- الاثنين ديسمبر 27, 2010 3:45 am
#30894
يشير تاريخ إيران وعلاقاتها الخارجية إلى أنها لعبت أدوارًا مختلفةً؛ ففي عصر الحضارات القديمة توسعت إيران على حساب الدول المجاورة، ووصلت جيوشها إلى مصر الفرعونية واحتلتها مرتين.
كذلك صمدت إيران أمام الغزو اليوناني الذي قام به الإسكندر الأكبر، كما أنها كانت دولة الشرق العظمى في مواجهة الروم في العصور الوسطى، وقد دخلت إيران الإسلام فعدلت الكثير وأضافت الكثير في الفقه والفكر الإسلاميَّين قبل عدة قرون من دخول المذهب الشيعي الإثني عشري إليها في بداية القرن السابع عشر، ومن الناحية الجيوسياسية تعتبر إيران دولةً خليجيةً تمتد على طول الساحل الشرقي للخليج وتسمَّى "الخليج الفارسي" وهي التسمية التي أطلقها بعض الغزاة والرحالة قبل أن تتمسك بها إيران، التي ظل اسمها "فارس" حتى عام 1936.
وبذلك ينحصر تاريخ إيران بين الانكماش إلى الداخل في عصور الضعف والانحطاط أو الاتجاه إلى الخليج في عصور القوة، وقد ظلت إيران في العصر الحديث قوةً مشلولةً، خاصةً بعد أن قامت روسيا القيصرية وبريطانيا باقتسام النفوذ فيها في الشمال والجنوب بعد أن تمكَّنت بريطانيا قبل ذلك بعدة عقود من السيطرة على الساحل العربي من الخليج وأكملت سيطرتها على العراق بعد هزيمة الأتراك في الحرب العالمية الأولى، فوضعت المشيخات العربية تحت حمايتها، كما وضعت العراق تحت انتدابها حتى عام 1932م، وظل النفوذ البريطاني مدعومًا بالوجود العسكري في ظل السلام البريطاني في الخليج لأكثر من قرن ونصف القرن، حين قرَّرت بريطانيا الانسحاب من شرق السويس نهائيًّا في ديسمبر 1971م.
وهكذا شُلَّت يد إيران بسبب الوجود البريطاني، ثم أُطلِقَت يداها في ظل الهيمنة الأمريكية عندما قام الشاه بدور بالغ الحيوية لمراقبة المناطق الجنوبية الصناعية في الاتحاد السوفيتي على امتداد 2500 كيلو متر.
وبقيام الثورة الإسلامية في إيران في فبراير 1979م ظن المراقبون أن إيران قد تحوَّلت من دولة علمانية إلى دولة دينية، وقدَّروا أن ذلك سوف يغيِّر في نظرتها إلى الخليج، ولكن الذي حدث هو أن الطموحات الإيرانية في الخليج لم تتغير؛ لأنها محكومةٌ بالروح الفارسية وكذلك بقواعد الجغرافية السياسية، الفارق الوحيد هو أن بريطانيا ثم الولايات المتحدة قد تعاملتا مع الطموحات الإيرانية بما يتفق مع المصالح البريطانية والأمريكية، خاصةً في عصر الحرب الباردة؛ حيث سدَّدت الثورة الإسلامية في إيران ضربةً قاصمةً للإستراتيجية الأمريكية في الخليج وفي المنطقة كلها، وقد رأينا كيف أن قيام هذه الثورة قد واجه تحديًا أمريكيًّا وإنكارًا للوجه الديني لإيران حتى اليوم.
وقد واجهت إيران موقفًا استثنائيًّا في رؤيتها لأمنها القومي عندما دفعت الولايات المتحدة صدام حسين لتأديب إيران بسبب أزمة الرهائن الأمريكيين، ولحسن حظِّ الولايات المتحدة فإن موسكو قد تضامنت مع التحدي الأمريكي للثورة الإسلامية لاعتبارات ودواعٍ مختلفةٍ، فكان الهجوم العراقي على إيران استفتاءً عالميًّا وإقليميًّا على مدى تقبُّل المنطقة والعالم لهذه الثورة.
وقد لاحظت إيران أن الهجوم العراقي عليها بذرائع قومية عربية وبغطاء أمريكي وعربي قد بعث برسالة خطيرة، وهي أن وجود إيران كدولة موحدة قد أصبح موضع التهديد، فلما انتهت الحرب الباردة وانتهت معها ملحمة الصراع العراقي- الإيراني بدأ نجم إيران الإستراتيجي في السطوع، فلم يزل فقط الخطر العراقي وإنما تورَّط العراق في الكويت، فتعرَّض لمسلسل الهوان والعقوبات، وانتهى الأمر إلى الغزو الأمريكي للعراق، وكلها تطورات إيجابية للغاية من وجهة النظر الإيرانية، فاندفعت إيران لكي تملأ الفراغ الذي سبَّبه سقوط نظام صدام حسين، فقدَّمت الولايات المتحدة بهذا الغزو وسوء الإدارة أكبر خدمة لإيران؛ بحيث أصبحت إيران هي اللاعب الأساسي في الملفات العربية بدايةً بالعراق ثم في لبنان.
كما كسبت أوراقًا مهمةً في فلسطين، وأصبح الفشل الأمريكي في هذه الملفات يترجم إلى مكاسب إيرانية، فأنشأت إيران قوس التحالفات بين شيعة العراق وحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين وسوريا، وقد فكرت إيران في تعظيم أوراقها في مواجهة الولايات المتحدة، خاصةً بعد فشل السياسة الأمريكية في احتواء إيران والعراق في قفص واحد، وذلك بالسعي للحصول على التكنولوجيا النووية واستخداماتها السلمية؛ أملاً في التوصل إلى القدرات العسكرية النووية والدخول في النادي الذري.
ومعنى ذلك أن الملف النووي الإيراني موجَّه إلى الولايات المتحدة وليس إلى منطقة الخليج، في الوقت الذي توظف فيه واشنطن مخاوف هذه الدول ضد إيران، وتدرك إيران جيدًا ذلك، ولكنها لا تبذل الجهدَ الكافي لتبديد مخاوف هذه الدول من الطموحات النووية الإيرانية، وتصرُّ إيران على أنها تمتلك الجزر الثلاث في مدخل الخليج، وأنها تنازلت عن ملكيتها للبحرين عام 1970م، مقابل موافقة بريطانيا على أيلولة هذه الجزر إليها.
ويبدو أن إيران تنظر إلى منطقة الخليج على أنها منطقة نفوذها الوحيدة، وأن الجهود الأمريكية في هذه المنطقة تمنع تنفيذ المشروع القومي الإيراني، كما تدرك إيران أن خطأ صدام حسين في الكويت الذي كان بداية السقوط وجلب الخير والبركة لإيران هو نفسه الذي أدى إلى احتلال الولايات المتحدة للخليج، فأصبحت كابوسًا يطبق على إيران خاصةً بعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان.
وإذا كانت الرؤية الأمريكية لأمن الخليج تتناقض مع الرؤية الإيرانية لسبب واحد، وهو أن إيران لا تريد أن تكون جزءًا من المشروع الأمريكي، فإن الصراع الحالي بين البلدين هو في الحقيقة صراع على النفوذ في المنطقة، وقد ينتهي عسكريًّا كما قد ينتهي إلى المفاوضات الشاملة وصولاً إلى اقتسام النفوذ، وهناك محاذير شديدة على الطريقين العسكري والسياسي، وهو ما تنشغل به الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ إدارة الرئيس كارتر في نهاية الثمانينيات حتى الآن.
يترتب على ما تقدَّم أن رؤية إيران لوضعها في الخليج لم تعُد قاصرةً على حدود الخليج بالمفهوم الجغرافي؛ لأن الخليج لم يكن في أي يوم مسألة محكومة بعوامل إقليمية، وإنما تم تدويله على الأقل منذ القرن التاسع عشر، عندما تناوبا النفوذ في بريطانيا ثم الولايات المتحدة، فكان الخيار أمام إيران هو ألا تلعب أيَّ دور كما حدث في ظل الهيمنة البريطانية، أو أن تلعب دورًا محدودًا تحت الرقابة الأمريكية كما حدث في عهد الشاه، أو أن يتم عزلها ومهاجمتها داخل أراضيها ومن حولها كما حدث منذ الثورة الإسلامية.
الجديد هو أن إيران تتعرض لمحاولات تقويض نظامها وتقليم أظافرها، ولذلك قدَّرت أنها لا بد أن تكون طرفًا نشطًا في تفاعلات المنطقة بأسرها، فأصبحت جميع القضايا الإقليمية محكومةً بشكل أو بآخر بالعامل الإيراني، فهو عامل حاسم في مستقبل العراق وفي إطار رؤية إيران؛ لإرغام واشنطن على الرحيل مع غياب أي دور عربي على الإطلاق.
وفي لبنان تدعم إيران حزب الله لمواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني، فأصبحت إيران لاعبًا أساسيًّا في تفاعلات الساحة اللبنانية، وكذلك الحال مع حماس في مواجهة "إسرائيل"، رغم أن بعض الدول العربية مثل مصر والسعودية لا تستقر على رؤية مشتركة بالنسبة للعامل الإيراني في القضايا العربية، فبينما تحاول السعودية أن تتحاور مع إيران حول مختلف القضايا العربية خاصة في العراق فإن مصر التي انقطعت علاقاتها بإيران عام 1979م لا تزال مضطربةً في رؤيتها لإيران.
على الجملة فإنه يمكن تلخيص الموقف في المنطقة على أنه صراع إيراني- أمريكي على العالم العربي وساحته هي العالم العربي، أما الدول العربية فلم تعد طرفًا في هذه المعادلة، بل إنها لم تتمكن في معظم الأحيان من المحافظة على حيادها، ولم تتمكن من الاتفاق على المصلحة العربية العليا في هذا الصراع، والسبب في ذلك هو الهيمنة الأمريكية على قراراتها، وقد بلغت هذه الهيمنة أحيانًا حدَّ الخطر عندما حاولت الولايات المتحدة توظيف الموقف العربي العام ضد إيران، فأصبح عدو العالم العربي هو إيران؛ لمجرد أن واشنطن تعادي إيران، أما الكيان الصهيوني العدو الحقيقي للعالم العربي فلم يعُد كذلك وأصبحت ثنائية إيران والكيان محلَّ جدلِ الكُتَّاب العرب، فانقسموا في هذه النقطة إلى ثلاثة فرق، الفريق الأول يرى أن إيران هي الخطر على العالم العربي، وعلى العكس يرى الفريق الثاني أن الكيان الصهيوني هو الخطر الدائم، بينما يرى فريق ثالث أن كليهما خطر في منطقته، وقد ظهر فريق رابع يرى أن الولايات المتحدة هي الخطر؛ لأنها هي التي تساند الكيان الصهيوني وتستفز إيران.
في ضوء هذه الحقيقة فإن العالم العربي سوف يلحقه الضرر حكمًا بسبب موقفه السلبي في كل الحالات، سواءٌ تصادمت إيران والولايات المتحدة عسكريًّا أو تصالحت الدولتان لاقتسام النفوذ والهيمنة في العالم العربي، وفي هذه الحالة يتضاعف الضرر؛ لأن القسمة سوف تشمل الكيان الصهيوني بعد أن كان التوتر "الإسرائيلي"- الإيراني أحد أهم سبل استنزاف القوة الصهيونية.
كذلك صمدت إيران أمام الغزو اليوناني الذي قام به الإسكندر الأكبر، كما أنها كانت دولة الشرق العظمى في مواجهة الروم في العصور الوسطى، وقد دخلت إيران الإسلام فعدلت الكثير وأضافت الكثير في الفقه والفكر الإسلاميَّين قبل عدة قرون من دخول المذهب الشيعي الإثني عشري إليها في بداية القرن السابع عشر، ومن الناحية الجيوسياسية تعتبر إيران دولةً خليجيةً تمتد على طول الساحل الشرقي للخليج وتسمَّى "الخليج الفارسي" وهي التسمية التي أطلقها بعض الغزاة والرحالة قبل أن تتمسك بها إيران، التي ظل اسمها "فارس" حتى عام 1936.
وبذلك ينحصر تاريخ إيران بين الانكماش إلى الداخل في عصور الضعف والانحطاط أو الاتجاه إلى الخليج في عصور القوة، وقد ظلت إيران في العصر الحديث قوةً مشلولةً، خاصةً بعد أن قامت روسيا القيصرية وبريطانيا باقتسام النفوذ فيها في الشمال والجنوب بعد أن تمكَّنت بريطانيا قبل ذلك بعدة عقود من السيطرة على الساحل العربي من الخليج وأكملت سيطرتها على العراق بعد هزيمة الأتراك في الحرب العالمية الأولى، فوضعت المشيخات العربية تحت حمايتها، كما وضعت العراق تحت انتدابها حتى عام 1932م، وظل النفوذ البريطاني مدعومًا بالوجود العسكري في ظل السلام البريطاني في الخليج لأكثر من قرن ونصف القرن، حين قرَّرت بريطانيا الانسحاب من شرق السويس نهائيًّا في ديسمبر 1971م.
وهكذا شُلَّت يد إيران بسبب الوجود البريطاني، ثم أُطلِقَت يداها في ظل الهيمنة الأمريكية عندما قام الشاه بدور بالغ الحيوية لمراقبة المناطق الجنوبية الصناعية في الاتحاد السوفيتي على امتداد 2500 كيلو متر.
وبقيام الثورة الإسلامية في إيران في فبراير 1979م ظن المراقبون أن إيران قد تحوَّلت من دولة علمانية إلى دولة دينية، وقدَّروا أن ذلك سوف يغيِّر في نظرتها إلى الخليج، ولكن الذي حدث هو أن الطموحات الإيرانية في الخليج لم تتغير؛ لأنها محكومةٌ بالروح الفارسية وكذلك بقواعد الجغرافية السياسية، الفارق الوحيد هو أن بريطانيا ثم الولايات المتحدة قد تعاملتا مع الطموحات الإيرانية بما يتفق مع المصالح البريطانية والأمريكية، خاصةً في عصر الحرب الباردة؛ حيث سدَّدت الثورة الإسلامية في إيران ضربةً قاصمةً للإستراتيجية الأمريكية في الخليج وفي المنطقة كلها، وقد رأينا كيف أن قيام هذه الثورة قد واجه تحديًا أمريكيًّا وإنكارًا للوجه الديني لإيران حتى اليوم.
وقد واجهت إيران موقفًا استثنائيًّا في رؤيتها لأمنها القومي عندما دفعت الولايات المتحدة صدام حسين لتأديب إيران بسبب أزمة الرهائن الأمريكيين، ولحسن حظِّ الولايات المتحدة فإن موسكو قد تضامنت مع التحدي الأمريكي للثورة الإسلامية لاعتبارات ودواعٍ مختلفةٍ، فكان الهجوم العراقي على إيران استفتاءً عالميًّا وإقليميًّا على مدى تقبُّل المنطقة والعالم لهذه الثورة.
وقد لاحظت إيران أن الهجوم العراقي عليها بذرائع قومية عربية وبغطاء أمريكي وعربي قد بعث برسالة خطيرة، وهي أن وجود إيران كدولة موحدة قد أصبح موضع التهديد، فلما انتهت الحرب الباردة وانتهت معها ملحمة الصراع العراقي- الإيراني بدأ نجم إيران الإستراتيجي في السطوع، فلم يزل فقط الخطر العراقي وإنما تورَّط العراق في الكويت، فتعرَّض لمسلسل الهوان والعقوبات، وانتهى الأمر إلى الغزو الأمريكي للعراق، وكلها تطورات إيجابية للغاية من وجهة النظر الإيرانية، فاندفعت إيران لكي تملأ الفراغ الذي سبَّبه سقوط نظام صدام حسين، فقدَّمت الولايات المتحدة بهذا الغزو وسوء الإدارة أكبر خدمة لإيران؛ بحيث أصبحت إيران هي اللاعب الأساسي في الملفات العربية بدايةً بالعراق ثم في لبنان.
كما كسبت أوراقًا مهمةً في فلسطين، وأصبح الفشل الأمريكي في هذه الملفات يترجم إلى مكاسب إيرانية، فأنشأت إيران قوس التحالفات بين شيعة العراق وحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين وسوريا، وقد فكرت إيران في تعظيم أوراقها في مواجهة الولايات المتحدة، خاصةً بعد فشل السياسة الأمريكية في احتواء إيران والعراق في قفص واحد، وذلك بالسعي للحصول على التكنولوجيا النووية واستخداماتها السلمية؛ أملاً في التوصل إلى القدرات العسكرية النووية والدخول في النادي الذري.
ومعنى ذلك أن الملف النووي الإيراني موجَّه إلى الولايات المتحدة وليس إلى منطقة الخليج، في الوقت الذي توظف فيه واشنطن مخاوف هذه الدول ضد إيران، وتدرك إيران جيدًا ذلك، ولكنها لا تبذل الجهدَ الكافي لتبديد مخاوف هذه الدول من الطموحات النووية الإيرانية، وتصرُّ إيران على أنها تمتلك الجزر الثلاث في مدخل الخليج، وأنها تنازلت عن ملكيتها للبحرين عام 1970م، مقابل موافقة بريطانيا على أيلولة هذه الجزر إليها.
ويبدو أن إيران تنظر إلى منطقة الخليج على أنها منطقة نفوذها الوحيدة، وأن الجهود الأمريكية في هذه المنطقة تمنع تنفيذ المشروع القومي الإيراني، كما تدرك إيران أن خطأ صدام حسين في الكويت الذي كان بداية السقوط وجلب الخير والبركة لإيران هو نفسه الذي أدى إلى احتلال الولايات المتحدة للخليج، فأصبحت كابوسًا يطبق على إيران خاصةً بعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان.
وإذا كانت الرؤية الأمريكية لأمن الخليج تتناقض مع الرؤية الإيرانية لسبب واحد، وهو أن إيران لا تريد أن تكون جزءًا من المشروع الأمريكي، فإن الصراع الحالي بين البلدين هو في الحقيقة صراع على النفوذ في المنطقة، وقد ينتهي عسكريًّا كما قد ينتهي إلى المفاوضات الشاملة وصولاً إلى اقتسام النفوذ، وهناك محاذير شديدة على الطريقين العسكري والسياسي، وهو ما تنشغل به الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ إدارة الرئيس كارتر في نهاية الثمانينيات حتى الآن.
يترتب على ما تقدَّم أن رؤية إيران لوضعها في الخليج لم تعُد قاصرةً على حدود الخليج بالمفهوم الجغرافي؛ لأن الخليج لم يكن في أي يوم مسألة محكومة بعوامل إقليمية، وإنما تم تدويله على الأقل منذ القرن التاسع عشر، عندما تناوبا النفوذ في بريطانيا ثم الولايات المتحدة، فكان الخيار أمام إيران هو ألا تلعب أيَّ دور كما حدث في ظل الهيمنة البريطانية، أو أن تلعب دورًا محدودًا تحت الرقابة الأمريكية كما حدث في عهد الشاه، أو أن يتم عزلها ومهاجمتها داخل أراضيها ومن حولها كما حدث منذ الثورة الإسلامية.
الجديد هو أن إيران تتعرض لمحاولات تقويض نظامها وتقليم أظافرها، ولذلك قدَّرت أنها لا بد أن تكون طرفًا نشطًا في تفاعلات المنطقة بأسرها، فأصبحت جميع القضايا الإقليمية محكومةً بشكل أو بآخر بالعامل الإيراني، فهو عامل حاسم في مستقبل العراق وفي إطار رؤية إيران؛ لإرغام واشنطن على الرحيل مع غياب أي دور عربي على الإطلاق.
وفي لبنان تدعم إيران حزب الله لمواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني، فأصبحت إيران لاعبًا أساسيًّا في تفاعلات الساحة اللبنانية، وكذلك الحال مع حماس في مواجهة "إسرائيل"، رغم أن بعض الدول العربية مثل مصر والسعودية لا تستقر على رؤية مشتركة بالنسبة للعامل الإيراني في القضايا العربية، فبينما تحاول السعودية أن تتحاور مع إيران حول مختلف القضايا العربية خاصة في العراق فإن مصر التي انقطعت علاقاتها بإيران عام 1979م لا تزال مضطربةً في رؤيتها لإيران.
على الجملة فإنه يمكن تلخيص الموقف في المنطقة على أنه صراع إيراني- أمريكي على العالم العربي وساحته هي العالم العربي، أما الدول العربية فلم تعد طرفًا في هذه المعادلة، بل إنها لم تتمكن في معظم الأحيان من المحافظة على حيادها، ولم تتمكن من الاتفاق على المصلحة العربية العليا في هذا الصراع، والسبب في ذلك هو الهيمنة الأمريكية على قراراتها، وقد بلغت هذه الهيمنة أحيانًا حدَّ الخطر عندما حاولت الولايات المتحدة توظيف الموقف العربي العام ضد إيران، فأصبح عدو العالم العربي هو إيران؛ لمجرد أن واشنطن تعادي إيران، أما الكيان الصهيوني العدو الحقيقي للعالم العربي فلم يعُد كذلك وأصبحت ثنائية إيران والكيان محلَّ جدلِ الكُتَّاب العرب، فانقسموا في هذه النقطة إلى ثلاثة فرق، الفريق الأول يرى أن إيران هي الخطر على العالم العربي، وعلى العكس يرى الفريق الثاني أن الكيان الصهيوني هو الخطر الدائم، بينما يرى فريق ثالث أن كليهما خطر في منطقته، وقد ظهر فريق رابع يرى أن الولايات المتحدة هي الخطر؛ لأنها هي التي تساند الكيان الصهيوني وتستفز إيران.
في ضوء هذه الحقيقة فإن العالم العربي سوف يلحقه الضرر حكمًا بسبب موقفه السلبي في كل الحالات، سواءٌ تصادمت إيران والولايات المتحدة عسكريًّا أو تصالحت الدولتان لاقتسام النفوذ والهيمنة في العالم العربي، وفي هذه الحالة يتضاعف الضرر؛ لأن القسمة سوف تشمل الكيان الصهيوني بعد أن كان التوتر "الإسرائيلي"- الإيراني أحد أهم سبل استنزاف القوة الصهيونية.