منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#30862
في خضم التغيرات السريعة والكبيرة معاً في الوضع الدولي واستشراف الجميع نحو نظام عالمي جديد. وأهمية وضع المسلمين الذين يزيد عددهم على المليار في هذه القضية، يبدو ملحاً أهمية تحديد رؤية معاصرة للمسلمين في العلاقات الدولية.
ولا يتسع المجال للتعرض لجميع مفردات هذا الموضوع الشائك دفعة واحدة، ويكون ذلك طبيعياً أن نتناول الموضوع على مرحلتين نبدأ في الأولى منهما بإبراز بعض المسائل المحورية الهامة، مرجئين إلى مرحلة تالية رسم الصورة الكاملة المفصلة.
وفي إطار متطلبات هذه المرحلة تبدو أهمية بحث النقاط التالية:
1 ـ ما زال البعض يظن أن ليس للشريعة الإسلامية كلمة في مجال العلاقات الدولية، وعلى وجه الخصوص أن ما يسمى بالقانون الدولي الإسلامي ليس إلا بعض الوصايا الواردة في الشريعة الإسلامية والتي لا تعتبر قانوناً دولياً حيث لم يجري الاتفاق عليها بين المسلمين وغيرهم.
واهتمام الشريعة الإسلامية بالعلاقات الدولية أمر واضح من حيث المبدأ فطالما أن دعوة الإسلام عالمية فلابد من بلورة رؤيته للعلاقات مع العالم.
من المعروف أن لعلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي تتنازعه نظريتان تقول إحداهما بتبعية القانون الداخلي للقانون الدولي في هيكل العلاقات التدرجية بين القواعد القانونية إذ أن القانون الدولي هو الذي يحدد عناصر الدولة وبالتالي يعطى الشرعية للدول التي تكتمل لها هذه العناصر، بينما يذهب الرأي الآخر إلى أن القانون الدولي لم يصل بعد من النضج إلى أن يصبح مهيمناً على القانون الداخلي وآية ذلك استمرار مبدأ سيادة الدول وحاجة المعاهدات الدولية إلى التصديق من المؤسسات الدستورية في كل دولة كي يصبح نافذ المفعول.
وإذا كان هذا الرأي وارداً الآن وبعد عدة عقود من نشأة المنظمات الدولية التي تسعى نحو إقامة حكومة عالمية فإنه يكون طبيعيا أن يكون هذا الرأي هو الرأي الوحيد الذي يمكن في ظله ضمان احترام الدول للمبادئ القانونية في علاقتها الخارجية خلال القرون الماضية، ومن هنا كان التعبير بالقانون الدولي الإسلامي عن الشق من أحكام الشريعة الإسلامية التي تنظم علاقة دولة الإسلام بغيرها تعبيراً سائغاً ولا غبار عليه.
ومما يؤكد نظرة الإسلام في هذا الموضوع أن نتذكر أن دولة الإسلام ذاتها خاضعة للشريعة الإسلامية فالشريعة هي التي أنشأت الدولة وهي التي تضبط تصرفاتها وليست الدولة هي التي تنشئ الشرائع والقوانين كما في النظم الأخرى ويكفي أن نشير إلى حادثة الجيش الذي التزم بقرار قاضي المسلمين بناء على شكوى أهل سمرقند.
2 ـ من الأمور التي ينبغي توضيحها عدم شرعية استخدام القوة لنشر الدعوة الإسلامية فقد وردت النصوص الصريحة في عدم الإكرام على اعتناق الدين، وأن واجب المسلمين هو مجرد التبليغ.
وإذا كان قد وقع في الماضي استخدام للقوة لإزالة العقبات التي تحول دون حرية الرأي وتبليغه مما أوجد شبهة في أن حروب الفتح كانت لفرض الإسلام بالقوة، فلم يعد وارداً التفكير حالياً في هذا الأمر حيث إن تحقيق المقصد وهو نشر الدعوة أصبح ممكناًوعلى نطاق واسع عبر وسائل الإعلام التي لا تعترف بالحدود بين الدول، والتي تصل بها الكلمة المسموعة والصورة المرئية خلال ثوان إلى أطراف الأرض.
3 ـ ولا ينفي ذلك وجود الجهاد كفريضة على المسلمين للدفاع عن حقوقهم إذا انتهت، وهو أمر قريب من الحالات التي يجيز فيها القانون الدولي الحالي استخدام القوة والتي أبرزها حالة الدفاع الشرعي الفردي والجماعي المنصوص عليها في المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، وصياغة الأمر على هذا النحو تحتاج إلى تفصيل يبين أحكام الجهاد ليس هنا موضعه.
4 ـ ومما يحتاج كذلك إلى إعادة نظر إبراز الظرف التاريخي الذي قسم فيه الفقهاء المسلمون العالم إلى دار إسلام ودار حرب ودار عهد، فالمواجهة الشاملة بين المسلمين وغيرهم في فترة المد الإسلامي، والتي استمرت في فترة المد الغربي الذي تلاها كان طبيعياً أن تترجم إلى أحكام تتعلق بوضع المسلمين الميقيمن خارج ديار الإسلام وتصرفاتهم من وجهة نظر الشريعة الإسلامية بسبب أن هذه الشريعة لها طابعها الشخصي المستمد من العقيدة، والتوفيق بين هذا الطابع الشخصي وبين السيادة الإقليمية للدول هو الذي أبرز هذا التقسيم.
ولا مجال هنا للمقارنة مع موقف جروسيوس ومَن تلاه من فقهاء القانون الدولي بعد ذلك بعدة قرون والذين تصوروا العالم قسمين قسم متمدن هو الدول المسيحية التي أنشأوا لها القانون الدولي وقسم همجي هو باقي الدول، وإذا كان لابد من إجراء المقارنة فلذلك تفصيل لا يتسع له هذا المجال.
وإذا أخذنا في الاعتبار الظرف التاريخي لهذا التقسيم إلى دار إسلام ودار حرب ودار عهد، فإننا نجد أن العلاقات التي تربط الدول الآن بعضها بالبعض الآخر تحتم علينا إعادة النظر في هذا التقسيم إذ أصبح الأصل في العلاقات الدولية أنها علاقات دار العهد وانحسر نطاق دار الحرب إلى الدول التي يوجد بينها وبين بلاد المسلمين حالة حرب فعلية.
5 ـ من الأمور التي ينبغي إبرازها تلك القواعد الإنسانية التي حوتها الأحكام الشرعية والتي سبقت معاهدات جنيف بصدد حماية المدنيين والأسرى وغيرهم لقرون طويلة والتي فصلت أحكامها كتب الفقه وخصصت لها بعض المؤلفات ككتاب ((السير)) لمحمد بن الحسن الشيباني.
6 ـ ومما يحتاج إلى بيان استجابة لما نصت عليه المادة 38 ج 3 من ميثاق الأمم المتحدة في اعتبار المبادئ القانونية العامة المتعارف عليها بين الدول مصدراً من مصادر القانون الدولي ـ نفض الغبار عن القواعد الفقهية الكلية التي تمثل المبادئ العامة في الشريعة الإسلامية، والتي غفل المعاصرون من علماء المسلمين عن الاهتمام بها، وإبراز دورها في هذا المجال الهام.
7 ـ وأخيراً فهناك الدور الرسالي للأمة الإسلامية، والذي يحدد هدفها في المجتمع الدولي، ويستلزم أن يكون لمجموعة الدول الإسلامية في المجال الدولي رأي في مشاكل العالم الحالية يتفق وهذا الدور الرسالي إن لم ينطلق منه، وبهذا تؤدي الأمة الإسلامية ممثلة بهذه الدول دوراً فعالاً في دفع المجتمع الدولي نحو العدالة والسلام.