الرحيم ...
في البداية أعتذر لعدم تنزيلي المحاضرات في وقتها وذالك عائداً لظروفي الصحية وظروف متعلقة بمشاكل الأتصال الجهاز ولكن ها أنا أعود بإذن الله لعوض ما فاتني من المحاضرات ولأدونها لكي يستفيد منها الجميع :
المحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاضرة (3 )..
مناهج المعرفة السياسية
_ منهج البحث هو شكل عملية المعرفة ، أو أسلوب الباحث في الوصول إلي حقائق الأشياء المحيطة به في الطبيعة والمجتمع من خلال مجموعة من الإجراءات الذهنية والواقعية التي يستخدمها لهذا الغرض. أو هو كيفية الوصول إلى الحقيقة.
_ هناك مناهج عديدة تستخدم في دراسة عالم السياسة أهمها ثلاثة :
(1) المنهج الفلسفي المثالي : وهو منهج استنباطي وطبقا له تبدأ عملية المعرفة من مقدمات غير واقعية(غالبا) ، ثم عن طريق سلسلة من عمليات الاستنباط أوالتدليل العقلي ينتهي الفيلسوف إلى تقديم تصور لما يجب أن يكون عليه الواقع السياسي (أوالمجتمع)حتى يكون مثاليا فاضلا ، ومن أبرز من استخدموا هذا المنهج أفلاطون اليوناني خصوصا بصدد فكرته عن المدينة الفاضلة ، وأقرب المناهج إليه هو المنهج القانوني المستخدم في دراسة القانون الدولي حيث إن القانون الدولي هو في النهاية مجموعة مبادئ قانونية مثالية تستهدف تحقيق واقع دولي مثالي ، مثل مبدأ حل المنازعات بالطرق السلمية ومبدأ المساواة في السيادة بين الدول ...إلخ..
ويعاب على هذا المنهج عدم الموضوعية لأنه يبدأ من مقدمات غير واقعية ، غير أنه يتميز بالقدرة على تعميم النتائج.
ولهذا المنهج صور عديدة أهمها:
(أ)المنهج الفلسفي المثالي بمقدمات ميتافيزيقية : حيث يبدأ الفيلسوف هنا عملية المعرفة من مقدمات تتعلق بعالم ماوراء الطبيعة (عالم الروح) ،وأبرز المفكرين الذين بدأوا من مقدمات ميتافيزيقية أفلاطون اليوناني.
(ب)المنهج الفلسفي المثالي بمقدمات عقلية حيث يبدأ الفيلسوف هنا من فروض عقلية غير خاضعة للتجريب العلمي ، وأبرز من استخدم هذا المنهج ذا المقدمات العقلية (فلاسفة العقد الاجتماعي توماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسو).
(ج) المنهج الفلسفي المثالي بمقدمات عقائدية حيث يبدأ الفيلسوف من مقدمات تتعلق بعقيدته الدينية ، ومن أمثلة من استخدموا هذا المنهج المفكر المسلم الماوردي حيث بدأ من مقدمات وثيقة الصلة بالقرآن الكريم والسنة.
(2) المنهج الاختباري الصرف( الاستقرائي) : وهو منهج استقرائي يقوم على ملاحظة الواقع السياسي وتسجيل وتبويب البيانات بهدف تقديم صورة وصفية صرفة لهذا الواقع دون تأويل أو تفسير أو تعميم من جانب الباحث، ويستخدم هذا المنهج في دراسات الحالة ،ودراسات المناطق ،وقياسات الرأي العام.
ويتميز هذا المنهج بالموضوعية حيث تبدأ عملية المعرفة من مقدمات واقعية ، ويعاب عليه عدم القدرة على تعميم النتائج.
ومن أبرز مفكري هذا المنهج مكيافيللي الإيطالي.
(3) المنهج العلمي التجريبي : وهو منهج استقرائي استنباطي يقوم على ملاحظة الواقع السياسي والتجريب في شأنه بهدف التفسير والتعميم والتوقع. فهو ملاحظة وتجريب من أجل التفسير والتعميم والتوقع .
الملاحظة : الإدراك الأولي للواقع.
التجريب : تكرار الملاحظة.
التفسير : الوصول إلي الحقيقة .
التعميم : صياغة قانون عام يستفاد به في تفسير الواقع.
التوقع : استشراف المستقبل.
حيث يبدأ الباحث بملاحظة الواقع لكي يصور فرض عمل (فرض أولي) ، ثم يدخل التجريب فإن ثبتت صحة الفرض الأولي يصلح للتفسير ويصير قانونا علميا عاما صالحا للاستعانة به في فهم الواقع السياسي والتوقع في شأنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محــــــــــــــــــــــــــــــــــــاضرة رقم 4
العلوم السياسية
يقصد بالعلوم السياسية مجموعة المعارف التي تعنى بدراسة عالم السياسة (الظواهر السياسية أو الواقع السياسي) على اختلاف مناهجها (من فلسفية و اختبارية وعلمية) ، وعلى تباين انتماءاتها الأصلية .
_ وبناء على ذلك فأي فرع من فروع المعرفة يعالج (أي يدرس) عالم السياسة سواء بصورة كلية أو جزئية أيا كان منهجه أو انتماءه الأصلي يعتبر من العلوم السياسية ، فهناك إذا صنفان من العلوم السياسية كالتالي :
(1) علوم سياسية بحتة: وهي التي تنصب دراستها بالكامل على عالم السياسة دون غيره ، وذلك حال علم السياسة وعلم العلاقات الدولية.
(2) علوم سياسية مساعدة (فرعية): وهي التي ينصب جزء من اهتمامها على دراسة عالم السياسة ،وينصب الجزء الآخر على قطاع آخر يعالجه العلم الأصلي الذي تنتمي إليه ، ومثال ذلك :
- علم الاجتماع السياسي : ينصب جانب من اهتمامه على دراسة عالم السياسة في حين أن انتماءه الأصلي هو لعلم الاجتماع.
- علم الجغرافيا السياسية: ينصب جانب من اهتمامه على دراسة عالم السياسة في حين أن انتماءه الأصلي هو لعلم الجغرافيا.
- علم الإدارة العامة: ينصب جانب من اهتمامه على دراسة عالم السياسة في حين أن انتماءه الأصلي هو لعلم الإدارة.
- التاريخ الدبلوماسي : ينصب جانب من اهتمامه على دراسة عالم السياسة في حين أن انتماءه الأصلي هو للمعرفة التاريخية.
- القانون الدولي ينصب جانب من اهتمامه على دراسة عالم السياسة في حين أن انتماءه الأصلي هو للمعرفة القانونية.
- علم الاقتصاد السياسي : ينصب جانب من اهتمامه على دراسة عالم السياسة في حين أن انتماءه الأصلي هو لعلم الاقتصاد.
- الفلسفة السياسية : ينصب جانب من اهتمامها على دراسة عالم السياسة في حين أن انتماءها الأصلي هو للدراسات الفلسفية .
- علم النفس السياسي : ينصب جانب من اهتمامه على دراسة عالم السياسة في حين أن انتماءه الأصلي هو لعلم النفس. وهكذا.
قائمة اليونسكو للعلوم السياسية
ظهرت قائمة اليونسكو لعام 1948 والتي حدد من خلالها علماء السياسة المجتمعون بباريس أربعة قطاعات لعلم السياسة هي:
1_النظرية السياسية: وتشمل النظرية السياسية وتاريخ الفكر السياسي.
2_النظم السياسية :وتشمل فروعاً مثل الدستور – الإدارة العامة – النظم السياسية المقارنة.
3-الحياة السياسية : وتشمل موضوعات عديدة منها: الأحزاب السياسية وجماعات الضغط السياسي – الرأي العام.
4-العلاقات الدولية: وتشمل : العلاقات السياسية الدولية و السياسة الدولية – التنظيم الدولي – القانون الدولي وغيرها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاضرة رقم 5
علاقة علم السياسة بغيره من العلوم الاجتماعية
أولا:علم السياسة وعلم الاقتصاد
هناك علاقة وطيدة بين علمي السياسة والاقتصاد ناتجة عن التداخل الواضح بين الأوضاع السياسية والاقتصادية ، حيث يوجد تأثير متبادل بينهما ، فمثلا نجد أن هناك علاقة ارتباط بين كيفية توزيع الدخل (وضع اقتصادي) والاستقرار السياسي داخل المجتمع(وضع سياسي). كذلك نجد أن الثورات الكبرى كالثورة الفرنسية(1789) والثورة الروسية(1917) جاءت على إثر أوضاع اقتصادية غير صحية (انتشار الفقر والجوع وعدم عدالة التوزيع). أيضا نجد أن المحرك الأساسي للاستعمار(الذي هو ظاهرة سياسية) كان سعي القوى الاستعمارية الأوربية إلي الحصول على مصادر رخيصة للمواد الخام ، وفتح أسواق جديدة لتصريف منتجاتها الفائضة (عوامل اقتصادية).
أيضا نجد أن هناك علم هجين يهتم بدراسة التأثيرات المتبادلة بين الأوضاع السياسية والأوضاع الاقتصادية هو علم الاقتصاد السياسي.
كذلك فموضوعات الثروة والدخل وأوضاع الطبقة العاملة وسياسات توزيع الدخل والضرائب كلها موضوعات اقتصادية لكنها محل اهتمام علم السياسة في ذات الوقت كم لا ننسى أن السياسات الاقتصادية توضع من جانب الساسة.
ثانيا: علم السياسة وعلم الاجتماع
هناك ارتباط قوي بين علمي السياسة والاجتماع ، ويرجع ذلك إلي الارتباط القوي بين الأوضاع الاجتماعية والأوضاع السياسية للمجتمع ، فمثلا البناء الاجتماعي السليم للمجتمع(طبقة غنية قليلة العدد _ طبقة وسطى ضخمة _ طبقة فقيرة قليلة العدد) ينعكس إيجابيا على الاستقرار السياسي للمجتمع والعكس صحيح ، فالتفاوت الطبقي الحاد (تضخم الطبقة الفقيرة وتآكل الطبقة الوسطى) يؤدي إلي زعزعة الاستقرار السياسي للمجتمع.
كذلك هناك موضوع مثل التنشئة السياسية للفرد هو محل اهتمام مشترك لعلمي السياسة والاجتماع ، فالتنشئة السياسية هي العملية التي من خلالها يكتسب الفرد معارفه وتوجهاته وآرائه وأفكاره السياسية ، وهي عملية تراكمية تتم خلال سنوات عديدة من عمر الفرد ومن خلال مجموعة من المؤسسات الاجتماعية مثل الأسرة والمدرسة ودار العبادة وجماعة الرفاق والجامعة وغيرها.
وارتباطا بما تقدم ظهر علم الاجتماع السياسي كتعبير عن الارتباط بين علمي السياسة والاجتماع، وهو يهتم بدراسة التأثير المتبادل بين الأوضاع السياسة والظروف الاجتماعية للأفراد والجماعات والفئات المجتمعية المختلفة.
ثالثا :علم السياسة وعلم الجغرافيا
هناك علاقة وثيقة ولا شك بين علمي السياسة والجغرافيا ناتجة عن التأثير المتبادل بين الأوضاع الجغرافية والأوضاع السياسية للدول ، حتى أن البعض يقول كتعبير عن ذلك : (إن سياسة الدول هي في جغرافيتها) . ولذلك نشأ فرع من فروع المعرفة يطلق عليه ( الجيوبوليتكس أو الجغرافيا السياسية ) وهو العلم الذي يهتم بدراسة العلاقة بين الجغرافيا والسياسة.
فمثلا يقال إن تكالب الدول الأوربية وخصوصا إنجلترا وفرنسا على احتلال مصر في العهد الاستعماري مرده إلى موقعها الجغرافي الهام وتحكمها في منطقة السويس والتي حفرت فيها منذ عام 1869 القناة المعروفة بقناة السويس التي تربط بين البحرين المتوسط والأحمر.
كذلك هناك تكالب الدول الاستعمارية على احتلال الدول الواقعة على المضايق الدولية لما لها من أهمية إستراتيجية قصوى وذلك مثل مضيق جبل طارق ، ومضيق باب المندب ،ومضيق هرمز ، وغيرها.
رابعا:علم السياسة والأنثربولوجيا
يعرف الأنثربولوجيا بعلم الإنسان ، وهو يهتم بدراسة الأجناس البشرية وتطورها ،لذلك فهو يرتبط بعلم السياسة نظرا لأن الاختلاف بين الأجناس على مر الأزمان كان محركا للصراع السياسي ، من هنا فإن دراسة الأقليات والجماعات العرقية والصراعات العرقية(مثل مشكلة الأكراد في تركيا مثلا) هو محل اهتمام مشترك لعلمي السياسة والأنثربولوجيا ، وكذلك الحال بالنسبة لموضوع التفرقة العنصرية (مثل حالة جنوب أفريقيا حيث استعلاء الأقلية الأوربية البيضاء على الأغلبية السوداء) فهو موضوع طالما انصب عليه اهتمام علماء السياسة كما تناولته الأبحاث الأنثربولوجية.(للحصول على فكرة عن ظاهرة الصراعات العرقية راجع مؤلفي الصراعات العرقية واستقرار العالم المعاصر بالموقع)
#############
خامسا: العلاقة بين علم السياسة والتاريخ
يقدم التاريخ لعالم السياسة سجلا غنيا بالمعلومات والبيانات الخاصة بالواقع السياسي يمكن الإفادة منها في صياغة قواعد علمية عامة تستخدم في فهم وتحليل وتفسير ذلك الواقع ، ومن هنا فالارتباط قوي بين علم السياسة والتاريخ فلا غنى لكليهما عن الآخر ، ولعل خير تعبير عن ذلك مقولة "إن علم السياسة بلا تاريخ هو كنبات بلا جذور والتاريخ بدون علم السياسة هو كنبات بلا ثمر".
ويشار هنا إلي أن هناك فرع من فروع المعرفة يعرف بالتاريخ الدبلوماسي يهتم بدراسة تاريخ العلاقات السياسية الدولية ، وهو بذلك يمثل قاسما مشتركا بين علم السياسة والتاريخ.
سادسا: العلاقة بين علم السياسة والقانون
ثمة روابط عديدة بين علم السياسة والقانون منها:
_ وجود فرع رئيسي من فروع علم السياسة يعتمد في دراسته على المنهج القانوني وهو(النظم السياسية) وهو نفس الفرع الذي يدرسه القانونيون تحت مسمى (القانون الدستوري).
_ القانون الدولي كذلك يعتبر فرعا مشتركا بين المعارف السياسية والقانونية ، حيث ينصب على دراسة العلاقات السياسية الدولية بمنهج قانوني ، مرتبطا بمجموعة من المبادئ المثالية التي تستهدف تحقيق واقع دولي مثالي ، مثل مبدأ حل المنازعات بالطرق السلمية ، ونبذ استخدام القوة في العلاقات الدولية ..وغيرها.
_ موضوع نظرية الدولة هو أيضا من الموضوعات المشتركة التي يهتم بها علماء السياسة وفقهاء القانون ، باعتبار أن الدولة هي مجتمع سياسي يسوده القانون أو كما نقول دائما فالدولة والقانون توأمان.
_ كذلك هناك موضوع على قدر كبير من الأهمية يركز عليه كل من علم السياسة والقانون ألا وهو موضوع (شرعية السلطة) والتي تعني مدى دستورية السلطة ، أي مدى التزامها بالقانون فهي شرعية طالما التزمت بالقانون والعكس صحيح.
وهكذا يتضح من خلال ما تقدم التداخل الكبير بين علم السياسة والقانون.
سابعا: علم السياسة وعلم النفس
يعتبر علم النفس كذلك من العلوم التي تتداخل معرفيا مع علم السياسة ، وهناك فرع مشترك بين العلمين يعرف بعلم النفس السياسي ، وهو يهتم بدراسة تأثير العوامل النفسية على السلوك السياسي للأفراد. فمثلا يقال إن العصبيين (نفسيا) لا يطيقون الجور السياسي ودائما ما يتصف سلوكهم السياسي بالتهور.
وقد حاول البعض تفسير السلوك السياسي لبعض القادة التاريخيين استنادا إلي ظروفهم النفسية ، فمثلا يقال إن السلوك التوسعي العدواني لكل من نابليون وهتلر وموسوليني يرجع إلي عقدة نفسية لديهم أساسها أنهم كانوا قصار القامة، وبالتالي _ حسب هذا الرأي_ فقد انعكست هذه العقدة على سلوكهم السياسي عندما أصبحوا قادة لدولهم فشرعوا في غزو الشعوب الأخرى لإثبات ذواتهم والتخلص من مركب النقص.