صفحة 1 من 1

جذور المشكله الكرديه

مرسل: الاثنين ديسمبر 13, 2010 6:55 pm
بواسطة حصه العتيبي
جذور المشكله الكرديه



تعود جذور المشكلة الكردية إلى ما قبل الميلاد بفترة طويلة وإن لم تعرف بهذا الوصف، فقد تسبب سقوط الإمبراطورية الميدية التي أسسها الكرد على يد الفرس الأخمينيين وتعرضهم لاستعباد الأقوام الهندوأوروبية التي نزحت لمنطقة كردستان الحالية، في ظهور شعور مبكر بالظلم واغتصاب الهوية، لم يتخذ ذلك مظاهر قومية في حينه لكنه أسس للمشكلة التي مرت عليها فترات هدوء بعد الفتح الإسلامي الذي أنقذ الكرد ومنحهم حقوقا قومية وحرية تأسيس إمارات عديدة تحكم نفسها بنفسها في إطار الدولة الإسلامية، وذلك قبل أن تبدأ المعالم الحديثة للمشكلة الكردية بالتشكل منذ بدايات القرن السادس عشر.

البدايات
ما بعد الحرب
انتهاك الوعود


البدايات


بدأت المشكلة الكردية بصورة واضحة في العصر الحديث عند اصطدام الدولتين الصفوية والعثمانية عام (1514م) في معركة جالديران التي كانت كبيرة وغير حاسمة، كان من نتائجها تقسيم كردستان عملياً بين الدولتين الصفوية والعثمانية.

كانت كردستان قبل سنة (1514م) تسود فيها إمارات مستقلة مشغولة بتنظيم شؤونها الداخلية، لكن سوء معاملة الشاه إسماعيل الصفوي إضافةً إلى الاختلاف المذهبي أدى إلى انضمام أكثرية الإمارات إلى جانب الدولة العثمانية فضلاً عن جهود العلامة ملا إدريس البدليسي الذي لعب دوراً كبيراً في استمالة الكرد إلى جانب الدولة العثمانية، وجاءت المعركة المذكورة لتضع أغلبية أراضي كردستان تحت سيطرة العثمانيين.




"
قسمت معركة جالديران كردستان عمليا بين الدولتين الصفوية والعثمانية قبل أن تنظم اتفاقيات تكرس هذا التقسيم قانونيا
"
تقسيم كردستان
في عام (1515م) قام العلامة إدريس، بعد تفويضه من قبل السلطان العثماني، بعقد اتفاقية مع الأمراء الكرد، يتضمن اعتراف الدولة العثمانية بسيادة تلك الإمارات على كردستان وبقاء الحكم الوراثي فيها ومساندة الأستانة لها عند تعرضها للغزو أو الاعتداء مقابل أن تدفع الإمارات الكردية رسومات سنوية كرمز لتبعيتها للدولة العثمانية وأن تشارك إلى جانب الجيش العثماني في أية معارك تخوضها الإمبراطورية إضافة إلى ذكر اسم السلطان والدعاء له من على المنابر في خطبة الجمعة.


تضمن هذا الاتفاق اعترافا من الدولة العثمانية ً بالسلطات الكردية، وهذا الأمر ليس شيئا هيناً، حيث يقدم اعترافاً واضحاً بوجود المشكلة الكردية، يقتضي حلها، حتى لو كان الحل وقتياً‍‍!!


وفي عام (1555م) عقدت الدولتان الصفوية والعثمانية اتفاقية ثنائية عرفت بـ"أماسيا" وهي أول معاهدة رسمية بين الدولتين. وتم بموجبها تكريس تقسيم كردستان رسمياً وفق وثيقة رسمية نصت على تعيين الحدود بين الدولتين، وخاصة في مناطق شهرزور، وقارص، وبايزيد(وهي مناطق كردية صرفة).

وتبعت تلك المعاهدة، معاهدات واتفاقيات لاحقة منها: معاهدة "زهاو" أو تنظيم الحدود عام (1639م) بين الشاه عباس والسلطان مراد الرابع، وتم التأكيد على معاهدة أماسيا بالنسبة لتعيين الحدود، وهذا زاد من تعميق المشكلة الكردية، ثم عقدت بعد ذلك معاهدات أخرى مثل "أرضروم الأولى" (1823م) و "أرضروم الثانية" (1847م) واتفاقية طهران
(1911م) واتفاقية تخطيط الحدود بين الدولتين: الإيرانية والعثمانية عام (1913م) في الأستانة، وكذلك بروتوكول الأستانة في العام نفسه.


وكرست جميع هذه المعاهدات تقسيم كردستان وشعبها بشكل مجحف، وبسبب ذلك تعقدت المشكلة الكردية يوماً بعد آخر، ولا سيما بعد بدء انتشار الأفكار القومية في الشرق، وبالأخص منذ بداية القرن التاسع عشر، حيث بدأت الدول الأوروبية تحتك بكردستان عن طريق الرحالة الأجانب والإرساليات التبشيرية، وكذلك عن طريق بعض القنصليات وأهمها البريطانية والروسية والفرنسية ثم الأميركية.


ومارست كل هذه الجهات أدوارا مهمةً في تحريض العشائر الكردية ضد الدولة العثمانية خاصةً، ثم الإيرانية، لكي يأخذوا الامتيازات، أو يزداد نفوذهم في الدولة العثمانية خاصة. وبالرغم من هذا، فإن الدولتين العثمانية والإيرانية، لم تتمكنا من بسط سيطرتهما على كردستان لأسباب عدة، منها طبوغرافية كردستان المعقدة، ودفاع الكرد عن أراضيهم ببسالة.




تدويل القضية
ويمكننا القول إن اشتداد الصراع الدولي في الشرق، وخاصة بين القوتين البريطانية والروسية أثرّ بشكل سلبيً في مستقبل الشعب الكردي، وأخرج المشكلة الكردية من الطابع الإقليمي إلى الطابع الدولي، كما يتضح من خلال النقاط الآتية:


"
بدأت روسيا ثم بريطانيا في وقت مبكر اتصالاتهما بالكرد كما حاولت فرنسا الأمر ذاته
"
أولاً: الاتصال المبكر بالكرد من قبل روسيا، ثم بريطانيا، حيث كانت الحكومة الروسية شديدة الاهتمام بأوضاع البلدان والشعوب المتاخمة لحدودها، ونظرت الحكومة البريطانية بقلق إلى المطامح الروسية خوفاً من أن يمتد الروس إلى بلاد ما بين النهرين. وكانت شركة الهند الشرقية من أهم بؤر التجسس في المنطقة، كما كانت هناك محاولات فرنسية للتغلغل في كردستان عن طريق الإرساليات التبشيرية.


ويمكن القول إن أميركا كانت موجودة في المنطقة على عكس ما كان شائعاً من تطبيقها لمبدأ "مونرو" الذي يؤكد على عدم التورط في المشاكل السياسية خارج أميركا.


ثانياً: محاولات الكرد أنفسهم للتقرب من الأجانب، وخاصة البريطانيين في بداية القرن العشرين، حيث كانت جهود الدبلوماسي الكردي شريف باشا واضحة في هذا المجال، إذ حاول الاتصال بالإنجليز عام (1914) لكي يعرض خدماته، لكن الحكومة البريطانية لم تستجب له، وبحلول عام (1918) وعند احتلال بريطانيا للعراق طلبت وزارة الخارجية البريطانية من السفير برسي كوكس أن يلتقي بشريف باشا في مدينة مرسيليا الفرنسية للاستماع إلى أقواله فقط !


ثالثاً: اتفاقية سايكس بيكو عام (1916) حيث اجتمع وزراء الخارجية الروسية والبريطانية والفرنسية، ودارت بينهم مباحثات سرية حول الترتيبات المقبلة للشرق الأوسط، بعد أن أصبحت هزيمة ألمانيا وحليفتها الدولة العثمانية وشيكة، وتضمنت الاتفاقية تقسيم تركة الدولة العثمانية، وبما أن القسم الأكبر من كردستان كان تحت السيطرة العثمانية، فقد شملها التقسيم، وهذا الوضع الجديد عمق بشكل فعّال من تعقيد المشكلة الكردية، وأخرجها من الطابع الإقليمي إلى الطابع الدولي، حيث تعد معاهدة سايكس بيكو أول معاهدة دولية اشتركت فيها ثلاث دول كبرى، وحط مت الآمال الكردية في تحقيق حقهم المشروع في تقرير المصير.

ما بعد الحرب


برزت إمكانية حل المشكلة الكردية إلى الوجود لأول مرة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ولعل سببها إيجاد منطقة عازلة بين أتراك الأناضول والأقوام التي تتكلم اللغة التركية في آسيا الوسطى والقفقاس وبصورة خاصة في أذربيجان.


"
تحرك الكرد لاستثمار الظروف الدولية وهزيمة الدولة العثمانية بالحرب العالمية الأولى لنيل حقوقهم المشروعة والاستفادة من مبادئ ويلسون بحق الشعوب في تقرير المصير
"
وقد تحرك الكرد وبذلوا جهوداً مضنية لإيصال صوتهم إلى مؤتمر الصلح في باريس عام
(1919) على أمل أن ينالوا حقوقهم المشروعة، ولا سيما بعد أن صرح رئيس الولايات المتحدة الأميركية ويدرو ويلسن بحق الشعوب في تقرير مصيرها في بنوده الأربعة عشر المشهورة، ولم يكن للكرد كيان سياسي مستقل حتى يشارك وفدهم رسمياً في ذلك المؤتمر، شأنهم شأن القوميات والشعوب المضطهدة الأخرى، ولذلك خول الشعب الكردي من خلال العشائر والجمعيات السياسية شريف باشا لتمثيلهم والمطالبة بالمطالب الكردية المشروعة.

وأصدر الحلفاء بعد استكمال تحضيراتهم للمؤتمر قراراً في شهر يناير/كانون الثاني 1919 نص على ما يأتي: "… إن الحلفاء والدول التابعة لهم قد اتفقوا على أن أرمينيا وبلاد الرافدين وكردستان وفلسطين والبلاد العربية يجب انتزاعها بكاملها من الإمبراطورية العثمانية".


وانطلاقاً من هذا القرار قدم الممثل الكردي شريف باشا مذكرتين مع خريطتين لكردستان إلى المؤتمر، إحداهما بتاريخ (21/3/1919م) والأخرى يوم (1/3/1920). كما طلب من القائمين على شؤون المؤتمر تشكيل لجنة دولية تتولى تخطيط الحدود بموجب مبدأ القوميات، لتصبح كردستان المناطق التي تسكن فيها الغالبية الكردية، وإضافة إلى ذلك فقد جاء في المذكرة الأولى "إن تجزئة كردستان لا يخدم السلم في الشرق…".

كما جاء في المذكرة الثانية "إن الترك يتظاهرون علناً بأنهم مع المطالب الكردية، وإنهم متسامحون معهم، لكن الواقع لا يدل على ذلك مطلقاً…" كما طالب شريف باشا رسمياً من رئيس المؤتمر جورج كليمنصو أن يمارس نفوذه مع حكومة الأستانة لمنع اضطهاد الشعب الكردي، وجاء في رسالته إلى رئيس المؤتمر: إنه منذ أن تسلمت جماعة الاتحاد والترقي السلطة فإن جميع الذين يحملون آمال الحرية القومية قد تعرضوا للاضطهاد المستمر.. وإنه من الواجب الإنساني في المجلس الأعلى أن يمنع إراقة الدماء مجدداً، وإن السبيل لضمان السلم في كردستان هو التخلي عن مشروع تقسيم هذه البلاد (أي كردستان)..


ودل كل ذلك على أن المشكلة الكردية تقدمت خطوة كبيرة إلى الأمام في أعقاب الحرب. وما تصريح كليمنصو عندما أعلن على الملأ في مؤتمر الصلح إلا إحدى العلامات حيث قال "إن الحكومة التركية ليست قادرة وكفؤة لإدارة الأمم الأخرى، لذلك لا يوثق بها ولا يجوز أن تعاد إلى سيطرة الأتراك قومية عانت من مظالم الأتراك واستبدادهم".


وعندما رأى شريف باشا أن تعاطف الدول الأوروبية كثير للقضية الأرمنية -ربما بسبب الانتماء الديني للأرمن- بادر إلى عقد اتفاقية مع ممثل الأرمن بوغوص نوبار وبحضور الرئيس المؤقت لوفد جمهورية أرمينيا أوهانجيان. ووقع الجانبان –باسم الشعبين- الاتفاقية، مؤكدين فيها على أن للكرد والأرمن مصالح وأهدافا مشتركة هي: الاستقلال، والتخلص من السيطرة العثمانية.. وقدما نص الاتفاقية بمذكرة رسمية إلى المجلس الأعلى للمؤتمر، ووافق المجلس مبدئياً على المذكرة، ووصف المندوب السياسي البريطاني في الأستانة الاتفاقية بأنها من أسعد البشائر.




معاهدة سيفر (1920)
نجح شريف باشا في إدخال ثلاثة بنود تتعلق بالقضية الكردية في معاهدة سيفر التي أبرمها الحلفاء بباريس في أغسطس /آب 1920، وقد كرس ذلك عملية تدويل القضية الكردية بصورة رسمية، رغم أن الدولة العثمانية حاولت مراراً أن تصف القضية الكردية بأنها قضية داخلية تستطيع الدولة حلها.


وتعد معاهدة سيفر وثيقة فريدة في تاريخ القضية الكردية، حيث نصت على تحقيق حل المشكلة الكردية بمراحل، وإذا اجتاز الكرد هذه المراحل، وطالبوا بالاستقلال، ورأت دول الحلفاء أهلية الكرد لذلك يصبح الاستقلال أمرا واقعياً، وعلى الحكومة التركية الاعتراف بذلك… ويعد هذا أول اعتراف رسمي دولي بحقوق الشعب الكردي، ولا سيما حق تقرير المصير حيث طرحت المسألة في العرف القانوني للمعاهدات الدولية، وقد وصف كمال أتاتورك المعاهدة بأنها بمثابة حكم الإعدام على تركيا، وحاول بمختلف الوسائل وضع العراقيل لمنع تطبيق المعاهدة... ولذلك بقيت معاهدة سيفر حبراً على ورق، إلا أن هذا الورق أصبح وقوداً لنضال الحركة القومية الكردية فيما بعد.




انتهاك الوعود

ولم تر معاهدة سيفر النور، وذلك –حسب رأيي- للأسباب الآتية:


أولاً: صعود نجم "مصطفى أتاتورك" والحركة الكمالية، وتوسيع مناطق نفوذها، إضافة إلى تأسيس المجلس الوطني الكبير في أنقرة بديلاً لسلطة الأستانة.


"
تراجع الغرب عن وعوده للكرد في معاهدة سيفر وتناساهم في معاهدة لوزان التي جاءت لصالح ما أرادته تركيا الكمالية
"
ثانياً: خوف الدول الأوروبية، وبالأخص بريطانيا، من استغلال الشيوعيين في الاتحاد السوفياتي الصراع الكمالي-الأوروبي لصالح نفوذهم في المنطقة.


ثالثاً: ذكاء مصطفى كمال باستغلاله الصراع الدولي لإلغاء معاهدة سيفر وقبرها.


لذلك لم يمر عام ونصف العام على توقيع معاهدة سيفر حتى طرحت فكرة إعادة النظر فيها، وجاءت هذه المواقف من قبل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، واتخذ المجلس الأعلى للحلفاء قراراً بهذا الشأن يوم (25 يناير 1921) إضافة إلى توجيه الدعوة إلى وفد حكومة أنقرة لحضور المؤتمر القادم، الأمر الذي دلّ على اعتراف الحلفاء بالواقع الجديد في تركيا.


مؤتمر لندن (1921)
عقد مؤتمر بلندن في فبراير/ شباط 1921 لبحث المشاكل العالقة، ومن ضمنها المشكلة الكردية، حيث اعتزم الحلفاء إعطاء تنازلات مهمة في هذه القضية، لكن الحكومة التركية أصرت على أن المسألة داخلية، يمكن حلها داخلياً، لا سيما وأن الكرد لهم الرغبة في العيش مع إخوانهم الأتراك حسب ما زعمت آنذاك، وأثناء انعقاد مؤتمر لندن، عقدت حكومة أنقرة عدداً من الاتفاقيات الدولية التي كرست الشرعية الدولية القانونية للنظام الجديد في تركيا… ثم قامت الحكومة الجديدة بإلغاء جميع الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمتها حكومة الأستانة ومن ضمنها معاهدة سيفر. كل ذلك أدى إلى تعزيز مكانة الحكومة التركية الجديدة.. وبذلك فشل مؤتمر لندن لتوجه ضربة إضافية للآمال القومية الكردية.




معاهدة لوزان (1923)
جاءت فكرة عقد معاهدة لوزان بعد الانتصارات الكبيرة التي حققتها الحكومة التركية الجديدة على الجيش اليوناني، وبذلك ظهرت تركيا كدولة فتية قوية لأول مرة بعد قرنين، وقامت الحكومة الجديدة بتحسين العلاقة مع جارها الاتحاد السوفياتي، وعقدت مباحثات المعاهدة على فترتين: استمرت الأولى نحو ثلاثة أشهر بين نهاية العام 1922 وبداية العام 1923، والفترة الثانية استمرت الفترة ذاتها ما بين ربيع وصيف عام 1923.


ونصت معاهدة لوزان على أن تتعهد أنقرة بمنح معظم سكان تركيا الحماية التامة والكاملة، ومنح الحريات دون تمييز، من غير أن ترد أية إشارة للكرد فيها، كما لم تجر الإشارة إلى معاهدة سيفر، وعدّ الكرد هذه المعاهدة ضربةٌ قاسية ضد مستقبلهم ومحطمة لآمالهم… وبذلك يتحمل الحلفاء المسؤولية الأخلاقية الكاملة تجاه الشعب الكردي ولا سيما الحكومة البريطانية التي ألحقت فيما بعد ولاية الموصل -التي يشكل الكرد فيها الأغلبية المطلقة- بالعراق.

وأدى كل ذلك إلى ازدياد المشكلة الكردية تعقيداً بعد أن أصبح الشعب الكردي موزع عمليا وقانونيا بين أربع دول بدل دولتين، لتزداد معاناته وليبدأ فصل جديد من فصول علاقته بالدول الجديدة طغى عليها التوتر والعنف الذي لم يجد حتى اليوم حلولا عادلة، فيما بدأت الأحزاب والقوى القومية الكردية تتشكل لكي تقود النضال والكفاح من أجل حق تقرير المصير.