الدبلوماسية الإسرائيلية: تكتيكات في التهرب من الضغوط والالتز
مرسل: الجمعة مايو 28, 2010 11:22 pm
ساس 101
الاسم : نائلة الزميع
الدبلوماسية الإسرائيلية: تكتيكات في التهرب من الضغوط والالتزامات
بقلم علي حسين باكير *
تمر الولايات المتّحدة في حالة تاريخية من الوهن والضعف نتيجة لقرارات إدارة بوش الابن السابقة الخاطئة، التي أغرقت القوة العظمى في وحول العراق وأفغانستان والعبء المالي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الناتج عن هذه الحروب. ثم جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية لتعقّد وضع واشنطن في النظام العالمي، وكان نتيجة ذلك أن أتت إدارة جديدة بقيادة الرئيس أوباما تحت عنوان التغيير في محاولة لتدارك الأمر.
هذا التغيير يحمل ضمنا عدّة مفاهيم طارئة على الوضع دفعت الأمريكيين إلى إعادة النظر في عدد من الأمور التي كان ينظر إليها كمسلّمات. فالقوة العسكرية على سبيل المثال لم تعد الملجأ القادر على حل المشاكل، بل أصحبت مشكلة تعقّد الأوضاع وتضعف من مكانة الولايات المتّحدة العالمية. على الصعيد الديبلوماسي أيضا أصبح هناك شعور راسخ بأهمية التعاون مع القوى أخرى في المنظومة العالمية لانّ المشاكل والتحدّيات أكبر من أن تقوم دوما لوحدها بحلّها مهما بلغت من قوّة وعظمة.
ومن ضمن المواضيع التي شهدت إعادة نظر أيضا القضية الفلسطينية. فالأمريكيون بشكل عام والإدارة الأمريكية بشكل خاص، تدرك أنّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والصراع العربي-الإسرائيلي أصبح يقوّض وضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم. ولان أمريكا لم تعد بالقوّة التي كانت عليها من قبل، ولان مشاكلها تفاقمت، ولان القضية الفلسطينية أصبحت محرّكا لكل من يريد معاداة أمريكا، ولان الأمن القومي الأمريكي أصبح مهددا بسبب هذه الإشكالية قبل هذا وذاك، أصبح حل هذه المعضلة أمرا أساسيا.
نتانياهو يعلم الحقائق الضاغطة باتجاه إسرائيل، ولذلك هو منذ انتخابه عمد إلى اللجوء لعدد من التكتيكات الديبلوماسية المهمة التي تعطينا درسا في كيفية التملّص من الالتزامات والتهرّب من الضغوط:
1- الملف الإيراني: تذرّعت إسرائيل بداية بالخطر النووي الإيراني والتهديد الوجودي الذي يفرضه على إسرائيل في محاولة لاستعطاف أمريكا والغرب وتحويل الأنظار عن شرط الوقف الكامل للاستيطان كمقدمة لإجراء مفاوضات تفي إلى التوصل لتسوية ليست لصالح إسرائيل ولا تريدها. وكانت الولايات المتّحدة قد عبّرت سابقا عن حنقها من التصرفات الإسرائيلية عبر رفض استقبال رئيس الأركان الإسرائيلي غابي أشكنازي في زيارته في بداية العام إلى واشنطن، حيث تفادى أي مسؤول أمريكي رفيع المستوى مقابلته وشمل ذلك حتى نظيره الأمريكي مايكل مولن، واقتصر لقاؤه على مستشار الأمن القومي الجنرال جيمس جونس الذي رفض الخوض معه في الملف النووي ودعاه إلى التركيز على ضرورة التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين.
كما رفضت الإدارة الأمريكية منح مبعوث نتنياهو إلى واشنطن مستشار مجلس الأمن القومي "عوزي أراد" تأشيرة دخول علما أن الأخير ممنوع أصلا من دخول الولايات المتّحدة لعلاقته بمسؤول البنتاغون لاري فرانكلين في فضيحة نقل خطط أمريكية حول إيران إلى إسرائيل عبر اللوبي اليهودي "ايباك".
2- فخ التجميد المؤقت للمستوطنات: لجأت حكومة نتانياهو في مرحلة لاحقة إلى طرح فخ التجميد المؤقت للاستيطان (مدّة 6 أشهر)، للالتفاف على الضغوط الأمريكية وحشر الفلسطينيين، أي انّها تكون بذلك نفّذت شرط وقف الاستيطان "شكليا" وأرضت الأمريكيين، ثمّ أجبرت المفاوض الفلسطيني على التفاوض من دون الحصول على أية مكاسب حقيقية خاصةّ أنّ الاستيطان سيتواصل فيما بعد. وأمام التعنّت الإسرائيلي والتمسّك بهذا الطرح، قام الأمريكيون بنقل الضغط على الجانب الفلسطيني للقبول به، لكن الموقف السعودي أطاح بهذا الالتفاف عندما أعلن بشكل وزيرة الخارجية سعود الفيصل بشكل واضح وقوي وفي خطوة نادرة في نيويورك رفضه المماطلة والتسويف الإسرائيلي عبر تكتيك الوقف المؤقت للاستيطان، أو طرح التطبيع الشامل قبل الحصول على خطوات إسرائيلية جدّية.
3- التلاعب على الانقسام الفلسطيني وتعميقه: اعتمدت الديبلوماسية الإسرائيلية أيضا على التلاعب على مسالة الانقسام الفلسطيني، والمفارقة في الأمر أنّ الحكومة الإسرائيلية عملت على تعميق الانقسام من خلال تقويض السلطة الوطنية لصالح خصومها على اعتبار أنّ الأولى منخرطة في الجهد الأمريكي والعربي لانتزاع تنازل من إسرائيل في حين أنّ خصومها يعارضون العملية السلمية وهو ما يخدم إسرائيل حاليا، وذلك لان المصالح الإسرائيلية الحالية تتقاطع مع مبدأ هؤلاء من حيث رفض التفاوض. فلا إسرائيل تريد خوض مفاوضات من موقع المضغوط عليه، ولا خصوم السلطة يريدون مفاوضات من أساسه، ولذلك شهدنا تحركات باتجاه هذا التقاطع الذي يعزل السلطة وبالتالي يفشل الجهود الأمريكية من خلال تسريب الإسرائيليين لإمكانية عقد صفقة للأسرى وهو بالتأكيد ما سيعزز من وضع حماس في الداخل الفلسطيني، كما عبّر موفاز في محطات عديدة عن إمكانية استبدال السلطة بحماس عن طريق التفاوض مع الأخيرة.
4- التذرّع بعدم وجود شريك فلسطيني: بعد تعميق الانقسام الفلسطيني والتلاعب عليه، طرحت الحكومة الإسرائيلية موضوع عدم وجود شريك فلسطيني للسلام، على اعتبار أن حماس لا تفاوض وانّ الرئيس الفلسطيني لا يصلح لان يتم التفاوض معه، فهو ضعيف ولا يمثّل كل الفلسطينيين في ظل الانقسام الحاصل، وطلبت إسرائيل بالتالي تأجيل التفاوض إلى حين حل المشكلة الفلسطينية المتمثلة في الانقسام. وكأن الإسرائيليين يأبهون للوحدة الفلسطينية، بل إن هذا الانقسام يخدمهم في التهرب من مسؤولياتهم ومن الضغوط المفروضة عليهم ويحررهم من أي تنازل ممكن.
4- الاستفتاء الشعبي: آخر أسلحة الديبلوماسية الإسرائيلية كانت اللجوء منذ أيام إلى إقرار مشروع قانون يلزم الحكومة الإسرائيلية بإجراء استفتاء شعبي قبل أي انسحاب إسرائيلي من أراض محتلة. والمراد طبعا من إقرار هكذا المشروع، التحصّن ببعد شعبي يدعم التعنّت الحكومي بعدم الاستجابة للضغوط الأمريكية والمطالب العربية. ومن شأن هذا التشريع أن يفرغ أي مفاوضات مستقبلية أو أي قرار دولي أو حتى إسرائيلي بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، إذ سيتم التحجج بوجود أغلبية شعبية معارضة للانسحاب، وبالتالي نقل الضغط من الجانب الإسرائيلي إلى الجانب الفلسطيني والعربي باتجاه دفعه إلى تقديم المزيد من التنازلات والتراجعات.
يحسب للرئيس أوباما وعلى العكس من الرؤساء الأمريكيين السابقين انّه تحرّك منذ توليه لمنصبه، وان لم يكن قد توصل إلى أيّة نتائج تذكر بعد، ومن غير المعروف ما إذا قادرا أصلا على تحقيق أية نتائج في هذا الإطار. لكن الوضع الإسرائيلي يعطينا مؤشر بتعرّضه لضغوط كبيرة، لكن المطلوب أن تبقى هذه الضغوط الأمريكية موجهة إلى الجانب الإسرائيلي وان تزداد وان لا تتحول باتجاه الفلسطينيين أو أن يتم فقدان الأمل وبالتالي إعطاء الحرية لإسرائيل في غيّها ومماطلتها. هناك العديد من التجارب التاريخية التي تشير إلى أنّه وعند التضارب بين مصالح الأمن القومي الأمريكي وبين مصالح إسرائيل، فان واشنطن تدافع بشراسة وقوة عن أمنها القومي حتى وان تطلب ذلك إجبار إسرائيل الحليف الاستراتيجي على التراجع واتخاذ خطوات لا يحبّذها. في العدوان الثلاثي على مصر على سبيل المثال، أجبرت واشنطن الحكومة الإسرائيلية على الانسحاب والتراجع وقالت جولدامائير في حينه بما معناه بانّ القرار الأمريكي أذل إسرائيل وأجبرها على فعل ما لا تريد. وقد تكرر الأمر أيضا في عهد بوش الأب التي هدد إسرائيل بوقف المساعدات المالية والعسكرية المخصصة لها فما كان منها الاّ أن لبّت طلبه.
صحيح أن الإدارة الأمريكية لم تستعمل بعد كل الأوراق ولم تضغط بالشكل القاسي المفترض ، لكن المطلوب عربيا تزويد أوباما بالأدوات التي يحتاجها أيضا في الضغط على إسرائيل، لا التفرج على جهوده ومن ثمّ القول بأنه لم يغير شيئا. ويمكن الإشادة في هذا الإطار بالتحرّك الأوروبي الأخير سواء عبر المشروع السويدي الذي طرح مؤخرا أو عبر بيان المجلس الأوروبي حول عملية السلام والاعتراف بالقدس ورفض قيام إسرائيل بفرض أمر واقع عبر تغيير الوقائع على الأرض وتهجير الفلسطينيين وإقامة المستوطنات وتغيير التركيبة السكانية للقدس، والذي يصب أيضا في دعم المجهود الأمريكي خاصة أنّ العديد من التقارير البحثيّة الأمريكية الصادرة حديثا تعترف بضرورة حل القضية الفلسطينية وان لزم الأمر الضغط على إسرائيل، علما أن هذه التقارير تشير أيضا إلى إمكانية أن يتسبب هذا الضغط بمشاكل للرئيس اوباما في الداخل الأمريكي ويعرقل بالتالي مسيرته وتقدمه سواءا عبر اللوبي الصهيوني أو عبر أعضاء الكونجرس المواليين لتل أبيب.
* كاتب وباحث في العلاقات الدولية
© منبر الحرية، 14 يناير/كانون الثاني2010
الاسم : نائلة الزميع
الدبلوماسية الإسرائيلية: تكتيكات في التهرب من الضغوط والالتزامات
بقلم علي حسين باكير *
تمر الولايات المتّحدة في حالة تاريخية من الوهن والضعف نتيجة لقرارات إدارة بوش الابن السابقة الخاطئة، التي أغرقت القوة العظمى في وحول العراق وأفغانستان والعبء المالي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الناتج عن هذه الحروب. ثم جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية لتعقّد وضع واشنطن في النظام العالمي، وكان نتيجة ذلك أن أتت إدارة جديدة بقيادة الرئيس أوباما تحت عنوان التغيير في محاولة لتدارك الأمر.
هذا التغيير يحمل ضمنا عدّة مفاهيم طارئة على الوضع دفعت الأمريكيين إلى إعادة النظر في عدد من الأمور التي كان ينظر إليها كمسلّمات. فالقوة العسكرية على سبيل المثال لم تعد الملجأ القادر على حل المشاكل، بل أصحبت مشكلة تعقّد الأوضاع وتضعف من مكانة الولايات المتّحدة العالمية. على الصعيد الديبلوماسي أيضا أصبح هناك شعور راسخ بأهمية التعاون مع القوى أخرى في المنظومة العالمية لانّ المشاكل والتحدّيات أكبر من أن تقوم دوما لوحدها بحلّها مهما بلغت من قوّة وعظمة.
ومن ضمن المواضيع التي شهدت إعادة نظر أيضا القضية الفلسطينية. فالأمريكيون بشكل عام والإدارة الأمريكية بشكل خاص، تدرك أنّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والصراع العربي-الإسرائيلي أصبح يقوّض وضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم. ولان أمريكا لم تعد بالقوّة التي كانت عليها من قبل، ولان مشاكلها تفاقمت، ولان القضية الفلسطينية أصبحت محرّكا لكل من يريد معاداة أمريكا، ولان الأمن القومي الأمريكي أصبح مهددا بسبب هذه الإشكالية قبل هذا وذاك، أصبح حل هذه المعضلة أمرا أساسيا.
نتانياهو يعلم الحقائق الضاغطة باتجاه إسرائيل، ولذلك هو منذ انتخابه عمد إلى اللجوء لعدد من التكتيكات الديبلوماسية المهمة التي تعطينا درسا في كيفية التملّص من الالتزامات والتهرّب من الضغوط:
1- الملف الإيراني: تذرّعت إسرائيل بداية بالخطر النووي الإيراني والتهديد الوجودي الذي يفرضه على إسرائيل في محاولة لاستعطاف أمريكا والغرب وتحويل الأنظار عن شرط الوقف الكامل للاستيطان كمقدمة لإجراء مفاوضات تفي إلى التوصل لتسوية ليست لصالح إسرائيل ولا تريدها. وكانت الولايات المتّحدة قد عبّرت سابقا عن حنقها من التصرفات الإسرائيلية عبر رفض استقبال رئيس الأركان الإسرائيلي غابي أشكنازي في زيارته في بداية العام إلى واشنطن، حيث تفادى أي مسؤول أمريكي رفيع المستوى مقابلته وشمل ذلك حتى نظيره الأمريكي مايكل مولن، واقتصر لقاؤه على مستشار الأمن القومي الجنرال جيمس جونس الذي رفض الخوض معه في الملف النووي ودعاه إلى التركيز على ضرورة التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين.
كما رفضت الإدارة الأمريكية منح مبعوث نتنياهو إلى واشنطن مستشار مجلس الأمن القومي "عوزي أراد" تأشيرة دخول علما أن الأخير ممنوع أصلا من دخول الولايات المتّحدة لعلاقته بمسؤول البنتاغون لاري فرانكلين في فضيحة نقل خطط أمريكية حول إيران إلى إسرائيل عبر اللوبي اليهودي "ايباك".
2- فخ التجميد المؤقت للمستوطنات: لجأت حكومة نتانياهو في مرحلة لاحقة إلى طرح فخ التجميد المؤقت للاستيطان (مدّة 6 أشهر)، للالتفاف على الضغوط الأمريكية وحشر الفلسطينيين، أي انّها تكون بذلك نفّذت شرط وقف الاستيطان "شكليا" وأرضت الأمريكيين، ثمّ أجبرت المفاوض الفلسطيني على التفاوض من دون الحصول على أية مكاسب حقيقية خاصةّ أنّ الاستيطان سيتواصل فيما بعد. وأمام التعنّت الإسرائيلي والتمسّك بهذا الطرح، قام الأمريكيون بنقل الضغط على الجانب الفلسطيني للقبول به، لكن الموقف السعودي أطاح بهذا الالتفاف عندما أعلن بشكل وزيرة الخارجية سعود الفيصل بشكل واضح وقوي وفي خطوة نادرة في نيويورك رفضه المماطلة والتسويف الإسرائيلي عبر تكتيك الوقف المؤقت للاستيطان، أو طرح التطبيع الشامل قبل الحصول على خطوات إسرائيلية جدّية.
3- التلاعب على الانقسام الفلسطيني وتعميقه: اعتمدت الديبلوماسية الإسرائيلية أيضا على التلاعب على مسالة الانقسام الفلسطيني، والمفارقة في الأمر أنّ الحكومة الإسرائيلية عملت على تعميق الانقسام من خلال تقويض السلطة الوطنية لصالح خصومها على اعتبار أنّ الأولى منخرطة في الجهد الأمريكي والعربي لانتزاع تنازل من إسرائيل في حين أنّ خصومها يعارضون العملية السلمية وهو ما يخدم إسرائيل حاليا، وذلك لان المصالح الإسرائيلية الحالية تتقاطع مع مبدأ هؤلاء من حيث رفض التفاوض. فلا إسرائيل تريد خوض مفاوضات من موقع المضغوط عليه، ولا خصوم السلطة يريدون مفاوضات من أساسه، ولذلك شهدنا تحركات باتجاه هذا التقاطع الذي يعزل السلطة وبالتالي يفشل الجهود الأمريكية من خلال تسريب الإسرائيليين لإمكانية عقد صفقة للأسرى وهو بالتأكيد ما سيعزز من وضع حماس في الداخل الفلسطيني، كما عبّر موفاز في محطات عديدة عن إمكانية استبدال السلطة بحماس عن طريق التفاوض مع الأخيرة.
4- التذرّع بعدم وجود شريك فلسطيني: بعد تعميق الانقسام الفلسطيني والتلاعب عليه، طرحت الحكومة الإسرائيلية موضوع عدم وجود شريك فلسطيني للسلام، على اعتبار أن حماس لا تفاوض وانّ الرئيس الفلسطيني لا يصلح لان يتم التفاوض معه، فهو ضعيف ولا يمثّل كل الفلسطينيين في ظل الانقسام الحاصل، وطلبت إسرائيل بالتالي تأجيل التفاوض إلى حين حل المشكلة الفلسطينية المتمثلة في الانقسام. وكأن الإسرائيليين يأبهون للوحدة الفلسطينية، بل إن هذا الانقسام يخدمهم في التهرب من مسؤولياتهم ومن الضغوط المفروضة عليهم ويحررهم من أي تنازل ممكن.
4- الاستفتاء الشعبي: آخر أسلحة الديبلوماسية الإسرائيلية كانت اللجوء منذ أيام إلى إقرار مشروع قانون يلزم الحكومة الإسرائيلية بإجراء استفتاء شعبي قبل أي انسحاب إسرائيلي من أراض محتلة. والمراد طبعا من إقرار هكذا المشروع، التحصّن ببعد شعبي يدعم التعنّت الحكومي بعدم الاستجابة للضغوط الأمريكية والمطالب العربية. ومن شأن هذا التشريع أن يفرغ أي مفاوضات مستقبلية أو أي قرار دولي أو حتى إسرائيلي بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، إذ سيتم التحجج بوجود أغلبية شعبية معارضة للانسحاب، وبالتالي نقل الضغط من الجانب الإسرائيلي إلى الجانب الفلسطيني والعربي باتجاه دفعه إلى تقديم المزيد من التنازلات والتراجعات.
يحسب للرئيس أوباما وعلى العكس من الرؤساء الأمريكيين السابقين انّه تحرّك منذ توليه لمنصبه، وان لم يكن قد توصل إلى أيّة نتائج تذكر بعد، ومن غير المعروف ما إذا قادرا أصلا على تحقيق أية نتائج في هذا الإطار. لكن الوضع الإسرائيلي يعطينا مؤشر بتعرّضه لضغوط كبيرة، لكن المطلوب أن تبقى هذه الضغوط الأمريكية موجهة إلى الجانب الإسرائيلي وان تزداد وان لا تتحول باتجاه الفلسطينيين أو أن يتم فقدان الأمل وبالتالي إعطاء الحرية لإسرائيل في غيّها ومماطلتها. هناك العديد من التجارب التاريخية التي تشير إلى أنّه وعند التضارب بين مصالح الأمن القومي الأمريكي وبين مصالح إسرائيل، فان واشنطن تدافع بشراسة وقوة عن أمنها القومي حتى وان تطلب ذلك إجبار إسرائيل الحليف الاستراتيجي على التراجع واتخاذ خطوات لا يحبّذها. في العدوان الثلاثي على مصر على سبيل المثال، أجبرت واشنطن الحكومة الإسرائيلية على الانسحاب والتراجع وقالت جولدامائير في حينه بما معناه بانّ القرار الأمريكي أذل إسرائيل وأجبرها على فعل ما لا تريد. وقد تكرر الأمر أيضا في عهد بوش الأب التي هدد إسرائيل بوقف المساعدات المالية والعسكرية المخصصة لها فما كان منها الاّ أن لبّت طلبه.
صحيح أن الإدارة الأمريكية لم تستعمل بعد كل الأوراق ولم تضغط بالشكل القاسي المفترض ، لكن المطلوب عربيا تزويد أوباما بالأدوات التي يحتاجها أيضا في الضغط على إسرائيل، لا التفرج على جهوده ومن ثمّ القول بأنه لم يغير شيئا. ويمكن الإشادة في هذا الإطار بالتحرّك الأوروبي الأخير سواء عبر المشروع السويدي الذي طرح مؤخرا أو عبر بيان المجلس الأوروبي حول عملية السلام والاعتراف بالقدس ورفض قيام إسرائيل بفرض أمر واقع عبر تغيير الوقائع على الأرض وتهجير الفلسطينيين وإقامة المستوطنات وتغيير التركيبة السكانية للقدس، والذي يصب أيضا في دعم المجهود الأمريكي خاصة أنّ العديد من التقارير البحثيّة الأمريكية الصادرة حديثا تعترف بضرورة حل القضية الفلسطينية وان لزم الأمر الضغط على إسرائيل، علما أن هذه التقارير تشير أيضا إلى إمكانية أن يتسبب هذا الضغط بمشاكل للرئيس اوباما في الداخل الأمريكي ويعرقل بالتالي مسيرته وتقدمه سواءا عبر اللوبي الصهيوني أو عبر أعضاء الكونجرس المواليين لتل أبيب.
* كاتب وباحث في العلاقات الدولية
© منبر الحرية، 14 يناير/كانون الثاني2010