- السبت ديسمبر 25, 2010 9:45 pm
#30843
نمى هذا الفكر في قلب التناقضات التى استفحلت في المجتمع الرأسمالي, في منتصف القرن التاسع عشر, وما أدت إليه هذه التناقضات من أكثرية ساحقة مستغلة بائسة وأقلية تملك وسائل الإنتاج تتأثر بالثروة والقوة والدولة هي دولة هذه الأقلية, فهي تحمي طبقة الملاك هذه بكل مؤسساتها وأجهزتها وقوانينها.
حقيقة أن هذه الدولة تعلن الحريات السياسية ولكن كيف تمارس هذه الحريات من قبل الأغلبية المسحوقة المستغلة؟ إن ممارسة هذه الحريات تحتاج الى قدرات مادية لا تحوزها الأغلبية , وبالتالي فهذه الحريات تظل حريات الأقلية. أما بالنسبة الى الأغلبية فهى حبر على ورق. وإذا كان التاريخ حتى يومنا هذا ما هو إلا تاريخ الصراع بين الطبقات, ذلك الصراع الذي يطور المجتمع والأشياء , فإن الصراع قائم ومستفحل في هذه الدولة الرأسمالية والنصر محتم لطبقة الأغلبية المسحوقة , التي تقوم بالاستيلاء على قوى الإنتاج الفردية وبين علاقات الإنتاج الجماعية.
وفي البداية تقوم الطبقة الظافرة بإعلان ديكتاتورية " البروليتاريا" وهى مرحلة مؤقتة تقضي فيها الطبقة العاملة على فلول الرأسمالية المدحورة وتؤسس اللبنات الأساسية في صرح الدولة الاشتراكية , وهى دكتاتورية للطبقة الرأسمالية ولكن ديمقراطية للعمال أصحاب المصلحة الحقيقة في الثورة, ولن تمارس حرية الصحافة إلا بعد التأكد من زوال إمكانية تأثير رأس المال عليها.
بزغ الفكر الاشتراكي كرد فعل للمساوئ التى كانت منها الجماهير في إطار النظرية الرأسمالية. وتعد الماركسية من ابرز التيارات الفكرية للمذهب الاشتراكي بالنظر لكونها التيار الذي افرز أنظمة حكم وضعية رفعت لواء الماركسية ونسبت مفاهيمها ومؤسساتها الى الايديولوجية الماركسية.
هدف الديمقراطية الماركسية:-
يقول الماركسيون إن مذهبهم يسعى الى تحرير الفرد وتحقيق سعادته في محيط حياته الاجتماعية, ويروا أن غالبية العاملين افتقروا الى هذه السيادة تحت وطأة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة في المجتمع الرأسمالي, طالما أن جميع الامتيازات أضحت وقفا على نفر من الأفراد ينتمون الى طبقة البرجوازية دون سواهم . ومن هنا سعى ماركس الى إجراء المصالحة بين الفئات العاملة وبين المجتمع الذي يحيا فيه وذلك على قاعدة مستحدثة ترفض المفهوم الليبرالي للديمقراطية وتعتنق مفهوما جديدا رآه ماركس انه أكثر فاعلية في توفير الحرية التى ينشدها الأفراد في محيط المجتمع الصناعي الأوروبي.
وفي الجانب الاقتصادي نادت بجعل ملكية وسائل الإنتاج المادية ملكية جماعية. ورأى ماركس أن الديمقراطية الليبرالية كانت ثورة في عهدها إذا ما قورنت بالنظام الإقطاعي السابق عليها.
إلا انه يرى إن المفهوم البرجوازي للديمقراطية قد تخلف عن ملاحقة التطور إذ وقف عند مجرد التعبير عن حاجات النمو الاقتصادي الرأسمالي وحماية مصالح الطبقة البرجوازية, وأصبح العمال حسب رأي ماركس العضو الوهمي لسيادة وهمية ومجردا من حياته الواقعية الملموسة. ولما كان من المستحيل وفقا للفكر الماركسي إقامة الحريات في ظل هذه المجتمعات الصورية التي تحوز فيها الطبقة مقدرات القوة في المجتمع وتستبعد الأخرى, فإن المجتمع الشيوعي وحده هو القادر على تحقيق الحرية, وتعمل الدولة في مرحلة ديكتاتورية " البروليتاريا" على تثبيت أركان الدولة الاشتراكية ومطاردة بقايا الطبقة الرأسمالية المهزومة.
وبعد الحرب العالمية الثانية ,ظهرت الأنظمة الماركسية في دول أوروبا وأطلقت على نفسها تعبير الديمقراطيات الشعبية" واضعة نصب عينيها تحرر الفرد من الحاجات المادية لا سيما الضرورية الملبس والسكن والمأكل, وانه إذا حدث ذلك فهذه هى الديمقراطية بعينها وليس الديمقراطية الجوفاء ديمقراطية البرجوازية.
وعلى هذا فهذه الديمقراطية تهتم بالجانب الاقتصادي باعتباره الأساس الذي تبني عليه أية حريات بعد ذلك , وهى في سبيل ذلك, لم تهتم بالشكل السياسي للديمقراطية,ففي سبيل تحقيق الجانب الاقتصادي أهدر الجانب السياسي. من اجل بناء كيان اقتصادي يتحرر فيه الفرد من كل مطالبه المادية, ويلخص " مارشال" ذلك الصراع بين الشيوعية وبين الرأسمالية بالنسبة الى ديمقراطية كل منهما بقوله:
"تصوغ الشيوعية من الرأسمالية مسرحية مؤلمة ورافعة لكثرة ما يتردد فيها من حرية الموت وحرية الجوع , وتصوغ الرأسمالية من الشيوعية مسرحية مؤلمة ورائعة لكثرة ما يتردد فيها من اليد القذرة والسجن".
أما عن الفكر الصيني, فقد صاغ ماوسي تونج" نظريته التي اسماها : الديمقراطية الجديدة " كي تعبر عن المرحلة الانتقالية من الرأسمالية الى الشيوعية.
والديمقراطية الجديدة تعنى الديمقراطية للشعب والديكتاتورية لأعداء الشعب , اى حرمان أعداء الثورة من كافة الحقوق السياسية . وفى عام 1956 حدثت تغيرات هائلة في الفكر الخاص بالمرحلة المؤقتة بين الرأسمالية والشيوعية إذ قرر المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي السوفيتي إمكانية الوصول الى الاشتراكية بالطرق السلمية وأوضح" خروتشوف" في تقريره للمؤتمر إن لجوء البروليتاريا الى العنف يتوقف على مدى مقاومة البرجوازية واستخدامها للقوة وان اختلاف أسلوب ومرحلة الانتقال يجعل من الممكن الوصول الى الاشتراكية عن طريق البرلمان أو استطاعت البروليتاريا أن تكتل حولها الفلاحين والمثقفين وكل القوى الوطنية للوقوف ضد القوى الرجعية وان تظفر بأغلبية برلمانية وبذلك يتحول المجلس الى كوته" Quota " تعبر تعبيرا حقيقا عن القوى الشعبية ومن ثم يمكن من خلاله تحقيق تغيرات اجتماعية جذرية , وهكذا عن طريق البرلمان يمكن التحول تدريجيا من ديمقراطية بورجوازية الى ديمقراطية اشتراكية.
وجدير بالذكر إن الحزب الشيوعي الفرنسي اسقط من إستراتيجيته وتفكيره العام " ديكتاتورية البروليتاريا" والوصول الى السلطة عن طريق العنف . وإنما عمد الطريق السلمي للوصول الى السلطة وهو طريق الانتخابات , اى اعتمد الوسائل البرجوازية كطريق تصل الى سدة السلطة. ويعزى هذا بطبيعة الحال الى تغير الظروف والمعطيات المحلية والإقليمية والدولية حول الحزب الشيوعي الفرنسي منه ذلك المستوى الاقتصادي المتقدم الذي حققته البورجوازية في المجتمع الفرنسي , واكتساب العمال حقوقا وضمانات اقتصادية تحررهم من الخوف والعوز, وفي نفس الوقت يتمتع المواطن بحريات سياسية فعالة.
كذلك نهج " تولياتي" زعيم الحزب الشيوعي الايطالي نفس النهج, عندما قرر قبل وفاته " أن اشتراك الشيوعيين في السلطة في البلاد الرأسمالية الأوروبية يتيح تحويلا ديمقراطيا من الداخل لطبيعة الدول البرجوازية وان إمكانية التقدم نحو الاشتراكية عبر الطريق السلمي ترتبط بفهم وحل هذه المسألة. وفي المؤتمر الثاني والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي أعلن تحول الدولة السوفيتية تحت قيادة الطبقة العاملة من ديكتاتورية البروليتاريا الى دولة الشعب بأسره, لا تعبر عن ديكتاتورية أية طبقة ولكنها أداة للمجتمع والشعب كله. وهذا الانعطاف الفكري راجع الى إن المجتمع لم يعد يشهد طبقات متعددة وإنما أصبح الشعب كله طبقة واحدة هى الطبقة العمالية التي تتكون من الفلاحين وعمال المصانع وموظفي الدولة. لقد ذابت الفروق بين الطبقات وانصهرت كلها لتصبح طبقة واحدة.
تسربت هذه المفاهيم الى الأبنية السياسية التي أقامها الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية وجاءت النظم السياسية في صورة محددة كالتالي:
1- وحدة السلطة وتركيزها, فالسلطات منظمة على شكل هرمي بحيث نمسك رأس الهرم كل السلطات بيدها أو تنتهي عندها كل السلطات
2- الحزب الشيوعي يعبر عن مصالح الشعب بأسره وبالتالي ترفض التعددية الحزبية لان المجتمع خال من الطبقات فهذه التعددية مرتبطة بوجود تعدد في المجتمع حيث أن كل حزب يمثل ويعبر عن مصالحه فقط.
3- سيطرت الحزب الشيوعي على كل وسائل الإعلام , وعدم السماح لأية تيارات أخرى بالتعبير عن ذاتها عبر هذه الأجهزة , فهذه التيارات عبارة عن بقايا وفلول الرأسمالية.
4- الديمقراطية هى في الأساس توسيع دائرة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للطبقات الكادحة حتى يتحرروا من كل صفوف القهر والحرمان.
إن إلقاء نظرة متفحصة على واقع هذه الديمقراطيات الاشتراكية نجد أنها ليست كلها على درجة واحدة من التطور, ويعود هذا بطبيعة الحال الى الخصائص الموضوعية والذاتية لكل دولة في تطبيقها للاشتراكية العملية قصدوا بها أن تكون نظرية عالمية إلا إنها لم تكن كذلك.
إن هذه الدول تشترك في بعض السمات العامة ولكن يختلف التطبيق في كثير من التفاصيل وفي بعض القضايا الجوهرية النظرية مثل مسألة الاختلاف الايديولوجي حول الطبقة القائدة في الصين غيرها في الاتحاد السوفيتي مثل السماح بملكية فردية خاصة ذات شأن في القطاع الزراعي البولندي.
ولاشك إن هذه الاختلافات ناتجة عن الخصائص المميزة لكل مجتمع, هذا بجانب الاختلافات الملموسة بين الأحزاب القائدة لهذه التجارب.
المفهوم الماركسي للحرية:
يدور المفهوم الماركسي للحرية على أنها ليست مجرد انتفاء الإكراه على نحو ما يذكره الليبراليون, ولكنها تمثل سلطة الإنسان الحقيقية على الطبيعة وعلى الحياة الاجتماعية وعلى نفسه. ويزداد الإنسان حرية بقدر ما يزداد إدراكه للقوانين الطبيعية ويعمل على تطبيقها من اجل تغيير الطبيعة والسيطرة عليها.
المفهوم الماركسي للمساواة:
يرى ماركس إن عهد المساواة الحقيقية لن يتحقق إلا في المجتمع الشيوعي الذي تسود فيه الوفرة بحيث يمكن تطبيق الانتقال من شعار " كل حسب قدراته" الى شعار " كل حسب حاجاته" وتوقع ماركس من بلوغ مرحلة الشيوعية وتحقق الوفرة إمكان إشباع حاجات الأفراد دون قياس بقدراتهم وإنما تكون حاجاتهم هي المعيار.
المفهوم الاشتراكي عند ماركس:
تقوم الأنظمة الماركسية بانتهاج سياسة اقتصادية تقوم أساسا على مبدأ إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وتوجيه النشاط الاقتصادي للبلاد طبقا لخطة مركزية شاملة, ويرتفع على هذه البنية الاقتصادية صرح علوي سياسي يأخذ أساسا بالشكل النيابي لمؤسسات الحكم في ظل دور قيادي للحزب الشيوعي , الذي يدعي انه يمثل الطليعة الواعية للطبقة العمالية وضميرها الطبقي.
شكل الحكم
نجد أن الدستور السوفيتي الصادر عام 1918م يقوم على تدرج رئاسي للتفويضات.
يبدأ أصلا بتفويض صادر من الشعب صاحب السيادة " الطبقة العاملة" الى مجلس السوفيتي الأعلى بوصفه ممثلا لها.
ومجلس السوفيتي الأعلى هو عبارة عن مجلس نيابي يتكون من مجلسين هما:-
•مجلس الاتحاد..... ويتم فيه تمثيل جميع شعوب الاتحاد السوفيتي.
•مجلس القوميات.....وهو مجلس تمثل فيه القوميات التي كان يتشكل منها اتحاد السوفيتي السابق.
ويتم تشكيل هذين المجلسين عن طريق الانتخابات فهى عبارة عن مجالس نيابية مثلها مثل أية مجالس نيابية في العالم.
وعرف الدستور السوفيتي مجلس السوفيتي الأعلى بأنه" هو أعلى سلطة سياسية في البلاد" لكن رغم ذلك فإن مجلس السوفيتي الأعلى لا يمارس السلطة ولكنه يفوضها الى هيئة رئاسية أو ما يعرف " هيئة الرئاسة" حيث أوضح دستور الاتحاد السوفيتي إن هيئة الرئاسة هى الهيئة العليا والتي يتجسد فيها مبدأ وحدة السلطة. حيث تمارس هذه الهيئة السلطات كلها: تنفيذية- تشريعية-....الخ فهى تعكس مبدأ وحدة السلطة. وهى تجمع في آن واحد بين وظيفة رئيس الدولة والسلطة التنفيذية وبين وظيفة السلطتين التشريعية والقضائية.
فمن أمثلة الوظيفية الأولى" التنفيذية" هي قدرة هيئة الرئاسة على دعوة مجلس السوفيتي الأعلى للانعقاد وحله عند استفحال الخلاف بين مجلسيه وإجراء استفتاء شعبي عند اللزوم.
كما انه يمارس مظاهر السيادة الخارجية.
" إعلان الحرب والسلم"
أما مظاهر ممارسة السلطة التشريعية فتتمثل في إصدار مراسيم لها قوة القانون حتى يتم التصديق عليها من قبل مجلس السوفيتي الأعلى, وكذلك قدرتها على تحريك المسئولية الوزارية الجماعية والفردية.
أما مظاهر ممارسة السلطة القضائية , تتمثل في كون أن هيئة الرئاسة هى الجهة الوحيدة القادرة على تفسير القوانين الصادرة من الاتحاد السوفيتي السابق. وإلغاء أوامر وقرارات مجلس وزراء الاتحاد السوفيتي ومجالس وزراء وجمهوريات المتكون منها الاتحاد السوفيتي السابق." اى هى قادرة على إلغاء وايقاف اى قانون أو قرار يصدر من أية جمهورية أو من مجلس وزرائها في الاتحاد السوفيتي"
وبهذا تكون الرئاسة ممثلة تماما لوضع "لجنة برلمانية" أو جمعية مصغرة في قلب الجمعية الكبيرة وهى مجلس السوفيتي الأعلى وتنوب عنه في ممارسة اختصاصاته.
الخصائص العامة للديمقراطية الماركسية:
1- أنها تقوم على الإقرار بأن السيادة للشعب ولكنها تحدد هذا الشعب سياسيا في طبقة العمال.
2- تقوم الديمقراطية الماركسية بالأخذ بالأسلوب النيابي مثلما تقوم به النظرية الرأسمالية.
3- استبعاد البرجوازيون ومعارضي الدولة الماركسية من الحياة السياسية. وتبرر ذلك بأن طبقة العمال بعد أن تتولى السلطة سيكون مهمتها رفع الظلم والاستغلال الواقع على الأغلبية وتقيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية وصولا الى مرحلة الشيوعية الكاملة.
4- تقرر النظرية الماركسية الحقوق والحريات السياسية للطبقة العاملة فقط دون بقية أفراد المجتمع.
نقد النظرية الماركسية:
يظهر لنا من عرض هذه الايديولوجية ودراسة بعض تطبيقاتها إن مسيرتها متعثرة وتصادف أزمات هزتها هزا عنيفا أدت بها الى الانهيار . ولعل احد أهم الأسباب في قصور الماركسية وأزمتها تعود الى أن القوالب الماركسية الجامدة التى ترجع الى القرن الثامن عشر جعلت الماركسيين عاجزين عن الإبداع بسبب وقوعهم في أسرها ومن أهمها النظرة الى الحزب الماركسي على انه آله المجتمع.
•لا يكفي إلغاء الملكية الخاصة لزوال الاستغلال الطبقي.
•البيت الذي كان لصاحب العقارات الرأسمالية, تحول ليصبح لحكومة الحزب الماركسي.
•السلطة التى كانت بيد الطبقة الرأسمالية صارت بيد الحزب الشيوعي .
•حل الجيش الماركسي محل الجيش الرأسمالي.
والأزمة هنا لم تأت بين يوم وليلة وإنما عبر تراكمات طويلة من الإحساس بأن مؤسسات هذه الدولة لا تعبر عن مواطنيها كما إن مؤسسات الإنتاج يسيطر عليها ويستأثر بعائداتها فئة قليلة انفصلت عن طبقة العمال. وان هذا يشير الى فشل الديمقراطية الماركسية فيما وعدت به.
حقيقة أن هذه الدولة تعلن الحريات السياسية ولكن كيف تمارس هذه الحريات من قبل الأغلبية المسحوقة المستغلة؟ إن ممارسة هذه الحريات تحتاج الى قدرات مادية لا تحوزها الأغلبية , وبالتالي فهذه الحريات تظل حريات الأقلية. أما بالنسبة الى الأغلبية فهى حبر على ورق. وإذا كان التاريخ حتى يومنا هذا ما هو إلا تاريخ الصراع بين الطبقات, ذلك الصراع الذي يطور المجتمع والأشياء , فإن الصراع قائم ومستفحل في هذه الدولة الرأسمالية والنصر محتم لطبقة الأغلبية المسحوقة , التي تقوم بالاستيلاء على قوى الإنتاج الفردية وبين علاقات الإنتاج الجماعية.
وفي البداية تقوم الطبقة الظافرة بإعلان ديكتاتورية " البروليتاريا" وهى مرحلة مؤقتة تقضي فيها الطبقة العاملة على فلول الرأسمالية المدحورة وتؤسس اللبنات الأساسية في صرح الدولة الاشتراكية , وهى دكتاتورية للطبقة الرأسمالية ولكن ديمقراطية للعمال أصحاب المصلحة الحقيقة في الثورة, ولن تمارس حرية الصحافة إلا بعد التأكد من زوال إمكانية تأثير رأس المال عليها.
بزغ الفكر الاشتراكي كرد فعل للمساوئ التى كانت منها الجماهير في إطار النظرية الرأسمالية. وتعد الماركسية من ابرز التيارات الفكرية للمذهب الاشتراكي بالنظر لكونها التيار الذي افرز أنظمة حكم وضعية رفعت لواء الماركسية ونسبت مفاهيمها ومؤسساتها الى الايديولوجية الماركسية.
هدف الديمقراطية الماركسية:-
يقول الماركسيون إن مذهبهم يسعى الى تحرير الفرد وتحقيق سعادته في محيط حياته الاجتماعية, ويروا أن غالبية العاملين افتقروا الى هذه السيادة تحت وطأة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة في المجتمع الرأسمالي, طالما أن جميع الامتيازات أضحت وقفا على نفر من الأفراد ينتمون الى طبقة البرجوازية دون سواهم . ومن هنا سعى ماركس الى إجراء المصالحة بين الفئات العاملة وبين المجتمع الذي يحيا فيه وذلك على قاعدة مستحدثة ترفض المفهوم الليبرالي للديمقراطية وتعتنق مفهوما جديدا رآه ماركس انه أكثر فاعلية في توفير الحرية التى ينشدها الأفراد في محيط المجتمع الصناعي الأوروبي.
وفي الجانب الاقتصادي نادت بجعل ملكية وسائل الإنتاج المادية ملكية جماعية. ورأى ماركس أن الديمقراطية الليبرالية كانت ثورة في عهدها إذا ما قورنت بالنظام الإقطاعي السابق عليها.
إلا انه يرى إن المفهوم البرجوازي للديمقراطية قد تخلف عن ملاحقة التطور إذ وقف عند مجرد التعبير عن حاجات النمو الاقتصادي الرأسمالي وحماية مصالح الطبقة البرجوازية, وأصبح العمال حسب رأي ماركس العضو الوهمي لسيادة وهمية ومجردا من حياته الواقعية الملموسة. ولما كان من المستحيل وفقا للفكر الماركسي إقامة الحريات في ظل هذه المجتمعات الصورية التي تحوز فيها الطبقة مقدرات القوة في المجتمع وتستبعد الأخرى, فإن المجتمع الشيوعي وحده هو القادر على تحقيق الحرية, وتعمل الدولة في مرحلة ديكتاتورية " البروليتاريا" على تثبيت أركان الدولة الاشتراكية ومطاردة بقايا الطبقة الرأسمالية المهزومة.
وبعد الحرب العالمية الثانية ,ظهرت الأنظمة الماركسية في دول أوروبا وأطلقت على نفسها تعبير الديمقراطيات الشعبية" واضعة نصب عينيها تحرر الفرد من الحاجات المادية لا سيما الضرورية الملبس والسكن والمأكل, وانه إذا حدث ذلك فهذه هى الديمقراطية بعينها وليس الديمقراطية الجوفاء ديمقراطية البرجوازية.
وعلى هذا فهذه الديمقراطية تهتم بالجانب الاقتصادي باعتباره الأساس الذي تبني عليه أية حريات بعد ذلك , وهى في سبيل ذلك, لم تهتم بالشكل السياسي للديمقراطية,ففي سبيل تحقيق الجانب الاقتصادي أهدر الجانب السياسي. من اجل بناء كيان اقتصادي يتحرر فيه الفرد من كل مطالبه المادية, ويلخص " مارشال" ذلك الصراع بين الشيوعية وبين الرأسمالية بالنسبة الى ديمقراطية كل منهما بقوله:
"تصوغ الشيوعية من الرأسمالية مسرحية مؤلمة ورافعة لكثرة ما يتردد فيها من حرية الموت وحرية الجوع , وتصوغ الرأسمالية من الشيوعية مسرحية مؤلمة ورائعة لكثرة ما يتردد فيها من اليد القذرة والسجن".
أما عن الفكر الصيني, فقد صاغ ماوسي تونج" نظريته التي اسماها : الديمقراطية الجديدة " كي تعبر عن المرحلة الانتقالية من الرأسمالية الى الشيوعية.
والديمقراطية الجديدة تعنى الديمقراطية للشعب والديكتاتورية لأعداء الشعب , اى حرمان أعداء الثورة من كافة الحقوق السياسية . وفى عام 1956 حدثت تغيرات هائلة في الفكر الخاص بالمرحلة المؤقتة بين الرأسمالية والشيوعية إذ قرر المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي السوفيتي إمكانية الوصول الى الاشتراكية بالطرق السلمية وأوضح" خروتشوف" في تقريره للمؤتمر إن لجوء البروليتاريا الى العنف يتوقف على مدى مقاومة البرجوازية واستخدامها للقوة وان اختلاف أسلوب ومرحلة الانتقال يجعل من الممكن الوصول الى الاشتراكية عن طريق البرلمان أو استطاعت البروليتاريا أن تكتل حولها الفلاحين والمثقفين وكل القوى الوطنية للوقوف ضد القوى الرجعية وان تظفر بأغلبية برلمانية وبذلك يتحول المجلس الى كوته" Quota " تعبر تعبيرا حقيقا عن القوى الشعبية ومن ثم يمكن من خلاله تحقيق تغيرات اجتماعية جذرية , وهكذا عن طريق البرلمان يمكن التحول تدريجيا من ديمقراطية بورجوازية الى ديمقراطية اشتراكية.
وجدير بالذكر إن الحزب الشيوعي الفرنسي اسقط من إستراتيجيته وتفكيره العام " ديكتاتورية البروليتاريا" والوصول الى السلطة عن طريق العنف . وإنما عمد الطريق السلمي للوصول الى السلطة وهو طريق الانتخابات , اى اعتمد الوسائل البرجوازية كطريق تصل الى سدة السلطة. ويعزى هذا بطبيعة الحال الى تغير الظروف والمعطيات المحلية والإقليمية والدولية حول الحزب الشيوعي الفرنسي منه ذلك المستوى الاقتصادي المتقدم الذي حققته البورجوازية في المجتمع الفرنسي , واكتساب العمال حقوقا وضمانات اقتصادية تحررهم من الخوف والعوز, وفي نفس الوقت يتمتع المواطن بحريات سياسية فعالة.
كذلك نهج " تولياتي" زعيم الحزب الشيوعي الايطالي نفس النهج, عندما قرر قبل وفاته " أن اشتراك الشيوعيين في السلطة في البلاد الرأسمالية الأوروبية يتيح تحويلا ديمقراطيا من الداخل لطبيعة الدول البرجوازية وان إمكانية التقدم نحو الاشتراكية عبر الطريق السلمي ترتبط بفهم وحل هذه المسألة. وفي المؤتمر الثاني والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي أعلن تحول الدولة السوفيتية تحت قيادة الطبقة العاملة من ديكتاتورية البروليتاريا الى دولة الشعب بأسره, لا تعبر عن ديكتاتورية أية طبقة ولكنها أداة للمجتمع والشعب كله. وهذا الانعطاف الفكري راجع الى إن المجتمع لم يعد يشهد طبقات متعددة وإنما أصبح الشعب كله طبقة واحدة هى الطبقة العمالية التي تتكون من الفلاحين وعمال المصانع وموظفي الدولة. لقد ذابت الفروق بين الطبقات وانصهرت كلها لتصبح طبقة واحدة.
تسربت هذه المفاهيم الى الأبنية السياسية التي أقامها الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية وجاءت النظم السياسية في صورة محددة كالتالي:
1- وحدة السلطة وتركيزها, فالسلطات منظمة على شكل هرمي بحيث نمسك رأس الهرم كل السلطات بيدها أو تنتهي عندها كل السلطات
2- الحزب الشيوعي يعبر عن مصالح الشعب بأسره وبالتالي ترفض التعددية الحزبية لان المجتمع خال من الطبقات فهذه التعددية مرتبطة بوجود تعدد في المجتمع حيث أن كل حزب يمثل ويعبر عن مصالحه فقط.
3- سيطرت الحزب الشيوعي على كل وسائل الإعلام , وعدم السماح لأية تيارات أخرى بالتعبير عن ذاتها عبر هذه الأجهزة , فهذه التيارات عبارة عن بقايا وفلول الرأسمالية.
4- الديمقراطية هى في الأساس توسيع دائرة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للطبقات الكادحة حتى يتحرروا من كل صفوف القهر والحرمان.
إن إلقاء نظرة متفحصة على واقع هذه الديمقراطيات الاشتراكية نجد أنها ليست كلها على درجة واحدة من التطور, ويعود هذا بطبيعة الحال الى الخصائص الموضوعية والذاتية لكل دولة في تطبيقها للاشتراكية العملية قصدوا بها أن تكون نظرية عالمية إلا إنها لم تكن كذلك.
إن هذه الدول تشترك في بعض السمات العامة ولكن يختلف التطبيق في كثير من التفاصيل وفي بعض القضايا الجوهرية النظرية مثل مسألة الاختلاف الايديولوجي حول الطبقة القائدة في الصين غيرها في الاتحاد السوفيتي مثل السماح بملكية فردية خاصة ذات شأن في القطاع الزراعي البولندي.
ولاشك إن هذه الاختلافات ناتجة عن الخصائص المميزة لكل مجتمع, هذا بجانب الاختلافات الملموسة بين الأحزاب القائدة لهذه التجارب.
المفهوم الماركسي للحرية:
يدور المفهوم الماركسي للحرية على أنها ليست مجرد انتفاء الإكراه على نحو ما يذكره الليبراليون, ولكنها تمثل سلطة الإنسان الحقيقية على الطبيعة وعلى الحياة الاجتماعية وعلى نفسه. ويزداد الإنسان حرية بقدر ما يزداد إدراكه للقوانين الطبيعية ويعمل على تطبيقها من اجل تغيير الطبيعة والسيطرة عليها.
المفهوم الماركسي للمساواة:
يرى ماركس إن عهد المساواة الحقيقية لن يتحقق إلا في المجتمع الشيوعي الذي تسود فيه الوفرة بحيث يمكن تطبيق الانتقال من شعار " كل حسب قدراته" الى شعار " كل حسب حاجاته" وتوقع ماركس من بلوغ مرحلة الشيوعية وتحقق الوفرة إمكان إشباع حاجات الأفراد دون قياس بقدراتهم وإنما تكون حاجاتهم هي المعيار.
المفهوم الاشتراكي عند ماركس:
تقوم الأنظمة الماركسية بانتهاج سياسة اقتصادية تقوم أساسا على مبدأ إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وتوجيه النشاط الاقتصادي للبلاد طبقا لخطة مركزية شاملة, ويرتفع على هذه البنية الاقتصادية صرح علوي سياسي يأخذ أساسا بالشكل النيابي لمؤسسات الحكم في ظل دور قيادي للحزب الشيوعي , الذي يدعي انه يمثل الطليعة الواعية للطبقة العمالية وضميرها الطبقي.
شكل الحكم
نجد أن الدستور السوفيتي الصادر عام 1918م يقوم على تدرج رئاسي للتفويضات.
يبدأ أصلا بتفويض صادر من الشعب صاحب السيادة " الطبقة العاملة" الى مجلس السوفيتي الأعلى بوصفه ممثلا لها.
ومجلس السوفيتي الأعلى هو عبارة عن مجلس نيابي يتكون من مجلسين هما:-
•مجلس الاتحاد..... ويتم فيه تمثيل جميع شعوب الاتحاد السوفيتي.
•مجلس القوميات.....وهو مجلس تمثل فيه القوميات التي كان يتشكل منها اتحاد السوفيتي السابق.
ويتم تشكيل هذين المجلسين عن طريق الانتخابات فهى عبارة عن مجالس نيابية مثلها مثل أية مجالس نيابية في العالم.
وعرف الدستور السوفيتي مجلس السوفيتي الأعلى بأنه" هو أعلى سلطة سياسية في البلاد" لكن رغم ذلك فإن مجلس السوفيتي الأعلى لا يمارس السلطة ولكنه يفوضها الى هيئة رئاسية أو ما يعرف " هيئة الرئاسة" حيث أوضح دستور الاتحاد السوفيتي إن هيئة الرئاسة هى الهيئة العليا والتي يتجسد فيها مبدأ وحدة السلطة. حيث تمارس هذه الهيئة السلطات كلها: تنفيذية- تشريعية-....الخ فهى تعكس مبدأ وحدة السلطة. وهى تجمع في آن واحد بين وظيفة رئيس الدولة والسلطة التنفيذية وبين وظيفة السلطتين التشريعية والقضائية.
فمن أمثلة الوظيفية الأولى" التنفيذية" هي قدرة هيئة الرئاسة على دعوة مجلس السوفيتي الأعلى للانعقاد وحله عند استفحال الخلاف بين مجلسيه وإجراء استفتاء شعبي عند اللزوم.
كما انه يمارس مظاهر السيادة الخارجية.
" إعلان الحرب والسلم"
أما مظاهر ممارسة السلطة التشريعية فتتمثل في إصدار مراسيم لها قوة القانون حتى يتم التصديق عليها من قبل مجلس السوفيتي الأعلى, وكذلك قدرتها على تحريك المسئولية الوزارية الجماعية والفردية.
أما مظاهر ممارسة السلطة القضائية , تتمثل في كون أن هيئة الرئاسة هى الجهة الوحيدة القادرة على تفسير القوانين الصادرة من الاتحاد السوفيتي السابق. وإلغاء أوامر وقرارات مجلس وزراء الاتحاد السوفيتي ومجالس وزراء وجمهوريات المتكون منها الاتحاد السوفيتي السابق." اى هى قادرة على إلغاء وايقاف اى قانون أو قرار يصدر من أية جمهورية أو من مجلس وزرائها في الاتحاد السوفيتي"
وبهذا تكون الرئاسة ممثلة تماما لوضع "لجنة برلمانية" أو جمعية مصغرة في قلب الجمعية الكبيرة وهى مجلس السوفيتي الأعلى وتنوب عنه في ممارسة اختصاصاته.
الخصائص العامة للديمقراطية الماركسية:
1- أنها تقوم على الإقرار بأن السيادة للشعب ولكنها تحدد هذا الشعب سياسيا في طبقة العمال.
2- تقوم الديمقراطية الماركسية بالأخذ بالأسلوب النيابي مثلما تقوم به النظرية الرأسمالية.
3- استبعاد البرجوازيون ومعارضي الدولة الماركسية من الحياة السياسية. وتبرر ذلك بأن طبقة العمال بعد أن تتولى السلطة سيكون مهمتها رفع الظلم والاستغلال الواقع على الأغلبية وتقيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية وصولا الى مرحلة الشيوعية الكاملة.
4- تقرر النظرية الماركسية الحقوق والحريات السياسية للطبقة العاملة فقط دون بقية أفراد المجتمع.
نقد النظرية الماركسية:
يظهر لنا من عرض هذه الايديولوجية ودراسة بعض تطبيقاتها إن مسيرتها متعثرة وتصادف أزمات هزتها هزا عنيفا أدت بها الى الانهيار . ولعل احد أهم الأسباب في قصور الماركسية وأزمتها تعود الى أن القوالب الماركسية الجامدة التى ترجع الى القرن الثامن عشر جعلت الماركسيين عاجزين عن الإبداع بسبب وقوعهم في أسرها ومن أهمها النظرة الى الحزب الماركسي على انه آله المجتمع.
•لا يكفي إلغاء الملكية الخاصة لزوال الاستغلال الطبقي.
•البيت الذي كان لصاحب العقارات الرأسمالية, تحول ليصبح لحكومة الحزب الماركسي.
•السلطة التى كانت بيد الطبقة الرأسمالية صارت بيد الحزب الشيوعي .
•حل الجيش الماركسي محل الجيش الرأسمالي.
والأزمة هنا لم تأت بين يوم وليلة وإنما عبر تراكمات طويلة من الإحساس بأن مؤسسات هذه الدولة لا تعبر عن مواطنيها كما إن مؤسسات الإنتاج يسيطر عليها ويستأثر بعائداتها فئة قليلة انفصلت عن طبقة العمال. وان هذا يشير الى فشل الديمقراطية الماركسية فيما وعدت به.