- الاثنين يونيو 07, 2010 12:28 am
#27695
الاتحاد الأوروبي والديمقراطية
إن أحد السبل التي يستطيع بها الاتحاد الأوروبي على نحو فعّال أن يؤكد القيم الأساسية للديمقراطية وحكم القانون يمر عبر برامج التعاون الخارجي، والتي تمكنه بدعوة من السلطات المحلية من تقديم الدعم في هيئة مشاريع المساعدة الانتخابية وبعثات مراقبة الانتخابات.
وعلى هذا، فقد أرسل الاتحاد الأوروبي خلال عام 2009 بعثات لمراقبة الانتخابات إلى العديد من بلدان العالم، بما في ذلك موزمبيق، وأفغانستان، وغينيا بيساو، ولبنان، وملاوي، وبوليفيا.
وفي هذا الشهر أرسل البرلمان الأوروبي مراقبين إلى الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا.
وفي نهاية كل مهمة، بعد بضعة أيام من انتهاء الانتخابات، يقوم رئيس البعثة، وهو عادة أحد أعضاء البرلمان الأوروبي، بإعداد تقرير أوليّ عن الانتخابات وعن التعامل مع العملية الانتخابية، ثم يعقب ذلك تقرير نهائي بعد بضعة أشهر.
في السادس من ديسمبر الماضي، أعيد انتخاب إيفو موراليس رئيساً لبوليفيا بعد أن حصد أكثر من %60 من الأصوات الشعبية. وفي بيانها الأوليّ ذكرت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي، عضو البرلمان الأوروبي ريناته ويبر، أن العملية الانتخابية تقيدت بصفة عامة بالمعايير الدولية للانتخابات الديمقراطية، وأن اللجنة الانتخابية البوليفية أدت وظيفتها على نحو شفاف وحيادي وكفء.
بيد أن التقرير الأولي اشتمل أيضاً على بعض الانتقادات التي أزعجت الإدارة البوليفية. فقد ذكر التقرير على وجه الخصوص أن الاستقطاب السياسي الحاد في البلاد كان واضحاً إلى حدٍّ كبير في وسائل الإعلام، خاصة محطات التلفاز البوليفية.
والواقع أنه رغم حصول مرشحي المعارضة على مساحة كافية من الظهور على محطات التلفاز والإذاعة الخاصة، فقد لاحظت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي العديد من الحالات؛ حيث تعمدت المحطات التي تسيطر عليها الحكومة تمييز المرشحين البرلمانيين الموالين للحكومة.
على سبيل المثال، خصصت محطة تلفزيون بوليفيا %62.7 من زمن نشراتها الإخبارية لمرشحي الحزب الحاكم، في حين لم تتجاوز حصة مرشحي الأحزاب المعارضة السبعة مجتمعين %37.2. وهذا يُعتبر في نظر ويبر «استغلالاً للدعاية المؤسسية».
وفي اعتقادي أنه من المهم أن ينفذ الاتحاد الأوروبي مثل هذا الرصد في دول من غير البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ولكن ماذا عن الانتخابات في بلدان الاتحاد الأوروبي؟ ألا ينبغي لما يصلح لبلدان خارج الاتحاد الأوروبي أن ينطبق على بلدان الاتحاد ذاته؟
يحضرني هنا البلدان اللذان أنتمي إليهما كمواطن (إيطاليا ومالطا)؛ حيث تحول وضع وسائل الإعلام إلى كارثة مطلقة.
إن الجميع تقريباً على بينة من الموقف في إيطاليا، حيث لا يمتلك رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني محطات التلفاز الثلاث الرئيسة الخاصة فحسب، بل إنه بوصفه رئيساً للحكومة «يدير» بشكل غير مباشر أيضاً اثنتين على الأقل من محطات التلفاز الثلاث المملوكة للدولة.
لقد أصبح استغلال وسائل الإعلام هو العرف اليومي السائد في إيطاليا، ولكن من المؤسف أن الاتحاد الأوروبي، الذي يتصرف انطلاقاً من التزامه بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، يرفض أن ينبس ببنت شفة (يتلفظ بأية كلمة) حول أيٍ من هذا.
والموقف أشد سوءاً في أصغر بلدان الاتحاد الأوروبي، مالطا. فهناك قرر الحزبان السياسيان الوحيدان الممثلان في البرلمان منذ الاستقلال في عام 1964 التعاون معاً من أجل ضمان احتكار حكم القِلة الثنائي لكل ما يدور في البلاد.
فقد عمل الزعماء السياسيون للحزب القومي (الديمقراطي المسيحي) وحزب العمل على استنان القانون الذي يتقاسمان بموجبه أكثر من 200 ألف يورو من أموال الدولة منذ عام 1994.
ولم يكتف الحزبان بذلك، فقد مررا قانوناً في عام 1992 يقضي بمنح كل منهما -مع استبعاد كل الأحزاب الأخرى- محطة تلفاز وطنية.
ومع تعاظم جشع الحزبين يوماً بعد يوم، فقد قررا أن يتقاسما بالتساوي إدارة اللجنة الانتخابية الوطنية والهيئة الوطنية للبث الإذاعي والمرئي.
ولم يتورّع الحزبان عن إدخال التعديلات الدستورية اللازمة لتأمين سلطتهما، حتى إنهما غيرا الدستور ثلاث مرات منذ عام 1987 من أجل ضمان تمتع كل صوت لصالح الحزب الوطني وحزب العمل بثِقَل أكبر مقارنة بالأصوات التي يحصل عليها أي من الأحزاب السياسية الأخرى في البلاد حين يتصل الأمر بترجمة الأصوات إلى مقاعد برلمانية.
كل هذا لا يحدث في بلدٍ ناءٍ منعزلٍ عن الحضارة، بل يحدث في أحد بلدان الاتحاد الأوروبي. متى يتدخل الاتحاد الأوروبي إذاً لمنع هذا التفسخ من الداخل؟
* الأمين العام الأسبق لحزب الخُضر الأوروبي وعضو سابق بالبرلمان الإيطالي
يُنشر بالتنسيق مع «بروجيكت سنديكيت»
إن أحد السبل التي يستطيع بها الاتحاد الأوروبي على نحو فعّال أن يؤكد القيم الأساسية للديمقراطية وحكم القانون يمر عبر برامج التعاون الخارجي، والتي تمكنه بدعوة من السلطات المحلية من تقديم الدعم في هيئة مشاريع المساعدة الانتخابية وبعثات مراقبة الانتخابات.
وعلى هذا، فقد أرسل الاتحاد الأوروبي خلال عام 2009 بعثات لمراقبة الانتخابات إلى العديد من بلدان العالم، بما في ذلك موزمبيق، وأفغانستان، وغينيا بيساو، ولبنان، وملاوي، وبوليفيا.
وفي هذا الشهر أرسل البرلمان الأوروبي مراقبين إلى الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا.
وفي نهاية كل مهمة، بعد بضعة أيام من انتهاء الانتخابات، يقوم رئيس البعثة، وهو عادة أحد أعضاء البرلمان الأوروبي، بإعداد تقرير أوليّ عن الانتخابات وعن التعامل مع العملية الانتخابية، ثم يعقب ذلك تقرير نهائي بعد بضعة أشهر.
في السادس من ديسمبر الماضي، أعيد انتخاب إيفو موراليس رئيساً لبوليفيا بعد أن حصد أكثر من %60 من الأصوات الشعبية. وفي بيانها الأوليّ ذكرت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي، عضو البرلمان الأوروبي ريناته ويبر، أن العملية الانتخابية تقيدت بصفة عامة بالمعايير الدولية للانتخابات الديمقراطية، وأن اللجنة الانتخابية البوليفية أدت وظيفتها على نحو شفاف وحيادي وكفء.
بيد أن التقرير الأولي اشتمل أيضاً على بعض الانتقادات التي أزعجت الإدارة البوليفية. فقد ذكر التقرير على وجه الخصوص أن الاستقطاب السياسي الحاد في البلاد كان واضحاً إلى حدٍّ كبير في وسائل الإعلام، خاصة محطات التلفاز البوليفية.
والواقع أنه رغم حصول مرشحي المعارضة على مساحة كافية من الظهور على محطات التلفاز والإذاعة الخاصة، فقد لاحظت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي العديد من الحالات؛ حيث تعمدت المحطات التي تسيطر عليها الحكومة تمييز المرشحين البرلمانيين الموالين للحكومة.
على سبيل المثال، خصصت محطة تلفزيون بوليفيا %62.7 من زمن نشراتها الإخبارية لمرشحي الحزب الحاكم، في حين لم تتجاوز حصة مرشحي الأحزاب المعارضة السبعة مجتمعين %37.2. وهذا يُعتبر في نظر ويبر «استغلالاً للدعاية المؤسسية».
وفي اعتقادي أنه من المهم أن ينفذ الاتحاد الأوروبي مثل هذا الرصد في دول من غير البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ولكن ماذا عن الانتخابات في بلدان الاتحاد الأوروبي؟ ألا ينبغي لما يصلح لبلدان خارج الاتحاد الأوروبي أن ينطبق على بلدان الاتحاد ذاته؟
يحضرني هنا البلدان اللذان أنتمي إليهما كمواطن (إيطاليا ومالطا)؛ حيث تحول وضع وسائل الإعلام إلى كارثة مطلقة.
إن الجميع تقريباً على بينة من الموقف في إيطاليا، حيث لا يمتلك رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني محطات التلفاز الثلاث الرئيسة الخاصة فحسب، بل إنه بوصفه رئيساً للحكومة «يدير» بشكل غير مباشر أيضاً اثنتين على الأقل من محطات التلفاز الثلاث المملوكة للدولة.
لقد أصبح استغلال وسائل الإعلام هو العرف اليومي السائد في إيطاليا، ولكن من المؤسف أن الاتحاد الأوروبي، الذي يتصرف انطلاقاً من التزامه بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، يرفض أن ينبس ببنت شفة (يتلفظ بأية كلمة) حول أيٍ من هذا.
والموقف أشد سوءاً في أصغر بلدان الاتحاد الأوروبي، مالطا. فهناك قرر الحزبان السياسيان الوحيدان الممثلان في البرلمان منذ الاستقلال في عام 1964 التعاون معاً من أجل ضمان احتكار حكم القِلة الثنائي لكل ما يدور في البلاد.
فقد عمل الزعماء السياسيون للحزب القومي (الديمقراطي المسيحي) وحزب العمل على استنان القانون الذي يتقاسمان بموجبه أكثر من 200 ألف يورو من أموال الدولة منذ عام 1994.
ولم يكتف الحزبان بذلك، فقد مررا قانوناً في عام 1992 يقضي بمنح كل منهما -مع استبعاد كل الأحزاب الأخرى- محطة تلفاز وطنية.
ومع تعاظم جشع الحزبين يوماً بعد يوم، فقد قررا أن يتقاسما بالتساوي إدارة اللجنة الانتخابية الوطنية والهيئة الوطنية للبث الإذاعي والمرئي.
ولم يتورّع الحزبان عن إدخال التعديلات الدستورية اللازمة لتأمين سلطتهما، حتى إنهما غيرا الدستور ثلاث مرات منذ عام 1987 من أجل ضمان تمتع كل صوت لصالح الحزب الوطني وحزب العمل بثِقَل أكبر مقارنة بالأصوات التي يحصل عليها أي من الأحزاب السياسية الأخرى في البلاد حين يتصل الأمر بترجمة الأصوات إلى مقاعد برلمانية.
كل هذا لا يحدث في بلدٍ ناءٍ منعزلٍ عن الحضارة، بل يحدث في أحد بلدان الاتحاد الأوروبي. متى يتدخل الاتحاد الأوروبي إذاً لمنع هذا التفسخ من الداخل؟
* الأمين العام الأسبق لحزب الخُضر الأوروبي وعضو سابق بالبرلمان الإيطالي
يُنشر بالتنسيق مع «بروجيكت سنديكيت»