السياسة في فلسفة افلاطون
مرسل: الخميس ديسمبر 23, 2010 12:41 pm
يعتبر افلاطون (427 ــ 347 ق. م) أول من وضع نظاما سياسيا فلسفيا صاغه في الجمهورية وفي النواميس لاحقا. إذ حسب تصوره ان المشكلة الفلسفية الحقيقية انما هي مشكلة سياسية تقع في صميم المجتمع وحياته المدنية التي تحتاج الي اعادة بناء جذري بغية قيام نظام مثالي. وهذا التصور الفكري له صلة بحياته وخبرته سياسيا واجتماعيا وفنيا وادبيا وعسكريا ايضا. فهو سليل أسرة عريقة بالمجد والشرف السياسي والاجتماعي من جهة. وقد مارس من جهة اخري نظم الشعر وتأليف المسرحيات ونبغ في الرياضيات والبلاغة والموسيقي. وشارك في حروب البلوبونيزن عام 404 ق. م. ونال جائزة لشجاعته. يضاف الي ذلك سفراته ورحلاته لطلب العلم والمعرفة ومنها ذهابه الي مصر. علاوة علي المرارة النفسية التي ذاقها منذ اعدام استاذه سقراط بدوافع سياسية وليست فكرية الي بيعه في سوق صقلية كالعبيد لسبب سياسي لا أكثر.
أقول كل تلك الامور والقضايا والاسباب خلقت عند افلاطون رؤية فلسفية مميزة قدم من خلالها الحل الامثل لمشكلة السياسة داخل المدينة (او الدولة) الفاضلة Utopia. وبما أن الفيلسوف يحيا فقط بهذا النوع من المدن وليس في مضاداتها، وبما ان الحياة السياسية عبر كل العصور فيها شرور وبطش وفساد. لذا شيد افلاطون جمهوريته النظرية القائمة علي أسس العلم والمعرفة من ناحية. والمحكومة بقيادة العقل والفلسفة من ناحية اخري.
ولكي نفهم تركيبة التفكير السياسي عند افلاطون، علينا أن نفهم ايضا بنية تفكيره الاخلاقي، لانها متضمنة ومتداخلة فيها. فالسياسة ليست أكثر من امتداد طبيعي للاخلاق. وهذا النهج اتبعه افلاطون ثم ارسطو وبقية فلاسفة اليونان قاطبة.
ومن هنا كان افلاطون يدحض مزاعم السوفسطائين القائلين بانكار قوانين الاخلاق وقوانين الدولة. بدعوي أنها من اختراع الضعفاء من أجل حماية انفسهم من جبروت الاقوياء. فالسلطة حسب رأيهم إن هي إلا حق شرعي للاقوي دائما. بينما ينص افلاطون بأن احراز السلطة، انما يكون بقوة العقل لا بقوة الغاب الوحشية. وهذا الرد رفع أكثر من شأن السياسة كونها علماً متصلاً بالاخلاق وقوانينها.
أما أبو نصر محمد الفارابي (257 ــ 339هـ/870 ــ 950م) الذي يعد المعلم الثاني للفكر الفلسفي بعد أرسطو. فانه أول فيلسوف في الاسلام اتبع هذا النهج الافلاطوني في آراء أهل المدينة الفاضلة وكذلك في السياسة المدنية .
بيد أن تأثره هذا لا يعني بأنه وضع فكره السياسي علي نحو انقيادي تقليدي. فالكنْدي الذي أول من وضع الحجر الاساس للفلسفة العربية، لم يكن له شأن في هذا المضمار، ولم يحفل بالسياسة رغم وجود القلاقل في عصره. ولكن هنالك حالة مشتركة نوع ما بين افلاطون والفارابي من الناحيتين الذاتية والموضوعية. فقد شهد الفارابي الاضطرابات السياسية والفتن والحروب. ولقد ترك بغداد وتنقل من دمشق الي مصر ثم حلب. علاوة علي سفراته في طلب العلم والمعرفة وبراعته في أكثر من حقل فكري او فني او صوفي.
كل هذه الاشياء قد أثرت في نفسية الفارابي ليضع مدينته الفاضلة علي غرار افلاطون. وهنا أركز علي كلمة (نفسية) لا عقلية. بدليل أن الفارابي لم يتقلد أي منصب سياسي ولم يشترك في معتركها قط. بل اكتفي بتحريك عقليته الفلسفية لا أكثر.
الدولة والشعب
دولة الحق التي شيدها افلاطون يعمقها العدل أساسا. انها صورة مكبرة للفرد، لأن غاية الاخلاق هي الدولة لا الفرد. بمعني آخر أن الفرد عبارة عن صورة مصغرة للدولة. والدولة هي الهيكل الضخم لهذا الفرد. وبما أن (القوة الناطقة) في الفرد تعتبر أعظم القوي جميعا. لذلك يجب أن تكون الفلسفة هي القوة الحقيقية في توجيه الدولة، ويجب أن يكون رئيسها فيلسوفا. لأن العدالة في الفرد وفي الدولة لا يمكن أن تتم ما لم يبسط العقل نفوذه ويحكم.
ولقد قسم افلاطون الدول التي تضاد دولة العدل الي أربعة أقسام هي:
1 ــ الدولة الدينية وهي حكومة الطبقة الوسطي، التي تسمح بالملكية الخاصة وما يصيب النظام من اختلال بسبب ذلك، فتجعل العسكر في هذه الطبقة هم الافضل. مما يؤدي الي العنف والحرب.
2 ــ الدولة الاقطاعية: ناتجة عن الدولة الدينية، حيث يعتاد الافراد علي جمع المال بأية وسيلة كانت. وبسبب ذلك تضمحل وتنتهي الفضيلة ولا يبقي غير الاثرياء لقيادة الدولة كونهم الافضل.
3 ــ دولة الشعب: وهو الحكم الديمقراطي الفوضوي، حيث يثور الفقراء علي الاغنياء، بسبب الحرمان والتعسف، ويصبح الحكم شائعا للجميع، لا نظام ولا قائد مُسيطر، بل الشعب يحكم نفسه بنفسه.
4 ــ الدولة الاستبدادية: وهو حكم الطغيان والمصالح الشخصية. إذ بعد أن تعم الفوضي لحكم الشعب، تفرز هذه الحالة فردا من المجتمع يوهم الجميع علي انه سوف يبني دولة الرفاه بلا ضرائب ولا ظلم.
هذا وقسم افلاطون ايضا شرائح المجتمع الي ثلاث طبقات مثلما قسم النفس الانسانية. فالاولي هي طبقة الحكام والتي تقابلها النفس الناطقة.
والثانية: طبقة الكتلة العسكرية وتقابلها النفس الغاضبة. وأخيرا طبقة العمال: وهي تقابل النفس الشهوانية.
وهنا يختلف الفارابي جذريا عن افلاطون. فهو يري أن الشعب كأنه جسم واحد تام صحيح لا توجد فيه طبقات البتة كي تنفصل بعضها عن البعض الآخر. كما وأنهم علي شكل سلسلة ذات درجات تبدأ من الرئيس الاول ثم الثاني وهكذا دواليك الي الدرجة التي تخدم ولا ترأس.
ان الشعب في بنيانه وأدواره يمثله الفارابي بأنه أشبه بالموجودات الطبيعية من حيث الائتلاف والارتباط والتدرج والترتيب، بحيث كل موجود يعمل بحسب قوته وموقعه ابتداءا من الاعلي
أقول كل تلك الامور والقضايا والاسباب خلقت عند افلاطون رؤية فلسفية مميزة قدم من خلالها الحل الامثل لمشكلة السياسة داخل المدينة (او الدولة) الفاضلة Utopia. وبما أن الفيلسوف يحيا فقط بهذا النوع من المدن وليس في مضاداتها، وبما ان الحياة السياسية عبر كل العصور فيها شرور وبطش وفساد. لذا شيد افلاطون جمهوريته النظرية القائمة علي أسس العلم والمعرفة من ناحية. والمحكومة بقيادة العقل والفلسفة من ناحية اخري.
ولكي نفهم تركيبة التفكير السياسي عند افلاطون، علينا أن نفهم ايضا بنية تفكيره الاخلاقي، لانها متضمنة ومتداخلة فيها. فالسياسة ليست أكثر من امتداد طبيعي للاخلاق. وهذا النهج اتبعه افلاطون ثم ارسطو وبقية فلاسفة اليونان قاطبة.
ومن هنا كان افلاطون يدحض مزاعم السوفسطائين القائلين بانكار قوانين الاخلاق وقوانين الدولة. بدعوي أنها من اختراع الضعفاء من أجل حماية انفسهم من جبروت الاقوياء. فالسلطة حسب رأيهم إن هي إلا حق شرعي للاقوي دائما. بينما ينص افلاطون بأن احراز السلطة، انما يكون بقوة العقل لا بقوة الغاب الوحشية. وهذا الرد رفع أكثر من شأن السياسة كونها علماً متصلاً بالاخلاق وقوانينها.
أما أبو نصر محمد الفارابي (257 ــ 339هـ/870 ــ 950م) الذي يعد المعلم الثاني للفكر الفلسفي بعد أرسطو. فانه أول فيلسوف في الاسلام اتبع هذا النهج الافلاطوني في آراء أهل المدينة الفاضلة وكذلك في السياسة المدنية .
بيد أن تأثره هذا لا يعني بأنه وضع فكره السياسي علي نحو انقيادي تقليدي. فالكنْدي الذي أول من وضع الحجر الاساس للفلسفة العربية، لم يكن له شأن في هذا المضمار، ولم يحفل بالسياسة رغم وجود القلاقل في عصره. ولكن هنالك حالة مشتركة نوع ما بين افلاطون والفارابي من الناحيتين الذاتية والموضوعية. فقد شهد الفارابي الاضطرابات السياسية والفتن والحروب. ولقد ترك بغداد وتنقل من دمشق الي مصر ثم حلب. علاوة علي سفراته في طلب العلم والمعرفة وبراعته في أكثر من حقل فكري او فني او صوفي.
كل هذه الاشياء قد أثرت في نفسية الفارابي ليضع مدينته الفاضلة علي غرار افلاطون. وهنا أركز علي كلمة (نفسية) لا عقلية. بدليل أن الفارابي لم يتقلد أي منصب سياسي ولم يشترك في معتركها قط. بل اكتفي بتحريك عقليته الفلسفية لا أكثر.
الدولة والشعب
دولة الحق التي شيدها افلاطون يعمقها العدل أساسا. انها صورة مكبرة للفرد، لأن غاية الاخلاق هي الدولة لا الفرد. بمعني آخر أن الفرد عبارة عن صورة مصغرة للدولة. والدولة هي الهيكل الضخم لهذا الفرد. وبما أن (القوة الناطقة) في الفرد تعتبر أعظم القوي جميعا. لذلك يجب أن تكون الفلسفة هي القوة الحقيقية في توجيه الدولة، ويجب أن يكون رئيسها فيلسوفا. لأن العدالة في الفرد وفي الدولة لا يمكن أن تتم ما لم يبسط العقل نفوذه ويحكم.
ولقد قسم افلاطون الدول التي تضاد دولة العدل الي أربعة أقسام هي:
1 ــ الدولة الدينية وهي حكومة الطبقة الوسطي، التي تسمح بالملكية الخاصة وما يصيب النظام من اختلال بسبب ذلك، فتجعل العسكر في هذه الطبقة هم الافضل. مما يؤدي الي العنف والحرب.
2 ــ الدولة الاقطاعية: ناتجة عن الدولة الدينية، حيث يعتاد الافراد علي جمع المال بأية وسيلة كانت. وبسبب ذلك تضمحل وتنتهي الفضيلة ولا يبقي غير الاثرياء لقيادة الدولة كونهم الافضل.
3 ــ دولة الشعب: وهو الحكم الديمقراطي الفوضوي، حيث يثور الفقراء علي الاغنياء، بسبب الحرمان والتعسف، ويصبح الحكم شائعا للجميع، لا نظام ولا قائد مُسيطر، بل الشعب يحكم نفسه بنفسه.
4 ــ الدولة الاستبدادية: وهو حكم الطغيان والمصالح الشخصية. إذ بعد أن تعم الفوضي لحكم الشعب، تفرز هذه الحالة فردا من المجتمع يوهم الجميع علي انه سوف يبني دولة الرفاه بلا ضرائب ولا ظلم.
هذا وقسم افلاطون ايضا شرائح المجتمع الي ثلاث طبقات مثلما قسم النفس الانسانية. فالاولي هي طبقة الحكام والتي تقابلها النفس الناطقة.
والثانية: طبقة الكتلة العسكرية وتقابلها النفس الغاضبة. وأخيرا طبقة العمال: وهي تقابل النفس الشهوانية.
وهنا يختلف الفارابي جذريا عن افلاطون. فهو يري أن الشعب كأنه جسم واحد تام صحيح لا توجد فيه طبقات البتة كي تنفصل بعضها عن البعض الآخر. كما وأنهم علي شكل سلسلة ذات درجات تبدأ من الرئيس الاول ثم الثاني وهكذا دواليك الي الدرجة التي تخدم ولا ترأس.
ان الشعب في بنيانه وأدواره يمثله الفارابي بأنه أشبه بالموجودات الطبيعية من حيث الائتلاف والارتباط والتدرج والترتيب، بحيث كل موجود يعمل بحسب قوته وموقعه ابتداءا من الاعلي