الأجندة الامريكية في الجزيرة العربية
مرسل: الاثنين يونيو 07, 2010 12:31 am
يُقر هنري كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الاسبق واستاذ العلوم السياسية والمفكر الاستراتيجي الامريكي ذائع الصًّيت في كتابه: «هل تحتاج الولايات المتحدة الى سياسة خارجية؟» ص .187(Does America Need a Foreign Policy?) P. 187 الذي نشرته دار Touchstone في نيويورك ISB noـ 684ـ8557ـ4 نقول يُقر بان اقليم الخليج والجزيرة العربية لا تنطبق عليه مبادئ وودور ويلسون «مؤسسات ديمقراطية وحقوق انسان وحلّ المعضلات الشائكة في الاقليم بالتفاوض» وذلك - يقول كيسنجر - لسبب بسيط وهو انه ليس في الخليج والجزيرة العربية نظم ديمقراطية حسب المفهوم الامريكي للكلمة، وكما يقول في نفس الصفحة: (there are no democracies to defend).
ما يقوله كيسنجر صحيح. اذن لماذا كل هذه ا لجَلَبة الامريكية حول الديمقراطية وحقوق المرأة السياسية في الخليج والجزيرة العربية وحرية التعبير السياسي في الاقليم اذا كانت مبادئ ويلسون Wilsonion Principles لا تنطبق في هذه المنطقة ولا يجعلها كيسنجر مبادئ ينبغي ان تقود وترشيد العمل والتحرك الامريكي في المنطقة؟ لذلك من المهم ان تنتبه الشعوب في شريط النفط الممتد ما بين الكويت ومسقط وتلك الممحنة في يابسة الجزيرة العربية ان الخطاب الامريكي الرسمي حول الديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق المرأة وحرية التعبير هو لخلخلة الاوضاع في الجزيرة العربية ورجّها رجّا سياسياً وثقافياً يفتح امام الامريكان الاقامة الدائمة بطريقة لا تختلف عن اقامتهم في الفلبين وتايوان التي تتعامل معها الادارة الامريكية وكانها مراحيض عامّة وليست دولا Public Lavatory وليس المقصود فعلاً تأسيس نُظم ديمقراطية في المنطقة.
من المهم جدا ان تفهم الادارة الأمريكية انها تستطيع ـ بواسطة آلتها العسكرية الارهابية ـ ان تسقط النظم والقيادات السياسية وان تتحكم بحقول النفط والغاز في المنطقة والاستحواذ عليها وابعاد الاوروبيين والصين وروسيا والهند عنها والتحكم من خلال هذه الحقول بحركة الاقتصاد العالمي والتنمية العالمية، كل هذا تستطيعه الادارة الامريكية، لكن ثمة فضاءات من الصعب ان لم يكن من المستحيل ان تحقق الادارة الامريكية نفس القدر من النجاح فيها وهو فضاء تغيير فهومات الناس والشعوب في الجزيرة العربية: فهومات تتعلق بنظام الولاءات السياسية Loyalties والسلطلة authority والدين religion والتقاليد traditions والتاريخ history وكل هذه المجالات تحتاج لخبرة تاريخية وسياسية لا تملكها الادارة الامريكية باعتراف كيسنجر نفسه اذ يقول في ص 189 من الكتاب نفسه ان الولايات المتحدة تعاني من ازمة كبيرة وهي «كيفية ترجمة انتصاراتها العسكرية الى انتصارات سياسية» (America's Congenital difficulty with translating military Success into political coin) حسب تعبيره.
نحن شعوب الجزيرة العربية لسنا نعيش في كورسيكا وليست مشكلتنا: ننضم الى فرنسا او لا ننضم؟ ولسنا نعيش في اقليم الباسك وليست مشكلتنا: ننضم الى اسبانيا او لا ننضم؟ نحن جزء من امة ممتدة ما بين جاكرتا ونواكشوط تشكل الجزيرة العربية نقطة «المركز» فيها حيث الكعبة المشرفة ومدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثراه الطاهر هناك، وينتظمنا تصور عقائدي وتشريعي واجتماعي وسياسي وثقافي وتاريخي لا اخال الادارة الامريكية قادرة على شطبه من ذاكرتنا ولا يحق لها ان تتوغل في هذا الفضاء تحت اي مسمى كان. باختصار، الجزيرة العربية ليس كما يقول المفكر الاستراتيجي الامريكي لوتواك Edward Luttwak «empty lands ارض فارغة» تنتظر من يملؤها لكنها ارض مزدحمة ـ فعلا ـ بمخزون تاريخي قد ينفجر في اي لحظة وسوف نبحث ـ بإذن الله ـ في الحلقات القادمة عناصر هذا المخزون وآليات تأثيره وفعاليته كحاجز صاد للاجندة الامريكية في الجزيرة العربية.
د/ عبدالله النفيسي
ما يقوله كيسنجر صحيح. اذن لماذا كل هذه ا لجَلَبة الامريكية حول الديمقراطية وحقوق المرأة السياسية في الخليج والجزيرة العربية وحرية التعبير السياسي في الاقليم اذا كانت مبادئ ويلسون Wilsonion Principles لا تنطبق في هذه المنطقة ولا يجعلها كيسنجر مبادئ ينبغي ان تقود وترشيد العمل والتحرك الامريكي في المنطقة؟ لذلك من المهم ان تنتبه الشعوب في شريط النفط الممتد ما بين الكويت ومسقط وتلك الممحنة في يابسة الجزيرة العربية ان الخطاب الامريكي الرسمي حول الديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق المرأة وحرية التعبير هو لخلخلة الاوضاع في الجزيرة العربية ورجّها رجّا سياسياً وثقافياً يفتح امام الامريكان الاقامة الدائمة بطريقة لا تختلف عن اقامتهم في الفلبين وتايوان التي تتعامل معها الادارة الامريكية وكانها مراحيض عامّة وليست دولا Public Lavatory وليس المقصود فعلاً تأسيس نُظم ديمقراطية في المنطقة.
من المهم جدا ان تفهم الادارة الأمريكية انها تستطيع ـ بواسطة آلتها العسكرية الارهابية ـ ان تسقط النظم والقيادات السياسية وان تتحكم بحقول النفط والغاز في المنطقة والاستحواذ عليها وابعاد الاوروبيين والصين وروسيا والهند عنها والتحكم من خلال هذه الحقول بحركة الاقتصاد العالمي والتنمية العالمية، كل هذا تستطيعه الادارة الامريكية، لكن ثمة فضاءات من الصعب ان لم يكن من المستحيل ان تحقق الادارة الامريكية نفس القدر من النجاح فيها وهو فضاء تغيير فهومات الناس والشعوب في الجزيرة العربية: فهومات تتعلق بنظام الولاءات السياسية Loyalties والسلطلة authority والدين religion والتقاليد traditions والتاريخ history وكل هذه المجالات تحتاج لخبرة تاريخية وسياسية لا تملكها الادارة الامريكية باعتراف كيسنجر نفسه اذ يقول في ص 189 من الكتاب نفسه ان الولايات المتحدة تعاني من ازمة كبيرة وهي «كيفية ترجمة انتصاراتها العسكرية الى انتصارات سياسية» (America's Congenital difficulty with translating military Success into political coin) حسب تعبيره.
نحن شعوب الجزيرة العربية لسنا نعيش في كورسيكا وليست مشكلتنا: ننضم الى فرنسا او لا ننضم؟ ولسنا نعيش في اقليم الباسك وليست مشكلتنا: ننضم الى اسبانيا او لا ننضم؟ نحن جزء من امة ممتدة ما بين جاكرتا ونواكشوط تشكل الجزيرة العربية نقطة «المركز» فيها حيث الكعبة المشرفة ومدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثراه الطاهر هناك، وينتظمنا تصور عقائدي وتشريعي واجتماعي وسياسي وثقافي وتاريخي لا اخال الادارة الامريكية قادرة على شطبه من ذاكرتنا ولا يحق لها ان تتوغل في هذا الفضاء تحت اي مسمى كان. باختصار، الجزيرة العربية ليس كما يقول المفكر الاستراتيجي الامريكي لوتواك Edward Luttwak «empty lands ارض فارغة» تنتظر من يملؤها لكنها ارض مزدحمة ـ فعلا ـ بمخزون تاريخي قد ينفجر في اي لحظة وسوف نبحث ـ بإذن الله ـ في الحلقات القادمة عناصر هذا المخزون وآليات تأثيره وفعاليته كحاجز صاد للاجندة الامريكية في الجزيرة العربية.
د/ عبدالله النفيسي