صفحة 1 من 1

الفكر السياسي النبوي

مرسل: السبت مايو 29, 2010 4:18 am
بواسطة راكان الحربي6

هايل طشطوش - لقد شكلت الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة مرحلة فاصلة في التاريخ الإسلامي من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية حيث كانت نقطة الانطلاق الأولى نحو بناء دولة قوية تتكامل فيها الأركان والأسس الحقيقية اللازمة لقيام الدول كما يشير الفكر السياسي، وقد اتبع النبي الكريم علية السلام خطوات شكلت درسا قويا ترسخ في أدبيات الفكر السياسي إلى يوم الدين يوضح الطريقة المثلى لبناء الدول وقيامها وديمومتها واستمرارها، كيف لا ومحمد علية السلام أوتي جوامع الكلم فهو لا ينطق عن الهوى بل هو توجيه رب العالمين الذي أراد لهذا الدين القوة والعزة والمنعة، لقد تعلمنا في أدبيات الفكر السياسي أن بناء الدول لا يكون إلا من خلال خطوات محددة لا تحيد ولا تختلف عما اتبعه النبي الكريم في بناء دولة المدينة وما سبقها من تضحيات لحماية المبادئ والأسس التي يؤمن بها هو ومن اتبعه، شكلت محبة الرعية للراعي الأرضية الصلبه التي ارتكز عليها بناء الدولة وهذا ما تريده قوة الدولة وما تعتمد علية، فالقائد يجب أن يحظى بالقبول العام من أفراد شعبة حتى يستيطع قيادتهم إلى ما يريد ويحقق من خلالهم الهدف الأسمى الذي يسعى إليه، وبعد أن توافرت الأرضية الصلبه والمتينة اتبع النبي الكريم خطوات هادئة متزنة شكلت الدعامة الصلبه للدولة الوليدة وهي :
أولا : بناء المسجد .
ثانياً : المؤاخاة بين المسلمين عامة وبين المهاجرين والأنصار خاصة
ثالثاً : كتابة وثيقة تحدد نظام الحياة للمسلمين فيما بينهم وتوضح علاقتهم مع غيرهم .
ليس غريبا أن تكون إقامة المسجد أول واهم ركيزة في بناء المجتمع الإسلامي ذلك أن الدولة الوليدة تحتاج إلى مقر للاجتماع ومركز للحكم ومنطلق للأوامر والتعليمات والتوجيهات وكذلك فهو مكان العبادة وترسيخ العقيدة ونقطة انطلاق الدين الجديد إلى العالم اجمع ومن المسجد وفيه تشيع آصرة الأخوة والمحبة بين المسلمين وفيه تشيع روح المساواة والعدل حيث يقف المسلمون فيه كل يوم صفاً واحداً بين يدي الله عز وجل على صعيد واحد من العبودية وتعلقت قلوبهم بربهم الواحد جل جلاله، كما وان في المسجد هو المكان الوحيد الذي تذوب فية الفوارق بين الناس وينصهر أشتات الناس في بوتقة واحدة من الوحدة الراسخة يجمعهم عليها توجههم إلى رب واحد يرددون كلمات واحدة يربطهم رباط وثيق هو حبل الله المتين، وهو دلالة ورمز للوحدة والاجتماع ودليل على أن ألامه تحتاج إلى مكان تجمع من خلاله شتاتها وتلم شعثها وتوحد صفها وهذه إشارة إلى المسلمين حتى تقوم الساعة بأن المسجد كان وسيبقى خطوتهم الأولى في الخلاص والنجاة والوصول إلى النصر والتمكين في الدنيا والظفر برحمة وغفرانه في الآخرة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
ثانيا : المواخاة :
أثبتت أدبيات نشؤ الدول واستمراريتها بان اتحاد الأمة وتكاتفها وتآخيها واتحاد كلمتها إنما هو الأساس المتين لبناء مجتمع قوي متماسك وهذا ما لم يغب عن فكر النبي الكريم حيث أدرك علية الصلاة والسلام بان المواخاة هي الوسيلة الرئيسية للقضاء على الفردية والأنانية وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية والضيقة، وقد كان لمعنى الموآخاه في ذلك الوقت الحجم الكبير حيث كانت العصبيات الضيقة هي النمط السائد والغالب على حياة الأفراد ، فكان الإسلام هو الوسيلة الرئيسية للقضاء على فوارق اللون والجنس والعشيرة ...، إنها الإخوة في الله التي تحقق العدالة والمساواة بين الجميع فلا يفضل احد على احد لا بنسب ولا بعشيرة إنما يفضل بإيمانه وتقواه ... لقد أثبتت الأدبيات السياسية انه من الصعب أن تقوم دولة الا من خلال اتحاد أفرادها وتآلفهم واتجه أفكارهم نحو هدف واحد .
ثالثا : الدستور(الوثيقة).
يصعب الحديث عن دولة ذات أساس متين بدون وجود مدونه تحكم سلوكيات الأفراد والمؤسسات وتكون المرجعية الأولى والأخيرة في حياة الناس اليومية ...فوضع علية الصلاة والسلام الدستور الذي عالج من خلاله القضايا الداخلية والخارجية وحدد علاقة الدولة بغيرها من الدول والشعوب وكل ما يمكن أن يعترض الدول الناشئة من قضايا ومستجدات.
لقد كانت هذه الأسس هي القاعدة المتينة التي ارتكزت عليها دولة المدينة الأولى وانطلقت منها إلى كل بقاع الأرض تنشر نور الإسلام فكان لها ما أرادت حيث غمر نور الإسلام مشارق الأرض ومغاربها حتى ما بقيت بقعه على هذه الأرض إلا ودخلها ضياء الإسلام ونوره كل ذلك بفضل هذا التفكير السياسي العميق الذي وضع أسس الدولة العصرية التي ما زالت الدول المعاصرة تستنير بها إلى يومنا هذا بل ستبقى كذلك إلى يوم الدين لان صاحبها هو محمد رسول الله الذي ما كان ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .