By عبدالرحمن الدخيل1 - السبت مايو 29, 2010 9:51 am
- السبت مايو 29, 2010 9:51 am
#27544
علينا أن نفحص واقع الحراك لنتجاوز أخطائه، كمراقب في هذه المقالة سأحاول تجاوز العاطفة من حب وكراهية والانفعالات النضالية التي أفرزها خطاب التعبئة، ولن نهتم بالقيم، نضالية إيجابية كانت أوانتهازية أنانية، في هذه المقالة سنتحدث عن الجغرافيا السياسية كمحدد اساسي وجوهري متحكم بالفعل السياسي، وهذه المسألة في غاية الأهمية لأن تسليط الضوء عليها سيكشف الكثير من الخبايا وسيجعلنا نكتشف الاوهام المتحكمة بمسارات الفعل السياسي لدى الحراك، ومن خلالها سنفهم طبيعة الحراك كما هو في الواقع لا كما نتخيله في أحلامنا الوردية، والهدف وضع سياسات نافعة للحراك لترشيد استراتيجيته.
بادئ ذي بدأ يتركز الحراك الفاعل والنشط في حيز جغرافي ضيق في الجنوب، وهذا لا يعني أنه لا يوجد تعاطف على أمتداد الجنوب للحراك، إلا أن الشيء الذي يجب الانتباه له أن التعاطف مؤسس على الظلم الذي انتجه الواقع بمعنى أنه نتاج لسياسات سلطوية ظالمة ورغبة جامحة في التغيير لصالح دولة القانون، وهذا التعاطف من جانب آخر يشوبه الخوف والرعب من زحف الريف على المدينة، وكلما تاه الحراك في الفراغ نتيجة فقدان المشروع ونتيجة تحول بعض أطرافه نحو العنف زادت مخاوف المدينة والصحراء الهادئة التي تخفي في احشائها الذهب الأسود.
الجغرافيا الفاعلة والتي تمد الحراك بالحياة في الضالع وردفان وامتدادها إلى جزء من أبين وشبوة هي جغرافيا فقيرة ومواردها نادرة وأهميتها الاستراتيجية مع الوحدة أصبحت ضعيفة وهامشية، من ناحية تاريخية اعتمدت هذه الجغرافيا على الريع من خارجها أما بالاستيلاء على الدولة أو بالدعم الخارجي أو من خلال الهجرة، ولأن الفاعلين في تاريخها القريب أعتمدوا كليا على الدولة وعاشت كطفيليات مقاتلة في بنية الدولة فقد أدى خروجها من الدولة إلى أنهاكها بالكامل، لذا فمن الطبيعي أن تتجه نحو السيف لتكسب عيشها، وهي في لحظتها الراهنة وأن أعتمدت على النضال السلمي إلا أنها لن تتمكن من الإحتفاظ بهذه الاستراتيجية طويلا أن ظل الحال على ما هو عليه، فالقوى المشكلة للحراك مشتتة ومتنافسة ولا تمتلك بنية تنظيمية لتحويل النشاط إلى حزم من القوة المفيدة والرشيدة والضاغطة لتحقيق مصالح الفاعلين.
أن هذا الحيز الجغرافي في اللحظة التاريخية الراهنة يعيش حالة قلق وصراع عميق بين تكويناته الموجودة في السلطة الحاكمة وخارجها، والأخطر بين تكويناته التي خارج السلطة وهي تبحث عن وجودها وفي وعيها صراعات التاريخ.
ما يمنح الحراك فاعلية هو أخطاء السلطة وعقم سياساتها والأهم من ذلك الفقر والبطالة والزعامات الباحثة عن كينونتها في جغرافيا مفرغة من الموارد المنتجة للقوة، لذا فإن اتجاهها نحو التحدي والمواجهة بحاجة إلى مورد خارجي ليدعم قوتها، ولأن الداعم الخارجي ضعيف ويستند على ارسال مبالغ بسيطة غير كافية لإدارة معركة كبرى، لذا فإن الشعار السلمي يظل ضرورة لا نتاج قناعة، كما أن حالات العنف في هذه اللحظة هي استجابة لرغبة الممول الذي يعتقد أن الضحايا وقود لتحفيز الانتقام المتبادل وتوسيع دائرة العنف وبالتالي لفت انتباه الخارج، وهو وأن كان يدرك واقع الجغرافيا السياسية والمصالح المهيمنة على اللعبة في الداخل والخارج إلا أنه يرى أن الدماء هي الأكثرة إثارة.
المنطقة الجغرافية التي يتحرك فيها دعاة الانعزال بمواردها المحدودة محاصرة بكثافة سكانية فقيرة وجائعة في المحافظات القريبة منها والطرفين يروا في عدن وحضرموت مخرج لختناقهما، لذا فالصراع الحالي لن يكون بين الأقلية المحتكرة للثروة والسلطة بل وأيضا بين قوى شعبية فقيرة وجائعة ومخنوقة في مجالها الجغرافي وتشكل عدن وحضرموت مجال حيوي لهما، بما يعني أن الصراع الحالي وأن كانت الأقلية هي التي تديره إلا أنه سيجري في حالة تفجره بين قوى حربية قبلية تتنازع على الموارد المحدودة في المجال الجغرافي للجنوب، وهذه الآلية أن لم يتم فهمها ووضع آليات واضحة للتنافس فإنها قد تقود إلى عنف مدمر لصالح أقلية مهيمنة في الشمال والجنوب والضحايا الجغرافيا السكانية المقاتلة الباحثة عن الغنيمة استنادا على القوة المسلحة.
والمرقب لحركات التمرد في العالم سيلاحظ أنها تحقق النجاح في نزاعها مع السلطة إذا أمتلكت موارد داخلية أو خارجية لكي تستمر ويطول أمد نضالها في مواجهة السلطات، لذا وكما ينطق الواقع فإن جغرافيا الريف الذي يستند عليه الحراك لا يمتلك المورد الذي يدعم نضاله الطويل أما في حال اتجه إلى العنف فمن السهولة أن يحاصر ويقمع بضربات صادمة ومرعبة، والخوف الوحيد الذي يدفع القوى الخارجية للحد من إطلاق يد الدولة هو الخوف من في حالة ضربها بحزم وصرامة مؤلمة ان تتجه بعض قطاعات الحراك خصوصا الشابة إلى القاعدة، والتي ستتمكن بفعل مواردها وعقائدها وأمتدادها الخارجي ان تخترق الجغرافيا البائسة وتحولها إلى موطن انتحاري في مواجهة الأعداء، ناهيك عن تمكنها من تصدير الارهاب المرعب من الجغرافيا البائسة لتصل بها إلى أطراف العالم.
هناك مسألة مهمة ربما لا ينتبه إليها الكثير وهي أن الصراع الحالي أسهم في رفد المنطقة بريع مادي قادم من الخارج ومن السلطة وهذا حقق ارباح لأقلية لذا لا يمكنها أن تتخلى عن النزاع لأنها ستفقد مصالحها، الجماهير في الغالب الاعم كما يؤكد جستاف لوبن في كتابه الرائع سيكيولوجية الجماهير عادة ما تستجيب لأي خطاب تعبوي وهي لاعقلانية وعاطفية وترضخ لخطابات القادة كالاغنام بل بأمكان أي قائد محترف أن يتحكم فيها ويقودها الى حتفها وهي راضية.
الشيء الأكثر أهمية أن واقع الحراك واتجاهاته نحو خطاب الفوضى والعنف والمؤسس على العنصرية الجغرافية والمنادية بالانفصال أو فك الارتباط لم يعدّ حاجة لجغرافية الريف الفقيرة والمنهكة والمبعدة من حديقة الغنائم السلطوية والمنتهكة حقوقها فحسب، بل أنه أصبح مفيدا لدرجة قد لا يصدقها البعض لقوى الفساد الانتهازية في بنية النظام الحاكم، كما أنه تحول في حالات الصراع على السلطة بين مراكز القوى إلى ضرورة وحاجة مهددة للجميع يساعدها على تخفيف التوتر وبناء تماسك يساعدها على مواجهة التحديات المهددة لمصالحها، كما أنه يقدم خدمة كبيرة للقوى المستفيدة من اقتصاد الحروب سواء كانت عسكرية أو سياسية أو تجارية أو عصابات اجرامية مافوية، ناهيك عن تحوله إلى قوة ضاغطة لدى التيار الديني القبلي الساعي بقوة وجراءة لاقتناص العرش.
لن نتعمق كثيرا وسنحاول في مقالات قادمة أن نفصل ونتوسع لكن يظل السؤال الملح:
مالعمل لإخراج الحراك من أزمته الراهنة؟
كانت الضربة القاصمة للحراك عندما حولته الاقلية الانتهازية في السلطة والمعارضة الداخلية والخارجية إلى خنجر مسموم في قلب الحزب الاشتراكي، وتمكنت تلك القوى نتيجة إدراكها ان قوة الحراك وحيوتية هي في امتلاكه أداة وطنية شرعية لأن قوة الحراك كانت ستتجسد فيها وتمتد في ارجاء الارض اليمنية، ووضع كهذا لن يخدم القوة الانانية المهمومة بمصالحها بل سيخدم البسطاء والمصالح الجنوبية والوطنية، كما أن توحيد الأداة كان كفيلا بتحويل الحزب الى قوة وطنية شاملة قادرة على ممارسة الضغوط لإحداث تحولات لصالح بناء دولة العدالة والمساواة وكان ذلك كفيل بمنح الحزب الثقة بحيث يدافع عن مشروعة الحضاري التنويري وهذا يتناقض مع القوى الدينية والقبلية ومع لوبي الفساد.
كما أن المعارضة الخارجية تخلت عن الحزب بعد ان ورطته في معارك تتناقض مع تاريخه وعقائده السياسية الوطنية، وخنقته من بداية الوحدة باستراتيجيات انهكته وجعلته فريسه للآخرين، وهي بعد أن مزقت الحزب بغبائها لا يمكنها ان تسمح للحزب أن يكون هو القوة الفاعلة في الواقع لذا فإن عزله كانت مهمة استراتيجية حتى تحل محله، وكانت الفكرة الانعزالية المتحيزة للجغرافيا هي المحور التي جعلت من الحزب متحيز لتاريخية وللعقلانية لا للمزاج الغاضب المستند على وعي متخلف، فالحزب قوة تنويرية لا يمكنها أن تصارع من أجل التخلف لأنها تبحث عن تقدم نهضوي منحاز للانسان لا للقبلية الغبية بأي شكل تجلت.
حتى لا أطيل عليكم أن الواقع الحالي وطبيعة القوى الحالية في الساحة تتطلب أن يتم التعامل مع الواقع كما هو، وأنقاذ الحراك بحاجة الى امتلاكه المشروع والاداءةـ مشروع مؤسس على المشروع الوطني الذي اسست له الثورة اليمنية والاداءة الشرعية التي تمكنه من تكتيل نفسه وتحويل فاعليته الى حزمة من القوة معبر عنها بمشروع يمثل السياسات الواجب النضال من أجلها لتحقيق الاهداف.
ولأن تشكيل الاداءة يحتاج الى وقت طويل فإني هنا سأطرح وجهة نظري واريد ان يتم مناقشتها بهدوء استنادا على حسابات عقلية دقيقية، تحدث الرئيس صالح بوضوح في خطابه في الذكرى العشرين للوحدة اليمنية وقال أنه لابد من معالجة ما حدث في 93م وضرورة تجاوز الماضي بتجاوز مأساة حرب 94م وأكد ان الحزب الاشتراكي هو الشريك الاساسي، بل واعترف بمعارضة الخارج، وهذا الاتجاه داخل النظام يمثل توجه أقلية متنورة ونتاج لضغوط خارجية وهو حاجة وطنية ملحة، وببركة الحراك، المطلوب من وجهة نظري وباختصار أن يعيد الحراك ترتيب اوراقة ويعيد قراءة مصالحة من خلال مشروع الحزب الاشتراكي، أن فعل كهذا هو المدخل الأكثر جدوى لحل مسألة الشراكة في السلطة في المستقبل المنظور وأن تم حسم هذه الشراكة لصالح المدنية ودولة القانون وتوزيعها وفق معايير انتقاليه تمنح الجنوب النصيب الذي يستحقه من خلال الاحزاب الوطنية، فإن شراكة الثروة ستحل لاحقا، المسألة بحاجة إلى دراسة، صحيح ان جزء من الحراك سيرفض، على العقلاء والواقعيين ان يفحصوا المسألة ويفتحوا قنوات للحوار بين انفسهم ومع الحزب والسلطة.
أن قرار كهذا سيجعلنا نعلن عرس الدولة المدنية القادمة، لندرس التجربة الماضية، ان التشدد والتطرف لا يولد إلا الخسران، ليستفيد الحزب من أخطائه السابقة، وليدرس الحراك وضعه وسيجد أن المستقبل ممتلئ بالخير ان تم التعامل مع الواقع بالمنطق والعقل وبناء قراراته على دراسات لا أوهام التنظيرات المسكونة بالماضي ومرارة الهزيمة...
بادئ ذي بدأ يتركز الحراك الفاعل والنشط في حيز جغرافي ضيق في الجنوب، وهذا لا يعني أنه لا يوجد تعاطف على أمتداد الجنوب للحراك، إلا أن الشيء الذي يجب الانتباه له أن التعاطف مؤسس على الظلم الذي انتجه الواقع بمعنى أنه نتاج لسياسات سلطوية ظالمة ورغبة جامحة في التغيير لصالح دولة القانون، وهذا التعاطف من جانب آخر يشوبه الخوف والرعب من زحف الريف على المدينة، وكلما تاه الحراك في الفراغ نتيجة فقدان المشروع ونتيجة تحول بعض أطرافه نحو العنف زادت مخاوف المدينة والصحراء الهادئة التي تخفي في احشائها الذهب الأسود.
الجغرافيا الفاعلة والتي تمد الحراك بالحياة في الضالع وردفان وامتدادها إلى جزء من أبين وشبوة هي جغرافيا فقيرة ومواردها نادرة وأهميتها الاستراتيجية مع الوحدة أصبحت ضعيفة وهامشية، من ناحية تاريخية اعتمدت هذه الجغرافيا على الريع من خارجها أما بالاستيلاء على الدولة أو بالدعم الخارجي أو من خلال الهجرة، ولأن الفاعلين في تاريخها القريب أعتمدوا كليا على الدولة وعاشت كطفيليات مقاتلة في بنية الدولة فقد أدى خروجها من الدولة إلى أنهاكها بالكامل، لذا فمن الطبيعي أن تتجه نحو السيف لتكسب عيشها، وهي في لحظتها الراهنة وأن أعتمدت على النضال السلمي إلا أنها لن تتمكن من الإحتفاظ بهذه الاستراتيجية طويلا أن ظل الحال على ما هو عليه، فالقوى المشكلة للحراك مشتتة ومتنافسة ولا تمتلك بنية تنظيمية لتحويل النشاط إلى حزم من القوة المفيدة والرشيدة والضاغطة لتحقيق مصالح الفاعلين.
أن هذا الحيز الجغرافي في اللحظة التاريخية الراهنة يعيش حالة قلق وصراع عميق بين تكويناته الموجودة في السلطة الحاكمة وخارجها، والأخطر بين تكويناته التي خارج السلطة وهي تبحث عن وجودها وفي وعيها صراعات التاريخ.
ما يمنح الحراك فاعلية هو أخطاء السلطة وعقم سياساتها والأهم من ذلك الفقر والبطالة والزعامات الباحثة عن كينونتها في جغرافيا مفرغة من الموارد المنتجة للقوة، لذا فإن اتجاهها نحو التحدي والمواجهة بحاجة إلى مورد خارجي ليدعم قوتها، ولأن الداعم الخارجي ضعيف ويستند على ارسال مبالغ بسيطة غير كافية لإدارة معركة كبرى، لذا فإن الشعار السلمي يظل ضرورة لا نتاج قناعة، كما أن حالات العنف في هذه اللحظة هي استجابة لرغبة الممول الذي يعتقد أن الضحايا وقود لتحفيز الانتقام المتبادل وتوسيع دائرة العنف وبالتالي لفت انتباه الخارج، وهو وأن كان يدرك واقع الجغرافيا السياسية والمصالح المهيمنة على اللعبة في الداخل والخارج إلا أنه يرى أن الدماء هي الأكثرة إثارة.
المنطقة الجغرافية التي يتحرك فيها دعاة الانعزال بمواردها المحدودة محاصرة بكثافة سكانية فقيرة وجائعة في المحافظات القريبة منها والطرفين يروا في عدن وحضرموت مخرج لختناقهما، لذا فالصراع الحالي لن يكون بين الأقلية المحتكرة للثروة والسلطة بل وأيضا بين قوى شعبية فقيرة وجائعة ومخنوقة في مجالها الجغرافي وتشكل عدن وحضرموت مجال حيوي لهما، بما يعني أن الصراع الحالي وأن كانت الأقلية هي التي تديره إلا أنه سيجري في حالة تفجره بين قوى حربية قبلية تتنازع على الموارد المحدودة في المجال الجغرافي للجنوب، وهذه الآلية أن لم يتم فهمها ووضع آليات واضحة للتنافس فإنها قد تقود إلى عنف مدمر لصالح أقلية مهيمنة في الشمال والجنوب والضحايا الجغرافيا السكانية المقاتلة الباحثة عن الغنيمة استنادا على القوة المسلحة.
والمرقب لحركات التمرد في العالم سيلاحظ أنها تحقق النجاح في نزاعها مع السلطة إذا أمتلكت موارد داخلية أو خارجية لكي تستمر ويطول أمد نضالها في مواجهة السلطات، لذا وكما ينطق الواقع فإن جغرافيا الريف الذي يستند عليه الحراك لا يمتلك المورد الذي يدعم نضاله الطويل أما في حال اتجه إلى العنف فمن السهولة أن يحاصر ويقمع بضربات صادمة ومرعبة، والخوف الوحيد الذي يدفع القوى الخارجية للحد من إطلاق يد الدولة هو الخوف من في حالة ضربها بحزم وصرامة مؤلمة ان تتجه بعض قطاعات الحراك خصوصا الشابة إلى القاعدة، والتي ستتمكن بفعل مواردها وعقائدها وأمتدادها الخارجي ان تخترق الجغرافيا البائسة وتحولها إلى موطن انتحاري في مواجهة الأعداء، ناهيك عن تمكنها من تصدير الارهاب المرعب من الجغرافيا البائسة لتصل بها إلى أطراف العالم.
هناك مسألة مهمة ربما لا ينتبه إليها الكثير وهي أن الصراع الحالي أسهم في رفد المنطقة بريع مادي قادم من الخارج ومن السلطة وهذا حقق ارباح لأقلية لذا لا يمكنها أن تتخلى عن النزاع لأنها ستفقد مصالحها، الجماهير في الغالب الاعم كما يؤكد جستاف لوبن في كتابه الرائع سيكيولوجية الجماهير عادة ما تستجيب لأي خطاب تعبوي وهي لاعقلانية وعاطفية وترضخ لخطابات القادة كالاغنام بل بأمكان أي قائد محترف أن يتحكم فيها ويقودها الى حتفها وهي راضية.
الشيء الأكثر أهمية أن واقع الحراك واتجاهاته نحو خطاب الفوضى والعنف والمؤسس على العنصرية الجغرافية والمنادية بالانفصال أو فك الارتباط لم يعدّ حاجة لجغرافية الريف الفقيرة والمنهكة والمبعدة من حديقة الغنائم السلطوية والمنتهكة حقوقها فحسب، بل أنه أصبح مفيدا لدرجة قد لا يصدقها البعض لقوى الفساد الانتهازية في بنية النظام الحاكم، كما أنه تحول في حالات الصراع على السلطة بين مراكز القوى إلى ضرورة وحاجة مهددة للجميع يساعدها على تخفيف التوتر وبناء تماسك يساعدها على مواجهة التحديات المهددة لمصالحها، كما أنه يقدم خدمة كبيرة للقوى المستفيدة من اقتصاد الحروب سواء كانت عسكرية أو سياسية أو تجارية أو عصابات اجرامية مافوية، ناهيك عن تحوله إلى قوة ضاغطة لدى التيار الديني القبلي الساعي بقوة وجراءة لاقتناص العرش.
لن نتعمق كثيرا وسنحاول في مقالات قادمة أن نفصل ونتوسع لكن يظل السؤال الملح:
مالعمل لإخراج الحراك من أزمته الراهنة؟
كانت الضربة القاصمة للحراك عندما حولته الاقلية الانتهازية في السلطة والمعارضة الداخلية والخارجية إلى خنجر مسموم في قلب الحزب الاشتراكي، وتمكنت تلك القوى نتيجة إدراكها ان قوة الحراك وحيوتية هي في امتلاكه أداة وطنية شرعية لأن قوة الحراك كانت ستتجسد فيها وتمتد في ارجاء الارض اليمنية، ووضع كهذا لن يخدم القوة الانانية المهمومة بمصالحها بل سيخدم البسطاء والمصالح الجنوبية والوطنية، كما أن توحيد الأداة كان كفيلا بتحويل الحزب الى قوة وطنية شاملة قادرة على ممارسة الضغوط لإحداث تحولات لصالح بناء دولة العدالة والمساواة وكان ذلك كفيل بمنح الحزب الثقة بحيث يدافع عن مشروعة الحضاري التنويري وهذا يتناقض مع القوى الدينية والقبلية ومع لوبي الفساد.
كما أن المعارضة الخارجية تخلت عن الحزب بعد ان ورطته في معارك تتناقض مع تاريخه وعقائده السياسية الوطنية، وخنقته من بداية الوحدة باستراتيجيات انهكته وجعلته فريسه للآخرين، وهي بعد أن مزقت الحزب بغبائها لا يمكنها ان تسمح للحزب أن يكون هو القوة الفاعلة في الواقع لذا فإن عزله كانت مهمة استراتيجية حتى تحل محله، وكانت الفكرة الانعزالية المتحيزة للجغرافيا هي المحور التي جعلت من الحزب متحيز لتاريخية وللعقلانية لا للمزاج الغاضب المستند على وعي متخلف، فالحزب قوة تنويرية لا يمكنها أن تصارع من أجل التخلف لأنها تبحث عن تقدم نهضوي منحاز للانسان لا للقبلية الغبية بأي شكل تجلت.
حتى لا أطيل عليكم أن الواقع الحالي وطبيعة القوى الحالية في الساحة تتطلب أن يتم التعامل مع الواقع كما هو، وأنقاذ الحراك بحاجة الى امتلاكه المشروع والاداءةـ مشروع مؤسس على المشروع الوطني الذي اسست له الثورة اليمنية والاداءة الشرعية التي تمكنه من تكتيل نفسه وتحويل فاعليته الى حزمة من القوة معبر عنها بمشروع يمثل السياسات الواجب النضال من أجلها لتحقيق الاهداف.
ولأن تشكيل الاداءة يحتاج الى وقت طويل فإني هنا سأطرح وجهة نظري واريد ان يتم مناقشتها بهدوء استنادا على حسابات عقلية دقيقية، تحدث الرئيس صالح بوضوح في خطابه في الذكرى العشرين للوحدة اليمنية وقال أنه لابد من معالجة ما حدث في 93م وضرورة تجاوز الماضي بتجاوز مأساة حرب 94م وأكد ان الحزب الاشتراكي هو الشريك الاساسي، بل واعترف بمعارضة الخارج، وهذا الاتجاه داخل النظام يمثل توجه أقلية متنورة ونتاج لضغوط خارجية وهو حاجة وطنية ملحة، وببركة الحراك، المطلوب من وجهة نظري وباختصار أن يعيد الحراك ترتيب اوراقة ويعيد قراءة مصالحة من خلال مشروع الحزب الاشتراكي، أن فعل كهذا هو المدخل الأكثر جدوى لحل مسألة الشراكة في السلطة في المستقبل المنظور وأن تم حسم هذه الشراكة لصالح المدنية ودولة القانون وتوزيعها وفق معايير انتقاليه تمنح الجنوب النصيب الذي يستحقه من خلال الاحزاب الوطنية، فإن شراكة الثروة ستحل لاحقا، المسألة بحاجة إلى دراسة، صحيح ان جزء من الحراك سيرفض، على العقلاء والواقعيين ان يفحصوا المسألة ويفتحوا قنوات للحوار بين انفسهم ومع الحزب والسلطة.
أن قرار كهذا سيجعلنا نعلن عرس الدولة المدنية القادمة، لندرس التجربة الماضية، ان التشدد والتطرف لا يولد إلا الخسران، ليستفيد الحزب من أخطائه السابقة، وليدرس الحراك وضعه وسيجد أن المستقبل ممتلئ بالخير ان تم التعامل مع الواقع بالمنطق والعقل وبناء قراراته على دراسات لا أوهام التنظيرات المسكونة بالماضي ومرارة الهزيمة...