- الأحد مايو 30, 2010 9:39 pm
#27615
بسم الله الرحمن الرحيم
وحدانية السلطة السياسية ووحدانية القوة
ألبرت اينشتاين عالم الفيزياء الشهير قال ذات مرة أن موضوع السياسة أكثر صعوبة من الفيزياء، ولقد كان محقاً في قوله ليس لأن السياسة تتطلب ذكاء وفهماً أكبر، ولكنها تتطلب فهم الناس الأقل تجانساً واتساقاً في سلوكهم من الذرة، وإن كل إنسان له إرادته ونمط تفكيره والذي يمكن أن يلخص بكلمة واحدة: الروح.
هذا الفهم وهذه النظرة للسياسة هي التي جعلت منها فناً أكثر منها علماً، ومع ذلك لم يمنع هذا من تواصل البحث والدراسة الموضوعية للظواهر السياسية، وفي مقدمتها السلطة. ففي قلب السياسة تكمن مشكلة كيف يمكن للأفراد أن يحققوا رغباتهم وتوقعاتهم في ظل ظروف القدرة النسبية حيث يكون للموارد المحدودة استخدامات بديلة.
هذه الحقيقة طبقت عبر التاريخ بغض النظر عن شكل الحكومة أو المستوى الاقتصادي والتكنولوجي.
ومن خلال هذا الإطار الأساس للعلاقات الإنسانية، سعى الأفراد للحصول على القوة ليتخذوا على ما يعتقدون – خطأ أم صواب – أفضل القرارات لإنجازها، فأولئك الذين يمارسون السلطة يقومون بذلك اعتقادا منهم بأنهم يملكون وسائل القسر المادية أو إن سلطتهم مقبولة من قبل المحكومين، وفي كل الأحوال مطلوب منهم أن يبرروا قراراتهم حتى يكتسبوا الشرعية والقبول.
وهكذا فان السياسة ليست هي الحكومة أو الانتخابات، بل إنها ذات طبيعة كلية تمس كل مظاهر حياتنا اليومية.
ومادام الأمر هكذا ما هي السلطة السياسية، وكيف تمارس مهامها؟
وكيف يمكننا أن نرشد قراراتنا وسياساتنا؟
في البداية يجب التأكيد أن السلطة ليست هي القوة، فالقوة هي ممارسة لأساليب الإكراه المادية بشكلها المطلق، أما السلطة فهي ممارسة للقوة بطريقة شرعية. ولذلك فان المشكلة التي تواجه الحكام تكمن في كيفية تحويل القوة إلى سلطة؟ فالأخيرة توجد عندما يعترف المحكومين بحق الحكام إصدار الأوامر والقرارات.
السلطة قوة شرعية، والقوة القسرية غير مستقرة، والذين يعيشون بالسيف يموتون به.
وحتى تكون السلطة شرعية ينبغي أن تحظى بقبول المحكومين، وأن تستند في سلطتها على أسس شرعية يقرها ويقبل بها المجتمع، وقد تكون هذه الأسس كما أشار إليها عالم الاجتماع «ماكس ويبر» تقليدية يرتكز فيها الولاء على التقاليد والعادات والدين، وقد تكون (كاريزمية) تستند على سمات وصفات خارقة. ولا نقصد هنا أن السمات (الكاريزمية) هي صفات فطرية خاصة بالقادة.
فالقائد الكاريزمي قد يبرز أوقات الأزمات. والسلطة الكاريزمية قصيرة الأجل مالم يحول الحاكم سلطته الى مؤسسة، وهذه السلطة ممكنه في حالة تحول النظم السياسية من مرحلة إلى أخرى.
وتأتي بعد ذلك السلطة العقلانية وهنا تستند على الكفاءة والقدرة والرشادة، وتكون مستندة إلى حكم القانون والدستور. هنا تستند السلطة على القانون أكثر منها على الأفراد. فنحن نلتزم بالقانون ليس خوفاً من العقاب أو التقاليد، ولكن بسبب الاقتناع أن هذا القانون ضروري لاستقرار المجتمع وتماسكه وحمايته.
والسلطة السياسية بهذا المعنى كلية لا تقبل التجزئة. وتستند على الشرعية المجتمعية, وألا تحولت إلى القوة.
ولا تنشأ السلطة السياسية من فراغ، منها من ناحية حاجة مجتمعية، ومن ثانية انعكاس لطبيعة القوى الاجتماعية وتطورها في المجتمع.
ويعتمد هيكل السلطة على طبيعة الإيديولوجية السائدة، وطبيعة القوى الاجتماعية المختلفة، ويعكس مستوى الإجماع السياسي الذي يصل إليه المجتمع العلاقة بين مؤسساته السياسية والقوى المختلفة فيه. والقوة الاجتماعية قد تكون دينية أو إقليمية أو اقتصادية أو عرقية.
أما التنظيم السياسي فهو ترتيب من أجل المحافظة على النظام والاستقرار وضبط آلية الصراع بين القوى الاجتماعية، واختيار النخبة والقادة الحاكمة.
وهنا يتفاوت البناء السياسي أو درجة هيكلية السلطة من البساطة إلى درجة عالية من التطور. ويتوقف هذا التفاوت على درجة تطور المجتمع، كلما ازداد المجتمع تعقيدا وكانت عناصره متغايرة، كان إحراز الإجماع السياسي متوقفاً على درجة نمو المؤسسات السياسية ومواكبتها لهذا التغير. وإذا لم يحدث التوافق شهد المجتمع فجوة مؤسساتية قد تنجم عنها مظاهر من الاختلال والعنف المجتمعي . ويفترض التوازن البنائي أو الهيكلي أمرين هامين:
- وحدانية السلطة العامة بما يعني وحدة المسؤولية العامة، ولا يقصد بالوحدانية انتفاء صفة التعددية السياسية تجسيداً لمبدأ الديمقراطية الشعبية، ومبدأ انتشار السلطة، ومع مبدأ الفصل بين السلطات الذي يرتكز على مبدأ التوزيع الوظيفي، وليس على أساس التقسيم البنائي للسلطة.
- تكامل أجهزة السلطة المختلفة وتحقيق الوحدة التنظيمية والتوازن فيما بينها.
هذا وإذا كان التمايز بين المؤسسات السياسية والقوى الاجتماعية ممكنا من الناحية النظرية، إلا أنه من الصعوبة بمكان من الناحية الواقعية، فمن المفروض أن العاملين في النشاط السياسي أعضاء في مجموعة متنوعة من الفئات الاجتماعية.
وعليه فان التطور السياسي في المجتمع يتوقف على مدى انتماء هؤلاء الفاعلين أو العاملين الى المؤسسات السياسية ومدى تطابقهم معها.
وقد يبدو الأمر بسيطاً في المجتمعات البسيطة، أما اذا كان المجتمع متغيراً متمايزاً وأكثر تعقيداً لا تتمكن فيه قوة اجتماعية واحدة من السيطرة، يكون احتمال الاجتماع السياسي أقل إذا لم تقم مؤسسات سياسية ذات كيان مستقل عن القوى الاجتماعية ذاتها.
وكما يقول روسو: «لن يكون الأقوى بالقوة الكافية لكي يكون السيد دائماً، إلا إذا حول القوة إلى حق، الطاعة إلى واجب».
وعليه فان التوافق في الانسجام في المصالح بين الجماعات المختلفة ضروري لتحقيق المتحد السياسي، ويمثل ذلك في الالتفاف حول مبدأ واحد وهدف واحد، وهذا ما أطلق عليه المفكرون والفلاسفة بالمصلحة العامة او المشتركة او الإجماع العام.
لا يكفي وحده توافق في المصالح، بل لا بد من تنظيم سياسي أو مؤسسات سياسية هدفها المحافظة على وحدة المجتمع. وعليه تتوقف قوة المتحد السياسي على قوة مؤسساته السياسية ودرجة مرونتها وتكيفها.
وقبل أن انهي هذه المقالة أود ان ألخصها في عناصر محدودة لعلنا نستفيد منها ونحن نبني مؤسساتنا السياسية وننشد الاستقرار والتطور السياسي.
- إن السياسة شأن عام تمس قراراتها الجوانب الحياتية للمواطن.
- التأكيد على الممارسة المؤسسية للسلطة، حيث أن المؤسسات وتخصصها الوظيفي أمر لا بد منه لتحقيق التنمية السياسية، والتي هي بدورها أساسية لتحقيق التنمية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية.
- ضرورة توافر الأساس القانوني والدستوري للسلطة، واعتماد أسلوب الكفاءة والقدرة في شغل التعيينات السياسية.
- الاستجابة المضطردة للتغيرات المجتمعية وألا تخلف البنيان السياسي للسلطة عن إطاره المجتمعي وابتعد عن التعبير عن الشرعية المجتمعية.
هذه الحقائق السياسية والتي هي محصلة دراسات طويلة للأنظمة السياسية المقارنة، نحن في أشد الحاجة للتأكيد عليها في واقعنا السياسي الذي نرسي أسسه ومقوماته. فكلما كانت عملية التيار قائمة على أسس واضحة وسليمة، كلما حدث التوافق والانسجام بين القوى المجتمعية المختلفة والنسق السياسي، وكلما زادت درجة التوافق والانسجام، كلما زادت درجة التوحد السياسي وتحقق الاستقرار المؤسسي المطلوب لتطور المجتمع بفئاته المختلفة.
بسم الله الرحمن الرحيم
وحدانية السلطة السياسية ووحدانية القوة
ألبرت اينشتاين عالم الفيزياء الشهير قال ذات مرة أن موضوع السياسة أكثر صعوبة من الفيزياء، ولقد كان محقاً في قوله ليس لأن السياسة تتطلب ذكاء وفهماً أكبر، ولكنها تتطلب فهم الناس الأقل تجانساً واتساقاً في سلوكهم من الذرة، وإن كل إنسان له إرادته ونمط تفكيره والذي يمكن أن يلخص بكلمة واحدة: الروح.
هذا الفهم وهذه النظرة للسياسة هي التي جعلت منها فناً أكثر منها علماً، ومع ذلك لم يمنع هذا من تواصل البحث والدراسة الموضوعية للظواهر السياسية، وفي مقدمتها السلطة. ففي قلب السياسة تكمن مشكلة كيف يمكن للأفراد أن يحققوا رغباتهم وتوقعاتهم في ظل ظروف القدرة النسبية حيث يكون للموارد المحدودة استخدامات بديلة.
هذه الحقيقة طبقت عبر التاريخ بغض النظر عن شكل الحكومة أو المستوى الاقتصادي والتكنولوجي.
ومن خلال هذا الإطار الأساس للعلاقات الإنسانية، سعى الأفراد للحصول على القوة ليتخذوا على ما يعتقدون – خطأ أم صواب – أفضل القرارات لإنجازها، فأولئك الذين يمارسون السلطة يقومون بذلك اعتقادا منهم بأنهم يملكون وسائل القسر المادية أو إن سلطتهم مقبولة من قبل المحكومين، وفي كل الأحوال مطلوب منهم أن يبرروا قراراتهم حتى يكتسبوا الشرعية والقبول.
وهكذا فان السياسة ليست هي الحكومة أو الانتخابات، بل إنها ذات طبيعة كلية تمس كل مظاهر حياتنا اليومية.
ومادام الأمر هكذا ما هي السلطة السياسية، وكيف تمارس مهامها؟
وكيف يمكننا أن نرشد قراراتنا وسياساتنا؟
في البداية يجب التأكيد أن السلطة ليست هي القوة، فالقوة هي ممارسة لأساليب الإكراه المادية بشكلها المطلق، أما السلطة فهي ممارسة للقوة بطريقة شرعية. ولذلك فان المشكلة التي تواجه الحكام تكمن في كيفية تحويل القوة إلى سلطة؟ فالأخيرة توجد عندما يعترف المحكومين بحق الحكام إصدار الأوامر والقرارات.
السلطة قوة شرعية، والقوة القسرية غير مستقرة، والذين يعيشون بالسيف يموتون به.
وحتى تكون السلطة شرعية ينبغي أن تحظى بقبول المحكومين، وأن تستند في سلطتها على أسس شرعية يقرها ويقبل بها المجتمع، وقد تكون هذه الأسس كما أشار إليها عالم الاجتماع «ماكس ويبر» تقليدية يرتكز فيها الولاء على التقاليد والعادات والدين، وقد تكون (كاريزمية) تستند على سمات وصفات خارقة. ولا نقصد هنا أن السمات (الكاريزمية) هي صفات فطرية خاصة بالقادة.
فالقائد الكاريزمي قد يبرز أوقات الأزمات. والسلطة الكاريزمية قصيرة الأجل مالم يحول الحاكم سلطته الى مؤسسة، وهذه السلطة ممكنه في حالة تحول النظم السياسية من مرحلة إلى أخرى.
وتأتي بعد ذلك السلطة العقلانية وهنا تستند على الكفاءة والقدرة والرشادة، وتكون مستندة إلى حكم القانون والدستور. هنا تستند السلطة على القانون أكثر منها على الأفراد. فنحن نلتزم بالقانون ليس خوفاً من العقاب أو التقاليد، ولكن بسبب الاقتناع أن هذا القانون ضروري لاستقرار المجتمع وتماسكه وحمايته.
والسلطة السياسية بهذا المعنى كلية لا تقبل التجزئة. وتستند على الشرعية المجتمعية, وألا تحولت إلى القوة.
ولا تنشأ السلطة السياسية من فراغ، منها من ناحية حاجة مجتمعية، ومن ثانية انعكاس لطبيعة القوى الاجتماعية وتطورها في المجتمع.
ويعتمد هيكل السلطة على طبيعة الإيديولوجية السائدة، وطبيعة القوى الاجتماعية المختلفة، ويعكس مستوى الإجماع السياسي الذي يصل إليه المجتمع العلاقة بين مؤسساته السياسية والقوى المختلفة فيه. والقوة الاجتماعية قد تكون دينية أو إقليمية أو اقتصادية أو عرقية.
أما التنظيم السياسي فهو ترتيب من أجل المحافظة على النظام والاستقرار وضبط آلية الصراع بين القوى الاجتماعية، واختيار النخبة والقادة الحاكمة.
وهنا يتفاوت البناء السياسي أو درجة هيكلية السلطة من البساطة إلى درجة عالية من التطور. ويتوقف هذا التفاوت على درجة تطور المجتمع، كلما ازداد المجتمع تعقيدا وكانت عناصره متغايرة، كان إحراز الإجماع السياسي متوقفاً على درجة نمو المؤسسات السياسية ومواكبتها لهذا التغير. وإذا لم يحدث التوافق شهد المجتمع فجوة مؤسساتية قد تنجم عنها مظاهر من الاختلال والعنف المجتمعي . ويفترض التوازن البنائي أو الهيكلي أمرين هامين:
- وحدانية السلطة العامة بما يعني وحدة المسؤولية العامة، ولا يقصد بالوحدانية انتفاء صفة التعددية السياسية تجسيداً لمبدأ الديمقراطية الشعبية، ومبدأ انتشار السلطة، ومع مبدأ الفصل بين السلطات الذي يرتكز على مبدأ التوزيع الوظيفي، وليس على أساس التقسيم البنائي للسلطة.
- تكامل أجهزة السلطة المختلفة وتحقيق الوحدة التنظيمية والتوازن فيما بينها.
هذا وإذا كان التمايز بين المؤسسات السياسية والقوى الاجتماعية ممكنا من الناحية النظرية، إلا أنه من الصعوبة بمكان من الناحية الواقعية، فمن المفروض أن العاملين في النشاط السياسي أعضاء في مجموعة متنوعة من الفئات الاجتماعية.
وعليه فان التطور السياسي في المجتمع يتوقف على مدى انتماء هؤلاء الفاعلين أو العاملين الى المؤسسات السياسية ومدى تطابقهم معها.
وقد يبدو الأمر بسيطاً في المجتمعات البسيطة، أما اذا كان المجتمع متغيراً متمايزاً وأكثر تعقيداً لا تتمكن فيه قوة اجتماعية واحدة من السيطرة، يكون احتمال الاجتماع السياسي أقل إذا لم تقم مؤسسات سياسية ذات كيان مستقل عن القوى الاجتماعية ذاتها.
وكما يقول روسو: «لن يكون الأقوى بالقوة الكافية لكي يكون السيد دائماً، إلا إذا حول القوة إلى حق، الطاعة إلى واجب».
وعليه فان التوافق في الانسجام في المصالح بين الجماعات المختلفة ضروري لتحقيق المتحد السياسي، ويمثل ذلك في الالتفاف حول مبدأ واحد وهدف واحد، وهذا ما أطلق عليه المفكرون والفلاسفة بالمصلحة العامة او المشتركة او الإجماع العام.
لا يكفي وحده توافق في المصالح، بل لا بد من تنظيم سياسي أو مؤسسات سياسية هدفها المحافظة على وحدة المجتمع. وعليه تتوقف قوة المتحد السياسي على قوة مؤسساته السياسية ودرجة مرونتها وتكيفها.
وقبل أن انهي هذه المقالة أود ان ألخصها في عناصر محدودة لعلنا نستفيد منها ونحن نبني مؤسساتنا السياسية وننشد الاستقرار والتطور السياسي.
- إن السياسة شأن عام تمس قراراتها الجوانب الحياتية للمواطن.
- التأكيد على الممارسة المؤسسية للسلطة، حيث أن المؤسسات وتخصصها الوظيفي أمر لا بد منه لتحقيق التنمية السياسية، والتي هي بدورها أساسية لتحقيق التنمية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية.
- ضرورة توافر الأساس القانوني والدستوري للسلطة، واعتماد أسلوب الكفاءة والقدرة في شغل التعيينات السياسية.
- الاستجابة المضطردة للتغيرات المجتمعية وألا تخلف البنيان السياسي للسلطة عن إطاره المجتمعي وابتعد عن التعبير عن الشرعية المجتمعية.
هذه الحقائق السياسية والتي هي محصلة دراسات طويلة للأنظمة السياسية المقارنة، نحن في أشد الحاجة للتأكيد عليها في واقعنا السياسي الذي نرسي أسسه ومقوماته. فكلما كانت عملية التيار قائمة على أسس واضحة وسليمة، كلما حدث التوافق والانسجام بين القوى المجتمعية المختلفة والنسق السياسي، وكلما زادت درجة التوافق والانسجام، كلما زادت درجة التوحد السياسي وتحقق الاستقرار المؤسسي المطلوب لتطور المجتمع بفئاته المختلفة.