الحكم والأمثال في شعر زهير بن أبي سلمى
مرسل: السبت ديسمبر 11, 2010 9:22 pm
يعدّ زهير بن أبي سلمى أحد فحول الشعراء في الجاهلية, ويعتبره بعض المؤرخين من أهم شعراء العربية في الجاهلية وحتى اليوم. كان الشاعر زهير حكيماً من حكماء العرب, حتى أن الفاروق عمر رضي الله عنه قال: «لو أدركته لوليته القضاء؛ لحسن معرفته ودقة حكمه».
كان زهير حكيماً وداعية خير وصلاح وسلام, وهنا يبرز دور الشاعر الاجتماعي والإنساني والأخلاقي. ولقد سمى رواة الشعر عدداً من الشعراء- ومن بينهم زهير- بعبيد الشعر, لما شعروا عندهم من طول الثقاف والتنقيح والتجويد والتحبير, وكأنهم يلغون حريتهم وإرادتهم, فهم عبيد الشعر. ويبدو أن زهيراً كان يعرف بذلك منذ القديم.
كانت قصائد زهير تعرف بالحوليات, وقد علق الجاحظ على صنعة زهير وشعره فقال: «من شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولاً كريتاً, وزمناً طويلاً, يردد فيها نظره, ويجيل فيها عقله, ويقلب فيها رأيه, اتهاماً لعقله ,وتتبعاً على نفسه, فيجعل عقله زماماً على رأيه, ورأيه عياراً على شعره, إشفاقاً على أدبه, وإحرازاً لما خوله الله من نعمته, وكانوا يسمون تلك القصائد الحوليات والمقلدات والمنقحات والمحكمات, ليصير قائلها فحلاً خنذيذاً, وشاعراً مفلقاً».
وتظهر الحكمة في تضاعيف شعر زهير واضحة المعالم والقسمات, وأروعها تلك الأبيات الموجودة في معلقته المشهورة حيث يقول:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم
فالشاعر يبثّ القارئ خبرة سنين عمره المديدة، ويشير عليه بالتقصير في طول الأمل، فقد ملل مشاق الحياة وشدائدها, كيف لا ومن يعش ثمانين سنة ملّ الكبر لا محالة, ويبدو من هذا البيت أن الشاعر قد عاش حياة مليئة بالمصاعب والشدائد.
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما غد عم
إذ تتجلى في هذا البيت النزعة الغيبية والإيمان بالقضاء والقدر، على الرغم من أن الشاعر جاهلي, وذلك من خلال إدراك الشاعر لقدرته على معرفة الماضي الذي عاشه, ومعرفته بالحاضر بما أنه يعايشه, ولكن قلبه عمي عن الإحاطة بما هو متوقع في المستقبل.
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
في هذا البيت صورة بديعة, إذ يشبه الموت بناقة عشواء لا تبصر, فهي تخبط الطريق خبطاً أعمى ليس له نظام ولا قياس, فالموت لا يعرف كبيراً ولا صغيراً, من أصابته المنايا أهلكته, ومن أخطأته أبقته فيبلغ الهرم.
ومن لم يصانع في أمور كثيرة يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
يركز الشاعر هنا على الكياسة وحسن الأخلاق والمعاملة, فالإنسان في هذه الحياة، يجب عليه أن يصانع الناس ويداريهم في كثير من الأمور, فإن خبرة الشاعر في أمور الحياة قد علمته أن ذلك من ضرورات الحياة، فكيف بعصر قد تعقدت فيه الأمور وتشابكت فيه العلائق بين الناس؟!.
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله يستغن عنه ويذمم
يفيض هذا البيت بحكمة زهير وحنكته في الحياة، إذ ينصح الناس بتبادل المنافع والخبرات والمعارف فيما بينهم، لأنها قوام الحياة ودوام المعرفة البشرية، واستمرار للنسل البشري.
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه وإن يرق أسباب السماء بسلم
وتظهر في هذا البيت النزعة الدينية من جديد, فالموت آت على كل إنسان لا محال, ومن خاف أسباب المنايا نالته, ولم يجد عليه خوفه وهيبته إياها نفعاً, ولو رام الصعود إلى السماء فراراً منها.
كما نلاحظ أن التفكير في الحياة والموت عند زهير عميق الدلالة والأبعاد، كقوله في إحدى قصائده:
تزود إلى يوم الممات فإنه ولو كرهته النفس آخر موعد
ولعل البيت التالي من عيون حكم شاعرنا الكبير، والذي خلده بين كبار فلاسفة الشعر العربي بل والعالمي، إذ يبرز فيه أهمية التواصل الروحي والجسدي في تآلف القلوب العقول، حتى لتخال الصديق عدواً بعد طول غربة، أما عزة نفسه وإباؤه، فإنه واضح جليّ في إيلاء هذه المهمة للإنسان ذاته:
ومن يغترب يحسب عدوا صديقه ومن لا يكرم نفسه لا يكرم
لقد كان عمر بن الخطاب شديد الإعجاب بزهير, وأكد هذا ابن عباس إذ قال: «خرجت مع عمر رضي الله عنه في أول غزاة غزاها، فقال لي: أنشدني لشاعر الشعراء, قلت: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال: ابن أبي سلمى, قلت: وبما صار كذلك؟ قال: لا يتبع حوشي الكلام، ولا يعاظل في المنطق, ولا يقول إلا ما يعرف, ولا يمتدح أحد إلا بما فيه».
كان زهير حكيماً وداعية خير وصلاح وسلام, وهنا يبرز دور الشاعر الاجتماعي والإنساني والأخلاقي. ولقد سمى رواة الشعر عدداً من الشعراء- ومن بينهم زهير- بعبيد الشعر, لما شعروا عندهم من طول الثقاف والتنقيح والتجويد والتحبير, وكأنهم يلغون حريتهم وإرادتهم, فهم عبيد الشعر. ويبدو أن زهيراً كان يعرف بذلك منذ القديم.
كانت قصائد زهير تعرف بالحوليات, وقد علق الجاحظ على صنعة زهير وشعره فقال: «من شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولاً كريتاً, وزمناً طويلاً, يردد فيها نظره, ويجيل فيها عقله, ويقلب فيها رأيه, اتهاماً لعقله ,وتتبعاً على نفسه, فيجعل عقله زماماً على رأيه, ورأيه عياراً على شعره, إشفاقاً على أدبه, وإحرازاً لما خوله الله من نعمته, وكانوا يسمون تلك القصائد الحوليات والمقلدات والمنقحات والمحكمات, ليصير قائلها فحلاً خنذيذاً, وشاعراً مفلقاً».
وتظهر الحكمة في تضاعيف شعر زهير واضحة المعالم والقسمات, وأروعها تلك الأبيات الموجودة في معلقته المشهورة حيث يقول:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم
فالشاعر يبثّ القارئ خبرة سنين عمره المديدة، ويشير عليه بالتقصير في طول الأمل، فقد ملل مشاق الحياة وشدائدها, كيف لا ومن يعش ثمانين سنة ملّ الكبر لا محالة, ويبدو من هذا البيت أن الشاعر قد عاش حياة مليئة بالمصاعب والشدائد.
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما غد عم
إذ تتجلى في هذا البيت النزعة الغيبية والإيمان بالقضاء والقدر، على الرغم من أن الشاعر جاهلي, وذلك من خلال إدراك الشاعر لقدرته على معرفة الماضي الذي عاشه, ومعرفته بالحاضر بما أنه يعايشه, ولكن قلبه عمي عن الإحاطة بما هو متوقع في المستقبل.
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
في هذا البيت صورة بديعة, إذ يشبه الموت بناقة عشواء لا تبصر, فهي تخبط الطريق خبطاً أعمى ليس له نظام ولا قياس, فالموت لا يعرف كبيراً ولا صغيراً, من أصابته المنايا أهلكته, ومن أخطأته أبقته فيبلغ الهرم.
ومن لم يصانع في أمور كثيرة يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
يركز الشاعر هنا على الكياسة وحسن الأخلاق والمعاملة, فالإنسان في هذه الحياة، يجب عليه أن يصانع الناس ويداريهم في كثير من الأمور, فإن خبرة الشاعر في أمور الحياة قد علمته أن ذلك من ضرورات الحياة، فكيف بعصر قد تعقدت فيه الأمور وتشابكت فيه العلائق بين الناس؟!.
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله يستغن عنه ويذمم
يفيض هذا البيت بحكمة زهير وحنكته في الحياة، إذ ينصح الناس بتبادل المنافع والخبرات والمعارف فيما بينهم، لأنها قوام الحياة ودوام المعرفة البشرية، واستمرار للنسل البشري.
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه وإن يرق أسباب السماء بسلم
وتظهر في هذا البيت النزعة الدينية من جديد, فالموت آت على كل إنسان لا محال, ومن خاف أسباب المنايا نالته, ولم يجد عليه خوفه وهيبته إياها نفعاً, ولو رام الصعود إلى السماء فراراً منها.
كما نلاحظ أن التفكير في الحياة والموت عند زهير عميق الدلالة والأبعاد، كقوله في إحدى قصائده:
تزود إلى يوم الممات فإنه ولو كرهته النفس آخر موعد
ولعل البيت التالي من عيون حكم شاعرنا الكبير، والذي خلده بين كبار فلاسفة الشعر العربي بل والعالمي، إذ يبرز فيه أهمية التواصل الروحي والجسدي في تآلف القلوب العقول، حتى لتخال الصديق عدواً بعد طول غربة، أما عزة نفسه وإباؤه، فإنه واضح جليّ في إيلاء هذه المهمة للإنسان ذاته:
ومن يغترب يحسب عدوا صديقه ومن لا يكرم نفسه لا يكرم
لقد كان عمر بن الخطاب شديد الإعجاب بزهير, وأكد هذا ابن عباس إذ قال: «خرجت مع عمر رضي الله عنه في أول غزاة غزاها، فقال لي: أنشدني لشاعر الشعراء, قلت: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال: ابن أبي سلمى, قلت: وبما صار كذلك؟ قال: لا يتبع حوشي الكلام، ولا يعاظل في المنطق, ولا يقول إلا ما يعرف, ولا يمتدح أحد إلا بما فيه».