انحسار سلطات البرلمان في العالم
مرسل: السبت ديسمبر 25, 2010 9:38 pm
مقدمة:
نقصد بهذا لموضوع دراسة دور البرلمان في إطار مجموعة النظم السياسية الليبرالية, فالبرلمان في المجموعات الأخرى من النظم السياسية في دول أوروبا الشرقية ومجموعة الدول النامية منحصر دوره في أمور شكلية بحته, وينظر إليه كأداة لإضفاء الشرعية على القواعد القانونية فقط.
لم يكن الطريق أمام البرلمانات معبدا أو سهلا وإنما انتزعت البرلمانات سلطاتها من خلال غمرة نضال طويل وشاق ضد الملكيات المطلقة ونظم الحكم الاستبدادية , ولم تتحصل على سلطاتها دفعه واحدة وإنما اكتسبتها بالتدريج, ولعل أخرها كان سلطتها المالية. وإذا كان تاريخ البرلمانات يؤرخ عادة بمسيرة البرلمانات الأوروبية( البريطانية والفرنسية) في سياق تطورها الطويل, فإن اى بحث يتجاهل مسيرة هذه البرلمانات ودورها في النظم النيابية , يبعد عن الصواب ويتجاهل الحقيقة. وبالرغم من انتقال عنصر الثقل السياسي الى مجلس العموم في بريطانيا في القرن التاسع عشر إلا انه قد بلغت هذه البرلمانات من القوة والتأثير على سائر مؤسسات الدولة. بيد انه ومع تطور النظام الحزبي في بريطانيا والوصول الى ما يعرف بأنظمة الأغلبية البرلمانية, أصبح الحزب الذي يفوز في الانتخابات بأغلبية معقولة يسيطر على السلطتين التشريعية والتنفيذية , وبالتالي أصبح بمثابة المضخة التى تضخ الدم في شرايين هاتين السلطتين. في نفس الوقت تعرض البرلمان الفرنسي للتعديل والتبديل بعد أن قيد الدستور الفرنسي 1958 سلطاته وجاء إصلاحه في عام 1962 ليرسى النظام شبه الرئاسي في فرنسا , وترتب على هذا نتيجة أساسية مؤداها بدء انحسار السلطات البرلمانية في النظم السياسية المعاصرة وحاصرت دور البرلمان في زاوية محددة لا يبارحها إلا بإذن , وبصورة استثنائية بحيث أصبحنا نعيش بحق – عصر السلطة التنفيذية.
لذا, سنحاول في هذا البحث تبيان مدى انحسار سلطات البرلمان عبر التجربة الدستورية الفرنسية الحديثة, وتحجيم دور البرلمان وتقليص اختصاصاته لصالح السلطة التنفيذية.
وأود, بادي ذي بدء, أن أنبه لنقاط ثلاثة في غاية الأهمية وهى كالتالي:-
1- إن اختيارنا للتجربة الفرنسية ليس من قبيل تطبيق الجزء على الكل وتعميمه , وإنما الملاحظ هو انحسار سلطات البرلمان في الدول الليبرالية فعليا وواقعيا, حتى في الولايات المتحدة الأمريكية الى تلعب فيها الهيئة التشريعية دورا كبيرا في صنع القواعد القانونية.
2- إعداد القانون يتم عادة عن طريق الرئيس ومعاونيه ويقتصر دور البرلمان عادة على إضفاء الشرعية على هذه القواعد , ولكن اختيارنا لفرنسا إنما يأتي لأنها ضمنت هذا التدهور لسلطات البرلمان في خصوص دستورية مقننة أقامت منها بناء هندسيا عجيبا يدل على خيبة البرلمان وأفول نجمه.
3- أنبه, أن للبرلمان وظائف متعددة, إلا أن الإصابة البالغة التى لحقت به أصابته في اعز وظيفة له, إلا وهى وظيفته التشريعية , ووضع القواعد القانونية, كذلك تأثرت سلطته المالية بعض الشئ, إلا أن دوره في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ما يزال محتفظ بقيمته و منزلته.
وبصفة عامة فإن 95% من القوانين التي يصدرها البرلمان الانجليزي,و 90% من القوانين التي يصدرها الكونغرس الأمريكي, و75% من القوانين التي يصدرها البرلمان الألماني, مصدرها الجهاز التنفيذي.
أسباب تدهور سلطات البرلمان:
تعود أسباب التدهور في الدول الليبرالية الى عوامل متعددة عامة وخاصة وهي على النحو التالي:-
1- التغيرات الهائلة في الاقتصاد وسرعة حركة رؤوس الأموال وانتقالها من أمريكا الى أوروبا واليابان وبالعكس عن طريق الشركات المتعددة الجنسية , والرغبة في ملاحقة هذه السرعة, فلم يعد البرلمان هو الأداة المثلى لتقنين هذه الحركة سريعا لما اشتهر عنه من بطء وتعقيد وإقامة السدود في وجه حركة رؤوس الأموال. فمن المعتقد أن رأس المال في تنقله ودورانه لا ينظر بعين الرضا والراحة الى البرلمان. لذلك كان من الضروري أن تركز تنظيم إجراءات حركة رأس المال العالمي هذه في يد السلطة التنفيذية التى تسهل له هذه الحركة.
2- تعقد الأمور التي تواجهها الحكومة الحديثة وشعبها بكل ما تقتضيه من تخصص علمي دقيق وخبرات فنية توفرها السلطة التنفيذية, ونادرا ما تتوفر لدى البرلمان.
3- تتطلب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية التى تمر بها النظم الرأسمالية سرعة في المواجهة واستجابة سريعة لما تتطلبه مواجهة هذه الأزمات من حلول ومعالجة , ولا يوفر البرلمان هذا الأمر حيث إن دخوله في مناقشات مستفيضة وتطويله للإجراءات ربما يضاعف من سرعة تفشي الأزمة.
4- التطورات الهائلة التي حدثت في حركة الأحزاب السياسية واستقطابها للمواطنين , ووصول أعضائها عبر الانتخابات التشريعية الى البرلمان نقل السلطة من البرلمان الى الأحزاب السياسية خاصة حزب الأغلبية الذي يحوز أعضاؤه أكثرية مقاعد البرلمان, الأمر الذي يوفر له استثارة بالسلطتين التشريعية والتنفيذية مما يصبح معه الفصل بين السلطات مجرد وهم كبير.
5- تركيز السلطة مع ظهور شخصية قيادية بارزة وسط الأزمة , حيث ينظر الناس الى هذه الشخصية البطولية كأنها المنقذ للبلاد من أزماتها وربما تشير هذه الحالة الى خصوصية الوضع الفرنسي أو فرنسا الديجولية, حيث وصل "ديجول" لثاني مرة الى سدة السلطة عام 1958 بعد أن تفاقمت أزمات البلاد خاصة المشكلة الجزائرية , وتطلعت فرنسا كلها الى ديجول و طالبته لاستلام زمام القيادة لإنقاذها من المعضلات التي ألمت بها. وبالتالي تستولي هذه الشخصية البطولية على المؤسسات الدستورية القائمة وتجردها من الكثير من اختصاصاتها وسلطاتها. وفي وسط هذا المناخ, وبالرغم من وجود المؤسسات الدستورية المستقرة منذ أمد طويل, إلا أن " ديجول" راح يجرد هذه المؤسسات من سلطاتها ويركزها في يده.
وسنقوم بدراسة هذا الموضوع في خمسة نقاط أساسية:
• تتعرض الأولى لسلطات البرلمان العامة.
• وتتعرض الثانية لسلطات البرلمان الفرنسي في دستور 1958 وفي الإصلاح الدستوري 1962.
• وتتعرض الثالثة لتسليط الضوء على سلطات السلطة التنفيذية تجاه البرلمان .
• وتتعرض الرابعة لنظام الرقابة على دستورية القوانين التى شيدها دستور 1958.
• وتتعرض الخامسة لوسائل التأثير التي تحوزها السلطة التنفيذية تجاه البرلمان في الدستور الكويتي وكذلك البرلمان في التأثير على السلطة التنفيذية.
أولا: سلطات البرلمان العامة:
يحوز البرلمان مجموعة من السلطات يوازن بها مع سلطات الحكومة ويتعين أن يمارسها فعلا وبكل حرية وإلا أصبح برلمانا شكليا مجرد واجهة.
يعتبر البرلمان في الفقه الليبرالي السلاح الفعال ضد تصرفات الحكومة الاستبدادية التى تعمل على الدوام لإضعاف البرلمان بوسائل شتى وتجريده من سلطاته خاصة بعد أن تطورت نظم الانتخابات وخشية الحكومة من أن يعبر البرلمان بصدق عن الجماهير الشعبية . وتمارس البرلمانات الغربية ثلاث سلطات كما يلي:-
أ- سلطة التشريع:
ويقصد بسلطة التشريع التصويت على مشروعات القوانين لكي تصبح قوانين يتعين على الحكومة أن تسير عليها في عملها. وبموجب مبدأ الشرعية لا تستطيع الحكومة أن تعدل هذه القوانين من تلقاء نفسها.
وتظهر سلطة البرلمان المالية في تحديد أرقام نفقات الدولة في السنة المقبلة واتخاذ الوسائل الضرورية لمكافحة العجز المالي في الميزانية سواء عن طريق الضرائب أو طرق أخرى.
وتمنع البرلمانات الحكومة من أن تفتح انتخابات أو تعقد قروض خارج الميزانية أو أن تمنح اى هبات.وكذلك تأتي سلطة تصديق البرلمانات على المعاهدات التى تبرمها الحكومة مع الدول الأخرى.
ب- سلطة الرقابة:
يمارس البرلمان الرقابة على الحكومة , فيما يتعلق بالشؤون المالية تكون الرقابة على أساليب الإنفاق والواردات. ويمارس البرلمان الرقابة على الحكومة أساليب معينة وهى " السؤال – الاستجواب- التحقيق". وفي السنوات القريبة ظهرت الى الوجود وسيلة أخرى من وسائل الرقابة على العمل الحكومي , ألا وهى " المفوض البرلماني" وهى شخصية مستقلة يقوم بتعيينها البرلمان من اجل الإشراف والرقابة على الإدارة.
وقد اتخذت هذه الوسيلة شكلين في التطبيق:
•الشكل الأول: مفوض برلماني ذو اختصاص شامل وعام ويجد هذا تطبيقه من فترة طويلة في السويد منذ عام 1908 ويعرف بنظام " الامبودسمان" " Ombudsman" ثم أخذت به فنلندا والدنمارك والنرويج وأخيرا طبقته بريطانيا عام 1967. وينحصر بالتحديد في تلقي الشكاوي من المواطنين ضد تعسف وتجاوزات الحكومة من الإدارة, ويقوم ببحثها والتحقيق فيها, ويتدخل لرفع هذا التعسف إذ تبين انه صحيح.
•الشكل الثاني: هو مفوض برلماني خاص يقوم بالرقابة على بعض الخدمات والمرافق الخاصة.مثل المفوض البرلماني الخاص في ألمانيا للرقابة على نشاط الحكومة في موضوع السلاح والجيش.
ج- سلطة المطالبة والاعتراض:
يمارس البرلمان , أخيرا, وظيفة المطالبة والاعتراض, بمعنى أن كل نائب في البرلمان هو عبارة عن وسيط بين الناخبين وبين الحكومة , فهو يتدخل لدى الحكومة والإدارة ليلفت نظرهم الى بعض القرارات غير العادلة وغير الملائمة التى يعود أثرها بالضرر على المواطنين.
وعلى الصعيد الجماعي يعبر البرلمان عن المطالب العامة للأمة ويوجد في كل برلمانات العالم مكتب المطالبة أو الطلبات وهو يتلقى طلبات المواطنين وطلبات جماعات المصالح والفئات المعترضة على قرار حكومي ما, وتهتم هذه المكاتب بحريات المواطنين والحقوق الأساسية للمواطن وتطالب برفع الغبن والظلم عنها.
ثانيا: سلطات البرلمان الفرنسي في دستور 1958
أ- السلطة التشريعية:
تعتبر سلطة التشريع سلطة جوهرية وأساسية وأصيلة. وقد انتزع البرلمان هذه السلطة من الملكيات المطلقة بعد نضال طويل, ودامي وشاق فقدت الملكيات فيه سلطاتها تدريجيا لصالح البرلمان وتأتي في مقدمتها سلطة التصويت على القوانين وعلى القروض وعلى الميزانية. غير أن دستور 1958 في فرنسا قلب هذه القاعدة رأسا على عقب وحد من دور البرلمان لصالح السلطة التنفيذية. وتظهر هذه القيود في الأتي:-
1- حدد مجالا ضيقا للبرلمان يمارس فيه سلطته التشريعية.
2- خول لرئيس الجمهورية بأن يصدر قوانين من فوق رأس البرلمان وذلك عن طريق اللجوء الى الاستفتاء.
3- إصدار القوانين المقدمة من الحكومة دون التصويت أو الاقتراع عليها.
4- شيد نظاما فعالا ومحددا للرقابة على دستورية القوانين.
لذلك يمكننا القول, انه أصبح المجال التشريعي الذي كان يقوم به البرلمان استثناء, والسلطة الملائمة التى كانت تقوم بها الحكومة هى الأصل.
كما أن دستور 1958 زاد من دور مجلس الشيوخ الفرنسي غير أن هذا يعتمد على الحكومة.
بمعنى إذا لم تتدخل الحكومة في إجراءات التشريع, وأصبح لمجلس الشيوخ قدرة مساوية مع الجمعية الوطنية. أما إذا تدخلت الحكومة في التشريع فقد مجلس الشيوخ سلطاته وقدرته في اتخاذ القرار.
ب- السلطة المالية:
لعبت السلطة المالية دورا أساسيا في التطور التاريخي للبرلمان, بحيث أنها كانت أكثر أهمية من سلطاته, إذ كان البرلمان يوافق على الضريبة ويصوت على الميزانية. إلا أن دستور 1958 عدل كثيرا من سلطة البرلمان في هذا الخصوص بمقولة النزول عند مقتضيات الاستجابة لضرورات العصر. وتظهر هذه القيود في الأتي:-
1- تقييد مبدأ خصوصية الميزانية.
2- منع البرلمان من اقتراح النفقات.
3- حق الحكومة في إقرار الميزانية وإصدارها في حالة تأخر البرلمان عن التصويت عليها.
ج- سلطة مراجعة الدستور:
تعطي المادة 89 من الدستور لمجلس الشيوخ سلطات كبيرة. وتظهر في معارضة مجلس الشيوخ لأي تعديل دستوري يمنع المساس بالدستور القائم.
إلا أن ما قام به ديجول تغلب على هذه العقبة التي يمثلها مجلس الشيوخ في الأتي:-
1- الإجراءات العادية لتعديل الدستور
بمعنى لا يمكن السير في هذه الإجراءات العادية أثناء غياب الجمهورية وهى تتضمن ثلاثة مراحل:
أ- المبادرة التعديل: بمعنى إعطاء الحق لأعضاء البرلمان ولرئيس الجمهورية بناء على اقتراح من رئيس الوزراء.
ب- التصويت على التعديل من قبل البرلمان: لا يوجد ترتيب بالأولوية لأحد المجلسين.
ج- اللجوء الى الاستفتاء: تعرض المواد المصوت على تعديلها في استفتاء عام على الشعب.
2- الإجراءات الاستثنائية:
الجنرال ديجول قد استخدم المادة" 11" من الدستور 62-9 وذلك لإجراء تعديلات دستورية.
د- سلطات أخرى للبرلمان
يحوز البرلمان بعض السلطات الأخرى بجانب سلطاته الأصلية التقليدية في التشريع , وتتمثل هذه السلطات في تصديق على المعاهدات – إعلان حالة الحرب- وسلطة العفو- وبعض السلطات الأخرى تجاه المحكمة العليا- وهى تنقسم الى سلطات دبلوماسية, وأخرى قضائية.
1- السلطات الدبلوماسية
تتولى الحكومة دستوريا إدارة العمليات السياسية, ولكن البرلمان يحوز على سلطتين هما:
•سلطة الترخيص بالتصديق على المعاهدات.
•سلطة إعلان حالة الحرب
ولا يعتبر حق البرلمان مطلق, بل هو مقيد.
•سلطة إعلان الحرب
تنص المادة "35" من الدستور الفرنسي على أن الترخيص بإعلان الحرب يكون من قبل البرلمان.
2- السلطات القضائية:
في الأصل , تحوز المحاكم باختلاف درجاتها على تملك السلطات , لذا فإن عمل البرلمان هنا في غاية المحدودية, مثل:
•سلطات حق العفو.
•سلطة البرلمان إزاء المحكمة العليا, بمعنى يكون عدد من النواب قضاه في المحكمة العليا كما يقرر البرلمان بالأغلبية المطلقة خصام الرئيس أمام المحكمة العليا.
3- سلطات البرلمان الرقابية على لجوء رئيس الجمهورية للسلطات الاستثنائية
تتمثل هذه الرقابة في قيدين:
القيد الأول: التزام الرئيس باستشارة المجلس الدستوري في كافة الإجراءات , وان يأخذ بمضمون المشورة.
القيد الثاني: حتمية اجتماع البرلمان, عند ممارسة رئيس الجمهورية سلطاته.
ثالثا: سلطات السلطة التنفيذية على البرلمان
نبين هنا سلطة رئيس الجمهورية أولا, ثم سلطة رئيس الوزراء ومجلس الوزراء ثانيا:
أولا: سلطات رئيس الجمهورية إزاء البرلمان
•تظهر في توجيه الرسائل.
•وسلطته في حل البرلمان.
•سلطته اللجوء الى الاستفتاء (اقتراح الاستفتاء- موضوع الاستفتاء)
ثانيا: سلطات رئيس الوزراء ومجلس الوزراء تجاه البرلمان
•حقه في دخول البرلمان والتحدث أمامه في كافة الشؤون.
•حقه في التدخل في مناقشات البرلمان المتعلقة بالسياسة العامة للدولة.
•حقه في دعوة البرلمان الى جلسة غير عادية.
ثالثا: سلطة مجلس الوزراء تجاه البرلمان
•تملك الحكومة سلطة المبادرة بوضع القوانين.
•يعلن مجلس الوزراء عادة حالة الاستعجال في التصويت على القانون.
رابعا: الرقابة على دستورية القوانين في النظام الفرنسي
*مبدأ دستورية القوانين:
ويأخذ هذا المبدأ تطبيقات مختلفة:
•إعلان للحقوق: يعد إعلان الحقوق الفرنسي للإنسان والمواطن عام 1789 أكثر شهرة وصيتا من الإعلان الأمريكي, ويتضمن إعلان الحقوق تعريف للحريات العامة للمواطنين.
•دساتير مرنة أو جامدة: من المعروف إن فكرة الدساتير ظهرت وتطورت على يد فلاسفة القرن الثامن عشر بقصد أن تكون وسيلة لإضعاف سلطات الملك وبذلك تعبر هذه الدساتير عن سيادة الأمة, إلا إنها سرعان ما تطورت , و وضعت مجموعة من القيود على سلطات البرلمان . الجمود يعني أن سلطة تعديل الدستور تخرج عن حوزة البرلمان.
*تطبيق دستورية القوانين:
إن كل القوانين واللوائح والقرارات التى تخالف الدستور يتعين إلغاؤها ولكن كيف تطبق هذه الدستورية؟ وإذا حدث أن خرق قانون عادي القواعد الدستورية, كيف نطالب بإلغائه؟
هذه الرقابة تأخذ أشكالا وهى كالتالي:-
1- رقابة غير قضائية: وهو جهاز حكومي في الدولة وحيث تلجأ إليه الحكومة لتطلب إلغاء قانون صادر في البرلمان .
2- الرقابة القضائية: يتولاها جهاز له طبيعة قضائية يسمح للمواطن باللجوء إليه.
*الرقابة على أعمال البرلمان الفرنسي:
ينص الدستور: أن القوانين الأساسية أو التنظيمية يجب ان تعرض على المجلس الدستوري قبل نشرها.
يحرم المواطن- في فرنسا – من الالتجاء للمجلس الدستوري ليطعن في القانون بعدم دستوريته, وهذا عكس ما هو موجود في الولايات المتحدة الأمريكية.
خامسا: البرلمان الكويتي وتأثيرات السلطة التنفيذية
يختلف الدستور الكويتي عن الدستور الفرنسي فيما يتعلق لسلطة البرلمان.
حيث أن سلطات البرلمان الكويتي أقوى وابعد أثرا من سلطات البرلمان الفرنسي الذي فقد الكثير من امتيازاته لصالح السلطة التنفيذية.
بمعنى انه لم يعد للبرلمان – كمؤسسة سياسية دستورية – هو الضمانة الأكيدة للديمقراطية في الدول الليبرالية ولم يعد هو العاصم للسلطة التنفيذية من الزلل والجنوح الى الشطط, فقد انتزعت الأحزاب السياسية ونقابات العمال القوية وجماعات الضغط الفكرية وذات المصالح , والصحافة القوية كل هذا عن جدارة واقتدار بحيث باتت تشكل رقيبا على السلطة التنفيذية تتصدى لها بالمعارضة والنقد والهجوم إذا مالت أو انحرفت وبالتالي يأتي القرار السياسي – في النهاية – حصيلة مجموع توازنات عدة بين مجموع هذه المصالح الممثلة في المؤسسات السالفة.
ويتمثل المناخ الليبرالي في دولة الكويت , في وجود برلمان قوى ملئ بالمناقشات الخصبة والآراء الحرة.
لذلك من الرشد الحفاظ على البرلمان وعدم السير في اتجاه تحجيمه أو تقييده, بمقولة أن السمة الأساسية في نظم الحكم اليوم هى تقلص سلطات البرلمان لصالح السلطة التنفيذية وتعرض هنا اختصاصات السلطة التنفيذية تجاه البرلمان من خلال:
•حق التحدث في المجلس.
•حق دعوة البرلمان للانعقاد وفضه وتأجيله.
•حق الحل والضمانات المكفولة للبرلمان.
•حق التشريع.
•ثم نستعرض وسائل البرلمان لرقابة السلطة التنفيذية.
أولا: حق التحدث
من المتعارف عليه أن النظم السياسية الرئاسية لا تخول الحق لرئيس الجمهورية أو وزرائه في الحضور الى البرلمان بصفتهم المتقدمة ولكن يسمح لهم كزائرين يستمعون لما يدور في جلسة البرلمان دون أن يكون لهم حق الاشتراك في المناقشات , وبهذا تختلف النظم الرئاسية عن النظم البرلمانية.
والنظام السياسي والدستوري في الكويت اقرب الى روح النظم البرلمانية. الأمر الذي يكون معه رئيس مجلس الوزراء والوزراء جميعا أعضاء في مجلس الأمة, لهم الحق في حضور جلساته وتخصص لهم – عادة- المقاعد الأمامية في قاعة المجلس وسمح المادة "116" من الدستور لرئيس مجلس الوزراء والوزراء في مجلس الأمة الكلام. وهذا يعني إفساح المجال أمام الحكومة للتعبير عن وجهة نظرها في الدفاع عن مشروعاتها.
كما يحق للمجلس أن يطلب حضور الوزير المختص بغرض مناقشته.
كما يحق للأمير الكلام أمام مجلس الأمة عند الافتتاح وهذا يتشابه حق الأمير مع حق رئيس الجمهورية الفرنسية في توجيه رسالة للمجلس.
ثانيا: حق دعوة المجلس للانعقاد وفض انعقاده
خول الدستور السلطة التنفيذية حق دعوة المجلس للانعقاد سوى في دورة عادية أو غير عادية, ولها حق فض ادوار الانعقاد, إلا أن الدستور لم يجعل هذا الحق مطلقا لها بل وضع الضوابط والحدود وتتمثل هذه الضوابط في:
•ضرورة دعوة المجلس الجديد خلال أسبوعين من تاريخ انتهاء الانتخابات العامة, وإلا اعتبر المجلس مدعو للاجتماع بحكم الدستور في صباح اليوم التالي لانتهاء الأسبوعين.
أما فيما يتعلق بالتأجيل اجتماعات المجلس, يتم هذا حالة نشوب أزمة بين الوزراء وبين البرلمان, الأمر الذي يدعو الى فض الاشتباك بين الاثنين بتأجيل اجتماعات المجلس. وهذا من اختصاص الأمير حسب ما نصت عليه المادة "106" من الدستور, ولا يجوز أن تحتسب مدة التأجيل ضمن فترة الانعقاد.
ثالثا: حق الحل
وهو يعد من اخطر الأسلحة التى تمتلكها السلطة التنفيذية إزاء البرلمان, فهى سلطة إزهاق روح البرلمان وإعدامه. وحيث تعطى المادة " 107" من الدستور الكويتي للسلطة التنفيذية حق حل المجلس , إلا إنها أحاطت هذا الحل بضمانات معينة, فالسلطة التنفيذية تطلب من الأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم يبين فيه أسباب الحل, على انه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى, وإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل.
رابعا: حق التشريع
لم يعد البرلمان وحده في هذا العصر يحوز سلطة التشريع, وإنما أصبحت هذه السلطة الأصلية له تزاحمه فيها السلطة التنفيذية لا نبالغ إذا قلنا أنها زاحمته في ذلك وتفوقت عليه. وأصبح البرلمان عمله في التشريع محدودا. ولم يشذ الدستور الكويتي عن هذا النهج , فالمادة " 51" تنص على أن " السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقا للدستور , فالأمير الذي يأتي على قمة السلطة التنفيذية لا يمارس هنا حقا شخصيا وإنما حقا أصيلا يقوم فيه بصفته شأنه في ذلك شأن البرلمان, اى أن سلطة التشريع مشاركة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ولقد بين الدستور الكويتي بأنه يجوز للأمير بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية إصدار هذه المراسيم بقوانين, كالتالي:-
•حالة الضرورة: وهذا ما نصت عليه المدة " 71" من الدستور.
•حالة التفويض: في حالة الأزمات.
*وسائل البرلمان لرقابة السلطة التنفيذية:
تدور هذه الوسائل حول تشكيل لجان للتحقيق في موضوع معين والاستجواب وسحب الثقة وعدم التعاون, وهذا ما نص عليه الدستور الكويتي في المادة " 114".
وكان يجوز للاستجواب أن يؤدي الى طرح الثقة, اى انه المدخل الطبيعي لإثارة المسؤولية الوزارية وإسقاط الوزارة إلا إن الدستور الكويتي في المادة" 101" قصر طرح الثقة على الوزير فقط بمفرده.
وهنا تتوازن السلطة بين سحب الثقة للوزارة وحل البرلمان, يصب هذا كله في النهاية مع السير المتدهور لأوضاع البرلمانات في معظم دول العالم وانحسار نفوذها وأفول نجمها وصعود نجم السلطة التنفيذية محتكرة القوة في دولة الغد وقطبها الذي لا ينازع.
نقصد بهذا لموضوع دراسة دور البرلمان في إطار مجموعة النظم السياسية الليبرالية, فالبرلمان في المجموعات الأخرى من النظم السياسية في دول أوروبا الشرقية ومجموعة الدول النامية منحصر دوره في أمور شكلية بحته, وينظر إليه كأداة لإضفاء الشرعية على القواعد القانونية فقط.
لم يكن الطريق أمام البرلمانات معبدا أو سهلا وإنما انتزعت البرلمانات سلطاتها من خلال غمرة نضال طويل وشاق ضد الملكيات المطلقة ونظم الحكم الاستبدادية , ولم تتحصل على سلطاتها دفعه واحدة وإنما اكتسبتها بالتدريج, ولعل أخرها كان سلطتها المالية. وإذا كان تاريخ البرلمانات يؤرخ عادة بمسيرة البرلمانات الأوروبية( البريطانية والفرنسية) في سياق تطورها الطويل, فإن اى بحث يتجاهل مسيرة هذه البرلمانات ودورها في النظم النيابية , يبعد عن الصواب ويتجاهل الحقيقة. وبالرغم من انتقال عنصر الثقل السياسي الى مجلس العموم في بريطانيا في القرن التاسع عشر إلا انه قد بلغت هذه البرلمانات من القوة والتأثير على سائر مؤسسات الدولة. بيد انه ومع تطور النظام الحزبي في بريطانيا والوصول الى ما يعرف بأنظمة الأغلبية البرلمانية, أصبح الحزب الذي يفوز في الانتخابات بأغلبية معقولة يسيطر على السلطتين التشريعية والتنفيذية , وبالتالي أصبح بمثابة المضخة التى تضخ الدم في شرايين هاتين السلطتين. في نفس الوقت تعرض البرلمان الفرنسي للتعديل والتبديل بعد أن قيد الدستور الفرنسي 1958 سلطاته وجاء إصلاحه في عام 1962 ليرسى النظام شبه الرئاسي في فرنسا , وترتب على هذا نتيجة أساسية مؤداها بدء انحسار السلطات البرلمانية في النظم السياسية المعاصرة وحاصرت دور البرلمان في زاوية محددة لا يبارحها إلا بإذن , وبصورة استثنائية بحيث أصبحنا نعيش بحق – عصر السلطة التنفيذية.
لذا, سنحاول في هذا البحث تبيان مدى انحسار سلطات البرلمان عبر التجربة الدستورية الفرنسية الحديثة, وتحجيم دور البرلمان وتقليص اختصاصاته لصالح السلطة التنفيذية.
وأود, بادي ذي بدء, أن أنبه لنقاط ثلاثة في غاية الأهمية وهى كالتالي:-
1- إن اختيارنا للتجربة الفرنسية ليس من قبيل تطبيق الجزء على الكل وتعميمه , وإنما الملاحظ هو انحسار سلطات البرلمان في الدول الليبرالية فعليا وواقعيا, حتى في الولايات المتحدة الأمريكية الى تلعب فيها الهيئة التشريعية دورا كبيرا في صنع القواعد القانونية.
2- إعداد القانون يتم عادة عن طريق الرئيس ومعاونيه ويقتصر دور البرلمان عادة على إضفاء الشرعية على هذه القواعد , ولكن اختيارنا لفرنسا إنما يأتي لأنها ضمنت هذا التدهور لسلطات البرلمان في خصوص دستورية مقننة أقامت منها بناء هندسيا عجيبا يدل على خيبة البرلمان وأفول نجمه.
3- أنبه, أن للبرلمان وظائف متعددة, إلا أن الإصابة البالغة التى لحقت به أصابته في اعز وظيفة له, إلا وهى وظيفته التشريعية , ووضع القواعد القانونية, كذلك تأثرت سلطته المالية بعض الشئ, إلا أن دوره في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ما يزال محتفظ بقيمته و منزلته.
وبصفة عامة فإن 95% من القوانين التي يصدرها البرلمان الانجليزي,و 90% من القوانين التي يصدرها الكونغرس الأمريكي, و75% من القوانين التي يصدرها البرلمان الألماني, مصدرها الجهاز التنفيذي.
أسباب تدهور سلطات البرلمان:
تعود أسباب التدهور في الدول الليبرالية الى عوامل متعددة عامة وخاصة وهي على النحو التالي:-
1- التغيرات الهائلة في الاقتصاد وسرعة حركة رؤوس الأموال وانتقالها من أمريكا الى أوروبا واليابان وبالعكس عن طريق الشركات المتعددة الجنسية , والرغبة في ملاحقة هذه السرعة, فلم يعد البرلمان هو الأداة المثلى لتقنين هذه الحركة سريعا لما اشتهر عنه من بطء وتعقيد وإقامة السدود في وجه حركة رؤوس الأموال. فمن المعتقد أن رأس المال في تنقله ودورانه لا ينظر بعين الرضا والراحة الى البرلمان. لذلك كان من الضروري أن تركز تنظيم إجراءات حركة رأس المال العالمي هذه في يد السلطة التنفيذية التى تسهل له هذه الحركة.
2- تعقد الأمور التي تواجهها الحكومة الحديثة وشعبها بكل ما تقتضيه من تخصص علمي دقيق وخبرات فنية توفرها السلطة التنفيذية, ونادرا ما تتوفر لدى البرلمان.
3- تتطلب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية التى تمر بها النظم الرأسمالية سرعة في المواجهة واستجابة سريعة لما تتطلبه مواجهة هذه الأزمات من حلول ومعالجة , ولا يوفر البرلمان هذا الأمر حيث إن دخوله في مناقشات مستفيضة وتطويله للإجراءات ربما يضاعف من سرعة تفشي الأزمة.
4- التطورات الهائلة التي حدثت في حركة الأحزاب السياسية واستقطابها للمواطنين , ووصول أعضائها عبر الانتخابات التشريعية الى البرلمان نقل السلطة من البرلمان الى الأحزاب السياسية خاصة حزب الأغلبية الذي يحوز أعضاؤه أكثرية مقاعد البرلمان, الأمر الذي يوفر له استثارة بالسلطتين التشريعية والتنفيذية مما يصبح معه الفصل بين السلطات مجرد وهم كبير.
5- تركيز السلطة مع ظهور شخصية قيادية بارزة وسط الأزمة , حيث ينظر الناس الى هذه الشخصية البطولية كأنها المنقذ للبلاد من أزماتها وربما تشير هذه الحالة الى خصوصية الوضع الفرنسي أو فرنسا الديجولية, حيث وصل "ديجول" لثاني مرة الى سدة السلطة عام 1958 بعد أن تفاقمت أزمات البلاد خاصة المشكلة الجزائرية , وتطلعت فرنسا كلها الى ديجول و طالبته لاستلام زمام القيادة لإنقاذها من المعضلات التي ألمت بها. وبالتالي تستولي هذه الشخصية البطولية على المؤسسات الدستورية القائمة وتجردها من الكثير من اختصاصاتها وسلطاتها. وفي وسط هذا المناخ, وبالرغم من وجود المؤسسات الدستورية المستقرة منذ أمد طويل, إلا أن " ديجول" راح يجرد هذه المؤسسات من سلطاتها ويركزها في يده.
وسنقوم بدراسة هذا الموضوع في خمسة نقاط أساسية:
• تتعرض الأولى لسلطات البرلمان العامة.
• وتتعرض الثانية لسلطات البرلمان الفرنسي في دستور 1958 وفي الإصلاح الدستوري 1962.
• وتتعرض الثالثة لتسليط الضوء على سلطات السلطة التنفيذية تجاه البرلمان .
• وتتعرض الرابعة لنظام الرقابة على دستورية القوانين التى شيدها دستور 1958.
• وتتعرض الخامسة لوسائل التأثير التي تحوزها السلطة التنفيذية تجاه البرلمان في الدستور الكويتي وكذلك البرلمان في التأثير على السلطة التنفيذية.
أولا: سلطات البرلمان العامة:
يحوز البرلمان مجموعة من السلطات يوازن بها مع سلطات الحكومة ويتعين أن يمارسها فعلا وبكل حرية وإلا أصبح برلمانا شكليا مجرد واجهة.
يعتبر البرلمان في الفقه الليبرالي السلاح الفعال ضد تصرفات الحكومة الاستبدادية التى تعمل على الدوام لإضعاف البرلمان بوسائل شتى وتجريده من سلطاته خاصة بعد أن تطورت نظم الانتخابات وخشية الحكومة من أن يعبر البرلمان بصدق عن الجماهير الشعبية . وتمارس البرلمانات الغربية ثلاث سلطات كما يلي:-
أ- سلطة التشريع:
ويقصد بسلطة التشريع التصويت على مشروعات القوانين لكي تصبح قوانين يتعين على الحكومة أن تسير عليها في عملها. وبموجب مبدأ الشرعية لا تستطيع الحكومة أن تعدل هذه القوانين من تلقاء نفسها.
وتظهر سلطة البرلمان المالية في تحديد أرقام نفقات الدولة في السنة المقبلة واتخاذ الوسائل الضرورية لمكافحة العجز المالي في الميزانية سواء عن طريق الضرائب أو طرق أخرى.
وتمنع البرلمانات الحكومة من أن تفتح انتخابات أو تعقد قروض خارج الميزانية أو أن تمنح اى هبات.وكذلك تأتي سلطة تصديق البرلمانات على المعاهدات التى تبرمها الحكومة مع الدول الأخرى.
ب- سلطة الرقابة:
يمارس البرلمان الرقابة على الحكومة , فيما يتعلق بالشؤون المالية تكون الرقابة على أساليب الإنفاق والواردات. ويمارس البرلمان الرقابة على الحكومة أساليب معينة وهى " السؤال – الاستجواب- التحقيق". وفي السنوات القريبة ظهرت الى الوجود وسيلة أخرى من وسائل الرقابة على العمل الحكومي , ألا وهى " المفوض البرلماني" وهى شخصية مستقلة يقوم بتعيينها البرلمان من اجل الإشراف والرقابة على الإدارة.
وقد اتخذت هذه الوسيلة شكلين في التطبيق:
•الشكل الأول: مفوض برلماني ذو اختصاص شامل وعام ويجد هذا تطبيقه من فترة طويلة في السويد منذ عام 1908 ويعرف بنظام " الامبودسمان" " Ombudsman" ثم أخذت به فنلندا والدنمارك والنرويج وأخيرا طبقته بريطانيا عام 1967. وينحصر بالتحديد في تلقي الشكاوي من المواطنين ضد تعسف وتجاوزات الحكومة من الإدارة, ويقوم ببحثها والتحقيق فيها, ويتدخل لرفع هذا التعسف إذ تبين انه صحيح.
•الشكل الثاني: هو مفوض برلماني خاص يقوم بالرقابة على بعض الخدمات والمرافق الخاصة.مثل المفوض البرلماني الخاص في ألمانيا للرقابة على نشاط الحكومة في موضوع السلاح والجيش.
ج- سلطة المطالبة والاعتراض:
يمارس البرلمان , أخيرا, وظيفة المطالبة والاعتراض, بمعنى أن كل نائب في البرلمان هو عبارة عن وسيط بين الناخبين وبين الحكومة , فهو يتدخل لدى الحكومة والإدارة ليلفت نظرهم الى بعض القرارات غير العادلة وغير الملائمة التى يعود أثرها بالضرر على المواطنين.
وعلى الصعيد الجماعي يعبر البرلمان عن المطالب العامة للأمة ويوجد في كل برلمانات العالم مكتب المطالبة أو الطلبات وهو يتلقى طلبات المواطنين وطلبات جماعات المصالح والفئات المعترضة على قرار حكومي ما, وتهتم هذه المكاتب بحريات المواطنين والحقوق الأساسية للمواطن وتطالب برفع الغبن والظلم عنها.
ثانيا: سلطات البرلمان الفرنسي في دستور 1958
أ- السلطة التشريعية:
تعتبر سلطة التشريع سلطة جوهرية وأساسية وأصيلة. وقد انتزع البرلمان هذه السلطة من الملكيات المطلقة بعد نضال طويل, ودامي وشاق فقدت الملكيات فيه سلطاتها تدريجيا لصالح البرلمان وتأتي في مقدمتها سلطة التصويت على القوانين وعلى القروض وعلى الميزانية. غير أن دستور 1958 في فرنسا قلب هذه القاعدة رأسا على عقب وحد من دور البرلمان لصالح السلطة التنفيذية. وتظهر هذه القيود في الأتي:-
1- حدد مجالا ضيقا للبرلمان يمارس فيه سلطته التشريعية.
2- خول لرئيس الجمهورية بأن يصدر قوانين من فوق رأس البرلمان وذلك عن طريق اللجوء الى الاستفتاء.
3- إصدار القوانين المقدمة من الحكومة دون التصويت أو الاقتراع عليها.
4- شيد نظاما فعالا ومحددا للرقابة على دستورية القوانين.
لذلك يمكننا القول, انه أصبح المجال التشريعي الذي كان يقوم به البرلمان استثناء, والسلطة الملائمة التى كانت تقوم بها الحكومة هى الأصل.
كما أن دستور 1958 زاد من دور مجلس الشيوخ الفرنسي غير أن هذا يعتمد على الحكومة.
بمعنى إذا لم تتدخل الحكومة في إجراءات التشريع, وأصبح لمجلس الشيوخ قدرة مساوية مع الجمعية الوطنية. أما إذا تدخلت الحكومة في التشريع فقد مجلس الشيوخ سلطاته وقدرته في اتخاذ القرار.
ب- السلطة المالية:
لعبت السلطة المالية دورا أساسيا في التطور التاريخي للبرلمان, بحيث أنها كانت أكثر أهمية من سلطاته, إذ كان البرلمان يوافق على الضريبة ويصوت على الميزانية. إلا أن دستور 1958 عدل كثيرا من سلطة البرلمان في هذا الخصوص بمقولة النزول عند مقتضيات الاستجابة لضرورات العصر. وتظهر هذه القيود في الأتي:-
1- تقييد مبدأ خصوصية الميزانية.
2- منع البرلمان من اقتراح النفقات.
3- حق الحكومة في إقرار الميزانية وإصدارها في حالة تأخر البرلمان عن التصويت عليها.
ج- سلطة مراجعة الدستور:
تعطي المادة 89 من الدستور لمجلس الشيوخ سلطات كبيرة. وتظهر في معارضة مجلس الشيوخ لأي تعديل دستوري يمنع المساس بالدستور القائم.
إلا أن ما قام به ديجول تغلب على هذه العقبة التي يمثلها مجلس الشيوخ في الأتي:-
1- الإجراءات العادية لتعديل الدستور
بمعنى لا يمكن السير في هذه الإجراءات العادية أثناء غياب الجمهورية وهى تتضمن ثلاثة مراحل:
أ- المبادرة التعديل: بمعنى إعطاء الحق لأعضاء البرلمان ولرئيس الجمهورية بناء على اقتراح من رئيس الوزراء.
ب- التصويت على التعديل من قبل البرلمان: لا يوجد ترتيب بالأولوية لأحد المجلسين.
ج- اللجوء الى الاستفتاء: تعرض المواد المصوت على تعديلها في استفتاء عام على الشعب.
2- الإجراءات الاستثنائية:
الجنرال ديجول قد استخدم المادة" 11" من الدستور 62-9 وذلك لإجراء تعديلات دستورية.
د- سلطات أخرى للبرلمان
يحوز البرلمان بعض السلطات الأخرى بجانب سلطاته الأصلية التقليدية في التشريع , وتتمثل هذه السلطات في تصديق على المعاهدات – إعلان حالة الحرب- وسلطة العفو- وبعض السلطات الأخرى تجاه المحكمة العليا- وهى تنقسم الى سلطات دبلوماسية, وأخرى قضائية.
1- السلطات الدبلوماسية
تتولى الحكومة دستوريا إدارة العمليات السياسية, ولكن البرلمان يحوز على سلطتين هما:
•سلطة الترخيص بالتصديق على المعاهدات.
•سلطة إعلان حالة الحرب
ولا يعتبر حق البرلمان مطلق, بل هو مقيد.
•سلطة إعلان الحرب
تنص المادة "35" من الدستور الفرنسي على أن الترخيص بإعلان الحرب يكون من قبل البرلمان.
2- السلطات القضائية:
في الأصل , تحوز المحاكم باختلاف درجاتها على تملك السلطات , لذا فإن عمل البرلمان هنا في غاية المحدودية, مثل:
•سلطات حق العفو.
•سلطة البرلمان إزاء المحكمة العليا, بمعنى يكون عدد من النواب قضاه في المحكمة العليا كما يقرر البرلمان بالأغلبية المطلقة خصام الرئيس أمام المحكمة العليا.
3- سلطات البرلمان الرقابية على لجوء رئيس الجمهورية للسلطات الاستثنائية
تتمثل هذه الرقابة في قيدين:
القيد الأول: التزام الرئيس باستشارة المجلس الدستوري في كافة الإجراءات , وان يأخذ بمضمون المشورة.
القيد الثاني: حتمية اجتماع البرلمان, عند ممارسة رئيس الجمهورية سلطاته.
ثالثا: سلطات السلطة التنفيذية على البرلمان
نبين هنا سلطة رئيس الجمهورية أولا, ثم سلطة رئيس الوزراء ومجلس الوزراء ثانيا:
أولا: سلطات رئيس الجمهورية إزاء البرلمان
•تظهر في توجيه الرسائل.
•وسلطته في حل البرلمان.
•سلطته اللجوء الى الاستفتاء (اقتراح الاستفتاء- موضوع الاستفتاء)
ثانيا: سلطات رئيس الوزراء ومجلس الوزراء تجاه البرلمان
•حقه في دخول البرلمان والتحدث أمامه في كافة الشؤون.
•حقه في التدخل في مناقشات البرلمان المتعلقة بالسياسة العامة للدولة.
•حقه في دعوة البرلمان الى جلسة غير عادية.
ثالثا: سلطة مجلس الوزراء تجاه البرلمان
•تملك الحكومة سلطة المبادرة بوضع القوانين.
•يعلن مجلس الوزراء عادة حالة الاستعجال في التصويت على القانون.
رابعا: الرقابة على دستورية القوانين في النظام الفرنسي
*مبدأ دستورية القوانين:
ويأخذ هذا المبدأ تطبيقات مختلفة:
•إعلان للحقوق: يعد إعلان الحقوق الفرنسي للإنسان والمواطن عام 1789 أكثر شهرة وصيتا من الإعلان الأمريكي, ويتضمن إعلان الحقوق تعريف للحريات العامة للمواطنين.
•دساتير مرنة أو جامدة: من المعروف إن فكرة الدساتير ظهرت وتطورت على يد فلاسفة القرن الثامن عشر بقصد أن تكون وسيلة لإضعاف سلطات الملك وبذلك تعبر هذه الدساتير عن سيادة الأمة, إلا إنها سرعان ما تطورت , و وضعت مجموعة من القيود على سلطات البرلمان . الجمود يعني أن سلطة تعديل الدستور تخرج عن حوزة البرلمان.
*تطبيق دستورية القوانين:
إن كل القوانين واللوائح والقرارات التى تخالف الدستور يتعين إلغاؤها ولكن كيف تطبق هذه الدستورية؟ وإذا حدث أن خرق قانون عادي القواعد الدستورية, كيف نطالب بإلغائه؟
هذه الرقابة تأخذ أشكالا وهى كالتالي:-
1- رقابة غير قضائية: وهو جهاز حكومي في الدولة وحيث تلجأ إليه الحكومة لتطلب إلغاء قانون صادر في البرلمان .
2- الرقابة القضائية: يتولاها جهاز له طبيعة قضائية يسمح للمواطن باللجوء إليه.
*الرقابة على أعمال البرلمان الفرنسي:
ينص الدستور: أن القوانين الأساسية أو التنظيمية يجب ان تعرض على المجلس الدستوري قبل نشرها.
يحرم المواطن- في فرنسا – من الالتجاء للمجلس الدستوري ليطعن في القانون بعدم دستوريته, وهذا عكس ما هو موجود في الولايات المتحدة الأمريكية.
خامسا: البرلمان الكويتي وتأثيرات السلطة التنفيذية
يختلف الدستور الكويتي عن الدستور الفرنسي فيما يتعلق لسلطة البرلمان.
حيث أن سلطات البرلمان الكويتي أقوى وابعد أثرا من سلطات البرلمان الفرنسي الذي فقد الكثير من امتيازاته لصالح السلطة التنفيذية.
بمعنى انه لم يعد للبرلمان – كمؤسسة سياسية دستورية – هو الضمانة الأكيدة للديمقراطية في الدول الليبرالية ولم يعد هو العاصم للسلطة التنفيذية من الزلل والجنوح الى الشطط, فقد انتزعت الأحزاب السياسية ونقابات العمال القوية وجماعات الضغط الفكرية وذات المصالح , والصحافة القوية كل هذا عن جدارة واقتدار بحيث باتت تشكل رقيبا على السلطة التنفيذية تتصدى لها بالمعارضة والنقد والهجوم إذا مالت أو انحرفت وبالتالي يأتي القرار السياسي – في النهاية – حصيلة مجموع توازنات عدة بين مجموع هذه المصالح الممثلة في المؤسسات السالفة.
ويتمثل المناخ الليبرالي في دولة الكويت , في وجود برلمان قوى ملئ بالمناقشات الخصبة والآراء الحرة.
لذلك من الرشد الحفاظ على البرلمان وعدم السير في اتجاه تحجيمه أو تقييده, بمقولة أن السمة الأساسية في نظم الحكم اليوم هى تقلص سلطات البرلمان لصالح السلطة التنفيذية وتعرض هنا اختصاصات السلطة التنفيذية تجاه البرلمان من خلال:
•حق التحدث في المجلس.
•حق دعوة البرلمان للانعقاد وفضه وتأجيله.
•حق الحل والضمانات المكفولة للبرلمان.
•حق التشريع.
•ثم نستعرض وسائل البرلمان لرقابة السلطة التنفيذية.
أولا: حق التحدث
من المتعارف عليه أن النظم السياسية الرئاسية لا تخول الحق لرئيس الجمهورية أو وزرائه في الحضور الى البرلمان بصفتهم المتقدمة ولكن يسمح لهم كزائرين يستمعون لما يدور في جلسة البرلمان دون أن يكون لهم حق الاشتراك في المناقشات , وبهذا تختلف النظم الرئاسية عن النظم البرلمانية.
والنظام السياسي والدستوري في الكويت اقرب الى روح النظم البرلمانية. الأمر الذي يكون معه رئيس مجلس الوزراء والوزراء جميعا أعضاء في مجلس الأمة, لهم الحق في حضور جلساته وتخصص لهم – عادة- المقاعد الأمامية في قاعة المجلس وسمح المادة "116" من الدستور لرئيس مجلس الوزراء والوزراء في مجلس الأمة الكلام. وهذا يعني إفساح المجال أمام الحكومة للتعبير عن وجهة نظرها في الدفاع عن مشروعاتها.
كما يحق للمجلس أن يطلب حضور الوزير المختص بغرض مناقشته.
كما يحق للأمير الكلام أمام مجلس الأمة عند الافتتاح وهذا يتشابه حق الأمير مع حق رئيس الجمهورية الفرنسية في توجيه رسالة للمجلس.
ثانيا: حق دعوة المجلس للانعقاد وفض انعقاده
خول الدستور السلطة التنفيذية حق دعوة المجلس للانعقاد سوى في دورة عادية أو غير عادية, ولها حق فض ادوار الانعقاد, إلا أن الدستور لم يجعل هذا الحق مطلقا لها بل وضع الضوابط والحدود وتتمثل هذه الضوابط في:
•ضرورة دعوة المجلس الجديد خلال أسبوعين من تاريخ انتهاء الانتخابات العامة, وإلا اعتبر المجلس مدعو للاجتماع بحكم الدستور في صباح اليوم التالي لانتهاء الأسبوعين.
أما فيما يتعلق بالتأجيل اجتماعات المجلس, يتم هذا حالة نشوب أزمة بين الوزراء وبين البرلمان, الأمر الذي يدعو الى فض الاشتباك بين الاثنين بتأجيل اجتماعات المجلس. وهذا من اختصاص الأمير حسب ما نصت عليه المادة "106" من الدستور, ولا يجوز أن تحتسب مدة التأجيل ضمن فترة الانعقاد.
ثالثا: حق الحل
وهو يعد من اخطر الأسلحة التى تمتلكها السلطة التنفيذية إزاء البرلمان, فهى سلطة إزهاق روح البرلمان وإعدامه. وحيث تعطى المادة " 107" من الدستور الكويتي للسلطة التنفيذية حق حل المجلس , إلا إنها أحاطت هذا الحل بضمانات معينة, فالسلطة التنفيذية تطلب من الأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم يبين فيه أسباب الحل, على انه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى, وإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل.
رابعا: حق التشريع
لم يعد البرلمان وحده في هذا العصر يحوز سلطة التشريع, وإنما أصبحت هذه السلطة الأصلية له تزاحمه فيها السلطة التنفيذية لا نبالغ إذا قلنا أنها زاحمته في ذلك وتفوقت عليه. وأصبح البرلمان عمله في التشريع محدودا. ولم يشذ الدستور الكويتي عن هذا النهج , فالمادة " 51" تنص على أن " السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقا للدستور , فالأمير الذي يأتي على قمة السلطة التنفيذية لا يمارس هنا حقا شخصيا وإنما حقا أصيلا يقوم فيه بصفته شأنه في ذلك شأن البرلمان, اى أن سلطة التشريع مشاركة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ولقد بين الدستور الكويتي بأنه يجوز للأمير بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية إصدار هذه المراسيم بقوانين, كالتالي:-
•حالة الضرورة: وهذا ما نصت عليه المدة " 71" من الدستور.
•حالة التفويض: في حالة الأزمات.
*وسائل البرلمان لرقابة السلطة التنفيذية:
تدور هذه الوسائل حول تشكيل لجان للتحقيق في موضوع معين والاستجواب وسحب الثقة وعدم التعاون, وهذا ما نص عليه الدستور الكويتي في المادة " 114".
وكان يجوز للاستجواب أن يؤدي الى طرح الثقة, اى انه المدخل الطبيعي لإثارة المسؤولية الوزارية وإسقاط الوزارة إلا إن الدستور الكويتي في المادة" 101" قصر طرح الثقة على الوزير فقط بمفرده.
وهنا تتوازن السلطة بين سحب الثقة للوزارة وحل البرلمان, يصب هذا كله في النهاية مع السير المتدهور لأوضاع البرلمانات في معظم دول العالم وانحسار نفوذها وأفول نجمها وصعود نجم السلطة التنفيذية محتكرة القوة في دولة الغد وقطبها الذي لا ينازع.