الدساتير التي وضعت منذ القرن الثامن عشر، وجميع ما تم "إصلاحه" إما بشكل صريح أو بواسطة الاستعمال والتفسير منذ ذلك الوقت، يجب أن تعكس جميعها إلى حد ما الصورة الرومانسية للدولة الخيرة المعطاءة، سواء كان ذلك واقعيًا أم محتمًلا، فهذه هي الصورة التي قدمها المثاليون السياسيون من جهة، والاشتراكيون الحالمون من الجهة الأخرى.
___________
∗ مجلة كيتو، المجلد 14، العدد 1 ( ربيع/صيف 1994). ُقدِّمْت هذه الورقة في الأصل كبحث في الاجتماع الخاص .بمجمع مونت بيليرين في ريو دي جانيرو، في أيلول 1993
إن الدستور الذي يتضمن "السياسة الخالية من الرومانسية" (بيوكانن 1979) غير موجود في وقتنا هذا، ولا تدخل أية مقترحات للإصلاح تعكس مثل هذا النموذج الواقعي للسياسات بشكل مباشر في أي حوار جارٍ . ومن الممكن إيجاد بقايا مثل تلك الرؤية في بعض عناصر الماديسونية فقط، حيث استمرت في وثائق وسجلات الولايات المتحدة الأمريكية، وفي مجادلات العدد الصغير نسبيًا من الليبراليين الكلاسيكيين الموجود حاليًا. ورغم هذا التقييم السلبي، والذي يمكن أن يبدو شامًلا إلى حد ما في اندفاعه للمصلحة العامة، إلا أنه قد توجد أسس لبعض التفاؤل السائد في الوقت الذي نتطلع فيه إلى المضي قدمًا على نحو كافٍ إلى عصر ما بعد الثورة، وعلى الأخص إلى القرن المقبل.
مما لا شك فيه أن للأفكار عواقب، ولقد عشنا مع عواقب أفكار زائفة لقرابة قرنين من الزمن، وهي فترة طويلة جدًا، لدرجة لا يمكننا أن نتوقع معها أن تحدث أية تغييرات بحلول أوائل التسعينيات. بيد أن العواقب، أو الأحداث نوعًا ما، تتغذى بشكل راجع على الأفكار، وبعد الثورات 1991، فلا بد وأنها برهنت أنه من الصعب المحافظة بشكل متزايد -غير المتوقعة لأعوام 1989على الصورة الرومانسية لدولة معطاءة وقادرة. إن نظريات الفشل السياسي، التي قدمها بشكل هزيل الليبراليون الكلاسيكيون خلال فترة السيطرة الاشتراكية، والتي قوبلت بالازدراء والسخرية فقط، أثبت التاريخ بشأنها، فيما اعتبر على الأرجح أنها أعظم التجارب في العلوم الاجتماعية. وما لم يتملكنا اليأس تمامًا من قدرة بني البشر على القيام بفعل عقلاني، علينا أن نتوقع أنه في فترة ما من قرن ما بعد الاشتراكية، سيبدي الرجال والنساء قدرات دستورية بناءة من الصعب تخيلها في الوقت الحاضر.
وبهذا المعنى، يُعتبر فرانسيس فوكوياما (1992) على حق بالتأكيد. أطلِق عليها ما يمكن .1991-أن يسميها المرء سمة تاريخية إلى حد ما، انتهت بشكل فاعل مع ثورات الأعوام 1989كما أصاب فوكوياما الحقيقة في إشارته إلى أن علم الاقتصاد الذي يوضح كيف يعمل اقتصاد السوق بشكل مستقل عن التوجيه والسيطرة المصبوغين بصبغة سياسية لينتج أكبر حزمة من السلع والخدمات المتوفرة ضمن قيود الموارد المتاحة تمت تبرئته أخيرًا. ولكن، هل كان فوكوياما على حق أيضًا عندما تنبأ أن هذه النتيجة العلمية سيتم دمجها في الإصلاح المؤسسي-الدستوري؟ ولكي نتفق معه هنا، ربما علينا أن نفكر إلى ما هو أبعد من أفق عدد قليل من العقود المقبلة.
وكبداية، ربما من المفيد أن نوسع إدراكنا المتأخر ليشمل عهد ما قبل الرومانسية وما قبل الاشتراكية، إلى القرن الثامن عشر، ونحاول أن نلتقط من جديد الفهم الدستوري الذي أثار إلى حد كبير الفلاسفة، فضًلا عن السياسيين. وإلى أن، وما لم، يتم تحقيق مثل هذا التغيير في الذهنية المعاصرة بطريقة ما، فإن جميع جهود الحوار الدستوري الرامية إلى الإصلاح الأساسي ستضيع هباء بلا شك. فالحكومات، بغض النظر عن درجة تنظيمها، ستبقى طليقة أساسيًا، وسيستمر السياسيون البيروقراطيون في تسهيل الاستغلال المتبادل لكل منهم من قبل الجميع، في "حالة من الاضطراب والهيجان" الخاصة بأنثوني دي جاساي (1985). فالاقتصادات سوف تتعثر، ومن المحتمل بشكل متزايد أن تختفي المنتجات التي تحمل قيمة إلى "ثقب أسود" لما كان يمكن أن تكون عليه الحال ( مكجي، بروك، ويانغ. 1989)
النظام الدستوري لليبرالية الكلاسيكية
كان الليبراليون الكلاسيكيون في القرن الثامن عشر، سواء ممثلين بأعضاء التنوير الاسكتلندي، أو بالآباء المؤسسين الأمريكيين، شديدي التشكك في قدرة ورغبة السياسة والسياسيين في تعزيز مصالح المواطن العادي. وكانت الحكومات تعتبر شرًا ضروريًا، ومؤسسات ينبغي الحماية منها، لكنها جعلت ضرورية نتيجة الحقيقة المبدئية بأن ليس كل الأشخاص ملائكة (ماديسون 160:[1787] 1966 begin_of_the_skype_highlighting [1787] 1966 end_of_the_skype_highlighting).
ولم يكن يتوجب الثقة بالحكومات، وبالأشخاص المكلفين كوكلاء لسلطتها، وكانت الدساتير ضرورية، وبشكل أساسي كوسيلة لتقييد السلطة الجماعية بجميع امتداداتها المحتملة. وكانت سلطة الدولة شيئًا يخشى منه الليبراليون الكلاسيكيون، وكان يُعتَقد أن مشكلة التصميم الدستوري تكمن في أن مثل هذه السلطة يمكن أن تكون محدودة جدًا.
إن الوسائل لإنجاز هذا الهدف وسائل مألوفة. فالسيادة تم توزيعها بين عدة مستويات من السلطة الجماعية، وكانت الفيدرالية ترمي إلى السماح بعدم تركيز أو عدم مركزية سلطة الدولة القاهرة. وعلى كل صعيد للسلطة، تم وضع فروع وظيفية منفصلة للحكومة، وبشكل مدروس، في تواتر مستمر، الواحد مع الآخر. وفي بعض الكيانات، تم تقييد الفرع التشريعي المهيمن بواسطة المؤسسة الدستورية المكونة من كيانين، كل منهما منظَّم كمبدأ مستقل للتمثيل.
من المهم أن ندرك أن هذه العناصر البنيوية-الإجرائية الأساسية للدساتير السياسية قد تم تصميمها ومناقشتها، ووضعها موضع التنفيذ، من قبل ليبراليين كلاسيكيين في سياق هدف أو غرض مشترك، وهو ضبط أو تقييد السلطة القاهرة للدولة إزاء الأفراد. ولم تكن القوة المحركة لجعل الحكومة تعمل بشكل أفضل في تحقيق "السلع العامة" المختارة اعتباطًا، ولا في ضمان أن تحظى كل المصالح "بتمثيل أكثر اكتماًلا".
وكانت العناصر البنيوية-الإجرائية للدستور الليبرالي الكلاسيكي، وتلك المذكورة أعلاه وغيرها، تعتبر أقل أهمية من تلك النصوص التي وضعت مدى ونطاق النشاطات التي تقوم بها السلطة الجماعية على نحو مناسب. ويعني هذا القول أن التعليمات الدستورية بالنسبة لما قد تقوم به الحكومات، أو لا تقوم به، كانت دائمًا تعتبر أهم بكثير من كيفية قيام الحكومة بأي عمل، مثلما تفعل في الواقع. وقد غاب هذا الفارق المهم الذي كان مركزيًا للمفهوم الليبرالي الكلاسيكي للنظام الاجتماعي عن الوعي العام خلال صعود الديمقراطية الانتخابية، خصوصًا في القرنين التاسع عشر والعشرين. وكان هنالك قبول عام للمغالطة التي كانت مكافئة لظهور الديمقراطية الانتخابية مع حاجة متضائلة لقيود دستورية جلية على مدى ونطاق النشاط الحكومي.
وفي النظام الدستوري الليبرالي الكلاسيكي، فإن أنشطة الحكومة، بغض النظر عن كيفية اختيار اللاعبين، تقتصر وظيفيًا على مدارات التفاعل الاجتماعي، فقد كانت الحكومات، مثاليًا، سُتمنع دستوريًا من القيام بعمل مباشر يرمي إلى "تنفيذ" أية وظيفة من الوظائف الاقتصادية الأساسية العديدة :
(1) وضع نطاق القيمة؛
(2) تنظيم الإنتاج؛
(3) توزيع المنتجات.
وكان يتوجب القيام بهذه الوظائف خارج الهدف الواعي لأي شخص أو وكالة، وكانت تتم من خلال إدارة الأعمال اللامركزية لكثير من المشاركين في السلطة الاقتصادية المترابطة، كما تنسقها الأسواق، ومن خلال إطار "القوانين والمؤسسات" التي تم الإبقاء عليها وتطبيقها بشكل مناسب من قبل الحكومة.
ودور المحافظة على الإطار هذا، المعيَّن على نحو ملائم للحكومة في النظام الليبرالي الكلاسيكي، اشتمل على حماية الملكية، وتطبيق العقود الطوعية، والضمانة الفاعلة للدخول إلى والخروج من الصناعات، والتجارة، والمهن، والانفتاح المؤكد للأسواق الداخلية والخارجية، ومنع الاحتيال في المقابل. وكان يؤخذ بعين الاعتبار أن دور الإطار هذا للحكومة يشمل تأسيس معيار نقدي، وبطريقة تضمن قابلية توقُّع قيمة الوحدة النقدية المعينة ( وعند تولي هذه المسؤولية النقدية بالتحديد، فشلت جميع الدساتير تقريبًا، حتى تلك التي زُعم أن المبادئ الليبرالية الكلاسيكية حفزتها في الأصل، إذ تحركت الحكومات عبر التاريخ دائما على الأغلب إلى أبعد من حدود سلطتها النقدية المسموحة دستوريًا )
وهناك مبدأ رئيسي متأصل في الدستور الليبرالي الكلاسيكي يملي بأنه، بغض النظر عما تفعله الحكومة، وسواء كانت الأنشطة الجماعية محتواة ضمن الحدود المشار إليها أم لا، يجب معاملة جميع الأشخاص والمجموعات بالتساوي. وكان يجب تمديد عمومية المبدأ المطبق على القانون، ليشمل السياسة أيضًا. ولم يكن هنالك دور للفعل الحكومي الذي يفرق بصراحة بين كافة الفرقاء المنفصلين، أو فئات الأشخاص. وفي المفهوم الليبرالي الكلاسيكي، لا تستطيع تحالفات الأغلبية الناجحة أن تفرض ضرائب مميزة على أفراد الأقلية السياسية، حتى لو كان ذلك لأهداف . "المصلحة العامة " (بيوكانن 1992)
جيمس بيوكانن
لا يتضمن أي دستور سياسي قائم أو مقترح قيودًا أو حدودًا كافية تتعلق بسلطة الوكالات الحكومية على أنشطة الأفراد والجماعات، وأبرزها، على تلك الاقتصادية. كما لا يوجد دستور ليبرالي قائم أو من المحتمل أن يتوفر في المنظور القريب. وبهذا المعنى، فإن كافة الدساتير القائمة هي فاشلة، وعلى الأغلب أن كافة المقترحات الجدية للإصلاح لا تعطي أية وعود بالنجاح التام. لقد قدمُت هذه الانتقادات الشاملة للأنظمة الدستورية القائمة والمقترحة دون إطلاع على تفاصيل معينة، ولكن بإدراك واعٍ وتام بالحقيقة التاريخية أنه، ولأكثر من قرن من الزمن، كانت كافة الحوارات السياسية قد تشكلت بواسطة "الغرور القاتل" (هايك 1989)، بأن بمقدور التوجيه السياسي تسهيل، وليس إعاقة، التقدم الاقتصادي، وبناء عليه تأثرت النتائج المؤسسية.
إن كافة الدساتير التي وضعت منذ القرن الثامن عشر، وجميع ما تم "إصلاحه" إما بشكل صريح أو بواسطة الاستعمال والتفسير منذ ذلك الوقت، يجب أن تعكس جميعها إلى حد ما الصورة الرومانسية للدولة الخيرة المعطاءة، سواء كان ذلك واقعيًا أم محتمًلا، فهذه هي الصورة التي قدمها المثاليون السياسيون من جهة، والاشتراكيون الحالمون من الجهة الأخرى.
___________
∗ مجلة كيتو، المجلد 14، العدد 1 ( ربيع/صيف 1994). ُقدِّمْت هذه الورقة في الأصل كبحث في الاجتماع الخاص .بمجمع مونت بيليرين في ريو دي جانيرو، في أيلول 1993
إن الدستور الذي يتضمن "السياسة الخالية من الرومانسية" (بيوكانن 1979) غير موجود في وقتنا هذا، ولا تدخل أية مقترحات للإصلاح تعكس مثل هذا النموذج الواقعي للسياسات بشكل مباشر في أي حوار جارٍ . ومن الممكن إيجاد بقايا مثل تلك الرؤية في بعض عناصر الماديسونية فقط، حيث استمرت في وثائق وسجلات الولايات المتحدة الأمريكية، وفي مجادلات العدد الصغير نسبيًا من الليبراليين الكلاسيكيين الموجود حاليًا. ورغم هذا التقييم السلبي، والذي يمكن أن يبدو شامًلا إلى حد ما في اندفاعه للمصلحة العامة، إلا أنه قد توجد أسس لبعض التفاؤل السائد في الوقت الذي نتطلع فيه إلى المضي قدمًا على نحو كافٍ إلى عصر ما بعد الثورة، وعلى الأخص إلى القرن المقبل.
مما لا شك فيه أن للأفكار عواقب، ولقد عشنا مع عواقب أفكار زائفة لقرابة قرنين من الزمن، وهي فترة طويلة جدًا، لدرجة لا يمكننا أن نتوقع معها أن تحدث أية تغييرات بحلول أوائل التسعينيات. بيد أن العواقب، أو الأحداث نوعًا ما، تتغذى بشكل راجع على الأفكار، وبعد الثورات 1991، فلا بد وأنها برهنت أنه من الصعب المحافظة بشكل متزايد -غير المتوقعة لأعوام 1989على الصورة الرومانسية لدولة معطاءة وقادرة. إن نظريات الفشل السياسي، التي قدمها بشكل هزيل الليبراليون الكلاسيكيون خلال فترة السيطرة الاشتراكية، والتي قوبلت بالازدراء والسخرية فقط، أثبت التاريخ بشأنها، فيما اعتبر على الأرجح أنها أعظم التجارب في العلوم الاجتماعية. وما لم يتملكنا اليأس تمامًا من قدرة بني البشر على القيام بفعل عقلاني، علينا أن نتوقع أنه في فترة ما من قرن ما بعد الاشتراكية، سيبدي الرجال والنساء قدرات دستورية بناءة من الصعب تخيلها في الوقت الحاضر.
وبهذا المعنى، يُعتبر فرانسيس فوكوياما (1992) على حق بالتأكيد. أطلِق عليها ما يمكن .1991-أن يسميها المرء سمة تاريخية إلى حد ما، انتهت بشكل فاعل مع ثورات الأعوام 1989كما أصاب فوكوياما الحقيقة في إشارته إلى أن علم الاقتصاد الذي يوضح كيف يعمل اقتصاد السوق بشكل مستقل عن التوجيه والسيطرة المصبوغين بصبغة سياسية لينتج أكبر حزمة من السلع والخدمات المتوفرة ضمن قيود الموارد المتاحة تمت تبرئته أخيرًا. ولكن، هل كان فوكوياما على حق أيضًا عندما تنبأ أن هذه النتيجة العلمية سيتم دمجها في الإصلاح المؤسسي-الدستوري؟ ولكي نتفق معه هنا، ربما علينا أن نفكر إلى ما هو أبعد من أفق عدد قليل من العقود المقبلة.
وكبداية، ربما من المفيد أن نوسع إدراكنا المتأخر ليشمل عهد ما قبل الرومانسية وما قبل الاشتراكية، إلى القرن الثامن عشر، ونحاول أن نلتقط من جديد الفهم الدستوري الذي أثار إلى حد كبير الفلاسفة، فضًلا عن السياسيين. وإلى أن، وما لم، يتم تحقيق مثل هذا التغيير في الذهنية المعاصرة بطريقة ما، فإن جميع جهود الحوار الدستوري الرامية إلى الإصلاح الأساسي ستضيع هباء بلا شك. فالحكومات، بغض النظر عن درجة تنظيمها، ستبقى طليقة أساسيًا، وسيستمر السياسيون البيروقراطيون في تسهيل الاستغلال المتبادل لكل منهم من قبل الجميع، في "حالة من الاضطراب والهيجان" الخاصة بأنثوني دي جاساي (1985). فالاقتصادات سوف تتعثر، ومن المحتمل بشكل متزايد أن تختفي المنتجات التي تحمل قيمة إلى "ثقب أسود" لما كان يمكن أن تكون عليه الحال ( مكجي، بروك، ويانغ. 1989)
النظام الدستوري لليبرالية الكلاسيكية
كان الليبراليون الكلاسيكيون في القرن الثامن عشر، سواء ممثلين بأعضاء التنوير الاسكتلندي، أو بالآباء المؤسسين الأمريكيين، شديدي التشكك في قدرة ورغبة السياسة والسياسيين في تعزيز مصالح المواطن العادي. وكانت الحكومات تعتبر شرًا ضروريًا، ومؤسسات ينبغي الحماية منها، لكنها جعلت ضرورية نتيجة الحقيقة المبدئية بأن ليس كل الأشخاص ملائكة (ماديسون 160:[1787] 1966 begin_of_the_skype_highlighting [1787] 1966 end_of_the_skype_highlighting).
ولم يكن يتوجب الثقة بالحكومات، وبالأشخاص المكلفين كوكلاء لسلطتها، وكانت الدساتير ضرورية، وبشكل أساسي كوسيلة لتقييد السلطة الجماعية بجميع امتداداتها المحتملة. وكانت سلطة الدولة شيئًا يخشى منه الليبراليون الكلاسيكيون، وكان يُعتَقد أن مشكلة التصميم الدستوري تكمن في أن مثل هذه السلطة يمكن أن تكون محدودة جدًا.
إن الوسائل لإنجاز هذا الهدف وسائل مألوفة. فالسيادة تم توزيعها بين عدة مستويات من السلطة الجماعية، وكانت الفيدرالية ترمي إلى السماح بعدم تركيز أو عدم مركزية سلطة الدولة القاهرة. وعلى كل صعيد للسلطة، تم وضع فروع وظيفية منفصلة للحكومة، وبشكل مدروس، في تواتر مستمر، الواحد مع الآخر. وفي بعض الكيانات، تم تقييد الفرع التشريعي المهيمن بواسطة المؤسسة الدستورية المكونة من كيانين، كل منهما منظَّم كمبدأ مستقل للتمثيل.
من المهم أن ندرك أن هذه العناصر البنيوية-الإجرائية الأساسية للدساتير السياسية قد تم تصميمها ومناقشتها، ووضعها موضع التنفيذ، من قبل ليبراليين كلاسيكيين في سياق هدف أو غرض مشترك، وهو ضبط أو تقييد السلطة القاهرة للدولة إزاء الأفراد. ولم تكن القوة المحركة لجعل الحكومة تعمل بشكل أفضل في تحقيق "السلع العامة" المختارة اعتباطًا، ولا في ضمان أن تحظى كل المصالح "بتمثيل أكثر اكتماًلا".
وكانت العناصر البنيوية-الإجرائية للدستور الليبرالي الكلاسيكي، وتلك المذكورة أعلاه وغيرها، تعتبر أقل أهمية من تلك النصوص التي وضعت مدى ونطاق النشاطات التي تقوم بها السلطة الجماعية على نحو مناسب. ويعني هذا القول أن التعليمات الدستورية بالنسبة لما قد تقوم به الحكومات، أو لا تقوم به، كانت دائمًا تعتبر أهم بكثير من كيفية قيام الحكومة بأي عمل، مثلما تفعل في الواقع. وقد غاب هذا الفارق المهم الذي كان مركزيًا للمفهوم الليبرالي الكلاسيكي للنظام الاجتماعي عن الوعي العام خلال صعود الديمقراطية الانتخابية، خصوصًا في القرنين التاسع عشر والعشرين. وكان هنالك قبول عام للمغالطة التي كانت مكافئة لظهور الديمقراطية الانتخابية مع حاجة متضائلة لقيود دستورية جلية على مدى ونطاق النشاط الحكومي.
وفي النظام الدستوري الليبرالي الكلاسيكي، فإن أنشطة الحكومة، بغض النظر عن كيفية اختيار اللاعبين، تقتصر وظيفيًا على مدارات التفاعل الاجتماعي، فقد كانت الحكومات، مثاليًا، سُتمنع دستوريًا من القيام بعمل مباشر يرمي إلى "تنفيذ" أية وظيفة من الوظائف الاقتصادية الأساسية العديدة :
(1) وضع نطاق القيمة؛
(2) تنظيم الإنتاج؛
(3) توزيع المنتجات.
وكان يتوجب القيام بهذه الوظائف خارج الهدف الواعي لأي شخص أو وكالة، وكانت تتم من خلال إدارة الأعمال اللامركزية لكثير من المشاركين في السلطة الاقتصادية المترابطة، كما تنسقها الأسواق، ومن خلال إطار "القوانين والمؤسسات" التي تم الإبقاء عليها وتطبيقها بشكل مناسب من قبل الحكومة.
ودور المحافظة على الإطار هذا، المعيَّن على نحو ملائم للحكومة في النظام الليبرالي الكلاسيكي، اشتمل على حماية الملكية، وتطبيق العقود الطوعية، والضمانة الفاعلة للدخول إلى والخروج من الصناعات، والتجارة، والمهن، والانفتاح المؤكد للأسواق الداخلية والخارجية، ومنع الاحتيال في المقابل. وكان يؤخذ بعين الاعتبار أن دور الإطار هذا للحكومة يشمل تأسيس معيار نقدي، وبطريقة تضمن قابلية توقُّع قيمة الوحدة النقدية المعينة ( وعند تولي هذه المسؤولية النقدية بالتحديد، فشلت جميع الدساتير تقريبًا، حتى تلك التي زُعم أن المبادئ الليبرالية الكلاسيكية حفزتها في الأصل، إذ تحركت الحكومات عبر التاريخ دائما على الأغلب إلى أبعد من حدود سلطتها النقدية المسموحة دستوريًا )
وهناك مبدأ رئيسي متأصل في الدستور الليبرالي الكلاسيكي يملي بأنه، بغض النظر عما تفعله الحكومة، وسواء كانت الأنشطة الجماعية محتواة ضمن الحدود المشار إليها أم لا، يجب معاملة جميع الأشخاص والمجموعات بالتساوي. وكان يجب تمديد عمومية المبدأ المطبق على القانون، ليشمل السياسة أيضًا. ولم يكن هنالك دور للفعل الحكومي الذي يفرق بصراحة بين كافة الفرقاء المنفصلين، أو فئات الأشخاص. وفي المفهوم الليبرالي الكلاسيكي، لا تستطيع تحالفات الأغلبية الناجحة أن تفرض ضرائب مميزة على أفراد الأقلية السياسية، حتى لو كان ذلك لأهداف . "المصلحة العامة " (بيوكانن 1992)