" اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء "
علمي بعاقبة الأيام تكفيني وما قضى الله لا بد يأتيني
"رفعت الأقلام وجفت الصحف"
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً }
{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }
النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي ولده إبراهيم. فاضت عيناه بالدموع...
دموع الرضا بقضاء الله سبحانه ...وقال " إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ "..
لعمر بن الخطاب كلمة مشهورة وهي قاعدة ذهبية في طريقة التعامل مع المصائب والامتحانات:"ما من مصيبة إلا وأحمد الله عليها لأمور:أنها لم تكن في ديني، وأنها أهون من سابقتها، وأن لي الأجر فيها عند الله.."
أكبر مصيبة مصيبة الدين..لأن الذي يفقد الدين..يفقد الدنيا والآخرة..والذي يفقد الدنيا...ليس بالضرورة أن يفقد الآخرة..يا أيها الناس لا تكونوا كفقراء بني إسرائيل ...خسروا الدنيا والآخرة..
أمسك عروة بن الزبير رجله بعد أن قطعت ثم نظر إليها. وقال:اللهم إنك تعلم أني لم أمش بها إلى معصية قط..لم يبك ولم يشك ولم يندب إنما رضي بما قدر الله سبحانه وتعالى في سابق قضائه..
هل أدلك أخي على طريقة تعوِّد بها نفسك على استقبال القضاء والقدر؟..
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ : " اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي " قَالَتْ :إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي وَلَمْ تَعْرِفْهُ فَقِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ لَمْ أَعْرِفْكَ فَقَالَ إ: " إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى " فلا بد أن تعوِّد نفسك على الصبر في الصدمة الأولى..
كيف ذلك؟..
لو وقع من يدك كأس الشاي الفارغ...فاستقْبِلْه بلفظ الحمد لله..لو وقع القلم من يدك فاستقبله بلفظ الحمد لله..لو وقع ولدك أمامك ثم قام يركض فاستقبله بلفظ الحمد لله...وهكذا فكل عمل صغير وطِّن نفسك على أن تستقبله بالحمد لله..فإنها كلمة عظيمة عند الله..تخرج من الشفاه بالألفاظ..فيستقبلها القلب بالرضا..فتتلقفها الملائكة...لتوصلها إلى رب العزة والجبروت..فيسكب السكينة والطمأنينة في قلب قائلها ويعمر قلبه بالإيمان ويجزل له المثوبة والإحسان ..
والأمر الثاني..
تفكَّرْ في عاقبة الأمور واشعر بألطاف الله حول هذه المصيبة إن للحسن بن علي رضي الله عنهما كلمة رائعة في هذا الباب وهي مفتاح الرضا بالقضاء والقدر..وهي قوله: "لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع"..
فالحكيم الخبير.. يسيِّر هذا الكون بتدبير حكيم..فالشكوى والندب والصياح واللطم لا يغير القضاء ولا يشفي المرض ولا يحيي الموتى إنما يزيد المصيبة مصيبة والبلاء بلاءً ..
في إحدى المشافي مريضان مصابان بنفس المرض.. وهما على حافة الموت..
رجل .. في كل نفس ينطق بالحمد لله ورجل في كل نفس يلعن ويسب ويشتم الأطباء والممرضين..في لحظة من اللحظات..كلاهما فارقا الحياة..على هذه الحال..الأول راض ...فله الرضا والثاني ساخط فله السخط..
لقد قالها النبي صلى الله عليه وسلم " إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ" قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ
فمن أي الفريقين أنت ؟
من الراضين ...أصحاب الجنان ؟..
أم من الساخطين أصحاب النيران؟..
وطِّن نفسَك على الرضا، فإن السخط لا يغيِّر القدر ولا يحيي البشر، ولكنه يزيد الذّنب ويغضب الربّ. إن الرضى سرُّ الصبر وسرُّ النصر وسرّ النجاح و سرّ الفلاح من وطّن نفسه عليه أفلح ومن جنّد نفسه له ترقى ومن وضعه نصب عينيه وصل وتذكر أنه ما من كائن إلا وهو كائن إلى يوم القيامة وما من أمر نافد إلا وهو نافد إلى يوم القيامة "قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا "
لا يدفع المرء ما يأتي به القدر ***و في الخطوب إذا فكرت معتبر
فليس ينجي من الأقدار إن نزلت ***رأي وحزم ولا خوف ولا حذر
فاستعمل الصبر في كل الأمور ولا ***تجزع لشيء فعقبى صبرك الظفر
كم مسّنا عسر فصرفه إلا ***له عنا و ولّى بعده يسرُ
لا ييأس المرء من روح الإله ***فما ييأس منه إلا عصبة كفروا
إني لأعلم أن الدهر ذو دول ***و أن يوميه ذا أمن و ذا خطر
قد يسأل أحدهم: إذا كان الله يقدِّر الخير للطائعين والشرَّ للعاصين، فلماذا نرى الكثير من المؤمنين الطائعين وقد ابتُلُوا بمصائب مختلفة، كالمرض أو الفقر أو فَقْدِ الولد وغير ذلك، بينما نرى من العاصين من يغرق في النعيم والخيرات؟ والجواب نسوقه من خلال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:«لا يقضي الله للمؤمن من قضاء إلا كان خيراً له، إن أصابته سرَّاءُ شكر
وكان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاءُ صبر وكان خيراً له،وليس ذلك إلا للمؤمن»(رواه مسلم مرفوعاً)
فالله تعالى إذا أحبَّ عبداً ابتلاه فإذا صبر اجتباه، وكلَّما ازداد صبراً وشكراً ارتقت درجته عند الله. ولا يزال المؤمن بين شكر على النعم وصبر على المحن حتَّى ينال درجة الأبرار والصدِّيقين، قال صلى الله عليه وسلم : «أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء ثمَّ الأمثل فالأمثل.
يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رِقَّة ابتُلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء الإنسان حتَّى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة» (أخرجه الترمذي).
وأيّاً كان قضاء الله تعالى في المؤمن فإنه يرضى به لأنه لا رادَّ لقضائه، فلو اجتمع الناس جميعاً على أن يدفعوا عنه ضُرّاً قد كتبه الله عليه فإنهم لن يردُّوه، ولو اجتمعوا على أن يمنعوا عنه خيراً قدَّره له فإنهم لن يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً.
وقد أُثِر عن الرسول صلى الله عليه وسلم دعاؤه: «اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء » (أخرجه الطبراني عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه )، والرضا أعلى درجة من الصبر.