صفحة 1 من 1

الازمة السياسيه في لبنــان

مرسل: الاثنين ديسمبر 13, 2010 5:51 pm
بواسطة الجوهرة العتيبي

الأزمة السياسية في لبنان، والحل الجذري لها



لقد كان القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن سنة 2004 بدفع فرنسي، البوابة التي دخل معها الصراع على لبنان بين فرنسا وأميركا مرحلة جديدة. حيث دعا القرار إلى خروج القوات الأجنبية من لبنان وعارض التمديد للحود ودعا إلى انتخابات رئاسية حرة في لبنان وحل المليشيات ونزع سلاحها. وكان القرار ضد الوجود والنفوذ السوري في لبنان، والذي يمثل السياسة الأميركية في البلد. وقد عملت أميركا على التخفيف من حدة القرار، حيث كان مشروعه الفرنسي ينص على الخروج السوري من لبنان، فحولته أميركا إلى الدعوة لخروج القوات الأجنبية من لبنان. جاء القرار في الوقت الذي بدأت تتراجع فيه سياسة الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة مع إخفاقها في العراق، الأمر الذي حفّز الأوروبيين على التحرك لاسترداد أماكن نفوذهم أو تعزيزه فيها. والذي ساعد الأوروبيين على النجاح نسبياً في لبنان، هو أن علاقة النظام السوري بالإدارة الأميركية في ذلك الوقت لم تكن جيدة، بل كان هناك بعض التوتر وعدم الثقة بين الطرفين، بسبب السياسة التي اتبعها المحافظون الجدد في التعامل مع عملائهم. إذ لم يعد من المقبول وفق السياسة الجديدة أن يتذرع العملاء بالأوضاع الداخلية أو الإقليمية ليتهربوا من تنفيذ بعض الأوامر، فقد جعل بوش من كرزاي أو على الأقل من مشرف مثالاً للعملاء الذين يرضى عنهم.
لم يكن من المتوقع أن يحدث القرار 1559 تغييرا كبيرا على الساحة اللبنانية، إذ رغم أن فرنسا تمكنت من استصداره بعد تعديلات أميركية أضعفته إلاّ أنها لا تملك آلية لفرضه وتطبيقه، الأمر الذي جعل النظام السوري يتجاهله، وبالتالي لا يفكر بالخروج من لبنان ولا بالرجوع عن التمديد للحود ويستمر بتسليح حزب الله. كانت فرنسا تراهن على الوقت، وعلى تنامي قوة عملائها وعملاء بريطانيا على الساحة اللبنانية، وكانت تتوقع أن تؤدي الانتخابات النيابية اللبنانية سنة 2005 إلى نجاح كبير لعملائها، الأمر الذي سيساعدها على تكثيف الضغط على النفوذ الأميركي في لبنان المتمثل بالوجود السوري وحلفائه.
ومع اقتراب موعد الانتخابات بداية سنة 2005 واشتداد التوتر السياسي، جاء اغتيال رفيق الحريري ليشكل زلزالاً كبيراً وليدفع بالصراع إلى ذروته. وقد شكل هذا الاغتيال فرصة ذهبية لفرنسا وعملائها في لبنان، الذين سارعوا إلى اتهام سوريا بالوقوف وراء الاغتيال، الأمر الذي أدى إلى فورة في الشارع، سارعت فرنسا وجماعتها إلى استثماره وتحويله إلى قوة ضاغطة باتجاه تنفيذ مشروعها، بتنفيذ أهم مسألة بالقرار 1559 والمتمثلة بالخروج السوري من لبنان.
وقد جرت الانتخابات النيابية سنة 2005 في هذه الأجواء، فحققت فرنسا مكسباً جديداً تمثل في فوز عملائها بالأكثرية النيابية. وبعد أن شكلت الأكثرية الحكومة بمشاركة حزب الله وأمل، وجهت قوى 14 آذار ضغطها باتجاه لحود ساعية لإسقاطه من رئاسة الجمهورية، لأنها تعلم أن بقاءه في السلطة سيحول دون تمكنها من إحكام قبضتها على السلطة وأجهزتها الأمنية وسيعيق تنفيذ مشروعها الذي أطلقت عليه ثورة الأرز. ولكنها لم تتمكن من ذلك رغم أنها وجهت إليه ضربة قوية تمثلت بعزل مجموعة من أهم رجالاته في السلطة، بتهمة علاقتهم باغتيال الحريري. جاء القرار الدولي بتشكيل لجنة تحقيق دولية في اغتيال الحريري، ومن ثم المحكمة الدولية، ليكون أداة فعالة بيد فرنسا وجماعتها ضد النظام السوري وحلفائه في لبنان.
ورغم هذه النجاحات على أكثر من صعيد، إلا أن مشروع 14 آذار والتمدد الفرنسي وصل إلى طريق مسدود. فرغم خروج النظام السوري من لبنان، فإنه خلّف وراءه مجموعة من العملاء والحلفاء، في السلطة وخارجها، استطاعوا أن يقفوا في وجه النفوذ الفرنسي، ويحولوا دون إكمال المشروع.
فقد أعاق لحود توسع نفوذ 14 آذار في الدولة. كما حاولت قوى 14 آذار المضي قدماً في تنفيذ القرار 1559، وبالتحديد الجانب الذي يتحدث عن نزع سلاح الميليشيات، وطالبت حزب الله بالتخلي عن سلاحه واعتبرته سلاح ميليشيا يجب نزعه. إلا أن تلك المحاولات قد فشلت، سواء في لقاءات الحوار أو التشاور، التي عقدها نبيه بري بين طرفي النزاع في البلد. إلى أن جاءت حرب تموز والعدوان الإسرائيلي على لبنان بعد خطف حزب الله لجنديين إسرائيليين، وكان الهدف الإسرائيلي واضحاً من هذه الحرب، وهو تنفيذ ما لم تتمكن قوى 14 آذار من تنفيذه في القرار 1559 والمتمثل بنزع سلاح حزب الله بوصفه قوة تقف بوجه بسط نفوذ فرنسا وسيطرتها على لبنان، من خلال مشروع 14 آذار.
ولم تُخفِ قوى 14 آذار رغبتها بأن تؤدي الحرب إلى نزع سلاح حزب الله. وجاءت تصريحات البعض من 14 آذار، لتشكل غطاءً لعدوان يهود انسجاماً مع الموقف الأوروبي والسعودي. ولكن يهود فشلوا فشلاً ذريعاً بتحقيق هدفهم من الحرب بل وجدوا أنفسهم قد تورطوا في الحرب ولا يستطيعون الخروج منها. إلى أن صدر القرار 1701، الذي أنهى الحرب ووسع صلاحيات اليونيفيل وزاد عددها إلى 15000 عنصرا، وعملت أميركا على عدم اشتراط القرار تسليم سلاح حزب الله، وهذا ما صرح به جون بولتون. وكان طموح فرنسا كبيراً، فلم يكن يقتصر على أخذ لبنان من أميركا، بل ذهبت إلى العمل على إسقاط النظام السوري نفسه. وقد استمرت هذه السياسة الفرنسية الأوروبية حتى وقت قريب. ويبدو أن فرنسا تراجعت مرحلياً عن مقاطعة النظام السوري وعزله وإسقاطه، خاصة بعد أن عملت الإدارة الأميركية على إخراجه من عزلته إذ أشركته في مؤتمر بغداد وبعدها في شرم الشيخ، ومن ثم لقاء المعلم بِرايس، والزيارات التي سبقتها وتلتها للسياسيين الأمريكيين إلى دمشق، وكان من بينهم رئيسة مجلس النواب الأميركية.
خرج حزب الله من الحرب قوياً، فأعلن أن بعض قوى 14 آذار قد تآمر عليه في الحرب، وأعلن هو وحركة أمل انسحابهما من الحكومة، وطالب بحكومة وحدة وطنية يكون له ولحلفائه الثلث الضامن فيها، ولكن الأكثرية رفضت ذلك على اعتبار أن الهدف من ذلك هو الحيلولة دون إقرار المحكمة الدولية داخل الحكومة. ثم دعت المعارضة إلى اعتصامات في نهاية العام الماضي لإسقاط الحكومة ولكنها لم تنجح رغم ما نظمته من اعتصامات كبيرة في وسط بيروت، إذ إن شبح الانجرار إلى حرب أهلية مذهبية، خفّض سقف تحركات المعارضة، ولم تفلح حتى في إجبار الأكثرية على القبول بتشكيل حكومة وحدة وطنية. وها قد مرت سنة تقريباً على اعتصام المعارضة في وسط بيروت، جاء موعد الاستحقاق الرئاسي ولم تتمكن المعارضة من تحقيق أهدافها، إلا أن هذه التحركات للمعارضة وما رافقها من اغتيالات وعمليات تفجير أدت إلى شل الأكثرية والبلد كله. وحتى فترة قصيرة قبل دخول موعد الاستحقاق الرئاسي كانت المعارضة تصر على أنها لن تسمح بإجراء انتخابات رئاسية، إن لم يسبقها تشكيلُ حكومة جديدة يكون لها الثلث المعطِّل فيها، الأمر الذي رفضته الأكثرية على اعتبار أنها لا تثق بنوايا المعارضة، واتهمتها بأنها ربما تريد تشكيل حكومة لها فيها الثلث المعطل، دون أن تسهل انتخابات رئاسة الجمهورية، فلا يتم انتخاب رئيس، فتنقل صلاحياته إلى حكومة يكون للمعارضة فيها الثلث المعطل. واستمر هذا الإصرار من المعارضة على اشتراط تشكيل حكومة وحدة وطنية قبل انتخابات الرئاسة، إلى أن عاد السفير فلتمان إلى بيروت من زيارة له إلى واشنطن، والتقى مباشرة بعد عودته بنبيه بري لمدة ساعة ونصف، فخرج بري بعد هذا اللقاء بأيام ليعلن من بعلبك مبادرته الجديدة التي تتنازل فيها المعارضة عن شرطها أن يسبق انتخابات الرئاسة تشكيل حكومة جديدة، شرط أن تتخلى الأكثرية عن فكرة انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً. فأعلنت الولايات المتحدة تأييدها للمبادرة، وجاء ذلك على لسان فلتمان وعلى لسان مسؤولة في وزارة الخارجية الأمريكية.
وكان جنبلاط قبل هذه المبادرة حذّر جماعة 14 آذار من أي تسوية، وعدّ من يسير في ذلك بأنه خائناً يجب أن يعدم سياسياً.
أما موقف 14 آذار من المبادرة فجاء بارداً، بل رافضاً للمبادرة. إذ رفضت التخلي عن حقها انتخاب الرئيس بالنصف زائداً واحداً كما تدعو مبادرة بري، واكتفت بالدعوة إلى الحوار، دون شروط مسبقة، الأمر الذي اعتبره بري بمثابة ورقة نعوة لمبادرته، وحذر من الشر المستطير، إذا لم يحصل التوافق على رئيس الجمهورية.
حصل تحول في موقف جنبلاط بعد مبادرة بري لإدراكه بأن أمريكا تقف وراءها بقوة، إذ أعلن أنه لا يوافق على التسوية ولكنه لن يعطلها. ففي ظل هذا الموقف الرافض من قوى 14 آذار لمبادرة برّي، وما رافقه من تصريحات فرنسية وأوروبية تعرب عن تأييدها لحق الأكثرية انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً، وكان من ضمنها تصريح كوشنير في زيارته الأخيرة لبيروت، رغم أنه كان صرح سابقاً بأنه يؤيد انتخاب رئيس توافقي، في ظل هذه الأجواء وهذا الموقف الرافض من قوى الأكثرية لمبادرة برّي، وبعد أن بدا أن قوى الأكثرية تراهن على الوقت، وعلى احتمال حصول متغيرات في المنطقة تأتي لصالحها وتغير موازين القوى، جاء اغتيال النائب روبير غانم وكأنه الرد على هذا الموقف الرافض من قوى 14 آذار لمبادرة برّي، وليكون رسالة واضحة لها بوجوب تغيير هذا الموقف الرافض للتسوية.