صفحة 1 من 1

فن الحوار ..

مرسل: الاثنين ديسمبر 27, 2010 7:18 pm
بواسطة نجلاء المطيري
86. فن الحوار ..
ألا تذكر يوماً من الدهر أنك جلست في مكان فاحتد الحوار بينك وبين شخص ما .. فبقي في نفسك عليه بغض أو غضب أياماً ..
أو لعلك تذكر جدالاً حصل بين اثنين – وقد يكون في قضية تافهة – وأنت تنظر إليهما وقد ارتفعت الأصوات واحمرت العيون .. ثم تفرقا .. واسثقل كل منهما صاحبه بعدها ..
إذن نحن نتعب في جذب بعض الناس إلينا بممارسة مهارات متنوعة .. ثم نفرقهم عنا بموقف لا نحسن التصرف فيه ..
ومن ذلك عدم إتقان فن الحوار ..
المحاور كالذي يصعد جبلاً وعراً .. ينبغي أن يعتني بموضع يده وموضع رجله .. فتجد صاعد الجبل ينظر إلى الصخرة التي يريد أن يتعلق بها .. ويفحصها بنظره ويتأمل في قوة ثباتها قبل أن يضع عليها قبضته .. وكذلك في الصخرة التي يثبت عليها قدمه .. ثم إذا أراد أن يرفع قدمه عن صخرة نظر إلى الصخرة قبل أن يغادرها خشية أن لا يحسن رفع رجله من عليها فتهوي به ..
لن أطيل عليك الكلام .. فخيره ما قل ودل ..
الدخول في حوار أو جدال أمر غير محمود .. ولعلك توافقني أن أكثر من 90% من الحوارات والمجادلات غير مفيدة ..
فحاول تجنب الجدال قدر المستطاع .. ولا تغضب إذا اعترض عليك أحد أو جادلك .. خذ الأمر بأريحية قدر المستطاع ولا تعذب نفسك بالتفكير في نية المعترض .. وماذا يقصد .. ولماذا أحرجني أمامهم .. لا تقتل نفسك بالهم .. وتعامل مع الموقف بهدووووء .. فالرياح لا تهز إلا الصخور الصغيرة .. فكن جبلاً ..
لما قدم النبي r إلى مكة فاتحاً .. بعدما نقضت قريش العهد ..
كان r .. قد دعا الله أن يعمي عنه قريش .. ليبغتهم .. قبل أن يستعدوا للقتال ..
فلما أقبل النبي عليه الصلاة والسلام .. إلى مكة نزل قريباً منها ..
ولم تعلم قريش بشيء ..
ولكنهم كانوا يتوجسون ويترقبون ..
فخرج في تلك الليلة التي نزل فيها النبي عليه الصلاة والسلام .. أبو سفيان في نفر معه يتجسسون الأخبار .. وينظرون هل يجدون خبراً .. أو يسمعون به ..
وجعل النبي عليه الصلاة والسلام .. يترقب الصبح ليغير على قريش ..
فلما رأى العباس t .. ذلك ..
قال : واصباح قريش ! والله لئن دخل رسول الله r مكة عنوة أي بالقوة .. قبل أن يأتوه فيستأمنوه .. إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر ..
فقام العباس .. فاستأذن النبي عليه الصلاة والسلام ..
فأذن له .. فركب على بغلة رسول الله r البيضاء ..
ومضى يمشي بها ..
وأبو سفيان في أصحابه .. يقترب وينظر إلى نيران المسلمين .. ويقول :
ما رأيت كالليلة نيراناً قط ولا عسكراً .. ما أعظم هذا .. من ترى هؤلاء ..؟
فقال صاحبه : هذه والله خزاعة حمشتها الحرب ..
قال : خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها ..
فبينما العباس يسير على البغلة ..
إذا بأبي سفيان وأصحابه .. قد قبضت عليهم خيل المؤمنين ..
فأقبل أبو سفيان فزعاً .. فركب خلف العباس ..
وجعل أصحابه يتبعونه فزعين .. والمؤمنون خلفهم ..
فجعل العباس يسرع بأبي سفيان .. إلى رسول الله r ..
وكلما مر بنار من نيران المسلمين .. قالوا : من هذا ؟
فإذا رأوا بغلة رسول الله r .. ورأوا العباس عليها ..
قالوا : عم رسول الله r .. على بغلة رسول الله r ..
والعباس يسرع بها .. يخاف أن يفطنوا لأبي سفيان .. فيقتله أحد قبل أن يؤمنه النبي عليه الصلاة والسلام ..
حتى مر بنار عمر بن الخطاب t فقال : من هذا ؟
وقام إليهم .. فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة ..
صاح بالناس قال : أبو سفيان عدو الله ! .. الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ..
فمنعه العباس ..
ثم ذهب عمر يشتد .. نحو رسول الله r .. والعباس يسرع بالدابة .. حتى سبقه .. فلما وصل إلى موضع النبي r .. اقتحم العباس عن البغلة سريعاً ..
فدخل على رسول الله r ..
فدخل عليه عمر ..
وجعل يقول : يا رسول الله .. هذا أبو سفيان .. قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد .. فدعني فلأضرب عنقه ؟ ..
فقال العباس : يا رسول الله .. إني قد أجرته ..
ثم جلس إلى رسول الله r .. فأخذ برأسه .. وجعل يناجيه في أذنه ..
وعمر يردد يا رسول الله .. اضرب عنقه ..
فلما أكثر عمر في شأنه ..
التفت إليه العباس وقال :
مهلاً يا عمر ! فوالله أن لو كان من رجال بني عدي بن كعب .. ما قلت هذا .. أي لو كان من قرابتك .. ما قلت هذا .. ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف ..
فشعر عمر أنه سيدخل في جدال لا يتناسب مع الحال الذي هم فيه .. ثم ما الفائدة المرجوة من النقاش في مسألة لو كان من بني كعب رغب في إسلامه أما من غيرهم فلا يهمه !!
قال عمر بكل هدووووء : مهلاً يا عباس .. مهلاً ..
فوالله لإسلامك يوم أسلمت .. كان أحب إلي من إسلام أبي الخطاب لو أسلم !
لأني قد عرفت أن إسلامك .. كان أحب إلى رسول الله r من إسلام الخطاب ..
فلما سمع العباس t ذلك سكت ..
انتهى الحوار .. مع أنه كان في إمكان عمر أن يطيله ويزيده .. فيقول : ماذا تقصد ؟!! هل تتهم نيتي ؟! هل تعلم ما في قلبي ؟! لماذا تثير النعرة القبلية ؟!
كلا لم يقل ذلك .. فهم جميعاً كانوا أرفع من أن ينزغ الشيطان بينهم ..
سكت عمر والعباس .. وأبو سفيان واقف ينتظر أن يأمر النبي e فيه بشيء ..
فقال r : اذهب به يا عباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتني به ..
فذهب به العباس .. إلى خيمته ..
فبات عنده .. فلما أصبح أبو سفيان صبيحة تلك الليلة ..
ورأى الناس يجنحون للصلاة .. وينتشرون في استعمال الطهارة .. خاف .. وقال للعباس : ما بالهم ؟
قال : إنهم قد سمعوا النداء فهم ينتشرون للصلاة ..
فلما حضرت الصلاة .. ورآهم يركعون بركوعه .. ويسجدون بسجوده ..
أقبل عليه العباس بعدما صلى .. ليمضي به إلى رسول الله r ..
فقال : يا عباس ما يأمرهم بشيء إلا فعلوه ؟
قال : نعم .. والله لو أمرهم بترك الطعام والشراب لأطاعوه ..
فقال أبو سفيان : يا عباس .. ما رأيت كالليلة .. ولا ملك كسرى وقيصر !
فلما انقضت الصلاة .. غدا به إلى رسول الله r ..
فلما رآه r قال :
" ويحك يا أبا سفيان .. ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله ؟
فقال : بأبي أنت وأمي ! ما أحلمك وأكرمك وأوصلك !
والله لقد ظننت أن لو كان لي مع الله إلهٌ غيره لأغنى عني شيئاً!
فقال r : ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟
فقال أبو سفيان : بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك !
أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً !
فقال له العباس : ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلا الله .. وأن محمد رسول الله قبل أن تضرب عنقك ؟
فسكت قليلاً ثم قال : أشهد ..
فسر النبي عليه الصلاة والسلام .. سروراً عظيماً ..
فقال العباس : يا رسول الله .. إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً ..
فقال r : " نعم .. من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " ..
فقال أبو سفيان :
فأنشد أبو سفيان t بين يدي رسول الله r .. أبياتاً .. يعتذر إليه مما كان مضى منه ..
لعمرك إني يوم أحمل راية
لتغلب خيل اللات خيل محمد
لكالمدلج الحيران أظلم ليله
فهذا أواني حين أهدي و أهتدي
هداني هاد غير نفسي و نالني
مع الله من طردت كل مطرد
أصد و أنأى جاهداً عن محمد
وأدعى و إن لم أنتسب من محمد
فقيل إنه حين قال : ونالني .. مع الله من طردت كل مطرد .. ضرب رسول الله r بيده في صدره وقال : " أنت طردتني كل مطرد " ..