صفحة 1 من 1

إنشطار يوغسلافيا سبع دول في عشر سنوات

مرسل: السبت مايو 29, 2010 1:58 am
بواسطة عبدالمجيد بن شهيوين
يوغسلافيا التي كنا نعرفها , صارت وبعد إعلان إستقلال الجبل الأسود سبع دول , كانت الى ما قبل عشر سنوات دولة واحدة ، وإحدى الدول المؤسسة لفكرة الحياد الإيجابي ومنظمة عدم الانحياز .
أتحدى الكثيرين إذا كانوا يعرفون ما الذي وقع فأدى الى الحرب في يوغسلافيا ، سمعنا أكاذيب كثيرة من الإعلام وأقوال الساسة وتصريحات الدول ولكن تعالوا بشكل بسيط ومختصر نفكك ونعيد تركيب الأحداث في يوغسلافيا كي نفهم ما حدث ...
الحرب ليست غريبة على يوغسلافيا التي تقع جزئيا في شبه جزيرة البلقان التي تضم يوغسلافيا واليونان وألبانيا فلعدة قرون كانت شبه جزيرة البلقان مسرحا لحروب محلية ودولية عديدة .
منذ حادثة إغتيال الدوق فرانز فرديناند ولي عهد التاج النمساوي الهنغاري في سراييفوعلى يد طالب ثوري بوسني حزيران 1914 الحادثة التي كانت الفتيل الذي أشعل الحرب العالمية الاولى ، فان البلقان لم تنعم بالهدوء السياسي .
وقتها تم الإدعاء أن القوميين الصرب هم المسؤولون عن ذلك الإغتيال بواسطة إحدى منظماتهم الإرهابية ، وكعقاب على تلك الجريمة سعت المملكة النمساوية الهنغارية الى إحتلال صربيا لتدمير قوتها المتنامية ، لكن تزايد التوتر جعل المملكة الألمانية تنضم الى جانب المملكة النمساوية الهنغارية ،، عندها قامت روسيا القيصرية بالإنضمام الى جانب الصرب .

بحلول صيف 1914 كانت المملكة النمساوية الهنغارية وحليفتها المملكة الألمانية قد تحاربتا ضد روسيا وحليفاتها بريطانيا وفرنسا .
أما صربيا فقد قاتلت ضد النمساويين والهنغار والألمان والبلغار ،، وبإنتهاء الحرب العالمية الاولى ، صار الأمير الصربي ألكسندر ملكا على البلاد التي صار آسمها مملكة الصرب والكروات والسلوفان .
عانت هذه المملكة صراعات عديدة بين الكروات والسلوفان مما دعا ملكها الغاضب الى تغيير آسم المملكة الى مملكة يوغسلافيا إحقارا للكروات والسلوفان الذين يسببون له المشاكل بعدم ذكرهم عند نطق اسم الدولة , لكن هذا التغيير جعل الامور أسوأ ، إزدادت حدة الخلافات وصعد التوتر الى حد إغتيال الملك ألكسندر بسبب تغييره آسم المملكة أثناء زيارة له الى فرنسا .
خلف الملك ألكسندر ولدا طفلا وليا للعهد آسمه بيتر لذا تم تعيين الأمير باول إبن عم الملك المقتول وصيا على العرش .
أثناء الحرب العالمية الثانية قاتلت مملكة يوغسلافيا بشجاعة غير أن كونها مكونة من عدة أعراق كل يستمد دعمه من وراء الحدود جعلها أمة ضعيفة إنهزمت أمام قوات المحور ( الألمان والإيطاليين ) لذلك وقعت يوغسلافيا تحت حكم الوصي مع هاتين الدولتين معاهدة ، كانت سببا جديدا لإشتعال حالة عدم الإستقرار .
بعد يومين من توقيعها سيطر ضباط من الجيش على مقاليد الأمور وخلعوا الأمير الوصي وتوجوا الأمير بيتر الصغير ملكا .
وبعد أسبوعين من حكم بيتر قامت حشود من قوات المحور بغزو يوغسلافيا وكان مع هذه القوات الهنغار والبلغار والألبانيون . إنتهى الهجوم خلال اسبوعين , عندها قام الملك بيتر بتوقيع تنازل عن الحكم وغادر الى بريطانيا .
خلال هذه الفترة قامت ألمانيا وإيطاليا بتقاسم سلوفينيا .. فيما قامت إيطاليا منفردة بالسيطرة على كرواتيا , وأقامت حكومة شكلية في الجبل الاسود . أما ألبانيا فأخذت كوسوفو ، أما هنغاريا فقد سيطرت على أرض محاذية لحدودها ،، واحتلت بلغاريا مقدونيا ،، وبلغراد العاصمة الصربية لكل يوغسلافيا تحولت الى مقر لحكومة شكلية وضعها الألمان .
اليوغسلاف أمة قوية شديدة البأس رغم قدرهم السيء .. لذلك نظموا أنفسهم مباشرة في وحدات مقاومة لقتال لدول المحور .
القيادة الأولى لهذه الوحدات كانت للجنرال درازا ميهايلوفيج وكانت قيادة تقليدية جدا سعت الى إعادة الملك بيتر الى العرش لتوحيد البلد تحت إمرته .
القيادة الثانية كانت للمارشال جوزيف بروز تيتو , هذه القيادة سعت الى تنظيم كل عناصر يوغسلافيا لقتال المحتلين .
ورغم أنه يجب أن يكون هناك تعاون بين هاتين القيادتين إلا أن العكس هو الذي كان حاصلا , فقد كانت القيادتان تقاتلان بعضهما إضافة الى قتال الأعداء .
منذ ذلك الوقت تحالف تيتو مع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبقية الحلفاء , هذا التحالف ساعد تيتو على تأسيس مجلس حكم يوغسلافيا الجديدة بعد الحرب الذي يتصف بما يلي:
# إنه لا يطالب بعودة ملكية ضعيفة وإنما يؤسس يوغسلافيا ( كجمهورية فيدرالية ) على الطراز أو الموديل الامريكي .
# يوغسلافيا الجديدة ستكون شيوعية حتى تضمن أن الإتحاد السوفيتي لن يسعى الى تدميرها , غير انها ستكون شيوعية مستقلة مثل الصين ولن تدخل في الأممية الشيوعية ولن تأخذ أوامرها من روسيا , لكنها وفي نفس الوقت تضمن مؤازرة ودعم سوفيتيين .
مباشرة , أعدم تيتو رفيقه ميهايلوفيتش وأقصى عن الصراع جميع أنواع المعارضة ثم أرسى قواعد حكومة يوغسلافية استمرت حتى عام 1991 تحت تسمية (( جمهورية يوغسلافيا الفيدرالية الاشتراكية )) وهي دولة شيوعية تسيطر فيها الحكومة على كل شيء .
( حزب الجمعية الشيوعية ) كان الحزب الوحيد المصرح له بالعمل قانونيا في يوغسلافيا.
كبلد شيوعي ، كانت ليوغسلافيا علاقات متينة مع الإتحاد السوفيتي ولكن في العام 1968 تعارض تيتو مع السوفييت بسبب سياسته المنفتحة وعلاقته مع الغرب , فأعلن يوغسلافيا دولة لا شرقية ولا غربية ،، وتم انتخابه رئيسا مدى الحياة .
وطالما ظل تيتو حيا فقد وازن سياسة بلده بين المعسكرين الشرقي والغربي ، لكنه سرعان ما مات عام 1980 .
بعد موته حكمت يوغسلافيا رئاسات مختارة : كل فيدرالية رشحت ممثلها في الحكومة المركزية ، وكل واحد من هؤلاء حكم يوغسلافيا كرئيس لمدة عام واحد .
إستمر الوضع على هذا الحال لغاية 1989 حيث تم تلميع سلوبودان ميلوزوفيتش من سياسي من الدرجة الثانية الى رئيس للحزب الشيوعي الصربي ورئيس للفيدرالية الصربية , وهذا معناه أنه صار رئيسا لجميع يوغسلافيا بآعتبار أن الصرب يشكلون 9 ملايين من سكان يوغسلافيا التي جميع سكانها 23 مليون نسمة ، وبسبب هذه الأغلبية يكون من حق الصرب وحدهم أن يكون الرئيس اليوغسلافي الأعلى منهم .
كان الأمريكان يريدون من هذا التلميع أن يكون ميلوزوفيتش هو خليفة تيتو لحكم يوغسلافيا ، فحولوه خلال وقت قصيرة من سياسي من الدرجة الثانية الى ما يشبه إله . غير أن متغيرا مهما وقع في العام1991 هو إنهيار الإتحاد السوفيتي , وهذا معناه أن يوغسلافيا ( الدولة الاوربية , ذات النظام الشيوعي , على الطراز الامريكي ) سيتخلخل توازنها .
في السابق كانت الدول الاوربية تقبل الوجود الأمريكي في يوغسلافيا لموازنة المعادلة مع السوفييت , فهل يقبل الأوربيون وجود النفوذ الأمريكي في يوغسلافيا بعد انهيار الإتحاد السوفيتي ؟؟ ليكون الأمريكان دخلاء عليهم من بوابة يوغسلافيا ؟ وإذن كيف يتم إخراجهم منها ؟
مد الأوربيون أيادي الدعم للفيدراليات لتشجيعها على الإنفصال عن يوغسلافيا تحت عناوين حرياتها العرقية والقومية . فيما وضع الأمريكان الضغط على الحكومة المركزية لمحاربة ذلك الانفصال تحت مسمى الأمة اليوغسلافية الموحدة الأعراق .
عندها وقعت الحرب الأهلية في يوغسلافيا تقاتل فيها أبناء البلد الواحد المتآخين لأكثر من عدة مئات من السنين نيابة عن الأوربيين والأمريكان . وارتكبت في تلك الحرب فضائع لا تقل شناعة عما يجري الآن في العراق .
الصرب والكروات والبوسنيين والسلوفان والمقدونيين والألبان وسكان الجبل الأسود , كلهم كانوا ضحايا وجلادين في نفس الوقت , فمنذ حرب فيتنام والحرب في لبنان لم تقع بشاعة على الارض تفوق ما حصل لهم , وأسوأ المعاناة لم يعانيها المتقاتلون المسلحون بل وقعت على المدنيين العزل .
وسائل الاعلام أجمع تناقلت بغباء وببغاوية أنباء القتال بين أبناء البلد الواحد وقسمتهم الى فريقين : دعاة الإنفصال ، ودعاة الوحدة , ومن الطبيعي أن تكذب وسائل الإعلام لأن الاعلام في زمن الحرب يعتبر عاملا رئيسيا في القتال مثل الدبابة والطائرة القاصفة ويتقصى أخباره من وكالات أنباء الدول التي تدير الحرب في هذا البلد .
في المرحلة الأولى من القتال انفصلت البوسنة وكرواتيا وسلوفينيا ومقدونيا عن يوغسلافيا , التي لم يبق ما يمثلها غير جمهورية صربيا و الجبل الاسود .
المرحلة الثانية من القتال تجددت حول إقليم كوسوفو : وهو إقليم صربي يعيش فيه المسلمون منذ أول أيام الإحتلال العثماني ليوغسلافيا دون أي مشاكل مع الأديان والطوائف الأخرى . سعى كل من الأمريكان والأوربيين الى إثارة القلاقل في هذا الإقليم وكل له أسبابه الخاصة , بواسطة هؤلاء المسلمين .
اليونان وهي دولة عضو في الإتحاد الاوربي أبدت قلقها البالغ من إستقلال إقليم مقدونيا اليوغسلافي الذي لا يفصله غير الخط الحدودي عن إقليم مقدونيا اليوناني فاذا سعى الإقليمان للتوحد فسيشكل ذلك كارثة على اليونان . لذلك شجع الأوربيون قيام مسلمي إقليم كوسوفو الصربي بالتمرد , تحت حجة عدم احترام مشاعرهم الدينية التي ضلت محترمة لأربعة قرون خلت ولا يعلم أحد ما الذي أدى لعدم احترامها الان !؟ وقد تم اقناع هؤلاء المسلمين أن تركيا ستمد لهم يد العون في كل ما يحتاجونه من دعم ...
يتوخى الأوربيون من ذلك إثارة نعرة عنصرية حادة بين مقدون اليونان ضد مقدون يوغسلافيا بسبب العداء التقليدي التركي اليوناني ، لأن المساعدات التركية المفترضة الى كوسوفو ستصلهم عبر طريق مقدونيا اليوغسلافية , عدا عن ان إشتعال المنطقة كفيل بإبعاد شبح أي تنسيق فيها بين مقدون يوغسلافيا ومقدون اليونان .
أما أسباب الأمريكان لإشعال إقليم كوسوفو , فقد كانت كالتالي : لم يبق الا صربيا والجبل الاسود .. اذا استطاع الصرب وبمساعدة أوربية من نزع النفوذ الأمريكي .. فأين سيتجه الأمريكان ؟ لذلك تم تشجيعهم مسلمي كوسوفو على التمرد .
فجأة وجد الصرب جزءا من إقليمهم يريد الإنفصال عنهم فسحقوا التمرد بقوة , فأوعز الأمريكان الى ايران بالصراخ والاستغاثة لقتل مسلمي صربيا , وتطوعت المملكة العربية السعودية وبأمر أمريكي بتزويد هؤلاء المتمردين بملايين الدولارات , أما المجاهدون العرب الذين كانوا يقاتلون في افغانستان ( وبعد انهيار الإتحاد السوفيتي صاروا عاطلين عن الارتزاق من القتال ) فقد توجهوا بالآلاف الى كوسوفو وأخذوا من الحكومة البوسنية صواريخ ستينغر أمريكية كانت وكالة المخابرات المركزية الامريكية قد زودت بها البوسنة لمثل هذه الايام , وطبعا فإن المجاهدين ( العرب الافغان ) كانوا سيد من يجيد استعمال هذه الصواريخ بعد تدريبهم عليها عدة سنوات اثناء محاربة السوفييت في افغانستان , كما وصلت إمدادات من الاسلحة الثقيلة من دول الشرق الاوسط , مصر وإسرائيل .
وحين بدأ القتال كان من المرجح انه سيمتد ليشمل كل دول وسط أوربا . عندها تداعى كل من حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة للتدخل المباشر فأسفر القتال في المرحلة الجديدة عن وضع كوسوفو تحت إدارة الأمم المتحدة ، وخلع الرئيس الصربي ميلوزوفيتش وتقديمه الى محكمة العدل الدولية ( تخلى عنه الامريكان مثلما تخلوا بعده عن صدام ) وتم تحميله جميع الويلات التي وقعت في يوغسلافيا وكأنه هو المسؤول عنها . وأخيرا تم موته أثناء المحاكمة لتحاشي فتح ملفات شائكة عن ما جرى خلال فترة حكمه , بالضبط كما أعدم صدام عن قضية الدجيل لتلافي فتح ملفات حلبجة والأنفال وإجتياح الكويت .

الاتحاد الأوربي أعلن أنه سيوافق على استقلال الجبل الأسود إذا زادت نسبة المصوتين على الإستقلال من مواطنيه على 55% ... مساحة الاقليم لا تزيد على عدة كيلومترات ،، وعدد سكانه نصف مليون نسمة ... ولكم أن تتخيلوا أي دولة مستقلة سيشكل !!! ؟
العام الماضي وقع إستفتاء في الجبل الأسود على الإستقلال فجاءت أصواته بنسبة 55،4% ، فأعلن استقلاله عن صربيا واعترف الإتحاد الاوربي به كدولة مستقلة , غير أن الإتحاد الأوربي في نفس الوقت , أعلن وعلى إستحياء قلقه من الأوضاع في صربيا وعدم رغبته في التخلي عن الصرب والذين حسب تشخيص الإتحاد الاوربي نفسه : أوضاعهم صعبة .
يوغسلافيا التي كانت قبل عشر سنوات تحولت الان الى : صربيا ، كرواتيا ، البوسنة ، سلوفينيا ، مقدونيا ، الجبل الاسود ، وإقليم كوسوفو الصربي تحت إدارة الأمم المتحدة .
ولم تنتهي اللعبة في البلقان بعد , حالما سينهي النظام العالمي الجديد إهتماماته حول العالم ويتفرغ لإفراغ الإتحاد الأوربي من محتواه بالكامل , فلن توجد أماكن هشة ورخوة لضرب أوربا تحت الحزام مثل هذه الدويلات التي سيتم اشعالها من جديد بعد ثلاثة او أربعة عقود .


بقلم ميسون البياتي