صفحة 1 من 1

مفهوم كلمه الشموليه

مرسل: الاثنين ديسمبر 13, 2010 7:14 pm
بواسطة حصه العتيبي
مفهوم كلمه الشموليه






ما هو النظام الشمولي؟ هل من طبيعته, أو بإمكانه, التعايش مع الاختلاف والتنوع, والتعددية بأشكالها المشار إليها أعلاه؟ وهل يحترم إرادة العيش المشترك, المبنية على الاختيار الحر للنظام السياسي, والتعددية الحزبية والحوار, وبناء جمعيات المجتمع المدني ؟ وهل يتورع عن تصدير رؤيته, وأزماته لخارج حدوده؟.

كلمة الشمولية ظهرت أولا في ايطاليا " totalitario " أي " totalitaire " بالفرنسية, عام 1923 وانتشر استعمالها, بمعنى سلبي, تحقير وذم, قبل أن يعطيها منظرو الفاشية عام 1925 معان ايجابية, فأُشيد بموسليني لقوة إرادته الشمولية. وكتب جيفواني جانتيل Givoinni Gentile منظر الفاشية "الليبرالية تضع الدولة في خدمة الفرد, الفاشية تقيم الدولة كالحقيقة بالنسبة للفرد. إذا كان من الواجب أن تكون الحرية خاصية الإنسان الفعلي, وليس الشكلي المجرد كما تراها الليبرالية الفردية, فان الفاشية مع تلك الحرية. هي فقط مع حرية يمكنها أن تصبح جدية, مع حرية الدولة وحرية الفرد في الدولة. وهذا لأن بالنسبة للفاشي كل شيء في الدولة, ولا يوجد شيء إنساني أو روحاني , أي شيء ذو قيمة, موجود خارج الدولة. بهذا المعنى يكون الفاشي شمولي. والدولة الفاشية تلخص وتوحد كل القيم التي تفسر و تطور وتعطي قوة الحياة بكاملها للشعب "(مشار أليه من قبل Enzo Traverso, le Totalitarisme, p.21 )

و ككلمة, ليس للشمولية نفس الدلالات عند كل الذين يستعملونها. فهي " تدل في وقت واحد على وقائع faits (النظام الشمولي كحقيقة تاريخية). وعلى مفهوم concept (الدولة الشمولية كصيغة سلطة جديدة وغير قابلة للتصنيف ضمن النماذج من قبل الفكر السياسي الكلاسيكي). ونظرية théorie (نموذج هيمنة مضافة من قبل التحليل المقارن للأنظمة الشمولية).( Enzo Traverso Totalitarisme le).

اسُتعملت الكلمة نفسها في بريطانيا, للمرة الأولى عام 1929 , لوصف الفاشية والنازية معا. وفي ألمانيا كتب ارنست جينجر Ernst Jünger بان الحرب والتكنولوجيا الحديثة مُبشرة بنظام جديد مجسد بظهور العامل / الجندي, الذي يقوم بمهامه ضمن مجتمع بإطار ونظام كالنظام العسكري. ويرى أن الحرب العالمية الأولى شهدت تحولا تاريخيا نحو هذه الصيغة الحضارية الجديدة: للمرة الأولى في تاريخ أوروبا تمت تعبئة القوى البشرية والمادية بشموليتها لتأمين المجهود الحربي للمعركة.

من التعاريف المتعلقة بالشمولية يرد ما يلي:

ـ الشمولية طريقة حكم, نظام سياسي يمسك فيه حزب واحد السلطة بكاملها, و لا يسمح بأية معارضة, فارضا جمع المواطنين وتكتيلهم في كتلة واحدة في الدولة وخلفها.

ـ الشمولية طريقة عمل الدولة, التي تقوم, زيادة على إدارة الحياة السياسية, بإدارة الحياة الخاصة للأفراد.

ـ الشمولية صيغة استبداد ظهرت في القرن العشرين. وهي متحدرة من الفاشية. ففي الدولة الشمولية لا يوجد الفرد ولا يعرف إلا من خلال علاقته بالمجموع " الشعب" أو " الأمة". وتصبح الدولة مطلقة وموضوع عبادة حقيقية. ويتم عسكرتها لتأمين الإرهاب والتمكن من الهيمنة على الأفراد.

وقد بلور مفهوم الشمولية الصيغ الجديدة للطغيان. وبشكل خاص العنف الذي يمارس على كل من هو خارج هذه المفاهيم. وهو غير منفصل عن النازية. وفي عام 1939 بدأ الكتاب يبحثون عن الصلة بين الإيديولوجية الفاشستية وبين الشيوعية السوفيتية, بحجة إنهما, معا, يتسببان في اضطراب السلم والاعتداء على الحريات. وهذا ما كان يستنكره بشدة الكتاب الشيوعيون ويحاولون دحضه.

في الخمسينات طُرح مفهوم الشمولية كنموذج, مقابل نماذج أخرى مثل الديمقراطيات الدستورية, أو النماذج التسلطية المحافظة. فالدولة الشمولية, كما يقرر كتاب تلك المرحلة, تقود " ثورة دائمة", في حين أن الأنظمة التسلطية التقليدية كانت بشكل عام محافظة. وحسب Neumann الطابع الرئيسي للأنظمة الشمولية هو مأسسة الثورة (تنظيمها بمؤسسات Institutionnaliser la révolution ) في محاولة لتأمين إدامة هذه الأنظمة.

ويطرح Raymond Aron السؤال الذي يجيب عليه بنفسه , في أي شيء تكمن ظاهرة الشمولية ؟

" إنها كما يبدو لي ظاهرة كبقية الظواهر الاجتماعية, تقع تحت تعاريف عديدة, حسب الزاوية التي ينظر منها الملاحظ . وعناصرها الأساسية خمسة هي:

1ـ الظاهرة الشمولية تأتي في نظام يعطي حزبا واحدا احتكار النشاط السياسي بكامله .

2 ـ يقوم الحزب المحتكر على إيديولوجية يتسلح بها, وتقود فعالياته. ويمنحها سلطة مطلقة. وتصبح بالتالي الحقيقة الرسمية للدولة.

3ـ لنشر هذه الحقيقة الرسمية تقوم الدولة بنفسها باحتكار مزدوج لوسائل القوة, ووسائل القمع. و تضع تحت إدارتها وتوجيهها مجموعة وسائل الاتصالات, من صحافة, وإذاعة وتلفيزيون, وغيرها من الوسائل.

4ـ تخضع النشاطات الاقتصادية والمهنية للدولة, وتصبح جزءا منها, وبما أن الدولة غير قابلة للفصل عن إيديولوجيتها, فان غالبية النشاطات الاقتصادية والمهنية تطبع بالطابع الرسمي.

5ـ وعندها تصبح الدولة منظمة الأنشطة وخالقها. ويصبح كل نشاط خاضع للإيديولوجية الرسمية. وكل خطيئة ترتكب في نشاط اقتصادي, أو مهني, يعتبر خطا إيديولوجيا . ( Raymond Aron, Démocratie et totalitarisme, folio essais ).

أما موريس ديفرجيه فقد انتقد بشدة الكتاب في الشمولية, وبشكل خاص, حنا اراندت Hannah Rrendt لأنهم لم يعيروا أهمية تذكر للفوارق بين الشمولية في تجسدها الكامل في ألمانيا النازية, والأقل كمالا في ايطاليا الفاشية, وبين الشمولية في تجسداتها الشيوعية. فالأنظمة النازية والفاشية قامت على نظرة عدم المساواة بين الأعراق, وبين الأفراد, وعلى ضرورة إقامة ديكتاتورية دائمة. أما الشمولية الشيوعية فتؤكد على المساواة بين البشر, والثقة بإمكانيات ازدهارهم عند تحررهم من الرأسمالية, وبان ديكتاتورية البروليتاريا انتقالية, تهدف لبناء قواعد الديمقراطية المستقبلية.

كما أشار Carl Friedrich إلى 5 صفات أساسية تميز النظام الشمولي : حزب وحيد يراقب جهاز الدولة, يديره رئيس ذو كاريزما خاصة. إيديولوجية دولة تحتوي على أبعاد خارج حدودية وأممية. جهاز بوليسي يعمد للإرهاب. إدارة مركزية للاقتصاد. احتكار وسائل الاتصال الجماهيرية.

يضاف إلى ذلك, كما يرى, الممارسات العملية اليومية المنظمة والدائمة, الحاملة للتسلط والاستبداد مثل: الاستيلاء على العملية التربوية, وإقامتها على قاعدة الإيديولوجية الرسمية. وضع شبكة من الرقابة على الأفراد حاضرة دائما وشديدة الفاعلية. تسخير التكنولوجيا الحديثة للسيطرة الكاملة الشاملة على كل نواحي حياة المواطنين. تنظيم السكان بشكل يُسهل إخضاعهم عقليا و جسديا, مستخدمة الأدلجة كوسيلة ناجعة endoctrinement لغسل الأدمغة..

وحسب كلود بولين Claud Polin تسمح الإيديولوجيات الشمولية " بوضع العقول في حالة عبودية, وتعيقها في منبعها الحي عن كل تمرد, ملغية فيها حتى إمكانية تبلور النية في ذلك".

أما Emilio Gentile فيرى أن " من عبارة الشمولية يُفهم: تجربة هيمنة سياسية تقودها حركة ثورية مكونة في حزب عسكري التنظيم, يستجيب لمفهوم سياسي أصولي. يهدف لاحتكار السلطة, ويعمل بعد استلامها, بطرق غير شرعية, لهدم النظام السابق عليه أو إعادة صياغته, ويقيم دولة جديدة, مؤسسة على الحزب الواحد. وتقوم هذه الدولة الجديدة بالسطو على المجتمع, لإخضاعه أو إدماجه أو مجانسة

Homogénéisation المحكومين, على قاعدة سياسة شمولية الوجود, تطال الأفراد و المجموعات, حسب الإيديولوجية المبنية بصيغة دين سياسي. والهدف إعادة تكوين الإنسان, وخلقه خلقا جديدا, روحا وجسدا, لتحقيق أهداف الحزب والتكيف معها".

أدخلت الإيديولوجية الشمولية خليطا من المفاهيم والقيم يجمع أساطير و أوهام وتمنيات. مثل المجال الحيوي, وإرادة القوة, و الفتح, و التوسع العسكري, والأمن المحكم, لتصبح في السياسة الرسمية للدولة الشمولية.

ولابد من الإشارة هنا إلى أن بعض المعادين, عن حق, للنظم الشمولية المتضمنة النازية والفاشية, والمرحلة الستالينية, في النظام السوفيتي, يبرز جانبا معينا من جرائم تلك الأنظمة, فيسلط الضوء على ما ارتكبته ضد اليهود, دون غيرهم, من استئصال واضطهاد وقمع. في حين ان الموضعية والعلمية في النقد والتحليل والتأريخ تقتضي إبراز , وبالقدر نفسه من الأهمية , ما عانته, وتعانيه الشعوب التي ابتليت بنازييها وفاشييها القدم, وشموليها الجدد, من استئصال وقمع واضطهاد, لا يقل عما تعرض له اليهود. مما يوحي وكأن هذا البعض يبرر الاستئصال والاضطهاد, والمآسي الدائمة, إذا ما ارتكبتها أنظمة توصف بأنها غير شمولية, أو بأنها ديمقراطية, على شعوب غير غربية أو يهودية.

ولعل فيما كتبه هايس كارلتون Carlton H. Hayes وهانس كوهين Hans Kohn في تحليل للفلسفة الشمولية على أنها " تمرد ضد الحضارة التاريخية الغربية في مجموعها" و " ضد الحداثة والتوازن في عهد الإغريق. ضد النظام والشرعية في روما القديمة, ضد القوانين والعدالة عند الأنبياء اليهود , ضد المسيحية, والرحمة والتسامح والسلام عند المسيح, ضد كل الإرث الثقافي الواسع للكنيسة المسيحية في العصور الوسطى, ضد عصر التنوير والعقل في القرن 18 . ضد الديمقراطية الليبرالية في القرن 19, لقد نسفت كل هذه العناصر البناءة لحضارتنا التاريخية وقادت كفاحا معنويا ضد كل ما يثقف الذاكرة" (مشار إليه في الشمولية المرجع السابق ص. 35 ).

اللجوء ـ التحريضي ـ للتاريخ الإنساني لوصف الشمولية ــ مع إغفال مقصود لتاريخ وحضارات شعوب أخرى إسلامية وأسيوية وافريقية ــ كما أورده الكاتب, ليس في رأينا تحليلا موضوعيا لها, بقدر ما هو تحريض عاطفي مقصود, واستدرار مقنع للعطف على فئات بعينها, للأسباب بعينها. علما بان التاريخ الذي ذكره ليس كله وردي, ودون خطايا, ودون فترات ظلام حالك, عرف ممارسات تعادل, ان لم تكن تفق, وحشية المراحل الفاشية والنازية, من حيث النوع, وان قلت عنها من حيث الكم, لعدم توفر ما توفر لشمولي القرن العشرين من وسائل التكنولوجيا, وأسلحة الدمار الشامل.

كما أن الشمولية نفسها لم تأت من فراغ, فهي بنت الواقع, ووريثة ممارسات عرفها التاريخ المشار إليه, مترسبة في العقول وكامنة في الأفكار المتطرفة, والنظرات الفوقية العنصرية, ويمكنها الظهورإذا ما الفرص سنحت.

وعليه, كنا نأمل أن يحلل مثل هؤلاء المفكرين ظاهرة الشمولية, والأنظمة الشمولية, من منطلق متجرد عن كل خلفية فكرية فئوية ,ليصار لمواجهتها كعقيدة ونظام, و برامج سياسية, بالتصدي لكل ما يقود إليها, في كل زمان و مكان من عالمنا, وبروح إنسانية.

فهل خصص, على سبيل المثال, علماء الاجتماع, والسياسة, والقانون, والأخلاق, والفلسفة, ورجال الدين الغربيون, بعض جهدهم, حتى لا نقول بعض المؤلفات, لدراسة وتحليل ــ بموضعية ومسؤولية وأخلاقية تقتضيها مستلزمات العيش المشترك في عالم أصبحت أحداثه مترابطة, ويؤثر بعضها ببعض, أينما كان مكان الحدث في هذا الكون الصغير ــ ما تعرض و يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ عقود؟. أم أنها مباحة الجرائم المرتكبة باسم الديمقراطية والواقعة على غير ديمقراطيين؟

وهل خص هؤلاء بالدراسة والتحليل الدور" الديمقراطي" الداعم للأنظمة الشمولية ــ من قبل زعماء ديمقراطيين في دول ديمقراطية ــ في اغتصابها للسلطة وممارساتها القمعية ضد شعوبها وبأدوات مستوردة, بأثمان باهظة, من دول ديمقراطية؟ الا يتعارض هذا مع التاريخ الذي يذكّر بعضهم به؟ أم أن الأمر متعلق بعالم أخر ــ لم يعد ثالثا, بانتظار إعادة الترتيب والتصنيف في عصر القطب الواحد والعولمة ـ يعيش في دول غير ديمقراطية, وبحضارات غير غربية؟

ليس في شكل النظام الديمقراطي الاعتداد, وإنما في مدى تمثل القيم الديمقراطية الحقيقية, وإعلائها على كل الاعتبارات. وانه دون دمقرطة démocratisation فعلية للعلاقات الدولية يصح الحديث عن مجتمع دولي, ورؤية دولية فعلية حديثا تضليليا, ويبقى القول قول بوش, والرؤية رؤيته, ورؤية غيره من المنصبين أنفسهم زورا ناطقين ومقررين باسم هذا المجتمع, دون تكليف أو تفويض. أليس في بقاء الحال على حاله, تجسيد واستمرارية للشمولية المطلقة في العلاقات الدولية؟

وفي المجال الداخلي في المنطقة العربية, كان للتطورات التي أعقبت انهيار الدول الاشتراكية, و اضمحلال دور الإيديولوجية في أواخر القرن العشرين ــ بسقوط الأنظمة التي كانت تقيم الدولة بأكملها على الايدىلوجبة ــ أثره الكبير على الإيديولوجيات الضحلة, القادمة استيرادا, أو المصنعة محليا للمنافسة, فمسخت من "إيديولوجيات" إلى مجرد شعارات, تتغير بتغير المراحل والمواقف الداخلية والخارجية.

و في ترتيب الشمولية الداخلية, حيث قصب السبق دوما لنا, طور الشموليون أنفسهم بتطور العصر ومعطياته. فأصبحت الديمقراطية واجهة مطلوبة, وأكثرا لمعانا منها في دول الديمقراطيات الغربية. وأصبحت كلمة الشمولية, أو النظام الشمولي, إهانة يلاحق عليها المتلفظ بها. فأقيمت برلمانات, أو مجالس شعب, أو لجان شعبية. أو مجالس نيابية ـ ويُفكر البعض بمجالس شيوخ, غير قبلية ـ ومع اختلاف التسميات لا تختلف الأدوار الموكولة إليها, وان تفاوتت المزايا المادية لأعضائها. مع عدم نسيان فصل السلطات واستقلال القضاء ونزاهة العدالة التي لا يعيبها تدخل أصحاب النفوذ, أو رجال الأمن في اختصاصاتها. ما دام الهدف واحد والمصلحة واحدة, وشاملة.