صفحة 1 من 1

قبل نجواكم .. صدقة ..

مرسل: الاثنين ديسمبر 27, 2010 7:12 pm
بواسطة نجلاء المطيري
89. قبل نجواكم .. صدقة ..
الطلبات الكبيرة تحتاج إلى تهيئة المطلوب منه قبل طلبها .. لئلا يسارع إلى الرفض ..
وهذا عام في الطلبات الشفهية والمكتوبة ..
فلو أردت أن تكتب إلى غني تطلب منه حاجة .. لناسب أن تكتب قبل حاجتك شيئاً من الثناء على جوده وكرمه ومحبته للخير .. ثم بعد ذلك تكتب حاجتك ..
ومثله لو أردت حاجة من أبيك أو أخيك أو – من يدري ربما – زوجتك .. يناسب أن تقدم قبلها بمقدمة ..
فلو دعوت نفراً من أصدقائك إلى مأدبة غداء .. وأردت أن تخبر زوجتك لتعد الطعام وتهيئ البيت .. لناسب أن تقول قبل ذلك .. بصراحة طعامك لذيذ .. جميع أصدقائي يفرحون إذا دعوتهم لأجل أن يأكلوا من عمل يدك .. تصدقين !! لقد أكلت في أرقى المطاعم .. وما ذقت لذة كلذة طعامك أبداً .. وبصراحة رأيت البارحة صديقاً لي جاء من سفر .. ومن باب المجاملة قلت له تغد معي غداً .. فتفاجأت به أن وافق ..!! فدعوت معه بعض الأصدقاء .. فليتك تعملين لنا طعاماً ..
هذا الأسلوب أحسن من صراخك إذا دخلت بيتك : يا فلانة .. فلانة ..
فتجيبك : لبيك .. أنا قادمة .. وهي تظن أنك ستدعوها إلى نزهة ..
فتقول : بسرعة .. بسرعة .. المطبخ .. المطبخ .. عندي رجال سيأتون .. لا تتأخري بالغداء .. وانتبهي أثناء إعداده .. و ..
ومثله لو أردت أن تطلب إجازة من مديرك ..
أو تخبر أمك أو أباك بخبر ..
وقد قرأت في سيرة النبي الأكرم e .. ما يدل على ذلك ..
كان النبي r قد رضع في صغره قريباً من ديار هوازن .. وكان يرجو أن يسلموا ..
فبلغه .. أن هوازن قد جمعت جموعها .. فخرج إليهم .. وقاتلهم ..
فنصر الله نبيه r عليهم .. فساق الغنائم ..
فأقبل بعضهم إلى رسول الله r .. وهو نازل بالجعرانة ..
وقد قتل من قتل من رجالهم .. وجعل رسول الله r النساء والأطفال في مكان ..
فقام منهم خطيبهم زهير بن صرد فقال :
يا رسول الله إنما في الحظائر من السبايا خالاتك .. وحواضنك .. اللاتي كن يكفلنك ..
ولو أنا ملحنا لابن أبي شمر .. أو النعمان بن المنذر ..
ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك .. رجونا عائدتهم وعطفهم ..
وأنت رسول الله خير المكفولين .. ثم أنشأ يقول :
امنن علينا رسول الله في كرم
فإنك المرء نرجوه و ننتظر
امنن على نسوة قد كنت ترضعها
إذ فوك تملؤه من محضها الدرر
لا تجعلنا كمن شالت نعامته
و استبق منا فإنا معشر زهر
إنا لنشكر آلاء و إن كفرت
وعندنا بعد هذا اليوم مدخر
وقد أدب الله المؤمنين .. فقال :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً" ( ) ..
وكانت العرب .. إذا أرادت أن تستنجد بأحد .. أو تطلب عونه .. أول ما تلجأ إلى الكلام والأشعار .. فتحدث في النفوس مالا تفعله السيوف ..
لما أقبل رسول الله r .. يريد العمرة .. خافت قريش ..
وكاد النبي r أن يقاتلهم .. لولا أنهم .. ألحوا عليه حتى كتب بينه وبينهم .. هدنة لمدة عشر سنوات .. وقف للقتال ..
وكان في صلح الحديبية .. لما كتب .. أنه من شاء من القبائل أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل ..
فتواثبت خزاعة وقالوا : نحن ندخل في عقد محمد وعهده ..
وتواثبت بنو بكر وقالوا : نحن ندخل في عقد قريش وعهدهم ..
وكان بين هذين الحيين دماء وقتال ..
واشتدت ضغينة قريش على خزاعة .. لكنهم خافوا أن يصيبوهم بشيء فينتصر لهم النبي r ..
فلما مضى من هدنة الحديبية .. نحو السبعة أو الثمانية عشر شهراً ..
وثب بنو بكر على خزاعة .. ليلاً بماء يقال له الوتير .. وهو قريب من مكة .. وطلبوا الإعانة من قريش ..
فقالت قريش : ما يعلم بنا محمد وهذا الليل وما يرانا من أحد ..
فأعانوهم عليهم بالكراع والسلاح .. وقاتلوهم معهم ..
ففزعت خزاعة ..
وقتل من قتل من رجالهم ونسائهم وذراريهم ..
فلما رأى رجل منهم وهو عمرو بن سالم .. ما حل بقومه .. ركب بعيره .. وهرب من يد قريش ..
حتى قدم على رسول الله r في المدينة ..
فدخلها فزعاً .. مصاباً مكروباً ..
ثم أقبل إلى المسجد .. عليه أثر الطريق ووعثاء السفر ..
ووقف بين يدي رسول الله r .. فقال :
يا رب إني ناشد محمداً
حلف أبيه وأبينا الأتلدا
قد كنتم وِلْداً وكنا والداً
ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر رسول الله نصراً أبدا
وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا
إن سيما خسفاً وجهه تربدا
في فيلق كالبحر يجري مزبدا
إن قريشاً أخلفوك الموعدا
ونقّضوا ميثاقك المؤكدا
وجعلوا لي في كداء رصداً
وزعموا أن لست أدعوأحدا
فهم أذل وأقل عدداً
هم بيتونا بالوتير هجدا
وقتلونا ركعاً وسجدا
فلما سمع النبي r هذا الكلام .. والشعر .. والنداء .. انتفض .. وغضب ..
وقال : " نصرت يا عمرو بن سالم " ..
ثم قام .. مسرعاً .. وأمر الناس بالتجهز للخروج للقتال ..
ففزع الناس يتجهزون .. وهم لا يعلمون أين سيكون القتال ..
وقد خشي r أن يخبر بوجهته .. فيصل الخبر إلى قريش .. وسأل الله أن يعمي على قريش خبره حتى يبغتهم في بلادهم ..
ورسول الله r.. قد اشتد غضبه على قريش لخيانتهم .. فكان يتجهز ويقول : كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم يشد في العقد ويزيد في المدة " .
ثم أقبل نفر من خزاعة آخرين إلى رسول الله r ..
فيهم بديل بن ورقاء .. حتى قدموا على رسول الله r ..
فأخبروه بما أصيب منهم .. ومظاهرة قريش بني بكر عليهم ..
فوعدهم النبي r بالنصر .. وقال لهم : " ارجعوا فتفرقوا في البلدان " .. وخشي أن تعلم قريش بخبرهم معه .. فتقاتلهم .. قبل وصوله إليهم ..
فانصرفوا راجعين إلى ديارهم ..
فلقوا أبا سفيان بعسفان .. قد بعثته قريش إلى رسول الله r ..
يشد العقد ويزيد في المدة .. وقد رهبوا أن يكون بلغه ما فعلوا ..
فلما لقي أبو سفيان بديلاً .. خشي أن يكون أقبل من عند رسول الله r .. فقال : من أين أقبلت يا بديل ؟
فقال بديل : سرت في خزاعة في هذا الساحل في بطن هذا الوادي ..
فسكت أبو سفيان ..
فلما جاوزه بديل ..أقبل أبو سفيان إلى مبرك ناقة بديل .. فأخذ من بعرها ففته بيده .. فرأى فيه نوى التمر .. فعلم أن الناقة كانت بالمدينة .. فهم الذين يطعمون دوابهم نوى التمر .. فقال أبو سفيان : أحلف بالله لقد جاء بديل محمداً ..
ثم مضى أبو سفيان ..
حتى وصل المدينة .. فتوجه إلى بيت ابنته أم حبيبة زوج رسول الله r ..
فلما دخل أقبل ليجلس على فراش رسول الله r .. فطوته من تحته ..
فقال : يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش .. أو رغبت به عني ؟
فقالت : بل هو فراش رسول الله r وأنت مشرك نجس .. فلم أحب أن تجلس على فراشه ..
فعجب منها .. وقال : يا بنية والله لقد أصابك بعدي شر !
ثم مضى أبو سفيان إلى رسول الله r .. فقال : يا محمد اشدد العقد وزدنا في المدة ..
فقال r : ولذلك قدمت ؟ هل كان من حدث قبلكم ؟!
قال : معاذ الله ! نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغير ولا نبدل ..
فسكت عنه النبي r .. فكرر عليه أبو سفيان .. ورسول الله r لا يجيبه ..
فخرج من عند رسول الله r ..
وأتى أبا بكر فقال : اشفع لي عند محمد .. أن يجدد العقد .. ويزيد في المدة .. أو امنعني وقومي ..
فقال أبو بكر : جواري في جوار رسول الله r .. ولا أمنع أحداً منه .. وأما أنا فوالله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم ..
فخرج أبو سفيان .. فأتى عمر بن الخطاب فكلمه .. فقال عمر بن الخطاب : أنا أشفع لكم عند رسول الله r ؟
بل ما كان من حلفنا جديداً فأخلقه الله ..
وما كان منه مثبتاً فقطعه الله ..
وما كان منه مقطوعاً فلا وصله الله !
فلما سمع أبو سفيان ذلك .. تغير .. فكأنما لُطِم ..
فخرج أبو سفيان وهو يقول : جزيت من ذي رحم شراً ..
فلما يئس مما عندهم دخل على علي .. فقال له :
يا علي أنت أقربهم بي نسباً .. فاشفع لي إلى رسول الله r ..
فقال له علي : يا أبا سفيان .. إنه ليس أحد من أصحاب رسول الله r يفتات على رسول الله r بجوار .. أي لا يستطيع أحد منعه عن أحد إن أراده .. فهو لا ينطق عن الهوى ..
وأنت سيد قريش .. وأكبرها .. وأمنعها .. فأجر بين عشيرتك .. وامنع نفسك .. يعني : صح بالناس إني قد منعت نفسي ..ثم الحق بأرضك ..
قال أبو سفيان : أو ترى ذلك يغني عني شيئاً ..
قال : لا .. ولكن هو رأي أراه ..
فخرج أبو سفيان إلى الناس في المدينة ثم صاح ..
ألا إني قد أجرت بين الناس .. ولا والله ما أظن أن يخفرني أحد ..
فقام أبو سفيان في المسجد فقال : أيها الناس إني قد أجرت بين الناس ..
ثم ركب بعيره فانطلق إلى مكة ..
فلما أن قدم على قريش قالوا : ما وراءك ؟
هل جئت بكتاب من محمد أو عهد ؟
قال : لا والله لقد أبى علي ..
وقد تتبعت أصحابه فما رأيت قوماً لملك عليهم أطوع منهم له ..
ولقد جئت محمداً فكلمته .. فوالله ما رد علي شيئاً ..
ثم جئت ابن أبي قحافة فوالله ما وجدت فيه خيراً ..
ثم جئت عمر فوجدته أعدى عدو..
ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم ..
وقد أشار علي بأمر صنعته .. فوالله ما أدري هل يغني عنا شيئاً أم لا ؟
قالوا : بماذا أمرك ؟
قال : أمرني أن أجير بين الناس ففعلت ..
قالوا : هل أجاز ذلك محمد ؟
قال : لا ..
قالوا : ويحك ما زادك الرجل على أن لعب بك .. فما يغني عنا ما قلت ..
فقال : لا والله ما وجدت غير ذلك ..
فاغتم أبو سفيان .. ودخل على امرأته فحدثها الحديث فقالت :
قبحك الله من وافد قوم ! فما جئت بخير ..
ثم أقبل رسول الله r .. إلى مكة فاتحاً ..