- الخميس إبريل 10, 2008 1:38 pm
#2632
لا تزال وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس من السياسيين القلائل المتبقين في إدارة الرئيس الحالي جورج دبليو بوش، بعد أن غادر كل من كولن باول ودونالد رامسفيلد. إنها رايس، التي تحولت من الأدوار الهامشية والخطوط الجانبية خلال الفترة الرئاسة الأولى لبوش، إلى الأدوار الرئيسية والفعالة والتي يسطع نجمها عالياً الآن، ويظهر تأثيرها كوزيرة للخارجية في كل مكان.
لقد سعت رايس بجهد كي تجعل رئيسها السابق روبرت غيتس وزيراً للدفاع خلال الحقبة الثانية من حكم الرئيس جورج بوش، وتزعمت الجهود الأمريكية الرامية إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وفتحت باب المفاوضات مع كوريا الشمالية وشددت على أهمية التواصل مع أوروبا الغربية، مما أثار حفيظة العديد من المحافظين الجدد المتعصبين أمثال نائب الرئيس ديك تشيني و السفير السابق إلى الأمم المتحدة جون بولتون الذي لطالما تذمر بأن "رئيسته" رايس تفتقد إلى الفطنة لكي تتمكن من دعم مصالح أميركا الحقيقية وبأن الرئيس بوش "لا يراقبها بشكل كافٍ".
ويشير هذا الكتاب إلى مراحل التحول والتغيير التي مرت بها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس وخاصة في علاقاتها وسياساتها ونظرتها إلى منطقة الشرق الأوسط. وتلفت الكاتبة إلى أن الانقلاب في الاتجاه السياسي الذي هيمن على رايس هو أمر شخصي جداً. فخلال الفترة الرئاسية الأولى لبوش، كان هناك عدد محدود من المسئولين الذين أيدوا الحرب على العراق بحماس أكثر من رايس، التي وبخت المتشككين وكأنهم تلاميذ مدرسة جانحين بحاجة إلى مربية متزمتة. وجابهت رايس المستشارين القدامى أمثال مستشار الأمن القومي السابق برينت سكوكروف، الذي غامر في أغسطس/آب 2002 بالتشكيك بالنوايا الأمريكية من غزو العراق متسائلاً عن ما هي الحكمة من مهاجمة بغداد ؟ إذاً فهل رايس ببساطة هي إنسانة انتهازية تكسر شوكتها من أجل رؤسائها؟ أم أنها فعلياً سياسية ودبلوماسية محنكة تسعى إلى ما هو أبعد من التمهيد لارتقائها السياسي؟
تقدم اليزابيت بوميلير في كتابها "كوندليزا رايس: حياة أميركية" فرصة طيبة لتقييم وزيرة الخارجية الأمريكية التي أصبحت أول امرأة سوداء تتزعم الدبلوماسية الأمريكية. إن بوميلير مستعدة بشكل جيد لهذه المهمة في كانت مراسلة صحيفة نيويورك تايمز في واشنطن وقامت بتغطية أخبار البيت الأبيض من 10 أيلول/سبتمبر 2001 ولغاية 2006. وترصد الكاتبة والصحفية بنفاذ بصيرة ليس فقط اعتلاء رايس منصب صنع القرار وروابطها القوية مع جورج دابليو بوش، ولكن أيضاً تاريخها الشخصي والمهني. وقد قامت بوميلير بإجراء العديد من المقابلات بما في ذلك 10 مقابلات مع رايس. لقد ظهرت عدة كتب عن رايس ولكن يبدو بأن هذا الكتاب هو الأكثر توازناً والأكثر عمقاً وشمولاً.
وكما تشير بوميلير بدهاء في كتابها عن السيرة الشخصية لوزيرة الخارجية الأمريكية فإن كلاً من بوش و رايس هما من منتجات النخبة الأميركية: فبالنسبة للرئيس بوش فهو ينحدر من سلالة البروتستانت الانغلو-ساكسون البيض الشمالية الشرقية، بينما تأتي رايس من طبقة نبلاء السود الجنوبية. و في حين أنهما يتمتعان ظاهرياً بثقة كبيرة بالنفس، فهما يتشاركان استياءً متوانياً من كونهما لا يقدران حق قدرهما ومُسلم بهما. ولكن هنالك اختلاف هام: في حين أن بوش أمضى سنواته مدللاً نفسه قبل أن يكتشف مهنته، كانت لدى رايس رغبة جامحة بالنجاح منذ البداية، وقد منحها لها والديها جون وانجيلينا رايس، خلال مرحلة طفولتها في بيرمينغهام، في بداية الستينات. كان الضغط كثيفاً، وفقاً لرأي بوميلير، "فقد نذر جون وانجيلينا قلبيهما في مشروع حياتهما: تدريس وقولبة وصقل طفلتهما المدللة كوندليزا".
كان من المنتظر أن تتفوق رايس إن كان في البيانو أو الباليه أو قواعد التشريفات أو اللغة الفرنسية، فقد كدس والداها الكثير من الكتب على الطاولة بجانب السرير. وكتبت بوميلير بأنها "قد توقفت عن القراءة من أجل المتعة، ولم تتوقف عن ذلك حتى اليوم". وقد توسعت فلسفة العائلة من الاعتماد على الذات إلى حركة الحقوق المدنية: لا تزال رايس تستاء من فكرة أن الشماليين سافروا إلى الجنوب وأنقذوا المحليين البائسين. على الرغم من محاولات أهلها حماية ابنتهم، قدر الإمكان، من التوترات العرقية، فبالكاد تمكنت من تجنب إحساسها المرهف حول من يسيطر على النفوذ في الجنوب، بسبب الاضطراب الذي كان يُعرف بالـ "بومبينغهام".
كانت اهتمامات رايس بالسياسة مجرد عابرة إلى أن وصلت إلى جامعة دنفر. وقد تغير ذلك عام 1973 عندما تلقت دورة تمهيدية في السياسات الدولية كان المحاضر فيها جوزيف كوربيل، وهو لاجئ تشيكي ووالد وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت. وقد افتتنت رايس بتصوير كوربيل للدسائس والخيانات التي جعلت من ستالين دكتاتوراً. وأصبحت واقعية رابطة الجأش، تتحاشى العاطفة واستهوتها قصص الممارسة البربرية لسلطة الحزب الشيوعي، والمناعة للقيود التي تشغل المجتمع الديمقراطي.
يمكن القول بأن رايس اتبعت سياسة واقعية جداً للتقدم في مهنتها. و كان سكوكروفت هو الذي ساعدها على الدخول إلى عالم المتحيزين التقليدي في مجلس العلاقات الخارجية. وقد تأثر بصلابة رايس أثناء عشاء جامعة ستانفورد مع أخصائيي التحكم بالأسلحة في عام 1985، وبعد ذلك بثلاث سنوات عرض عليها عمل في إدارة جورج اتش دبليو بوش الأب، كخبيرة ومحللة ومستشارة في الشؤون الروسية في مجلس الأمن القومي.
وفي عام 1993 استدرجها غيرهارد كاسبر، رئيس جامعة ستانفورد الجديد لتصبح عميدة؛ إلا أن رايس خفضت ميزانيتها وتحدت إجراءات العمل (والذي استفادت منه شخصياً)، فقد اكتسبت عداء العديد من الطلاب والكثير من أعضاء الكلية بسبب أسلوبها الفج. وتعتمد عقيدة رايس، كما قالت لأحد المحافظين، بأنه "قد يعارضك العديد من الناس، ولكن عندما يدركوا بأنه بإمكانك إيذائهم، سوف يتخذون صفك".
وكانت ثورة رايس الكبيرة بالتأكيد هي صداقتها مع جورج دبليو بوش. ووفقاً لما تقوله بوميلير في كتابها عن حياة رايس: "لم يكن بوش يعرف الكثير من السود بشكل جيد، وجعله ذلك يشعر بالرضا عن نفسه أنه تمكن من التعايش بسهولة مع رايس". أما رايس "فقد كانت ترى بأنه بحاجة لها أكثر مما كان والده، وجعلها ذلك تشعر بأهميتها وحيويتها".
وعلى الرغم من علاقتهما القوية، كانت لدى بوش فكرة مبهمة عن الدور الذي يمكن لمستشار الأمن القومي أن يلعبه. وتؤنب بوميلير رايس لتفانيها في خدمة بوش "وبتلك الحالة إلى جانب الرجال الهامين الآخرين في حياتها مثل كاسبر كوربيل، سكوكروفت، ووالدها، فإن رايس كانت تقوم بما يطلبه منها الرئيس". كان هناك القليل من الشك بأن رايس تتصرف بشكل يفوق طاقتها إلى حد كبير.
وتقول بوميلير بأن نائب الرئيس ديك تشيني حاول، في الأيام الأولى لإدارته، امتلاك سلطة رايس في إدارة اجتماعات مجلس الأمن القومي أثناء غياب بوش. كانت رايس مندهشة. وقالت له في أكثر من مناسبة عندما حاول فرض سيطرته عليها: "سيدي الرئيس، هذا هو عمل مستشاري الأمن القومي". وفازت بهذه المعركة ولكنها خسرت الحرب. حيث وضع تشيني ورامسفيلد حداً لذلك، بعد لقاء بوش في المكتب البيضاوي للنظر بالسياسة الخارجية وتحويل منصب رايس إلى منصب رسمي، حيث تردد كالببغاء بشكل مطيع منهج الإدارة في نشر الحرية والديمقراطية في العالم.
وعندما بقي عام واحد على مغادرة بوش لمكتبه، أصبحت ملاحظات بوميلير غير جازمة، ولكنها تلاحظ بأنه "كان من الواضح من التحولات العديدة لرايس بأن إيديولوجيتها الحقيقية لم تكن مثالية أو واقعية أو أنها تدافع عن قلاع الحرية فعلاً، على الرغم من أنها تعرض مواداً لكل هذه الأمور. كانت إيديولوجيتها الحقيقية هي النجاح".
كانت علة رايس، في أغلب الأحيان، أنها تعرف النجاح من منظور شخصي ضيق، الأمر الذي دعاها إلى إلقاء نفسها أمام بوش. ومع ذلك، تشير فورة حركاتها الدبلوماسية إلى أنها مدركة بأنها يجب أن تتحمل بعض من الإنجازات الفعلية أو أن تجازف بأن تكون في غير موضعها أو مغادرة منصبها. بالنسبة إلى رايس لم يعد مجرد البقاء كافياً.
ويستعرض الكتاب مواقف كوندليزا رايس الخارجية، فبالنسبة للموضوع الحساس حول الطموحات النووية لكوريا الشمالية، فقد فشلت رايس كمستشار للأمن القومي في فرض سياسة متجانسة على حمائم وصقور الإدارة. وكانت النتيجة وقف المفاوضات وسنوات من العطالة حيث استعملت كوريا الشمالية مخزوناً كافياً من البلاتينيوم لأكثر من دزينة من الأسلحة، حتى قادت التنازلات الأميركية أخيراً في عام 2007 إلى اتفاقية بيونغ يانغ لإغلاق مفاعلها النووي.
كما يعرض الكتاب تفاصيل جديدة حول دور رايس السري في انسحاب إسرائيل من غزة، ومناورتها على بيروقراطية الحكومة لتحقق صفقة طاقة نووية محورية مع الهند، ولإقناعها لبوش لدعم بادرة إيران الدراماتيكية، وفشلها في منع كوريا الشمالية من القيام باختبارها النووي، ونضالها لاحتواء الحرب الفتاكة بين إسرائيل ولبنان. لا يكتفي الكتاب الذي كُتب ببراعة بإظهار إهانتها الخاصة والعامة للمسئولين الخارجيين ولكن أيضاً كيف نجح سحرها ولباقتها في رأب العلاقات المتصدعة مع دول ما وراء البحار.
أما بالنسبة للشرق الأوسط، فقد نادت كوندليزا رايس "بالديمقراطية"، في الوقت الذي عارض فيه العديد من الديمقراطيون والجمهوريون التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط لدرجة أن السيناتور هنري هايد، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في حينها، حذر من قوة خارجية تحاول زرع الديمقراطية في مجتمع غير دارٍ بها. وعندما فازت حماس بالانتخابات الفلسطينية وتصرف الرئيس حسني مبارك بحزم مع أحزاب المعارضة، كان على رايس أن تعود أدراجها وتتراجع عن المطالبة المستمرة و الحاجة إلى الديمقراطية.
بالنسبة للعراق، كانت رايس بمنصبها كمستشار للأمن القومي في فترة بوش الرئاسية الأولى قد فشلت في الوقوف أمام رغبات ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد بالتحضير لحرب العراق. وبدا أن رايس كانت تحمل مسؤوليات جسام "لكل من الطريقة الاعتباطية التي اتخذ بها قرار مهاجمة العراق وفشل الإدارة في الوصول إلى خطة من أجل الاحتلال". وقدمت موضوع الحرب على التلفزيون، قائلة أشياء مثل "نحن لا نريد لدخان البنادق أن يصبح غيمة مظلة في السماء".
ويشير الكتاب إلى أمر محير في سجل رايس، فعندما عُينت في منصب مستشار الأمن القومي عام 2000، كان يُنظر إليها على أنها واقعية بالنسبة لزميلها المستشار برينت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي للرئيس بوش الأول. (كان سكوكروفت معارضاً لغزو العراق). ولكن كوزيرة للخارجية أصبحت أسطورية تتحدث عن تحويل دول الشرق الأوسط إلى ديمقراطيات. إن التفسير الواضح لهذا التغيير هو جورج دبليو بوش. فقد كانت رايس مقربة جداً منه، وهو مؤمن بأسطورة السياسة الخارجية، ويبدو أنها اختارت تقليد ودعم آراء الرئيس بوش لكي تضمن مودتها وتحافظ على منصبها.
تعتبر هذه السيرة الذاتية من أهم الكتب التي تناولت حياة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس. فمن أخطائها الكارثية في الحكم كمستشار للأمن القومي إلى تأثيرها الملحوظ على الرئيس جورج بوش كوزيرة للخارجية، كانت نهضة رايس وبروزها إلى عالم السلطة أمر ملفت للنظر. ولكن كشخص خاص جداً، فقد بقيت على الرغم من تركيز الإعلام اللانهائي، امرأة غامضة. وكأول اختبار حاسم لمهارات رايس كصاحبة قرار، وسياسية ومديرة، فإن هذه السيرة الذاتية الجازمة لا تفسر فقط نهضتها إلى السلطة، ولكن كذلك الدور المحوري الذي لعبته في تاريخ الأمة. وتبقى كوندليزا رايس اليوم وفي المستقبل واحدة من صاحبي القرار الأكثر غروراً وجدلية وختاماً الأكثر تأثيراً في الولايات المتحدة.
كوندليزا رايس : حياة أميركية
الكاتبة: إليزابيت بوميلير

لقد سعت رايس بجهد كي تجعل رئيسها السابق روبرت غيتس وزيراً للدفاع خلال الحقبة الثانية من حكم الرئيس جورج بوش، وتزعمت الجهود الأمريكية الرامية إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وفتحت باب المفاوضات مع كوريا الشمالية وشددت على أهمية التواصل مع أوروبا الغربية، مما أثار حفيظة العديد من المحافظين الجدد المتعصبين أمثال نائب الرئيس ديك تشيني و السفير السابق إلى الأمم المتحدة جون بولتون الذي لطالما تذمر بأن "رئيسته" رايس تفتقد إلى الفطنة لكي تتمكن من دعم مصالح أميركا الحقيقية وبأن الرئيس بوش "لا يراقبها بشكل كافٍ".
ويشير هذا الكتاب إلى مراحل التحول والتغيير التي مرت بها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس وخاصة في علاقاتها وسياساتها ونظرتها إلى منطقة الشرق الأوسط. وتلفت الكاتبة إلى أن الانقلاب في الاتجاه السياسي الذي هيمن على رايس هو أمر شخصي جداً. فخلال الفترة الرئاسية الأولى لبوش، كان هناك عدد محدود من المسئولين الذين أيدوا الحرب على العراق بحماس أكثر من رايس، التي وبخت المتشككين وكأنهم تلاميذ مدرسة جانحين بحاجة إلى مربية متزمتة. وجابهت رايس المستشارين القدامى أمثال مستشار الأمن القومي السابق برينت سكوكروف، الذي غامر في أغسطس/آب 2002 بالتشكيك بالنوايا الأمريكية من غزو العراق متسائلاً عن ما هي الحكمة من مهاجمة بغداد ؟ إذاً فهل رايس ببساطة هي إنسانة انتهازية تكسر شوكتها من أجل رؤسائها؟ أم أنها فعلياً سياسية ودبلوماسية محنكة تسعى إلى ما هو أبعد من التمهيد لارتقائها السياسي؟
تقدم اليزابيت بوميلير في كتابها "كوندليزا رايس: حياة أميركية" فرصة طيبة لتقييم وزيرة الخارجية الأمريكية التي أصبحت أول امرأة سوداء تتزعم الدبلوماسية الأمريكية. إن بوميلير مستعدة بشكل جيد لهذه المهمة في كانت مراسلة صحيفة نيويورك تايمز في واشنطن وقامت بتغطية أخبار البيت الأبيض من 10 أيلول/سبتمبر 2001 ولغاية 2006. وترصد الكاتبة والصحفية بنفاذ بصيرة ليس فقط اعتلاء رايس منصب صنع القرار وروابطها القوية مع جورج دابليو بوش، ولكن أيضاً تاريخها الشخصي والمهني. وقد قامت بوميلير بإجراء العديد من المقابلات بما في ذلك 10 مقابلات مع رايس. لقد ظهرت عدة كتب عن رايس ولكن يبدو بأن هذا الكتاب هو الأكثر توازناً والأكثر عمقاً وشمولاً.
وكما تشير بوميلير بدهاء في كتابها عن السيرة الشخصية لوزيرة الخارجية الأمريكية فإن كلاً من بوش و رايس هما من منتجات النخبة الأميركية: فبالنسبة للرئيس بوش فهو ينحدر من سلالة البروتستانت الانغلو-ساكسون البيض الشمالية الشرقية، بينما تأتي رايس من طبقة نبلاء السود الجنوبية. و في حين أنهما يتمتعان ظاهرياً بثقة كبيرة بالنفس، فهما يتشاركان استياءً متوانياً من كونهما لا يقدران حق قدرهما ومُسلم بهما. ولكن هنالك اختلاف هام: في حين أن بوش أمضى سنواته مدللاً نفسه قبل أن يكتشف مهنته، كانت لدى رايس رغبة جامحة بالنجاح منذ البداية، وقد منحها لها والديها جون وانجيلينا رايس، خلال مرحلة طفولتها في بيرمينغهام، في بداية الستينات. كان الضغط كثيفاً، وفقاً لرأي بوميلير، "فقد نذر جون وانجيلينا قلبيهما في مشروع حياتهما: تدريس وقولبة وصقل طفلتهما المدللة كوندليزا".
كان من المنتظر أن تتفوق رايس إن كان في البيانو أو الباليه أو قواعد التشريفات أو اللغة الفرنسية، فقد كدس والداها الكثير من الكتب على الطاولة بجانب السرير. وكتبت بوميلير بأنها "قد توقفت عن القراءة من أجل المتعة، ولم تتوقف عن ذلك حتى اليوم". وقد توسعت فلسفة العائلة من الاعتماد على الذات إلى حركة الحقوق المدنية: لا تزال رايس تستاء من فكرة أن الشماليين سافروا إلى الجنوب وأنقذوا المحليين البائسين. على الرغم من محاولات أهلها حماية ابنتهم، قدر الإمكان، من التوترات العرقية، فبالكاد تمكنت من تجنب إحساسها المرهف حول من يسيطر على النفوذ في الجنوب، بسبب الاضطراب الذي كان يُعرف بالـ "بومبينغهام".
كانت اهتمامات رايس بالسياسة مجرد عابرة إلى أن وصلت إلى جامعة دنفر. وقد تغير ذلك عام 1973 عندما تلقت دورة تمهيدية في السياسات الدولية كان المحاضر فيها جوزيف كوربيل، وهو لاجئ تشيكي ووالد وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت. وقد افتتنت رايس بتصوير كوربيل للدسائس والخيانات التي جعلت من ستالين دكتاتوراً. وأصبحت واقعية رابطة الجأش، تتحاشى العاطفة واستهوتها قصص الممارسة البربرية لسلطة الحزب الشيوعي، والمناعة للقيود التي تشغل المجتمع الديمقراطي.
يمكن القول بأن رايس اتبعت سياسة واقعية جداً للتقدم في مهنتها. و كان سكوكروفت هو الذي ساعدها على الدخول إلى عالم المتحيزين التقليدي في مجلس العلاقات الخارجية. وقد تأثر بصلابة رايس أثناء عشاء جامعة ستانفورد مع أخصائيي التحكم بالأسلحة في عام 1985، وبعد ذلك بثلاث سنوات عرض عليها عمل في إدارة جورج اتش دبليو بوش الأب، كخبيرة ومحللة ومستشارة في الشؤون الروسية في مجلس الأمن القومي.
وفي عام 1993 استدرجها غيرهارد كاسبر، رئيس جامعة ستانفورد الجديد لتصبح عميدة؛ إلا أن رايس خفضت ميزانيتها وتحدت إجراءات العمل (والذي استفادت منه شخصياً)، فقد اكتسبت عداء العديد من الطلاب والكثير من أعضاء الكلية بسبب أسلوبها الفج. وتعتمد عقيدة رايس، كما قالت لأحد المحافظين، بأنه "قد يعارضك العديد من الناس، ولكن عندما يدركوا بأنه بإمكانك إيذائهم، سوف يتخذون صفك".
وكانت ثورة رايس الكبيرة بالتأكيد هي صداقتها مع جورج دبليو بوش. ووفقاً لما تقوله بوميلير في كتابها عن حياة رايس: "لم يكن بوش يعرف الكثير من السود بشكل جيد، وجعله ذلك يشعر بالرضا عن نفسه أنه تمكن من التعايش بسهولة مع رايس". أما رايس "فقد كانت ترى بأنه بحاجة لها أكثر مما كان والده، وجعلها ذلك تشعر بأهميتها وحيويتها".
وعلى الرغم من علاقتهما القوية، كانت لدى بوش فكرة مبهمة عن الدور الذي يمكن لمستشار الأمن القومي أن يلعبه. وتؤنب بوميلير رايس لتفانيها في خدمة بوش "وبتلك الحالة إلى جانب الرجال الهامين الآخرين في حياتها مثل كاسبر كوربيل، سكوكروفت، ووالدها، فإن رايس كانت تقوم بما يطلبه منها الرئيس". كان هناك القليل من الشك بأن رايس تتصرف بشكل يفوق طاقتها إلى حد كبير.
وتقول بوميلير بأن نائب الرئيس ديك تشيني حاول، في الأيام الأولى لإدارته، امتلاك سلطة رايس في إدارة اجتماعات مجلس الأمن القومي أثناء غياب بوش. كانت رايس مندهشة. وقالت له في أكثر من مناسبة عندما حاول فرض سيطرته عليها: "سيدي الرئيس، هذا هو عمل مستشاري الأمن القومي". وفازت بهذه المعركة ولكنها خسرت الحرب. حيث وضع تشيني ورامسفيلد حداً لذلك، بعد لقاء بوش في المكتب البيضاوي للنظر بالسياسة الخارجية وتحويل منصب رايس إلى منصب رسمي، حيث تردد كالببغاء بشكل مطيع منهج الإدارة في نشر الحرية والديمقراطية في العالم.
وعندما بقي عام واحد على مغادرة بوش لمكتبه، أصبحت ملاحظات بوميلير غير جازمة، ولكنها تلاحظ بأنه "كان من الواضح من التحولات العديدة لرايس بأن إيديولوجيتها الحقيقية لم تكن مثالية أو واقعية أو أنها تدافع عن قلاع الحرية فعلاً، على الرغم من أنها تعرض مواداً لكل هذه الأمور. كانت إيديولوجيتها الحقيقية هي النجاح".
كانت علة رايس، في أغلب الأحيان، أنها تعرف النجاح من منظور شخصي ضيق، الأمر الذي دعاها إلى إلقاء نفسها أمام بوش. ومع ذلك، تشير فورة حركاتها الدبلوماسية إلى أنها مدركة بأنها يجب أن تتحمل بعض من الإنجازات الفعلية أو أن تجازف بأن تكون في غير موضعها أو مغادرة منصبها. بالنسبة إلى رايس لم يعد مجرد البقاء كافياً.
ويستعرض الكتاب مواقف كوندليزا رايس الخارجية، فبالنسبة للموضوع الحساس حول الطموحات النووية لكوريا الشمالية، فقد فشلت رايس كمستشار للأمن القومي في فرض سياسة متجانسة على حمائم وصقور الإدارة. وكانت النتيجة وقف المفاوضات وسنوات من العطالة حيث استعملت كوريا الشمالية مخزوناً كافياً من البلاتينيوم لأكثر من دزينة من الأسلحة، حتى قادت التنازلات الأميركية أخيراً في عام 2007 إلى اتفاقية بيونغ يانغ لإغلاق مفاعلها النووي.
كما يعرض الكتاب تفاصيل جديدة حول دور رايس السري في انسحاب إسرائيل من غزة، ومناورتها على بيروقراطية الحكومة لتحقق صفقة طاقة نووية محورية مع الهند، ولإقناعها لبوش لدعم بادرة إيران الدراماتيكية، وفشلها في منع كوريا الشمالية من القيام باختبارها النووي، ونضالها لاحتواء الحرب الفتاكة بين إسرائيل ولبنان. لا يكتفي الكتاب الذي كُتب ببراعة بإظهار إهانتها الخاصة والعامة للمسئولين الخارجيين ولكن أيضاً كيف نجح سحرها ولباقتها في رأب العلاقات المتصدعة مع دول ما وراء البحار.
أما بالنسبة للشرق الأوسط، فقد نادت كوندليزا رايس "بالديمقراطية"، في الوقت الذي عارض فيه العديد من الديمقراطيون والجمهوريون التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط لدرجة أن السيناتور هنري هايد، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في حينها، حذر من قوة خارجية تحاول زرع الديمقراطية في مجتمع غير دارٍ بها. وعندما فازت حماس بالانتخابات الفلسطينية وتصرف الرئيس حسني مبارك بحزم مع أحزاب المعارضة، كان على رايس أن تعود أدراجها وتتراجع عن المطالبة المستمرة و الحاجة إلى الديمقراطية.
بالنسبة للعراق، كانت رايس بمنصبها كمستشار للأمن القومي في فترة بوش الرئاسية الأولى قد فشلت في الوقوف أمام رغبات ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد بالتحضير لحرب العراق. وبدا أن رايس كانت تحمل مسؤوليات جسام "لكل من الطريقة الاعتباطية التي اتخذ بها قرار مهاجمة العراق وفشل الإدارة في الوصول إلى خطة من أجل الاحتلال". وقدمت موضوع الحرب على التلفزيون، قائلة أشياء مثل "نحن لا نريد لدخان البنادق أن يصبح غيمة مظلة في السماء".
ويشير الكتاب إلى أمر محير في سجل رايس، فعندما عُينت في منصب مستشار الأمن القومي عام 2000، كان يُنظر إليها على أنها واقعية بالنسبة لزميلها المستشار برينت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي للرئيس بوش الأول. (كان سكوكروفت معارضاً لغزو العراق). ولكن كوزيرة للخارجية أصبحت أسطورية تتحدث عن تحويل دول الشرق الأوسط إلى ديمقراطيات. إن التفسير الواضح لهذا التغيير هو جورج دبليو بوش. فقد كانت رايس مقربة جداً منه، وهو مؤمن بأسطورة السياسة الخارجية، ويبدو أنها اختارت تقليد ودعم آراء الرئيس بوش لكي تضمن مودتها وتحافظ على منصبها.
تعتبر هذه السيرة الذاتية من أهم الكتب التي تناولت حياة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس. فمن أخطائها الكارثية في الحكم كمستشار للأمن القومي إلى تأثيرها الملحوظ على الرئيس جورج بوش كوزيرة للخارجية، كانت نهضة رايس وبروزها إلى عالم السلطة أمر ملفت للنظر. ولكن كشخص خاص جداً، فقد بقيت على الرغم من تركيز الإعلام اللانهائي، امرأة غامضة. وكأول اختبار حاسم لمهارات رايس كصاحبة قرار، وسياسية ومديرة، فإن هذه السيرة الذاتية الجازمة لا تفسر فقط نهضتها إلى السلطة، ولكن كذلك الدور المحوري الذي لعبته في تاريخ الأمة. وتبقى كوندليزا رايس اليوم وفي المستقبل واحدة من صاحبي القرار الأكثر غروراً وجدلية وختاماً الأكثر تأثيراً في الولايات المتحدة.
كوندليزا رايس : حياة أميركية
الكاتبة: إليزابيت بوميلير
