السلطة والشرعية في الدول الناميه
مرسل: السبت ديسمبر 25, 2010 9:19 pm
مقدمة:
تحتل السلطة موقعا مميزا في الفكر الإنساني القانوني والسياسي, حيث تواكب البحث عن مضمونها وكيفية تكوينها مع ازدهار المبادئ الديمقراطية و انتشارها, فقد كان سائدا في العصور القديمة إن السلطة مقصورة على الآلهة وبالتالي تسبغ عليها صفات القداسة والعبودية, فهي تمثل باب لا يجب الدخول منه ومقاما لا يتعين الاقتراب منه, فهى لا تخص الناس ولا العامة ومحرابها مقدس يقتصر على الآلهة ونسلهم.
ومع تطور المجتمعات وتقدم الفكر الإنساني, أخذت غلالة القداسة تنتزع عنها رويدا رويدا, وأصبح الاهتمام بها طاغيا, حيث عن طريقها تتحقق قرارات وقوانين كان يظن أنها حبر على ورق. وبواسطتها يتحول ما كان من قبيل الأحلام والأماني الى واقع مادي ملموس.
وفي العصر الحاضر تتسابق الفئات والقوى الاجتماعية والأحزاب السياسية في الوصول الى هذه السلطة وذلك لتحقيق مصالحها وتنفيذ برامجها. وقد يكون الوصول الى السلطة عنيفا معبدا بالدماء والضحايا, وقد يكون الطريق الى الإمساك بمقاليدها هادئا سليما.
ويهتم القانون بهذه السلطة وبمدى شرعيتها وشرعية القرارات التي تصدرها وعلاقاتها بالدولة , بينما يهتم علم السياسة بمضمونها وبالأصول الاجتماعية للعناصر التي تستولي عليها والفكر الذي يوجههم وعلاقاتهم بالقوى الاجتماعية الأخرى, وبمدى تأثير قرارات السلطة وأعمالها على المجتمع والقوى الاجتماعية فيه وبكيفية التغيير في هذه السلطة.
كما نلاحظ أن مضمون السلطة وسماتها والعناصر التي تمسك بزمامها وتوجهاتها يختلف من بلد الى أخر حسب درجة تطوره والفلسفة السياسية التي يعتنقها.
ويترتب على هذا, الاختلاف بين في السلطة وشكلها ومضمونها في دول الديمقراطية الليبرالية التي تقوم على الانتخاب وتعدد الأحزاب, عنها في الدول الاشتراكية ذات النهج الماركسي, حيث يسيطر ممثلو طبقة اجتماعية واحدة على السلطة, عنها في الدول المختلفة التي تتميز بوضعيه اقتصادية معينة وسمات بها خاصة في تكوين القوى الاجتماعية التي تصل الى السلطة.
ونحاول هنا أن نبين عناصر السلطة – بشكل عام- ثم بعد ذلك نتعرض للمفاهيم المتعددة السلطة ثم نبين تحليلا للسلطة في البلدان المتخلفة.
أولا: السلطة.... الأصول والعناصر
1- السلطة وعناصرها
تقترن السلطة على الدوام بعلاقة إنسانية غير متكافئة, فهناك من يصدر الأوامر وهناك من يجبر على الخضوع لها, اى لضرورة وجود حاكم ومحكوم, ولكن التفرقة جوهرية بين القوة المادية التي تجبر الآخرين على الخضوع وبين السلطة التي تمتزج فيها القوة المادية مع الاعتقاد بالخضوع.
وعلى هذا فالسلطة تتضمن عنصرين:
أ-القوة والسيطرة المادية
ويعني هذا, قدرة الأكثر قوة مادية على إجبار الضعيف على الانحناء والخضوع, وهذه ظاهرة تعم العالم اجمع, بدون استثناء وتعتبر طبيعيا لعدم تعادل القوى العضلية فقط, بل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ب-الإقناع والإيمان السلطة
السلطة الحقيقية تبدو إذا رافق هذا البأس والقوة, الاقتناع بعدالة وصحة وشرعية هذه القوة.
وعلى هذا فالسلطة تتضمن الأتي:
- الخضوع المادي.
- الاقتناع والاعتقاد بهذا الخضوع.
لذلك يمكننا القول, بأن السلطة ضرورية بشكل عام والإقتناع بها كحقيقة اجتماعية فهي تبدو في المجتمع تظاهرة .
ثانيا: مفاهيم متعددة للسلطة
في القرن السابع عشر, عرف "توماس هوبز" السلطة بأنها عبارة عن الوسائل الحالية التي تستخدم لتأمين الحصول على خير محتمل في المستقبل.
هذا التعريف – كما هو واضح - فضفاض متسع من ناحية وضيق من ناحية أخرى, فهو متسع لأنه يربط بين السلطة ومجموع الموارد المتاحة للإنسان لتحقيق أهدافه, وبالتالي يصعب التمييز بين السلطة والثروة.
كما انه تعريف ضيق, لأنه يشير الى السلطة كشئ مادي ملموس- وهو احد جوانب السلطة.
"فأراء هوبز" هذه أثرت في اغلب الكتاب الذين تناولوا الكتابة عن السلطة بعده واهتموا بتأصيل فكرة الفصل بين السلطات مثل " مونتسكيو" وكذلك " جون لوك" حيث انه نظر إليها على أنها علاقة وليست شيئا.
وفي الثلاثينات من القرن العشرين , انتهى " فريديك وتكنير" الى المجال الصحيح لعلم السياسة ليس دراسة الدولة أو أية مؤسسة وإنما هو دراسة جماعة يمكن أن تكون مثالا لمشكلة السلطة.
ثم ظهر في الخمسينات تعريف يقول إن الاهتمام الأول لعلم السياسة هو السلطة السياسية في المجتمع من حيث طبيعتها وأسسها وخطوات عملها ومجالها ونتائجها على السلطة أو المحافظة عليها كذلك ممارسة السلطة أو النفوذ على الآخرين أو مقاومة تلك الممارسة, أيضا عرف عالم أخر السلطة بأنها السيطرة على عقول وأفعال الآخرين. الواضح هنا إن هناك فرقا بين السلطة والسياسة والقوة العسكرية , فالأولى تعني وجود علاقة سيكولوجية بين عقلين, بينما ترتبط الثانية بالعنف أي بوجود علاقة عضوية بين جسمين يبلغ احدهما من القوة حدا يمكن من السيطرة على حركات الجسم الأخر, ورأى أخر يرى أنها القدرة على التأثير في الآخرين دون التأثير بنفس القدر.
والنظرة المتعمقة لا تقيم هذا الفرق بين السلطة والقوة العسكرية فالسلطة السياسية اشمل واعم من القوة العسكرية, وتعتبر هذه الأخيرة إحدى عناصرها وبالتالي فهي ليست مستقلة بنفسها ومساوية للسلطة السياسية, لذلك يمكننا القول بأن القوة العسكرية يمكن اعتبارها فرعا من السلطة وليس بديلا عنها.
وعلى هذا فالسلطة السياسية تتكون من عناصر متعددة وتتضافر مع بعضها بحيث تكون بنيانا واحدا هو السلطة السياسية وبالتالي فهي مزيج من القوة العسكرية والاقتصادية والتعليم والدعاية والإعلان.
ثالثا: السلطة في البلدان المتخلفة " النامية"
يتعين أن يكون واضحا انه عند الحديث عن البلدان المتخلفة لا نقصد بلد معينا وإنما نحاول أن نتلمس الخصائص العامة التى تشترك فيها كل البلاد المتخلفة.
ولا يعني هذا أن البلاد المتخلفة على درجة واحدة من التطور والنمو, وإنما هناك اختلاف في الدرجة بينها, مرة يتسع ومرة يضيق, وتارة تبرز سمه من سمات التخلف في بلد بوضوح وقوة, بينما تبرز سمه أخرى في بلد أخر. وقاد هذا بلا شك الى اختلاف درجة التطور الاجتماعي من بلد الى أخر, وبالتالي الى اختلاف في القوى الاجتماعية وتصنيفها فالسحرة والكهنة مثلا مازالوا يلعبون دورا رئيسيا في السلطة في عدد من البلدان الإفريقية بينما تنعدم هذه الفئة في خريطة القوى الاجتماعية في بلدان أخرى.
أولا: البيئة الاقتصادية والسياسية
يطلق اسم البلدان المتخلفة على تلك البلدان التي كانت مستعمرة ونالت استقلالها السياسي ابتداء من انتهاء الحرب العالمية الثانية. ونتيجة للاستعمار المباشر الطويل ورثت تركه استعمارية مثقله بكل أنواع التخلف والقهر على كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
فهذه البلدان لم تتطور طبيعيا ومازالت تحمل كل سمات التخلف والتأخر الذي تعكسه الأبنية الاقتصادية المفككة والمشوهة والتركيب الاجتماعي غير التوازن الغارق في القبلية العصبية العشائرية, حيث يتغلب الولاء القبلي أو الطائفي أو الأسري على الولاء للوطن فضلا عن وجود طبقة قليلة غير منتجة أصلا في العملية الإنتاجية تحوز عائدا ضخما من الناتج القومي.
بينما الغالبية العظمى من السكان تكاد لا تجد ما تفي به حاجاتها الأساسية من مأكل وملبس ومسكن يضاف الى هذا تلك العادات والتقاليد المتأخرة والتي تعوق التقدم والنمو, يحمي هذا ويشجعه وجود ثقافة متأخرة تسد كل مناهج التفكير واستعمال العقل في البحث والسلوك ويضرب كل من الجهل والمرض والفقر – بدون رحمة- معظم سكان هذه البلدان. فالأمية تبلغ معدلات عالية كذلك ارتفاع معدل الوفاة بين الأطفال وارتفاع معدل المواليد وانخفاض الدخل الفردي والنشاط الأساسي للسكان يتركز في الزراعة, وهو قطاع متخلف تمارس في استغلاله طرق بدائية مضى عليها دهر طويل تعكس أثارها في انخفاض الإنتاجية وقلة المحاصيل أو في الصيد والرعي.
والآن بعض ما يقرب من نصف قرن على استقلال معظم هذه البلدان, رفعت فيها شعارات كثيرة عن التنمية ورددتها كثيرا عبر أجهزة إعلامها, هل تغيرت هذه الأوضاع والسمات واقتربت من الدول المتقدمة؟ هل أخذت بأسباب التقدم وكفلت لها خططها في التنمية والتقدم الخروج من مأزق التخلف التاريخي الذي وجدت نفسها فيه؟
إن النظرة المتفحصة على واقع هذه البلدان اليوم, يمكننا القول دون تردد إن هذه الدول صارت تضرب بعمق في طريق التخلف وأوغلت سيرا فيه وشمل التخلف فيها كل القطاعات الإنتاجية.
حتى أطلق الاقتصاديون على هذه الخطط للتنمية وما تؤدي إليه من نتائج اسم" تنمية التخلف" ويعود هذا – بطبيعة الحال – الى أن معظم هذه البلدان مندمجة في السوق الرأسمالية وتعيش في حالة تبعية دائمة للاحتكارات الرأسمالية.
واهم الظواهر للاحتكارات الرأسمالية في بنية هذه البلدان ما يلي:-
1- ازدواج الاقتصاد
ينقسم الاقتصاد القومي الى قطاعين
- القطاع الحديث
يرتبط عضويا بالرأسمالية العالمية من حيث التمويل والتكنولوجيا ونوع المنتجات ويضم هذا القطاع عدد محدودا من السكان لا تزيد نسبتهم عن 20% في أحسن الظروف. وتظهر مؤسسات هذا القطاع في البنوك الأجنبية أو الفنادق الفخمة وشركات الوكالات التجارية التي تقوم باستيراد وتسويق السلع الاستهلاكية.
وبناء على ذلك تتشكل طبقة جديدة تحوز ثروات كبيرة ودخول مرتفعه. لذلك تعمل الاحتكارات عن طريق شركاتها وبالاتفاق مع السماسرة والوسطاء من أبناء البلد المتخلف على تخريب الذمم وإفساد الضمائر في أجهزة الدولة بما فيها الرقابة فيكثر الغش والاختلاس والتهريب والرشوة والعمولات والسمسرة ويتحول الكثير من المال العام الى مال خاص بحيث يؤدي الى تكوين طبقة فاحشة الثراء قادرة على شراء سلع الرفاهية التي تصدرها الاحتكارات الرأسمالية.
- القطاع التقليدي
وهو الذي يضم بقية الاقتصاد القومي وعادة ما يكون الزراعة, ويعيش هذا القطاع في حالة تخلف شديدة ويعتمد على أدوات بدائية.
ويكاد الفصل يكون كاملا بين القطاعين بحيث تنعدم تأثيرات القطاع الحديث على القطاع المتخلف لأنه في العادة إرباح القطاع الحديث الضخمة تقوم شركات الاحتكار بتجميعها واستثمارها في مناطق أخرى من العالم, أما الأموال التى تعود الى تلك الطبقة الجديدة, فإنها تقوم بتهريب أموالها أول بأول الى البنوك الخارجية وذلك لعدم إحساسها بالأمان. وهذا كله يؤدي الى ضالة المدخرات المحلية وازدياد عجز الاقتصاد القومي.
2- ازدياد التفاوت بين الطبقات
تفسر نظرية مراحل النمو, السائدة في الغرب, التخلف بأنه مجرد تأخر تاريخي, وان الدول النامية ستلحق في خلال عدة سنوات بالدول المتقدمة ما دام إنها تحقق معدل نمو مرتفع كما يقوم كثير من مثقفي الشركات المتعددة الجنسية بتنظيرات خادعه شعارها ضرورة تشجيع التفاوت في الدخول بمقولة إن أصحاب الدخول العالية هم وحدهم القادرون على الادخار والاستثمار, وان التجربة التاريخية أثبتت إن الرخاء يتساقط كالمطر من أعلى حتى يروي بالتدريج ارض الفقر في قاع المجتمع, فتقل حدة الفوارق بين الطبقات, ويعزز هذا الخدمات العينية الكبيرة التي تقدمها الدولة للفقراء وتكون الحصيلة النهائية هي تخفيف الفوارق بين الطبقات.
ويعد هذا مجرد وهم كبير لان واقع البلدان المتخلفة يشير الى إن الأموال الكثيرة في يد الطبقة الجديدة , تقوم بتهريبه ولا تستغله مطلقا في مشاريع ذات فائدة.
3- تفاقم التخلف
تزداد سمات التخلف, فينتشر الفقر وتشيع الأمية ويصيب المرض معظم فئات المجتمع, فعائد العمل لا يكفي تغطيه الأساسيات التي تتفاقم أسعارها يوما بعد يوم وتأخذ الطبقة الوسطى في الاضمحلال, حيث تتحول معظم شرائحها الى الطبقة الدنيا لان كمية النقود التي كانت تحصل عليها وكانت تضعها في مصاف الطبقة الوسطى أصبح لا قيمة لها إزاء الارتفاع الهائل في الأسعار وبعض منها يتحول الى الأقلية التي تزيد دخولها وترتفع ثرواتها بشكل خرافي عبر طرق غير مشروعة.
ويتغير نظام القيم فتشبع روح الجشع والاستغلال والكسب السريع والنهب فتنعدم الخدمات التعليمية والصحية وتتسرب الأموال الى جيوب المقاولين والسماسرة وبالتالي يشيع المرض والجهل. وفي نفس الوقت تتوالى هجرات أبناء الريف الى المدن لتخريب قطاع الزراعة.
وفي المدينة لا توجد أعمال لهؤلاء العاملة من أبناء الريف الذين يبحثون عن أعمال هامشيه تشكل عبئا على الاقتصاد القومي, فيتخذون من الارصفه مكانا لعرض بعض الخضروات أو يعملون في المقاهي وتنظيف السيارات أو حراسة البيوت والبعض يحترف أعمال الإجرام والبلطجة.
إذا كانت هذه هي البيئة الاقتصادية والاجتماعية السائدة في البلدان المتخلفة, يبرز سؤال يطرح نفسه: ما هي الطبقة أو الفئات المتميزة في هذه البيئة والتي تقبض في يدها على السلطة وتسيطر على الدولة؟
ثانيا: القوى الاجتماعية والسلطة
إذا لاحظنا إن المستعمر في هذه لدول المتخلفة كان يقبض على زمام السلطة فيها – قبل نيل استقلالها السياسي- وكان يعاونه رموز الطبقة المتميزة التي ساهم في خلقها وتكوينها المستعمر عن طريق منحها امتيازات واسعة.
كما إن طبقة السحرة والكهنة كانت تحتل موقفا طبقيا متميزا في سلم التدرج الاجتماعي في البلاد المتخلفة لا سيما الواقعة في إفريقيا في ظل الاستعمار.
ولما كانت هذه التكوينات الطبقية المتخلفة لابد أن تقابلها تكوينات طبقية مضادة تخلق من خلال العمل الإنتاجي. فالاستعمار الذي كان يهمه نزح المواد الأولية في البلد المستعمر استعان بالكثير من أبناء هذه البلاد في العمل في المناجم وفي المزارع الواسعة التي كان يديرها عن طريق أعوانه, كما شق الطرق السهلة وإنشاء مواصلات مريحة لكي تنتقل هذه المواد الخام الى مواني التصدير, وانشأ جهازا ادريا يقوم بتنظيم هذه الأعمال وبعض المدارس التي تقوم على مد هذا الجهاز بما يحتاجه من عاملين.
وقاد هذا كله خلق تكوينات اجتماعية أفرزت عناصر متحمسة لقيادة حركة الاصطدام بالاستعمار والطبقات المرتبطة به, يضاف الى هذا بعض العناصر الصغيرة والمتوسطة في الجيش صغير العدد الذي قام بتكوينه الاستعمار بغرض استعماله في بعض المعارك المحددة داخل البلد المستعمر أو خارجه , وإضرابات هذه التكوينات الاجتماعية هي التي قادت حركة النضال الوطني بشقيه السلمي والمسلح لنيل الاستقلال.
وعلى هذا كانت تبدو خريطة القوى الاجتماعية في هذه البلاد عشية خروج الاستعمار وحصولها على الاستقلال السياسي تتبلور في قوتين أساسيتين بشكل عام:
أ-القوى الطبقية, ركيزة النظام القديم وكانت تشكل من المزارعين الأغنياء ( شبه الإقطاع ) وعدد قليل من أصحاب التوكيلات.
ب-القوى الاجتماعية, التي كانت في دور التكوين الطبقي وبالتالي لم تحدد ملامحها بعد وكانت تتمثل في موظفي الجهاز الإداري وشباب العسكريين ذوي الرتب الصغيرة والمتوسطة وأعداد قليلة من التكنوقراط وأعداد كبيرة من العاملين في المزارع وفي المناجم والخدمات.
غير إن هذا لا ينفي حقيقة بديهية وهي إن معظم هذه الفئات انحدرت من أصول طبقية صغيرة ريفية وعندما نالت هذه البلاد استقلالها لم تكن هذه الفئات الاجتماعية قد استقرت في أوعية طبقية محددة وإنما كانت في دور التكوين وبالتالي لم تكن تملك خصائص وملامح الطبقات الاجتماعية المحددة والمتجانسة في أوروبا الغربية مثلا.
قاد هذا كله الى عدم ملكيتها صفات ثابتة ومستقرة والى تأثرها بأفكار وثقافات مختلطة بعيدة عن التجانس والوحدة تختلط فيها أنماط أفكار ومعارف غيبية وسلفية تعزى الى الأصول الريفية وأفكار مموهة عن الغرب وحضارته وأفكار تنحدر من الأصول القومية والوطنية تبدت في أحلام الدولة القومية, ولا ينبغي القول بأن فكرا واحدا كان هو السائد وإنما خليط من هذه الأفكار استقر في عقول أولئك الذين تسلموا السلطة في هذه البلاد.
وقد أثرت هذه الأفكار – فيما بعد – على مسلك مسيرة هذه الدول, بحيث لم تحسم السلطة فيها مشكلة ما باتجاه صالح المواطنين الأكثر عددا.
وعلى هذا يمكننا القول, إن خريطة السمات الاجتماعية للسلطة في البلدان المتخلفة تتكون في الأساس من أصحاب الوكالات التجارية وأعمال السمسرة وأصحاب الأراضي الزراعية الواسعة والملاك العقارين في المدن, وهم يسيطرون على السلطة التشريعية وعلى مواقع أساسية في السلطة التنفيذية, الى جانب الضغوط التي تمارس على أجهزة الدولة لتنفيذ القوانين لصالحهم.
نتائج الموضوع:
1- تتكون السلطة – بشكل مجرد – من عنصرين : القوى المادية والرضا والإقناع بها, أي شرعية هذه القوة المادية, ويرتبط العنصران – في رأينا – ارتباطا تبادليا وثيقا بحيث لا تقوم للسلطة قائمة إذا غاب احد عناصرها, وان كان يبدو إن العنصر الثاني يترتب على وجود العنصر الأول, غير انه قد يتحقق وجود الإقناع والرضا بالقوة المادية القائمة بالرغم من بلوغها درجة من الضعف والوهن بحيث لا تستطيع أن تفرض سيطرتها المادية داخل عموم المجتمع.
2- درج الكثير من الكتاب على إطلاق لفظ السلطة على العنصر المادي وحده في المجتمعات بالرغم من غياب الرضا والإقناع, أي شرعية هذا العصر المادي, لذلك يبدو لنا انه يتعين الحذر في إطلاق لفظ " السلطة" في هذه المجتمعات خاصة عند التوصيف القانوني ويفضل إطلاق لفظ" التسلط" لأنه أكثر تعبيرا عن الوضع القائم فعلا.
3- تظل السلطة على الدوام مطمعا لكل طبقات وفئات المجتمع وهدفا تسعى إليه كل مجموعة من الناس, فعن طريقها تستطيع أن تحقق مصالحها وتحافظ عليها.
4- في ظل الاستقطاب الدولي في العلاقات الدولية الحالية والتقسيم الدولي العمل, تصبح السلطة في معظم بلدان العالم مجالا خصبا لنفوذ قوى خارجية تؤثر في توجيهاتها وقراراتها ولا يمكن معالجة مسألة السلطة في بلد ما خاصة تلك المجموعة المتخلفة من الدول دون تناول هذه القوى الخارجية وتأثيراتها على هذه الدول.
5- تظل السلطة في البلدان المتخلفة, أكثر السلطات قابلة للتأثير فيها من القوى الخارجية.
للدكتور ٫ شكري السويدي
تحتل السلطة موقعا مميزا في الفكر الإنساني القانوني والسياسي, حيث تواكب البحث عن مضمونها وكيفية تكوينها مع ازدهار المبادئ الديمقراطية و انتشارها, فقد كان سائدا في العصور القديمة إن السلطة مقصورة على الآلهة وبالتالي تسبغ عليها صفات القداسة والعبودية, فهي تمثل باب لا يجب الدخول منه ومقاما لا يتعين الاقتراب منه, فهى لا تخص الناس ولا العامة ومحرابها مقدس يقتصر على الآلهة ونسلهم.
ومع تطور المجتمعات وتقدم الفكر الإنساني, أخذت غلالة القداسة تنتزع عنها رويدا رويدا, وأصبح الاهتمام بها طاغيا, حيث عن طريقها تتحقق قرارات وقوانين كان يظن أنها حبر على ورق. وبواسطتها يتحول ما كان من قبيل الأحلام والأماني الى واقع مادي ملموس.
وفي العصر الحاضر تتسابق الفئات والقوى الاجتماعية والأحزاب السياسية في الوصول الى هذه السلطة وذلك لتحقيق مصالحها وتنفيذ برامجها. وقد يكون الوصول الى السلطة عنيفا معبدا بالدماء والضحايا, وقد يكون الطريق الى الإمساك بمقاليدها هادئا سليما.
ويهتم القانون بهذه السلطة وبمدى شرعيتها وشرعية القرارات التي تصدرها وعلاقاتها بالدولة , بينما يهتم علم السياسة بمضمونها وبالأصول الاجتماعية للعناصر التي تستولي عليها والفكر الذي يوجههم وعلاقاتهم بالقوى الاجتماعية الأخرى, وبمدى تأثير قرارات السلطة وأعمالها على المجتمع والقوى الاجتماعية فيه وبكيفية التغيير في هذه السلطة.
كما نلاحظ أن مضمون السلطة وسماتها والعناصر التي تمسك بزمامها وتوجهاتها يختلف من بلد الى أخر حسب درجة تطوره والفلسفة السياسية التي يعتنقها.
ويترتب على هذا, الاختلاف بين في السلطة وشكلها ومضمونها في دول الديمقراطية الليبرالية التي تقوم على الانتخاب وتعدد الأحزاب, عنها في الدول الاشتراكية ذات النهج الماركسي, حيث يسيطر ممثلو طبقة اجتماعية واحدة على السلطة, عنها في الدول المختلفة التي تتميز بوضعيه اقتصادية معينة وسمات بها خاصة في تكوين القوى الاجتماعية التي تصل الى السلطة.
ونحاول هنا أن نبين عناصر السلطة – بشكل عام- ثم بعد ذلك نتعرض للمفاهيم المتعددة السلطة ثم نبين تحليلا للسلطة في البلدان المتخلفة.
أولا: السلطة.... الأصول والعناصر
1- السلطة وعناصرها
تقترن السلطة على الدوام بعلاقة إنسانية غير متكافئة, فهناك من يصدر الأوامر وهناك من يجبر على الخضوع لها, اى لضرورة وجود حاكم ومحكوم, ولكن التفرقة جوهرية بين القوة المادية التي تجبر الآخرين على الخضوع وبين السلطة التي تمتزج فيها القوة المادية مع الاعتقاد بالخضوع.
وعلى هذا فالسلطة تتضمن عنصرين:
أ-القوة والسيطرة المادية
ويعني هذا, قدرة الأكثر قوة مادية على إجبار الضعيف على الانحناء والخضوع, وهذه ظاهرة تعم العالم اجمع, بدون استثناء وتعتبر طبيعيا لعدم تعادل القوى العضلية فقط, بل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ب-الإقناع والإيمان السلطة
السلطة الحقيقية تبدو إذا رافق هذا البأس والقوة, الاقتناع بعدالة وصحة وشرعية هذه القوة.
وعلى هذا فالسلطة تتضمن الأتي:
- الخضوع المادي.
- الاقتناع والاعتقاد بهذا الخضوع.
لذلك يمكننا القول, بأن السلطة ضرورية بشكل عام والإقتناع بها كحقيقة اجتماعية فهي تبدو في المجتمع تظاهرة .
ثانيا: مفاهيم متعددة للسلطة
في القرن السابع عشر, عرف "توماس هوبز" السلطة بأنها عبارة عن الوسائل الحالية التي تستخدم لتأمين الحصول على خير محتمل في المستقبل.
هذا التعريف – كما هو واضح - فضفاض متسع من ناحية وضيق من ناحية أخرى, فهو متسع لأنه يربط بين السلطة ومجموع الموارد المتاحة للإنسان لتحقيق أهدافه, وبالتالي يصعب التمييز بين السلطة والثروة.
كما انه تعريف ضيق, لأنه يشير الى السلطة كشئ مادي ملموس- وهو احد جوانب السلطة.
"فأراء هوبز" هذه أثرت في اغلب الكتاب الذين تناولوا الكتابة عن السلطة بعده واهتموا بتأصيل فكرة الفصل بين السلطات مثل " مونتسكيو" وكذلك " جون لوك" حيث انه نظر إليها على أنها علاقة وليست شيئا.
وفي الثلاثينات من القرن العشرين , انتهى " فريديك وتكنير" الى المجال الصحيح لعلم السياسة ليس دراسة الدولة أو أية مؤسسة وإنما هو دراسة جماعة يمكن أن تكون مثالا لمشكلة السلطة.
ثم ظهر في الخمسينات تعريف يقول إن الاهتمام الأول لعلم السياسة هو السلطة السياسية في المجتمع من حيث طبيعتها وأسسها وخطوات عملها ومجالها ونتائجها على السلطة أو المحافظة عليها كذلك ممارسة السلطة أو النفوذ على الآخرين أو مقاومة تلك الممارسة, أيضا عرف عالم أخر السلطة بأنها السيطرة على عقول وأفعال الآخرين. الواضح هنا إن هناك فرقا بين السلطة والسياسة والقوة العسكرية , فالأولى تعني وجود علاقة سيكولوجية بين عقلين, بينما ترتبط الثانية بالعنف أي بوجود علاقة عضوية بين جسمين يبلغ احدهما من القوة حدا يمكن من السيطرة على حركات الجسم الأخر, ورأى أخر يرى أنها القدرة على التأثير في الآخرين دون التأثير بنفس القدر.
والنظرة المتعمقة لا تقيم هذا الفرق بين السلطة والقوة العسكرية فالسلطة السياسية اشمل واعم من القوة العسكرية, وتعتبر هذه الأخيرة إحدى عناصرها وبالتالي فهي ليست مستقلة بنفسها ومساوية للسلطة السياسية, لذلك يمكننا القول بأن القوة العسكرية يمكن اعتبارها فرعا من السلطة وليس بديلا عنها.
وعلى هذا فالسلطة السياسية تتكون من عناصر متعددة وتتضافر مع بعضها بحيث تكون بنيانا واحدا هو السلطة السياسية وبالتالي فهي مزيج من القوة العسكرية والاقتصادية والتعليم والدعاية والإعلان.
ثالثا: السلطة في البلدان المتخلفة " النامية"
يتعين أن يكون واضحا انه عند الحديث عن البلدان المتخلفة لا نقصد بلد معينا وإنما نحاول أن نتلمس الخصائص العامة التى تشترك فيها كل البلاد المتخلفة.
ولا يعني هذا أن البلاد المتخلفة على درجة واحدة من التطور والنمو, وإنما هناك اختلاف في الدرجة بينها, مرة يتسع ومرة يضيق, وتارة تبرز سمه من سمات التخلف في بلد بوضوح وقوة, بينما تبرز سمه أخرى في بلد أخر. وقاد هذا بلا شك الى اختلاف درجة التطور الاجتماعي من بلد الى أخر, وبالتالي الى اختلاف في القوى الاجتماعية وتصنيفها فالسحرة والكهنة مثلا مازالوا يلعبون دورا رئيسيا في السلطة في عدد من البلدان الإفريقية بينما تنعدم هذه الفئة في خريطة القوى الاجتماعية في بلدان أخرى.
أولا: البيئة الاقتصادية والسياسية
يطلق اسم البلدان المتخلفة على تلك البلدان التي كانت مستعمرة ونالت استقلالها السياسي ابتداء من انتهاء الحرب العالمية الثانية. ونتيجة للاستعمار المباشر الطويل ورثت تركه استعمارية مثقله بكل أنواع التخلف والقهر على كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
فهذه البلدان لم تتطور طبيعيا ومازالت تحمل كل سمات التخلف والتأخر الذي تعكسه الأبنية الاقتصادية المفككة والمشوهة والتركيب الاجتماعي غير التوازن الغارق في القبلية العصبية العشائرية, حيث يتغلب الولاء القبلي أو الطائفي أو الأسري على الولاء للوطن فضلا عن وجود طبقة قليلة غير منتجة أصلا في العملية الإنتاجية تحوز عائدا ضخما من الناتج القومي.
بينما الغالبية العظمى من السكان تكاد لا تجد ما تفي به حاجاتها الأساسية من مأكل وملبس ومسكن يضاف الى هذا تلك العادات والتقاليد المتأخرة والتي تعوق التقدم والنمو, يحمي هذا ويشجعه وجود ثقافة متأخرة تسد كل مناهج التفكير واستعمال العقل في البحث والسلوك ويضرب كل من الجهل والمرض والفقر – بدون رحمة- معظم سكان هذه البلدان. فالأمية تبلغ معدلات عالية كذلك ارتفاع معدل الوفاة بين الأطفال وارتفاع معدل المواليد وانخفاض الدخل الفردي والنشاط الأساسي للسكان يتركز في الزراعة, وهو قطاع متخلف تمارس في استغلاله طرق بدائية مضى عليها دهر طويل تعكس أثارها في انخفاض الإنتاجية وقلة المحاصيل أو في الصيد والرعي.
والآن بعض ما يقرب من نصف قرن على استقلال معظم هذه البلدان, رفعت فيها شعارات كثيرة عن التنمية ورددتها كثيرا عبر أجهزة إعلامها, هل تغيرت هذه الأوضاع والسمات واقتربت من الدول المتقدمة؟ هل أخذت بأسباب التقدم وكفلت لها خططها في التنمية والتقدم الخروج من مأزق التخلف التاريخي الذي وجدت نفسها فيه؟
إن النظرة المتفحصة على واقع هذه البلدان اليوم, يمكننا القول دون تردد إن هذه الدول صارت تضرب بعمق في طريق التخلف وأوغلت سيرا فيه وشمل التخلف فيها كل القطاعات الإنتاجية.
حتى أطلق الاقتصاديون على هذه الخطط للتنمية وما تؤدي إليه من نتائج اسم" تنمية التخلف" ويعود هذا – بطبيعة الحال – الى أن معظم هذه البلدان مندمجة في السوق الرأسمالية وتعيش في حالة تبعية دائمة للاحتكارات الرأسمالية.
واهم الظواهر للاحتكارات الرأسمالية في بنية هذه البلدان ما يلي:-
1- ازدواج الاقتصاد
ينقسم الاقتصاد القومي الى قطاعين
- القطاع الحديث
يرتبط عضويا بالرأسمالية العالمية من حيث التمويل والتكنولوجيا ونوع المنتجات ويضم هذا القطاع عدد محدودا من السكان لا تزيد نسبتهم عن 20% في أحسن الظروف. وتظهر مؤسسات هذا القطاع في البنوك الأجنبية أو الفنادق الفخمة وشركات الوكالات التجارية التي تقوم باستيراد وتسويق السلع الاستهلاكية.
وبناء على ذلك تتشكل طبقة جديدة تحوز ثروات كبيرة ودخول مرتفعه. لذلك تعمل الاحتكارات عن طريق شركاتها وبالاتفاق مع السماسرة والوسطاء من أبناء البلد المتخلف على تخريب الذمم وإفساد الضمائر في أجهزة الدولة بما فيها الرقابة فيكثر الغش والاختلاس والتهريب والرشوة والعمولات والسمسرة ويتحول الكثير من المال العام الى مال خاص بحيث يؤدي الى تكوين طبقة فاحشة الثراء قادرة على شراء سلع الرفاهية التي تصدرها الاحتكارات الرأسمالية.
- القطاع التقليدي
وهو الذي يضم بقية الاقتصاد القومي وعادة ما يكون الزراعة, ويعيش هذا القطاع في حالة تخلف شديدة ويعتمد على أدوات بدائية.
ويكاد الفصل يكون كاملا بين القطاعين بحيث تنعدم تأثيرات القطاع الحديث على القطاع المتخلف لأنه في العادة إرباح القطاع الحديث الضخمة تقوم شركات الاحتكار بتجميعها واستثمارها في مناطق أخرى من العالم, أما الأموال التى تعود الى تلك الطبقة الجديدة, فإنها تقوم بتهريب أموالها أول بأول الى البنوك الخارجية وذلك لعدم إحساسها بالأمان. وهذا كله يؤدي الى ضالة المدخرات المحلية وازدياد عجز الاقتصاد القومي.
2- ازدياد التفاوت بين الطبقات
تفسر نظرية مراحل النمو, السائدة في الغرب, التخلف بأنه مجرد تأخر تاريخي, وان الدول النامية ستلحق في خلال عدة سنوات بالدول المتقدمة ما دام إنها تحقق معدل نمو مرتفع كما يقوم كثير من مثقفي الشركات المتعددة الجنسية بتنظيرات خادعه شعارها ضرورة تشجيع التفاوت في الدخول بمقولة إن أصحاب الدخول العالية هم وحدهم القادرون على الادخار والاستثمار, وان التجربة التاريخية أثبتت إن الرخاء يتساقط كالمطر من أعلى حتى يروي بالتدريج ارض الفقر في قاع المجتمع, فتقل حدة الفوارق بين الطبقات, ويعزز هذا الخدمات العينية الكبيرة التي تقدمها الدولة للفقراء وتكون الحصيلة النهائية هي تخفيف الفوارق بين الطبقات.
ويعد هذا مجرد وهم كبير لان واقع البلدان المتخلفة يشير الى إن الأموال الكثيرة في يد الطبقة الجديدة , تقوم بتهريبه ولا تستغله مطلقا في مشاريع ذات فائدة.
3- تفاقم التخلف
تزداد سمات التخلف, فينتشر الفقر وتشيع الأمية ويصيب المرض معظم فئات المجتمع, فعائد العمل لا يكفي تغطيه الأساسيات التي تتفاقم أسعارها يوما بعد يوم وتأخذ الطبقة الوسطى في الاضمحلال, حيث تتحول معظم شرائحها الى الطبقة الدنيا لان كمية النقود التي كانت تحصل عليها وكانت تضعها في مصاف الطبقة الوسطى أصبح لا قيمة لها إزاء الارتفاع الهائل في الأسعار وبعض منها يتحول الى الأقلية التي تزيد دخولها وترتفع ثرواتها بشكل خرافي عبر طرق غير مشروعة.
ويتغير نظام القيم فتشبع روح الجشع والاستغلال والكسب السريع والنهب فتنعدم الخدمات التعليمية والصحية وتتسرب الأموال الى جيوب المقاولين والسماسرة وبالتالي يشيع المرض والجهل. وفي نفس الوقت تتوالى هجرات أبناء الريف الى المدن لتخريب قطاع الزراعة.
وفي المدينة لا توجد أعمال لهؤلاء العاملة من أبناء الريف الذين يبحثون عن أعمال هامشيه تشكل عبئا على الاقتصاد القومي, فيتخذون من الارصفه مكانا لعرض بعض الخضروات أو يعملون في المقاهي وتنظيف السيارات أو حراسة البيوت والبعض يحترف أعمال الإجرام والبلطجة.
إذا كانت هذه هي البيئة الاقتصادية والاجتماعية السائدة في البلدان المتخلفة, يبرز سؤال يطرح نفسه: ما هي الطبقة أو الفئات المتميزة في هذه البيئة والتي تقبض في يدها على السلطة وتسيطر على الدولة؟
ثانيا: القوى الاجتماعية والسلطة
إذا لاحظنا إن المستعمر في هذه لدول المتخلفة كان يقبض على زمام السلطة فيها – قبل نيل استقلالها السياسي- وكان يعاونه رموز الطبقة المتميزة التي ساهم في خلقها وتكوينها المستعمر عن طريق منحها امتيازات واسعة.
كما إن طبقة السحرة والكهنة كانت تحتل موقفا طبقيا متميزا في سلم التدرج الاجتماعي في البلاد المتخلفة لا سيما الواقعة في إفريقيا في ظل الاستعمار.
ولما كانت هذه التكوينات الطبقية المتخلفة لابد أن تقابلها تكوينات طبقية مضادة تخلق من خلال العمل الإنتاجي. فالاستعمار الذي كان يهمه نزح المواد الأولية في البلد المستعمر استعان بالكثير من أبناء هذه البلاد في العمل في المناجم وفي المزارع الواسعة التي كان يديرها عن طريق أعوانه, كما شق الطرق السهلة وإنشاء مواصلات مريحة لكي تنتقل هذه المواد الخام الى مواني التصدير, وانشأ جهازا ادريا يقوم بتنظيم هذه الأعمال وبعض المدارس التي تقوم على مد هذا الجهاز بما يحتاجه من عاملين.
وقاد هذا كله خلق تكوينات اجتماعية أفرزت عناصر متحمسة لقيادة حركة الاصطدام بالاستعمار والطبقات المرتبطة به, يضاف الى هذا بعض العناصر الصغيرة والمتوسطة في الجيش صغير العدد الذي قام بتكوينه الاستعمار بغرض استعماله في بعض المعارك المحددة داخل البلد المستعمر أو خارجه , وإضرابات هذه التكوينات الاجتماعية هي التي قادت حركة النضال الوطني بشقيه السلمي والمسلح لنيل الاستقلال.
وعلى هذا كانت تبدو خريطة القوى الاجتماعية في هذه البلاد عشية خروج الاستعمار وحصولها على الاستقلال السياسي تتبلور في قوتين أساسيتين بشكل عام:
أ-القوى الطبقية, ركيزة النظام القديم وكانت تشكل من المزارعين الأغنياء ( شبه الإقطاع ) وعدد قليل من أصحاب التوكيلات.
ب-القوى الاجتماعية, التي كانت في دور التكوين الطبقي وبالتالي لم تحدد ملامحها بعد وكانت تتمثل في موظفي الجهاز الإداري وشباب العسكريين ذوي الرتب الصغيرة والمتوسطة وأعداد قليلة من التكنوقراط وأعداد كبيرة من العاملين في المزارع وفي المناجم والخدمات.
غير إن هذا لا ينفي حقيقة بديهية وهي إن معظم هذه الفئات انحدرت من أصول طبقية صغيرة ريفية وعندما نالت هذه البلاد استقلالها لم تكن هذه الفئات الاجتماعية قد استقرت في أوعية طبقية محددة وإنما كانت في دور التكوين وبالتالي لم تكن تملك خصائص وملامح الطبقات الاجتماعية المحددة والمتجانسة في أوروبا الغربية مثلا.
قاد هذا كله الى عدم ملكيتها صفات ثابتة ومستقرة والى تأثرها بأفكار وثقافات مختلطة بعيدة عن التجانس والوحدة تختلط فيها أنماط أفكار ومعارف غيبية وسلفية تعزى الى الأصول الريفية وأفكار مموهة عن الغرب وحضارته وأفكار تنحدر من الأصول القومية والوطنية تبدت في أحلام الدولة القومية, ولا ينبغي القول بأن فكرا واحدا كان هو السائد وإنما خليط من هذه الأفكار استقر في عقول أولئك الذين تسلموا السلطة في هذه البلاد.
وقد أثرت هذه الأفكار – فيما بعد – على مسلك مسيرة هذه الدول, بحيث لم تحسم السلطة فيها مشكلة ما باتجاه صالح المواطنين الأكثر عددا.
وعلى هذا يمكننا القول, إن خريطة السمات الاجتماعية للسلطة في البلدان المتخلفة تتكون في الأساس من أصحاب الوكالات التجارية وأعمال السمسرة وأصحاب الأراضي الزراعية الواسعة والملاك العقارين في المدن, وهم يسيطرون على السلطة التشريعية وعلى مواقع أساسية في السلطة التنفيذية, الى جانب الضغوط التي تمارس على أجهزة الدولة لتنفيذ القوانين لصالحهم.
نتائج الموضوع:
1- تتكون السلطة – بشكل مجرد – من عنصرين : القوى المادية والرضا والإقناع بها, أي شرعية هذه القوة المادية, ويرتبط العنصران – في رأينا – ارتباطا تبادليا وثيقا بحيث لا تقوم للسلطة قائمة إذا غاب احد عناصرها, وان كان يبدو إن العنصر الثاني يترتب على وجود العنصر الأول, غير انه قد يتحقق وجود الإقناع والرضا بالقوة المادية القائمة بالرغم من بلوغها درجة من الضعف والوهن بحيث لا تستطيع أن تفرض سيطرتها المادية داخل عموم المجتمع.
2- درج الكثير من الكتاب على إطلاق لفظ السلطة على العنصر المادي وحده في المجتمعات بالرغم من غياب الرضا والإقناع, أي شرعية هذا العصر المادي, لذلك يبدو لنا انه يتعين الحذر في إطلاق لفظ " السلطة" في هذه المجتمعات خاصة عند التوصيف القانوني ويفضل إطلاق لفظ" التسلط" لأنه أكثر تعبيرا عن الوضع القائم فعلا.
3- تظل السلطة على الدوام مطمعا لكل طبقات وفئات المجتمع وهدفا تسعى إليه كل مجموعة من الناس, فعن طريقها تستطيع أن تحقق مصالحها وتحافظ عليها.
4- في ظل الاستقطاب الدولي في العلاقات الدولية الحالية والتقسيم الدولي العمل, تصبح السلطة في معظم بلدان العالم مجالا خصبا لنفوذ قوى خارجية تؤثر في توجيهاتها وقراراتها ولا يمكن معالجة مسألة السلطة في بلد ما خاصة تلك المجموعة المتخلفة من الدول دون تناول هذه القوى الخارجية وتأثيراتها على هذه الدول.
5- تظل السلطة في البلدان المتخلفة, أكثر السلطات قابلة للتأثير فيها من القوى الخارجية.
للدكتور ٫ شكري السويدي