- الثلاثاء ديسمبر 14, 2010 5:06 pm
#30412
أوليات السياسة السعودية
يسعى الملك عبد الله إلى حل الأزمة الفلسطينية المشتعلة بين "حماس" وفتح، كما طرحت رياض مبادرتين لحل القضية الفلسطينية. سياسة المملكة العربية السعودية تجاه إسرائيل في مأزق. فهذه الدولة تشكل بجانب إسرائيل الحليف الأكثر أهمية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. من ناحية أخرى يحدوها مطمح تبوء زعامة العالمين العربي والإسلامي. بقلم غيدو شتاينبرغ
لهذا السبب فقد وقعت الحكومة السعودية في إطار السياسة الداخلية مرارا تحت ضغوط عديدة. على ضوء موقع الانطلاق هذا فقد أيدت السياسة السعودية مرات عديدة الجهود المبذولة من أجل تكريس حل سلمي للنزاع العربي الإسرائيلي.
ليس ذلك فقط بل لقد عمدت بنفسها مرتين إلى وضع خطط لاحتواء هذا النزاع (1981 و2002). من الناحية الأخرى ما فتئ الرأي العام سواء في السعودية أو في المنطقة كلها يطالب هذه الدولة بالاستفادة من موقعها كأهم دولة في العالم في سياق إنتاج النفط من أجل التدخل في تسوية النزاعات المشتعلة في العالم العربي.
التركيز على منطقة الخليج
الملاحظ أن لدى السعودية بعد الفشل الذي منيت به العملية السلمية للشرق الأوسط في عام 2000 رغبة قوية متزايدة في احتواء الدوامة المذكورة من خلال العمل بنفسها على تكريس حل سلمي للنزاع الدائر بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
كما أن السعودية تشعر بإلحاح بالحاجة إلى الوصول إلى مثل هذا الحل نظرا لكونها تريد التفرغ لمنطقة الخليج التي باتت تشكل المحور الرئيسي لسياستها الخارجية منذ عام 1979 على الأقل.
فالسعودية في حاجة ماسة اليوم إلى التحالف الأمني مع الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى لكي تستطيع حماية نفسها والتصدي للتيارات المتزيدة عدوانية من قبل إيران. لكن السعودية تدرك أيضا بأنه لا يمكن احتواء النقد الموجه لها بسبب هذا التحالف إلا إذا تحقق تقدم واضح في الطريق نحو حل نزاع الشرق الأوسط.
مرة واحدة فقط وذلك في عام 1973 انجرت السعودية تحت الضغط الذي وقع عليها من الرأي العام العربي في خضم النزاع العربي الإسرائيلي. يومها بدأت السعودية تتبوأ مركزا قياديا في العالم العربي نتيجة لارتفاع عائداتها من النفط .
وعندما اعتمدت الولايات المتحدة في الأسبوع الثاني من اندلاع حرب أكتوبر/تشرين عام 1973 مساعدات مالية إضافية لإسرائيل أصدرت منظمة الدول العربية المصدرة للنفط (أوأبيك) التي تزعمتها السعودية قرارا ينص على حظر تصدير النفط إلى كل من الولايات المتحدة وهولندا.
سلاح النفط وانعكاساته
لم تقدم الحكومة السعودية على اتخاذ هذه الخطوة إلا بعد تردد كبير تخوفا منها للانعكاسات الاقتصادية السلبية التي قد تنجم عن ذلك. وبحقيقة الأمر فقد أفرز الارتفاع الكبير في أسعار النفط في غضون التسعينيات تراجعا ملحوظا في الطلب في غضون أوائل الثمانينيات، الأمر الذي أدى إلى وقوع أزمة ذات أبعاد اقتصادية وسياسية في المملكة العربية السعودية دامت حتى عام 2002.
هذا ويروى بالإضافة إلى ذلك بأن الملك فيصل الذي حكم البلاد في تلك المرحلة (1964- 1975) كان قد اتخذ إجراء الحظر دون طوع إرادته وبناء على ضغط داخلي حاد وقع تحته، أي أنه كان يرغب في الأصل تفادي تبني موقف صريح مناوئ للولايات المتحدة وإسرائيل.
وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في واشنطن 2003 على وجه عام كانت لإجراءات الحظر تداعيات خطيرة بالنسبة للسياسة السعودية كما أنها لم تجعل خصوم الحكومة السعودية سواء في الداخل أو في المحيط الإقليمي يعدلون عن موقفهم المعارض لها.
انصب جل اهتمام السياسة الخارجية السعودية منذ السبعينيات على النزاع القائم بينها وبين جارتيها الضالعتين في القوة والنفوذ أي العراق وإيران. وكانت الرياض تشعر على عكس القراءة الرسمية المعلنة لسياستها بأن مصدر الخطر الرئيسي الذي كان منصبا عليها هما هاتان الدولتان المجاورتان الواقعتان على الخليج وليست إسرائيل في حد ذاتها.
بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ساورت عائلة سعود الحاكمة مخاوف حيال السياسة التي انتهجها آية الله خميني كما أنها نظرت بمشاعر الريبة والشك لنظام صدام حسين في العراق. تبينت من بعد صحة المخاوف السعودية حيال العراق الأمر الذي دل عليه إرسال العراق قوات لغزو الكويت في أغسطس (آب) 1990.
دعم عسكري
منذ الثمانينيات عمدت الحكومة السعودية إلى التواصل في تعزيز أواصل تحالفها مع الولايات المتحدة بهدف ضمان حماية البلاد من الأطماع العدوانية لهاتين الدولتين المجاورتين. وقد وفرت الولايات المتحدة بناء على ذلك التحالف بنى وهياكل عسكرية حديثة في السعودية الأمر الذي جعل القوات الأمريكية في عام 1990 قادرة على إرسال مئات الآلاف من الجنود وكميات وفيرة من الأسلحة والعتاد إلى السعودية في غضون أسابيع قليلة.
ما زالت الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة والسعودية مبنية حتى اليوم جوهريا على قاعدة إنشاء هذه الهياكل العسكرية والمحافظة عليها.لكن اعتماد السعودية على الولايات المتحدة على نحو مرئي واضح يشكل خاصة في سياق الأوضاع الداخلية للملكة إشكالية دقيقة لا سيما وأن واشنطن هي في نفس الوقت الحليف الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل.
تحاول الحكومة السعودية تجاوز هذا المأزق من خلال إبراز موقعها السياسي على أنه مناوئ لإسرائيل. لكنها تسعى في آن واحد إلى المساهمة في تسوية النزاع العربي الإسرائيلي. فقد قدم ولي العهد السعودي الأمير عبد الله (أصبح ملكا ابتداء من شهر أغسطس/ آب 2005) مبادرة سلام في فبراير/ شباط 2002 تضمنت عرضا موجها لإسرائيل بالاستعداد لتطبيع العلاقات بين الدول العربية المجاورة لها وبينها لقاء انسحابها من كل المناطق التي احتلتها عام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية.
هذا وقد وافقت الدول الأعضاء في الجامعة العربية في الشهر اللاحق على تلك المبادرة في وثيقة "بيان بيروت". دلت مبادرة عبد الله مرارا وتكرارا على أن السعودية تحرص حرصا فائقا على تكريس حل سلمي للنزاع القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وقد شدد الملك عبد الله على رغبته هذه في المساهمة في الحل السلمي من خلال دعوته لممثلي "حماس" وفتح للحضور إلى مكة في شهر يناير/كانون الثاني 2007 الماضي بغرض التوسط بين هذين الطرفين المتنازعين.
ونظرا لأن الرياض تخشى أن تصبح إيران الدولة القيادية الأولى في المنطقة فإنها تعمل على الحيلولة دون وقوع النزاع الفلسطيني الإسرائيلي تحت تأثير الرئيس الإيراني أحمدي نجاد من خلال العلاقة القائمة بين إيران و"حماس".
هنا يمكن تفسير أمر قد يبدو من الوهلة الأولى غريبا أي تقارب المصالح في هذا السياق بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، ذلك أن كلا هاتين الدولتين تعملان على الحيلولة دون اتساع مجال الهيمنة الإيرانية بحيث تشمل العالم العربي أيضا.
يسعى الملك عبد الله إلى حل الأزمة الفلسطينية المشتعلة بين "حماس" وفتح، كما طرحت رياض مبادرتين لحل القضية الفلسطينية. سياسة المملكة العربية السعودية تجاه إسرائيل في مأزق. فهذه الدولة تشكل بجانب إسرائيل الحليف الأكثر أهمية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. من ناحية أخرى يحدوها مطمح تبوء زعامة العالمين العربي والإسلامي. بقلم غيدو شتاينبرغ
لهذا السبب فقد وقعت الحكومة السعودية في إطار السياسة الداخلية مرارا تحت ضغوط عديدة. على ضوء موقع الانطلاق هذا فقد أيدت السياسة السعودية مرات عديدة الجهود المبذولة من أجل تكريس حل سلمي للنزاع العربي الإسرائيلي.
ليس ذلك فقط بل لقد عمدت بنفسها مرتين إلى وضع خطط لاحتواء هذا النزاع (1981 و2002). من الناحية الأخرى ما فتئ الرأي العام سواء في السعودية أو في المنطقة كلها يطالب هذه الدولة بالاستفادة من موقعها كأهم دولة في العالم في سياق إنتاج النفط من أجل التدخل في تسوية النزاعات المشتعلة في العالم العربي.
التركيز على منطقة الخليج
الملاحظ أن لدى السعودية بعد الفشل الذي منيت به العملية السلمية للشرق الأوسط في عام 2000 رغبة قوية متزايدة في احتواء الدوامة المذكورة من خلال العمل بنفسها على تكريس حل سلمي للنزاع الدائر بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
كما أن السعودية تشعر بإلحاح بالحاجة إلى الوصول إلى مثل هذا الحل نظرا لكونها تريد التفرغ لمنطقة الخليج التي باتت تشكل المحور الرئيسي لسياستها الخارجية منذ عام 1979 على الأقل.
فالسعودية في حاجة ماسة اليوم إلى التحالف الأمني مع الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى لكي تستطيع حماية نفسها والتصدي للتيارات المتزيدة عدوانية من قبل إيران. لكن السعودية تدرك أيضا بأنه لا يمكن احتواء النقد الموجه لها بسبب هذا التحالف إلا إذا تحقق تقدم واضح في الطريق نحو حل نزاع الشرق الأوسط.
مرة واحدة فقط وذلك في عام 1973 انجرت السعودية تحت الضغط الذي وقع عليها من الرأي العام العربي في خضم النزاع العربي الإسرائيلي. يومها بدأت السعودية تتبوأ مركزا قياديا في العالم العربي نتيجة لارتفاع عائداتها من النفط .
وعندما اعتمدت الولايات المتحدة في الأسبوع الثاني من اندلاع حرب أكتوبر/تشرين عام 1973 مساعدات مالية إضافية لإسرائيل أصدرت منظمة الدول العربية المصدرة للنفط (أوأبيك) التي تزعمتها السعودية قرارا ينص على حظر تصدير النفط إلى كل من الولايات المتحدة وهولندا.
سلاح النفط وانعكاساته
لم تقدم الحكومة السعودية على اتخاذ هذه الخطوة إلا بعد تردد كبير تخوفا منها للانعكاسات الاقتصادية السلبية التي قد تنجم عن ذلك. وبحقيقة الأمر فقد أفرز الارتفاع الكبير في أسعار النفط في غضون التسعينيات تراجعا ملحوظا في الطلب في غضون أوائل الثمانينيات، الأمر الذي أدى إلى وقوع أزمة ذات أبعاد اقتصادية وسياسية في المملكة العربية السعودية دامت حتى عام 2002.
هذا ويروى بالإضافة إلى ذلك بأن الملك فيصل الذي حكم البلاد في تلك المرحلة (1964- 1975) كان قد اتخذ إجراء الحظر دون طوع إرادته وبناء على ضغط داخلي حاد وقع تحته، أي أنه كان يرغب في الأصل تفادي تبني موقف صريح مناوئ للولايات المتحدة وإسرائيل.
وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في واشنطن 2003 على وجه عام كانت لإجراءات الحظر تداعيات خطيرة بالنسبة للسياسة السعودية كما أنها لم تجعل خصوم الحكومة السعودية سواء في الداخل أو في المحيط الإقليمي يعدلون عن موقفهم المعارض لها.
انصب جل اهتمام السياسة الخارجية السعودية منذ السبعينيات على النزاع القائم بينها وبين جارتيها الضالعتين في القوة والنفوذ أي العراق وإيران. وكانت الرياض تشعر على عكس القراءة الرسمية المعلنة لسياستها بأن مصدر الخطر الرئيسي الذي كان منصبا عليها هما هاتان الدولتان المجاورتان الواقعتان على الخليج وليست إسرائيل في حد ذاتها.
بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ساورت عائلة سعود الحاكمة مخاوف حيال السياسة التي انتهجها آية الله خميني كما أنها نظرت بمشاعر الريبة والشك لنظام صدام حسين في العراق. تبينت من بعد صحة المخاوف السعودية حيال العراق الأمر الذي دل عليه إرسال العراق قوات لغزو الكويت في أغسطس (آب) 1990.
دعم عسكري
منذ الثمانينيات عمدت الحكومة السعودية إلى التواصل في تعزيز أواصل تحالفها مع الولايات المتحدة بهدف ضمان حماية البلاد من الأطماع العدوانية لهاتين الدولتين المجاورتين. وقد وفرت الولايات المتحدة بناء على ذلك التحالف بنى وهياكل عسكرية حديثة في السعودية الأمر الذي جعل القوات الأمريكية في عام 1990 قادرة على إرسال مئات الآلاف من الجنود وكميات وفيرة من الأسلحة والعتاد إلى السعودية في غضون أسابيع قليلة.
ما زالت الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة والسعودية مبنية حتى اليوم جوهريا على قاعدة إنشاء هذه الهياكل العسكرية والمحافظة عليها.لكن اعتماد السعودية على الولايات المتحدة على نحو مرئي واضح يشكل خاصة في سياق الأوضاع الداخلية للملكة إشكالية دقيقة لا سيما وأن واشنطن هي في نفس الوقت الحليف الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل.
تحاول الحكومة السعودية تجاوز هذا المأزق من خلال إبراز موقعها السياسي على أنه مناوئ لإسرائيل. لكنها تسعى في آن واحد إلى المساهمة في تسوية النزاع العربي الإسرائيلي. فقد قدم ولي العهد السعودي الأمير عبد الله (أصبح ملكا ابتداء من شهر أغسطس/ آب 2005) مبادرة سلام في فبراير/ شباط 2002 تضمنت عرضا موجها لإسرائيل بالاستعداد لتطبيع العلاقات بين الدول العربية المجاورة لها وبينها لقاء انسحابها من كل المناطق التي احتلتها عام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية.
هذا وقد وافقت الدول الأعضاء في الجامعة العربية في الشهر اللاحق على تلك المبادرة في وثيقة "بيان بيروت". دلت مبادرة عبد الله مرارا وتكرارا على أن السعودية تحرص حرصا فائقا على تكريس حل سلمي للنزاع القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وقد شدد الملك عبد الله على رغبته هذه في المساهمة في الحل السلمي من خلال دعوته لممثلي "حماس" وفتح للحضور إلى مكة في شهر يناير/كانون الثاني 2007 الماضي بغرض التوسط بين هذين الطرفين المتنازعين.
ونظرا لأن الرياض تخشى أن تصبح إيران الدولة القيادية الأولى في المنطقة فإنها تعمل على الحيلولة دون وقوع النزاع الفلسطيني الإسرائيلي تحت تأثير الرئيس الإيراني أحمدي نجاد من خلال العلاقة القائمة بين إيران و"حماس".
هنا يمكن تفسير أمر قد يبدو من الوهلة الأولى غريبا أي تقارب المصالح في هذا السياق بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، ذلك أن كلا هاتين الدولتين تعملان على الحيلولة دون اتساع مجال الهيمنة الإيرانية بحيث تشمل العالم العربي أيضا.