صفحة 1 من 1

الازمة السياسية تصيب العراقيين بالاحباط

مرسل: الأربعاء ديسمبر 01, 2010 12:22 pm
بواسطة نجلاء المطيري
حينما عَبرت الدبابات الاميركية في منطقتها السكنية، موقعة الضرر بشوارعها بينما كانت تمزق الامة، فانها بقيت صامدة، ترفض ان تهاجر الى الخارج كما فعل العديد من اصدقائها الاغنياء. وحينما استولى المسلحون على تلك المنطقة السكنية المختلطة في بغداد محولة اياها الى ساحة قتال، فانها ما كانت لتسمح لهم بان يجبروها على مغادرة البلد الذي احبته. وحتى بعد قتلوا زوجها بينما كانت يغادر عمله فانها ناضلت مجترة احزانها للبقاء في العراق، يملؤها الامل في مستقبل افضل.
لكن الجمود السياسي الذي تلا الانتخابات يهدد بعودة العنف وعدم اليقين الى العراق، وهي نفس الظروف التي مرت بها ابتسام حمودي. تلك المهندسة المتقاعدة والناشطة في مجال حقوق المرأة، والبالغة ستة وخمسين عاما من العمر، تخطط للرحيل الى الاردن او سوريا والاقامة فيها في غضون اشهر مصطحبة معها الاموال التي وفرتها ومقتنيات العائلة الثمينة، بالاضافة الى صغرى بناتها الثلاث. تقول: "اعلم ما سيجري. لن يكون بالامكان ان نخرج بنتائج جيدة. انا اعلم ان الامور ستكون هذه المرة اسوأ مما كانت عليه قبلا."
انبثقت الطبقة الوسطى والمثقفة في العراق خلال الشهور الثلاثين الماضية، في ظل التحسن الامني النسبي والنمو الاقتصادي، من بين ظلال الحرب والنفي، تتبختر نساؤها بالتجوال في المدينة بدون غطاء الرأس، او تجول بين مراكز التسوق الجديدة الزاهية. لكنهم بدأوا في التواري الى الظل بعد ان لاحت ملامح التحالفات السياسية بين القوى المختلفة الفائزة بالانتخابات، والتي يدعم بعضها التمرد المسلح.
لقد بدأت الازمة بالفعل في تغيير مزاج البلاد التي كانت ملأى بالامل قبل شهور قليلة. ويقول العراقيون ان ذلك يعود، في اقل تقدير، الى قرب انسحاب القوات الاميركية والتي يخشون ان تترك فراغا من شأنه ان يبقي على الازمة السياسية متقدة لسنوات قادمة. كما ادت سنوات من المعاناة الرهيبة بالعراقيين الى توقع الاسوأ، وان كان ذلك من اجل حماية انفسهم من الشعور بالاحباط، لا اكثر.
يقول وحيد ثاني، البالغ ثلاثة واربعين عاما من العمر ويعمل مهندسا في وزارة الاسكان: "نحن نأمل جميعا في ان لا تعود الامور الى ما كنا نواجهه قبلا. لكن المؤشرات التي نراها تدل على اننا سوف نواجه موقفا سيئا من جديد. نحن متشائمين بسبب الامور التي نراها. لا نهاية للنزاعات، ولا يمكن حلها ابدا."
قبل هذه الازمة، حينما ازدحمت عوائل الطبقة الوسطى في المتنزهات التي تم احياؤها مؤخرا مع اطفالهم وبعض الفتيات اللائي جبن الشوارع منفردات، تجرأ الكثيرون على ان يحلموا بعراق آمن ومزدهر، شأنه في ذلك شأن جيرانه في الشمال والجنوب. لكن كل خرق امني ينخر في هذا التقدم، كاشفا هشاشة المكتسبات التي تم الحصول عليها في اواخر عام 2007، عندما بدأ العنف في الانحسار.
لقد بدأ العنف في الزيادة من جديد. ارتفع عدد القتلى المدنيين في العراق بمقدار خمسين بالمئة بين شهري آذار ونيسان، استنادا الى الاحصاءات الحكومية. وقتل يوم العاشر من آيار حوالي مئة شخص في تفجيرات شهدتها انحاء متفرقة في العراق تعد الاسوأ منذ العام الماضي. كما طالت موجة من الاغتيالات رجال الدين وتركت المسؤولين يستاءلون عما اذا كانت القاعدة او المليشيات الاخرى وراءها. وكان آخرها يوم الاثنين عندما قطع رأس رجل دين في مسجده. وادى انفجار سيارة مفخخة في مطعم ببلدة المسيب، ليل الاربعاء، الى مقتل ستة اشخاص وجرح عشرة آخرين.
يرى العديد من العراقيين من انحاء متفرقة، سواء انزلق العراق الى الهاوية او تمكن من المضي قدما، بان الوضع الحالي يهدد بخسارة الامل الضئيل الذي اجتبته البلاد لمستقبلها. يقول حسن رحيم رضوان، الحلاق البالغ اربعين عاما من العمر والذي عاد الى العراق من ليبيا قبل عامين ولكنه يفكر في المغادرة مجددا: "لقد قدمنا تضحيات. وضعنا حيواتنا على المحك عندما ذهبنا الى مراكز الاقتراع وصوتنا للمرشحين المناسبين. غير ان ذلك لم يؤد الى اية نتيجة. فقد قامرنا في لعبة لن يفوز ايا منا فيها، ما عدا هؤلاء الجالسين في المنطقة الخضراء." وهي المركز الاداري الحصين الذي تقيم فيه معظم النخب السياسية العراقية.
على ان تلك النخب السياسية تعي تماما ردة فعل الطبقة الوسطى، وبدأ بعضها في حض السياسيين على احراز تقدم في تشكيل الحكومة. تقول ليلى الخفاجي، وهي نائب سابق تنتمي الى المجلس الاعلى الاسلامي، متحدثة عن الطبقة الوسطى المثقفة في البلاد: "انتهت مسؤوليتهم في السابع من آذار،" وهو يوم الانتخابات. وتضيف: "لقد اثبتوا انهم اناس مسؤولون واذكياء جدا بان ذهبوا وأدوا واجبهم، لكنهم لم يروا ثمرة ذلك."
تقول الخفاجي ان قائد الحزب، السيد عمار الحكيم، يلتقي كل اربعاء بافراد من الطبقة الوسطى في سعيه للوقوف على ارائهم والتقليل من مخاوفهم. لكن الازمة بدأت في تغيير حسابات الناس الاقتصادية لمستقبلهم.
عاد باقر الشيخ، وهو رسام عراقي قدير وتصل قيمة الواحد من اعماله الفنية الى مبلغ الفي دولار في داخل العراق واكثر من ذلك خارجه، عاد الى العراق قبل الغزو الاميركي وبقي فيه حتى في خضم التمرد المسلح والعنف الطائفي والازمات السياسية. لكنه بات مصمما على الرحيل الان، ويعود ذلك بشكل كبير الى عدم ايمانه بقدرة الحكومة على تحسين المدارس وتدريس ابنتيه اليافعتين بالشكل اللائق.
يقول، متحدثا من المعرض المعروف باسم الحلم، والذي غطت اللوحات الزيتية جدرانه: "شعرت باني انتمي الى هذه البلاد. كان عندي امل بانها ستنجح. لكن لم يعد لي من امل الان. حاولنا ان نغير الحكومة عن طريق الانتخابات، غير ان الاشخاص انفسهم عادوا الى الحكم. انها اشارة على فشل الدستور."
تكثر الاشارات على ان هؤلاء العراقيين الفنانين والمثقفين بدأوا في التواري عن الحياة العامة. تقول السيدة حمودي، الارملة التي ترأس المنتدى الديمقرطي للحوار المدني وحقوق الانسان، انها توصلت الى قناعة ان الدعوة الى حقوق المرأة العراقية باتت بلا هدف في الوقت الذي اضحى فيه الموقف السياسي متصلبا. وتضيف: "يستحيل ان يتمخض عن هذا الموقف امر حسن. لقد التقيت معظم السياسيين، واذا كنت تريد ان تعرف رأيي، فاني ارى ان يغادروا البلاد جميعا. اعتقد اننا نحتاج الى نظام مثل نظام صدام. مثل هذا النظام هو الوحيد القادر على اصلاح احوال الشعب العراقي."
بالاضافة الى تضاؤل الامال في التجربة الديمقراطية العراقية، فان الركود السياسي يهدد اقتصاد البلاد الضعيف. فقد تباطأت وتيرة الاستثمارات الاجنبية الى حد التوقف التام في الوقت الذي ينتظر فيه العراقيون والشركات الاجنبية مرور العاصفة السياسية قبل اتخاذ قرارات ستراتيجية. يقول سلام محمود عبودي، المسؤول في مديرية التربية بمدينة كركوك والبالغ اربعين عاما من العمر: "يلقي الموقف السياسي الراهن في العراق بظلاله على مختلف مناحي الحياة في العراق، ويشهد التبادل التجاري حالة من الجمود مشابهة للموقف السياسي."
يحجم العراقيون الذين يملكون المال في جيوبهم عن انفاقه تحسبا لمستقبل مظلم. وقد توقف الكثير منهم عن الرحلات او التجوال او اعداد خطط طويلة الاجل. يقول عبد الرزاق خلف، صاحب مكتب صيرفة بمدينة البصرة ويبلغ تسعة واربعين عاما من العمر: "لقد مرّ اكثر من شهرين، غير ان الناس لم يروا بارقة امل او أي من الامور الحسنة تبدر عن من صوتوا لهم."
ويشتكي الباعة في شارع الصناعة ببغداد، وهو مركز الاتجار بالالكترونيات، من احجام الزبائن عن شراء الحواسيب المكتبية والمحمولة وكاميرات المراقبة. وتبدو المناطق التجارية اقل زحاما عما كانت عليه من قبل، حيث تختار العوائل ان تمضي امسياتها بالقرب من منازلها. اما اصحاب المتاجر الذين فاضت محلاتهم بالبضائع، فهم يدخنون السيجارة تلو الاخرى، وهم يعبرون عن قلقهم عندما يجتمعون مع بعضهم البعض على الارصفة الخالية من الزبائن.
يقول احمد محمود، المختص بالحاسوب والاتصالات الهاتفية، وهو مُجهز لاجهزة الاستنساخ نوع كانون ويبلغ ستة وثلاثين عاما، وقد انخفضت مبيعاته بمقدار الثلثين مقارنة بالايام التي سبقت الانتخابات: "يخشى الشارع الان من عودة العنف الطائفي. يمكنني وصف الموقف الحالي بانه قنبلة موقوتة، لا تعرف متى ستنفجر