الملك فيصل . . . . .
مرسل: الأحد ديسمبر 19, 2010 3:57 pm
الملك فيصل.. الدبلوماسي ورجل الدولة
كتاب يتتبع سيرة عاهل المملكة العربية السعودية الأسبق ودوره في تحديث المجتمع
الكتابة عن حياة الملك فيصل بن عبد العزيز، كما يقول حازم السامرائي معد كتاب «الملك فيصل عبد العزيز آل سعود» الصادر حديثا عن مكتبة الحكمة بلندن، «ليست سهلة».
والصعوبة تأتي من عدة نواحٍ، الناحية الاولى هي السعة الزمنية التي تمتد نصف قرن من نشوء وبناء الدولة في السعودية. فقد تكلف الملك فيصل بن عبد العزيز بأول مهمة دبلوماسية رفيعة، كما نعرف من المقدمة الغنية التي كتبها المؤرخ العراقي نجدة فتحي صفوة، فقابل كبار مهندسي السياسة العالمية في اميركا وفرنسا وبريطانيا وروسيا، وتحاور معهم في قضية تأسيس دولته الفتية، وقضية فلسطين، واصبح بذلك اول مهندس للدبلوماسية العربية.
وقبل ذلك، وحين كان في التاسعة عشرة من عمره، عينه والده عام 1925 حاكما لمكة المكرمة ونائبا للملك في الحجاز (وكان لقبه «النائب العام»)، وفي تلك السنة ايضا، كما يذكر صفوة، اوفده والده لينوب عنه في المباحثات التي اجريت مع الحكومة البريطانية، تلك المباحثات التي انتهت بالتوقيع على «معاهدة جدة» في 20 مايو (ايار) 1927.
والصعوبة الأخرى تأتي من التشابك بين المحلي والعربي والعالمي، فقد ترأس الامير فيصل بن عبد العزيز عام 1939 على يد والده الملك عبد العزيز آل سعود وهو في الرابعة عشرة من عمره، مهمة ابلاغ دول الحلفاء تهاني والده بمناسبة انتصارهم في الحرب العالمية الاولى ومباحثة المسؤولين البريطانيين في القضايا المشتركة التي تهم البلدين.
ومما يزيد الامر صعوبة تداخل السيرة الشخصية مع سيرة بلد، يتكون بسرعة، حيث يصعب الفصل بين السيرتين.
يقول المعد عن الملك فيصل بن عبد العزيز «عندما شبّ لم يعرف العبث واللهو كأي من ابناء الملوك والاباطرة، بل شعر ومنذ صباه ان امامه رسالة ومهمة كبيرة عليه ان يتجهز لها بكل انواع الاسلحة وفي مقدمتها سلاح الوعي والمعرفة».
وانطلاقا من هذا الادراك المبكر، تنقل بين عواصم العالم الذي كانت تمزقه فوضى حربين مدمرتين، وترأس وفد بلاده الى مؤتمر لندن لبحث قضية فلسطين مع ممثلي اليهود. وفي ذلك المؤتمر الذي حضرته وفود من العراق واليمن وشرق الاردن الى جانب المملكة العربية السعودية، القي خطابه الشهير الذي حمل فيه بريطانيا مسؤولية اراقة الدماء العربية في فلسطين، كما طالب بوقف الهجرة إليها، وبتحديد موعد لاستقلالها، وجلاء القوات البريطانية عنها.
وينقل صفوة ما كتبته «الاهرام» القاهرية حينها عن هذا الخطاب «بسط الامير فيصل العهود المقطوعة للعرب، واقام الادلة على صحتها وقوتها، وتكلم عن علاقات الصداقة الوثيقة بين بلاده وانجلترا، وقال ان هذه العلاقات التي يريدها العرب وطيدة يخشى ان تتصدع اذا لم يعامل عرب فلسطين بالعدل والإنصاف، فإن الخطر الذي يهدد كيانهم اثار في العالمين العربي والاسلامي روح استياء يجب ان يحسب لها حساب. ثم طلب الامير فيصل تحقيق العهود المقطوعة للعرب تعزيزا للصداقة وتأمينا لمصالح الامتين، وحل مشكلة فلسطين التي هي موضوع الخلاف بينهما».
وبقيت القضية الفلسطينية شاغلا اساسيا في عمل وتفكير الامير فيصل. فجوهر ما قاله في مؤتمر لندن، انعكس في خطابه امام الامم المتحدة عام 1947، الذي حمل فيه بريطانيا، مرة أخرى الى جانب الولايات المتحدة وعصبة الامم، وطرح سؤالا ما زال سؤالا معاصرا: «هل ان مشكلة فلسطين معقدة بدرجة يتعذر معها حلها؟» واجاب: «اني اقول هذا: ان قضية فلسطين معقدة لأن تعقيدها كان مقصودا، ولم يكن في النية حلها. ان المسؤولين عن هذا التعقيد هم بريطانيا والولايات المتحدة بالدرجة الاولى، وتليهما عصبة الامم البائدة».
داخليا، كما نعرف من الكتاب، ارتبط اسم الامير بحدث كبير صنعه الملك عبد العزيز في تاريخ المملكة العربية السعودية، وهو توحيد اقليمي الحجاز ونجد اللذين كانا يخضعان لنظامين مختلفين، وتسميتهما باسم جديد «تغيب فيه الاسماء الجغرافية، ومن ورائها العنعنات الاقليمية»، على حد تعبير صفوة. واتخذ الاسم الجديد المملكة العربية السعودية، حسب أمر ملكي صدر في الثامن عشر من سبتمبر (ايلول) 1932، وحمل توقيعين: توقيع الملك عبد العزيز، وتوقيع الامير فيصل «بأمر الملك»، وهي صيغة مألوفة في البلاد البرلمانية، كما يقول صفوة، اذ يوقع رئيس الوزراء، عبارة «بأمر الملك» وتعني انه يتحمل المسؤولية السياسية للمرسوم او النظام.
هذا التدريب المبكر على الممارسة السياسية، والرحلات المتعددة الى اوروبا في مهام كلفه بها والده، ساعدا الامير فيصل في نجاحه اللافت عربيا وعالميا، كوزير للخارجية، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى رحيل والده، ولاحقا كولي للعهد، ورئيس للوزراء اثناء حكم الملك سعود. وانعكست تجربته وقراءته الدقيقة للتطورات العالمية بشكل اكبر بعدما اصبح ملكا عاما 1962.
وكان العنوان الرئيسي لتوجهاته منذ تسلمه المسؤولية الاولى هو كيفية بناء دولة عصرية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وقانونيا، فأنشأ وزارة للعدل، وأخرى للتخطيط، وبدأ بادخال التكنولوجيا الحديثة في مختلف قطاعات البناء والتنمية. ويسجل له المؤرخون دوره الفاعل في تحويل المجتمع السعودي من مجتمع زراعي قبلي الى زراعي ـ صناعي ـ تجاري. وقد تنبه الملك فيصل مبكرا لمخاطر الاقتصاد ذي البعد الواحد، فنوّع القاعدة الاقتصادية، وقلل من الاعتماد على النفط، وسعى لايجاد مردود اضافي من خلال استثمار موارد السعودية المختلفة، وركز على تنمية القطاع الزراعي باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة لاستخراج المياه من جوف الارض. وقبل كل ذلك، عرفت البلاد اول خطة خمسية في تاريخها، خلقت وعيا لدى العاملين واجهزة الدولة بأهمية التخطيط، وضرورة ترابط برامج الانفاق، خاصة بعد الازمة المالية التي واجهت المملكة العربية السعودية عام 1956 حين تجاوزت المصروفات حدود الامكانات المالية للايرادات، مما قاد الى عجز في ميزان المدفوعات التجارية.
ينقل المعد حازم السامرائي عن الدكتور مجيد خدوري قوله: «ان هذه الاصلاحات لم تشمل جميع آراء فيصل الاصلاحية، لكنها تشير ضمنا الى اتجاهه والى اساليبه العملية التي سيتبعها لتحقيق التقدم المادي والنوعي. فقد ادرك انه لا يمكن لهذه البلاد ان تبقى طويلا من دون ركوب موجة التقدم والافادة منها. وكان هدفه تحويل البلاد الى دولة عصرية، وقد نسب عنه مرة قوله: (علينا ان نلحق بركب العالم المعاصر، ونحتل فيه مكانا محترما، شئنا أم أبينا) ولهذا فإن برنامجه الاصلاحي يحمل في طياته الثورة الانمائية والصناعية».
وفي هذا المجال، يشخص معد الكتاب نقلة بالغة الاهمية في تاريخ الجزيرة العربية، بدأها الملك فيصل، وهي «النقلة الى عصر المديرين، الذين تم اعدادهم على الطراز الحديث، لذلك ادخل تعديلا على بنية الادارة، وحدد واجبات كل وزارة وصفاتها، وجعل المشرفين عليها مسؤولين امامه، وجعل نفسه مسؤولا امام شعبه، واحل عددا من الدوائر التقنية محل تلك التي كانت قليلة الفائدة من قبل. وبفضل هذه الادارة الجديدة، المتمتعة بالمرونة والفعالية، استطاع ان يركز جهوده الانمائية».
وشرط نجاح هذه الجهود الانمائية، المعتمدة على قاعدة اقتصادية متينة، كان بالطبع التعليم، فقد صدرت في عهده وثيقة «سياسة التعليم في المملكة»، ونظام الجامعات، وبدء الدراسات العليا والبحوث. وبلغت مخصصات التعليم نسبة %13 من اجمالي ميزانية الدولة آنذاك.
ويتوقف معد الكتاب عند ثلاثة جوانب بالغة الاهمية في سياسة الملك فيصل التعليمية. الاول انه وقف بحزم في سبيل ادخال تعليم المرأة رسميا عام 1960، وقال قولته المعروفة: «ان الدولة ستفتح مدارس لتعليم الفتاة، لكنها لن تجبر احدا على ذلك».
وينقل السامرائي عن عبد الرحمن صالح الشبيلي قوله عن هذه الخطوة الكبيرة الدلالة: لم تمض مدة قصيرة على قرار الحكومة بانشاء تلك المدارس حتى تضاعف عددها. ولعل ذلك هو القرار الاستثنائي الاول الذي اتخذه فيصل بحزم، من دون مراعاة لأسلوبه المعتاد بالتدرج. وربما كان قراره تحرير العبيد هو القرار المشابه الثاني، إلا انه روعي في رئاسة مدارس البنات، اساليبها ومناهجها، والاشراف على كل الشروط التي تنسجم مع ظروف المجتمع، وتحقق له الطمأنينة والثقة، وتكفل له الاستمرار من دون عقبات او ملاحظات. وقد شجع الملك فيصل بعض افراد اسرته على افتتاح مدارس للبنات مثل «دار الحنان» و«دار التربية الحديثة بجدة» وذلك قبل انتشار المدارس الحكومية.
الجانب الثاني، ان التعليم العام في المملكة العربية السعودية بمراحله الثلاث وصل في عهد فيصل الى المناطق كافة من قرى ومدن. والجانب الاخير ان المملكة في مرحلة حكم الملك سعود والملك فيصل شهدت انشاء خمس من الجامعات السبع وعدد من الكليات والمعاهد العسكرية والفنية المتخصصة.
كتاب «الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود» يعطي صورة شبه شاملة لمسيرة الملك فيصل الشخصية والسياسية، مستندا في ذلك الى عدد كبير من المصادر والمراجع والمجلات والصحف والمخطوطات والوثائق الرسمية، على الرغم من صعوبة هذه المهمة، كما يقول المعد في تقديمه.
الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود اعداد: حازم السامرائي الناشر: دار الحكمة ـ لندن
كتاب يتتبع سيرة عاهل المملكة العربية السعودية الأسبق ودوره في تحديث المجتمع
الكتابة عن حياة الملك فيصل بن عبد العزيز، كما يقول حازم السامرائي معد كتاب «الملك فيصل عبد العزيز آل سعود» الصادر حديثا عن مكتبة الحكمة بلندن، «ليست سهلة».
والصعوبة تأتي من عدة نواحٍ، الناحية الاولى هي السعة الزمنية التي تمتد نصف قرن من نشوء وبناء الدولة في السعودية. فقد تكلف الملك فيصل بن عبد العزيز بأول مهمة دبلوماسية رفيعة، كما نعرف من المقدمة الغنية التي كتبها المؤرخ العراقي نجدة فتحي صفوة، فقابل كبار مهندسي السياسة العالمية في اميركا وفرنسا وبريطانيا وروسيا، وتحاور معهم في قضية تأسيس دولته الفتية، وقضية فلسطين، واصبح بذلك اول مهندس للدبلوماسية العربية.
وقبل ذلك، وحين كان في التاسعة عشرة من عمره، عينه والده عام 1925 حاكما لمكة المكرمة ونائبا للملك في الحجاز (وكان لقبه «النائب العام»)، وفي تلك السنة ايضا، كما يذكر صفوة، اوفده والده لينوب عنه في المباحثات التي اجريت مع الحكومة البريطانية، تلك المباحثات التي انتهت بالتوقيع على «معاهدة جدة» في 20 مايو (ايار) 1927.
والصعوبة الأخرى تأتي من التشابك بين المحلي والعربي والعالمي، فقد ترأس الامير فيصل بن عبد العزيز عام 1939 على يد والده الملك عبد العزيز آل سعود وهو في الرابعة عشرة من عمره، مهمة ابلاغ دول الحلفاء تهاني والده بمناسبة انتصارهم في الحرب العالمية الاولى ومباحثة المسؤولين البريطانيين في القضايا المشتركة التي تهم البلدين.
ومما يزيد الامر صعوبة تداخل السيرة الشخصية مع سيرة بلد، يتكون بسرعة، حيث يصعب الفصل بين السيرتين.
يقول المعد عن الملك فيصل بن عبد العزيز «عندما شبّ لم يعرف العبث واللهو كأي من ابناء الملوك والاباطرة، بل شعر ومنذ صباه ان امامه رسالة ومهمة كبيرة عليه ان يتجهز لها بكل انواع الاسلحة وفي مقدمتها سلاح الوعي والمعرفة».
وانطلاقا من هذا الادراك المبكر، تنقل بين عواصم العالم الذي كانت تمزقه فوضى حربين مدمرتين، وترأس وفد بلاده الى مؤتمر لندن لبحث قضية فلسطين مع ممثلي اليهود. وفي ذلك المؤتمر الذي حضرته وفود من العراق واليمن وشرق الاردن الى جانب المملكة العربية السعودية، القي خطابه الشهير الذي حمل فيه بريطانيا مسؤولية اراقة الدماء العربية في فلسطين، كما طالب بوقف الهجرة إليها، وبتحديد موعد لاستقلالها، وجلاء القوات البريطانية عنها.
وينقل صفوة ما كتبته «الاهرام» القاهرية حينها عن هذا الخطاب «بسط الامير فيصل العهود المقطوعة للعرب، واقام الادلة على صحتها وقوتها، وتكلم عن علاقات الصداقة الوثيقة بين بلاده وانجلترا، وقال ان هذه العلاقات التي يريدها العرب وطيدة يخشى ان تتصدع اذا لم يعامل عرب فلسطين بالعدل والإنصاف، فإن الخطر الذي يهدد كيانهم اثار في العالمين العربي والاسلامي روح استياء يجب ان يحسب لها حساب. ثم طلب الامير فيصل تحقيق العهود المقطوعة للعرب تعزيزا للصداقة وتأمينا لمصالح الامتين، وحل مشكلة فلسطين التي هي موضوع الخلاف بينهما».
وبقيت القضية الفلسطينية شاغلا اساسيا في عمل وتفكير الامير فيصل. فجوهر ما قاله في مؤتمر لندن، انعكس في خطابه امام الامم المتحدة عام 1947، الذي حمل فيه بريطانيا، مرة أخرى الى جانب الولايات المتحدة وعصبة الامم، وطرح سؤالا ما زال سؤالا معاصرا: «هل ان مشكلة فلسطين معقدة بدرجة يتعذر معها حلها؟» واجاب: «اني اقول هذا: ان قضية فلسطين معقدة لأن تعقيدها كان مقصودا، ولم يكن في النية حلها. ان المسؤولين عن هذا التعقيد هم بريطانيا والولايات المتحدة بالدرجة الاولى، وتليهما عصبة الامم البائدة».
داخليا، كما نعرف من الكتاب، ارتبط اسم الامير بحدث كبير صنعه الملك عبد العزيز في تاريخ المملكة العربية السعودية، وهو توحيد اقليمي الحجاز ونجد اللذين كانا يخضعان لنظامين مختلفين، وتسميتهما باسم جديد «تغيب فيه الاسماء الجغرافية، ومن ورائها العنعنات الاقليمية»، على حد تعبير صفوة. واتخذ الاسم الجديد المملكة العربية السعودية، حسب أمر ملكي صدر في الثامن عشر من سبتمبر (ايلول) 1932، وحمل توقيعين: توقيع الملك عبد العزيز، وتوقيع الامير فيصل «بأمر الملك»، وهي صيغة مألوفة في البلاد البرلمانية، كما يقول صفوة، اذ يوقع رئيس الوزراء، عبارة «بأمر الملك» وتعني انه يتحمل المسؤولية السياسية للمرسوم او النظام.
هذا التدريب المبكر على الممارسة السياسية، والرحلات المتعددة الى اوروبا في مهام كلفه بها والده، ساعدا الامير فيصل في نجاحه اللافت عربيا وعالميا، كوزير للخارجية، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى رحيل والده، ولاحقا كولي للعهد، ورئيس للوزراء اثناء حكم الملك سعود. وانعكست تجربته وقراءته الدقيقة للتطورات العالمية بشكل اكبر بعدما اصبح ملكا عاما 1962.
وكان العنوان الرئيسي لتوجهاته منذ تسلمه المسؤولية الاولى هو كيفية بناء دولة عصرية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وقانونيا، فأنشأ وزارة للعدل، وأخرى للتخطيط، وبدأ بادخال التكنولوجيا الحديثة في مختلف قطاعات البناء والتنمية. ويسجل له المؤرخون دوره الفاعل في تحويل المجتمع السعودي من مجتمع زراعي قبلي الى زراعي ـ صناعي ـ تجاري. وقد تنبه الملك فيصل مبكرا لمخاطر الاقتصاد ذي البعد الواحد، فنوّع القاعدة الاقتصادية، وقلل من الاعتماد على النفط، وسعى لايجاد مردود اضافي من خلال استثمار موارد السعودية المختلفة، وركز على تنمية القطاع الزراعي باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة لاستخراج المياه من جوف الارض. وقبل كل ذلك، عرفت البلاد اول خطة خمسية في تاريخها، خلقت وعيا لدى العاملين واجهزة الدولة بأهمية التخطيط، وضرورة ترابط برامج الانفاق، خاصة بعد الازمة المالية التي واجهت المملكة العربية السعودية عام 1956 حين تجاوزت المصروفات حدود الامكانات المالية للايرادات، مما قاد الى عجز في ميزان المدفوعات التجارية.
ينقل المعد حازم السامرائي عن الدكتور مجيد خدوري قوله: «ان هذه الاصلاحات لم تشمل جميع آراء فيصل الاصلاحية، لكنها تشير ضمنا الى اتجاهه والى اساليبه العملية التي سيتبعها لتحقيق التقدم المادي والنوعي. فقد ادرك انه لا يمكن لهذه البلاد ان تبقى طويلا من دون ركوب موجة التقدم والافادة منها. وكان هدفه تحويل البلاد الى دولة عصرية، وقد نسب عنه مرة قوله: (علينا ان نلحق بركب العالم المعاصر، ونحتل فيه مكانا محترما، شئنا أم أبينا) ولهذا فإن برنامجه الاصلاحي يحمل في طياته الثورة الانمائية والصناعية».
وفي هذا المجال، يشخص معد الكتاب نقلة بالغة الاهمية في تاريخ الجزيرة العربية، بدأها الملك فيصل، وهي «النقلة الى عصر المديرين، الذين تم اعدادهم على الطراز الحديث، لذلك ادخل تعديلا على بنية الادارة، وحدد واجبات كل وزارة وصفاتها، وجعل المشرفين عليها مسؤولين امامه، وجعل نفسه مسؤولا امام شعبه، واحل عددا من الدوائر التقنية محل تلك التي كانت قليلة الفائدة من قبل. وبفضل هذه الادارة الجديدة، المتمتعة بالمرونة والفعالية، استطاع ان يركز جهوده الانمائية».
وشرط نجاح هذه الجهود الانمائية، المعتمدة على قاعدة اقتصادية متينة، كان بالطبع التعليم، فقد صدرت في عهده وثيقة «سياسة التعليم في المملكة»، ونظام الجامعات، وبدء الدراسات العليا والبحوث. وبلغت مخصصات التعليم نسبة %13 من اجمالي ميزانية الدولة آنذاك.
ويتوقف معد الكتاب عند ثلاثة جوانب بالغة الاهمية في سياسة الملك فيصل التعليمية. الاول انه وقف بحزم في سبيل ادخال تعليم المرأة رسميا عام 1960، وقال قولته المعروفة: «ان الدولة ستفتح مدارس لتعليم الفتاة، لكنها لن تجبر احدا على ذلك».
وينقل السامرائي عن عبد الرحمن صالح الشبيلي قوله عن هذه الخطوة الكبيرة الدلالة: لم تمض مدة قصيرة على قرار الحكومة بانشاء تلك المدارس حتى تضاعف عددها. ولعل ذلك هو القرار الاستثنائي الاول الذي اتخذه فيصل بحزم، من دون مراعاة لأسلوبه المعتاد بالتدرج. وربما كان قراره تحرير العبيد هو القرار المشابه الثاني، إلا انه روعي في رئاسة مدارس البنات، اساليبها ومناهجها، والاشراف على كل الشروط التي تنسجم مع ظروف المجتمع، وتحقق له الطمأنينة والثقة، وتكفل له الاستمرار من دون عقبات او ملاحظات. وقد شجع الملك فيصل بعض افراد اسرته على افتتاح مدارس للبنات مثل «دار الحنان» و«دار التربية الحديثة بجدة» وذلك قبل انتشار المدارس الحكومية.
الجانب الثاني، ان التعليم العام في المملكة العربية السعودية بمراحله الثلاث وصل في عهد فيصل الى المناطق كافة من قرى ومدن. والجانب الاخير ان المملكة في مرحلة حكم الملك سعود والملك فيصل شهدت انشاء خمس من الجامعات السبع وعدد من الكليات والمعاهد العسكرية والفنية المتخصصة.
كتاب «الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود» يعطي صورة شبه شاملة لمسيرة الملك فيصل الشخصية والسياسية، مستندا في ذلك الى عدد كبير من المصادر والمراجع والمجلات والصحف والمخطوطات والوثائق الرسمية، على الرغم من صعوبة هذه المهمة، كما يقول المعد في تقديمه.
الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود اعداد: حازم السامرائي الناشر: دار الحكمة ـ لندن