صفحة 1 من 1

الرفق .. إلا زانه ..

مرسل: الاثنين ديسمبر 27, 2010 8:10 pm
بواسطة اسماء القحطاني
53. 53. الرفق .. إلا زانه ..
يتكرر على ألسنتنا كثيراً عندما نعجب بشخص ما .. أن نصفه قائلين :
فلان رزين .. فلان ثقيل .. فلان راكد ..
وإذا أردنا مذمة شخص قلنا : فلان عجول .. فلان خفيّف ..
أما رسول الله  فيقول : ما كان الرفق في شيء إلا زانه .. وما نزع من شيء إلا شانه .. ( )
هل تستطيع تحريك طن الحديد بأصبع ؟
نعم : إذا أحضرت رافعة .. ثم ربطته برفق .. وأحكمت ربطه ..
ثم رفعته .. فإذا تعلق في الهواء .. حركه بأصغر أصابعك ..
اتفق صديقان على أن يتقدما لرجل لخطبة ابنتيه .. كانت إحداهما أكبر من الأخرى ..
قال أحدهما للآخر : أنا آخذ الصغيرة .. وأنت تأخذ الكبيرة ..
فصاح صاحبه : لااااا .. بل أنت خذ الكبيرة .. وأنا آخذ الصغيرة ..
فقال الأول : طيب .. أنت تأخذ الصغيرة .. وأنا آخذ التي أصغر منها ..
قال : موافق ..!!
ولم يدرك أن صاحبه ما غير قراره .. سوى أنه غير أسلوب الكلام برفق ..
وفي الحديث : إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق .. وإذا أراد الله بأهل بيت شراً .. نزع منهم الرفق .. ( )
وفيه : إن الله رفيق يحب الرفق .. ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف .. وما لا يعطي على ما سواه .. ( )
الرفيق .. الهين اللين .. محبوب عند الناس .. تطمئن إليه النفوس .. وتثق فيه ..
خاصة إذا صاحب ذلك وزن للكلام .. وقدرة على التعامل الرائع ..
من أشهر طلاب علماء الحنفية الإمام أبو يوسف القاضي ..
هو أشهر طلاب أبي حنيفة ..
كان أبو يوسف في صغره فقيراً .. وكان أبوه يمنعه من حضور درس أبي حنيفة .. ويأمره بالذهاب للسوق لتكسب ..
كان أبو حنيفة حريصاً عليه .. وإذا غاب عاتبه ..
فاشتكى أبو يوسف يوماً إلى أبي حنيفة حاله مع والده .. فاستدعى أبو حنيفة والد أبي يوسف وسألأه : كم يكسب الولد كل يوم ؟
قال : درهمان ..
قال : أنا أعطيك الدرهمين .. ودعه يطلب العلم ..
فلازم أبو يوسف شيخه سنين ..
فلما بلغ أبو يوسف سن الشباب .. ونبغ على أقرانه .. أصابه مرض أقعده ..
فزاره أبو حنيفة .. وكان المرض شديداً متمكناً منه .. فلما رآه أبو حنيفة حزن .. وخاف عليه الهلاك ..
وخرج وهو يكلم نفسه قائلاً : آآآه يا أبا يوسف .. لقد كنت أرجوك للناس من بعدي !!
ومضى أبو حنيفة يجر خطاه حزيناً إلى حلقته وطلابه ..
ومضت يومان .. فشفي أبو يوسف .. واغتسل ولبس ثيابه ليذهب لدرس شيخه ..
فسأله من حوله : إلى أين تذهب ؟
قال : إلى درس الشيخ ..
قالوا : إلى الآن تطلب العلم ؟ أنت قد اكتفيت .. أما بلغك ما قال فيك الشيخ ؟
قال : وما قال ؟!
قالوا : قد قال : كنت أرجوك للناس من بعدي .. أي أنك قد حصلت كل علم أبي حنيفة .. فلو مات الشيخ اليوم جلست مكانه ..
فأعجب أبو يوسف بنفسه ..
ومضى إلى المسجد ورأى حلقة أبي حنيفة في ناحية .. فجلس في الناحية الأخرى .. وبدأ يدرس ويفتي ..
التفت أبو حنيفة إلى الحلقة الجديدة .. فسأل : حلقة من هذه ؟
قالوا : هذا أبو يوسف ..
قال : شُفي من مرضه ؟!
قالوا : نعم ..
قال : فلم لم يأت إلى درسنا ؟!
قالوا : حدثوه بما قلت .. فجلس يدرس الناس واستغنى عنك ..
ففكر أبو حنيفة كيف يتعامل مع الموقف برفق .. وجعل يفكر ثم قال :
يأبى أبو يوسف إلا أن نقشِّر له العصا!!
ثم التفت إلى أحد طلابه الجالسين وقال :
يا فلان .. اذهب إلى الشيخ الجالس هناك .. يعني أبا يوسف .. فقل له : يا شيخ .. عندي مسألة ..
فسيفرح بك ويسألك عن مسألتك .. فما جلس إلا ليسأل !!
فقل له : رجل دفع ثوباً له إلى خياط ليقصره .. فلما جاءه بعد أيام يريد ثوبه جحده الخياط .. وأنكر أنه أخذ منه ثوباً .. فذهب الرجل إلى الشرطة فاشتكاه فأقبلوا واستخرجوا الثوب من الدكان ..
والسؤال : هل يستحق الخياط أجرة تقصير الثوب أم لا يستحق ؟
فإن أجابك وقال : يستحق .. فقل له : أخطأت ..
وإن قال : لا يستحق .. فقل له : أخطأت ..
فرح الطالب بهذه المسألة المشكلة .. ومضى على أبي يوسف وقال : يا شيخ .. مسألة ..
قال : ما مسألتك ؟
قال : رجل دفع ثوباً إلى خياط ..
فأجاب أبو يوسف على الفور قائلاً : نعم يستحق الأجرة .. ما دام أتم العمل ..
فقال السائل : أخطأتَ ..
فعجب أبو يوسف .. وتأمل في المسألة أكثر .. ثم قال : لا .. لا يستحق الأجرة ..
فقال السائل : أخطأت ..
فنظر أبو يوسف إليه .. ثم سأله : بالله من أرسلك ..
فأشار إلى أبي حنيفة .. وقال : أرسلني الشيخ ..
فقام أبو يوسف من مجلسه .. ومضى حتى وقف على حلقة أبي حنيفة وقال : يا شيخ .. مسألة ..
فلم يلتفت أبو حنيفة إليه ..
فأقبل أبو يوسف حتى جثى على ركبتيه بين يدي الشيخ .. وقال بكل أدب : يا شيخ .. مسألة ..
قال : ما مسألتك ؟
قال : تعرفها ..
قال : مسألة الخياط والثوب ؟
قال : نعم ..
قال : اذهب وأجب .ز ألست شيخاً ..
قال : الشيخ أنت ..
فقال ابو حنيفة : ننظر في مقدار تقصير الخياط للثوب .. فإن كان قصره على مقاس الرجل .. فمعنى ذلك أنه قام بالعمل كاملاً .. ثم بدا له أن يجحد الثوب .. فيكون قام بالعمل لأجل الرجل .. فيستحق عليه الأجرة ..
وإن كان قصره على مقاس نفسه .. فمعنى ذلك أنه قام بالعمل لأجل نفسه .. فلا يستحق على ذلك أجرة ..
فقبل أبو يوسف رأس أبي حنيفة .. ولازمه حتى مات أبو حنيفة .. ثم قعد أبو يوسف للناس من بعده ..
فلو استعمل الزوجان الرفق مع بعضهما ..
وكذلك الأبوان ..
والمدراء .. والمدرسون ..
نستعمل الرفق دائماً .. في سواقة السيارة .. في التدريس .. في البيع والشراء ..
وإن كان المرء قد يحتاج الشدة أحياناً .. حتى في النصح .. وهذا هو الحكمة في النصيحة .. وهي وضع الأمور في مواضعها ..
وقد كان غضبه r دائماً – إن غضب – في الأمور الدينية ..
فما غضب رسول الله  لنفسه قط .. إلا أن تنتهك حرمة من محارم الله ..
قابل عمر بن الخطاب  يوماً رجلاً من اليهود ..
فأطلعه على كلام في التوراة .. فأعجبه .. فأمره فنسخه له ..
ثم جاء عمر بهذه الصحيفة من التوراة إلى رسول الله  ..
فقرأها عليه ..
فلاحظ النبي  أن عمر معجب بما معه .. وأن التلقي عن الديانات السابقة .. إن فُتح المجال له .. اختلط ذلك بالقرآن .. والتبس الأمر على الناس ..
وكيف يفعل عمر ذلك .. وينسخ .. ويكتب .. دون استئذان النبي  !!
فغضب  .. وقال : أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب ؟! أي شاكّون في شريعتي ..
والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية .. لا تسألوهم عن شيء .. فيخبروكم بحق فتكذبوا به .. أو بباطل فتصدقوا به .. والذي نفسي بيده لو أن موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني .. ( ) ..
والله يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح ..
في أوائل بعثة النبي  .. كان  يأتي عند الكعبة وقريش في مجالسهم .. ويصلي .. ولا يلتفت إليهم ..
وكانوا يؤذونه بأنواع الأذى .. وهو صابر ..
وفي يوم ..
اجتمع أشرافهم في الحجر .. فذكروا رسول الله  فقالوا :
ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط .. سفّهَ أحلامنا .. وشتم آباءنا .. وعاب ديننا .. وفرق جماعتنا .. وسب آلهتنا .. وصرنا منه على أمر عظيم ..
فبينما هم في ذلك .. إذ طلع رسول الله  .. فأقبل يمشي حتى استلم الركن ..
ثم مر بهم طائفاً بالبيت ..
فغمزوه ببعض القول ..
فتغير وجه رسول الله  .. فرفق بهم .. وسكت عنهم .. ومضى ..
فلما مر بهم الثانية .. غمزوه بمثلها ..
فتغير وجهه أيضاً .. فسكت عنهم .. ومضى في طوافه ..
فمر بهم الثالثة .. فغمزوه بمثلها ..
فرأى أن الرفق لا يصلح مع أمثال هؤلاء .. فوقف عليهم وقال :
أتسمعون يا معشر قريش !! أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح .. ووقف أمامهم ..
فلما سمع القوم هذا التهديد .. الذبح .. وهو الصادق الأمين ..
انتفضوا .. حتى ما منهم من رجل إلا وكأنما على رأسه طائر وقع .. حتى أن أشدهم عليه ليتلطف معه .. وصاروا يقولون : انصرف أبا القاسم راشدا .. فما كنت جهولاً ..
فانصرف رسول الله  عنهم ..
نعم ..
إذا قيل : حلم ، قل : فللحلم موضع **
وحلم الفتى في غير موضعه جهل
وإن كان المتتبع لسيرة النبي r يجد أنه كان يغلب الرفق دائماً ..
انتبه !! ليس الضعف والجبن .. وإنما الرفق ..
ومن مواقف الرفق :
أنه بعد وقعة بدر بشهر .. أراد أبو العاص زوج زينب بنت النبي  أن يرسلها إلى المدينة عند أبيها ..
فبعث رسول الله r زيد بن حارثة .. ورجلاً من الأنصار ..
فقال :كونا ببطن يأجح حتى تمر بكما زينب فتصحباها فتأتياني بها ..
فخرجا مكانهما ..
فأمرها أبو العاص بالتجهز .. فبدأت في جمع متاعها ..
فبينا هي تتجهز .. لقيتها هند بنت عتبة .. زوجة أبي سفيان ..
فقالت : يا ابنة محمد .. ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك ؟
قالت : ما أردت ذلك ..
فقالت : أي ابنة عم .. أن أردت أن تفعلي ..
فإن كان لك حاجة بمتاع مما يرفق بك في سفرك .. أو بمال تتبلغين به إلى أبيك ..
فإن عندي حاجتك فلا تضطني مني .. أي لا تخجلي ..
فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال ..
قالت زينب : والله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل .. ولكني خفتها فأنكرت أن أكون أريد ذلك ..
فلما أتمت جهازها .. قدّم إليها أخو زوجها كنانة بن الربيع بعيراً ..
فركبته و أخذ قوسه و كنانته ..
ثم خرج بها نهاراً يقود بها و هي في هودج لها ..
فرآها الناس .. و تحدث بذلك رجال من قريش .. كيف تخرج إليه ابنته وقد فعل بنا ما فعل في بدر ..
فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طوى ..
وكان أول من سبق إليها هبار بن الأسود .. فروعها بالرمح و هي في الهودج ..
فقيل : إنها كانت حاملاً ففزعت .. وطرحت ولدها ..
وأقبل الكفار يتسابقون إليها .. وعهم السلاح ..
وهي ليس معها إلا أخو زوجها كنانة ..
فلما رأى ذلك ..
وبرك على الأرض .. ثم نثر كنانته وصف رماحه بين يديه .. ثم قال :
و الله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما .. وكان رامياً .. فتكركر الناس عنه وتراجعوا ..
وأخذوا ينظرون إليه من بعيد .. لا هو يقدر على الذهاب .. ولا هم يجترئون على الاقتراب منه ..
حتى بلغ أبا سفيان أن زينب خرجت إلى أبيها ..
فأقبل في جلة جمع من قريش .. فلما رأى كنانة قد تجهز بنبله .. ورأى القوم قد استوفزوا لقتاله ..
صاح به وقال :
يا أيها الرجل .. كف عنا نبلك حتى نكلمك ..
فكف نبله .. فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه .. فقال :
إنك لم تصب .. خرجت بالمرأة على رؤوس الناس علانية ..
وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا في بدر .. و ما دخل علينا من محمد .. قتل أشرافنا .. ورمل نساءنا ..
فإذا رآك الناس .ز وتسامعت القبائل .. أنك خرجت بابنته علانية .. على رؤوس الناس من بين أظهرنا ..
أن ذلك عن ذل أصابنا .. وأن ذلك ضعف منا ووهن ..
ولعمري مالنا بحبسها من أبيها من حاجة .. ومالنا من ثأر عليها ..
ولكن ارجع بالمرأة .. حتى إذا هدأت الأصوات .. وتحدث الناس أن قد رددناها ..
فسُلّها سراً .. وألحقها بأبيها ..
فلما سمع كنانة ذلك .. اقتنع به .. وعاد بها ..
فأقامت ليالي في مكة ..
حتى إذا هدأت الأصوات .. خرج بها ليلة من الليالي .. فمشى بها ..
حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه ..
فقدما بها ليلاً على رسول الله r ..

وحي ..

يتكرر على ألسنتنا كثيراً عندما نعجب بشخص ما .. أن نصفه قائلين :
فلان رزين .. فلان ثقيل .. فلان راكد ..
وإذا أردنا مذمة شخص قلنا : فلان عجول .. فلان خفيّف ..
أما رسول الله  فيقول : ما كان الرفق في شيء إلا زانه .. وما نزع من شيء إلا شانه .. ( )
هل تستطيع تحريك طن الحديد بأصبع ؟
نعم : إذا أحضرت رافعة .. ثم ربطته برفق .. وأحكمت ربطه ..
ثم رفعته .. فإذا تعلق في الهواء .. حركه بأصغر أصابعك ..
اتفق صديقان على أن يتقدما لرجل لخطبة ابنتيه .. كانت إحداهما أكبر من الأخرى ..
قال أحدهما للآخر : أنا آخذ الصغيرة .. وأنت تأخذ الكبيرة ..
فصاح صاحبه : لااااا .. بل أنت خذ الكبيرة .. وأنا آخذ الصغيرة ..
فقال الأول : طيب .. أنت تأخذ الصغيرة .. وأنا آخذ التي أصغر منها ..
قال : موافق ..!!
ولم يدرك أن صاحبه ما غير قراره .. سوى أنه غير أسلوب الكلام برفق ..
وفي الحديث : إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق .. وإذا أراد الله بأهل بيت شراً .. نزع منهم الرفق .. ( )
وفيه : إن الله رفيق يحب الرفق .. ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف .. وما لا يعطي على ما سواه .. ( )
الرفيق .. الهين اللين .. محبوب عند الناس .. تطمئن إليه النفوس .. وتثق فيه ..
خاصة إذا صاحب ذلك وزن للكلام .. وقدرة على التعامل الرائع ..
من أشهر طلاب علماء الحنفية الإمام أبو يوسف القاضي ..
هو أشهر طلاب أبي حنيفة ..
كان أبو يوسف في صغره فقيراً .. وكان أبوه يمنعه من حضور درس أبي حنيفة .. ويأمره بالذهاب للسوق لتكسب ..
كان أبو حنيفة حريصاً عليه .. وإذا غاب عاتبه ..
فاشتكى أبو يوسف يوماً إلى أبي حنيفة حاله مع والده .. فاستدعى أبو حنيفة والد أبي يوسف وسألأه : كم يكسب الولد كل يوم ؟
قال : درهمان ..
قال : أنا أعطيك الدرهمين .. ودعه يطلب العلم ..
فلازم أبو يوسف شيخه سنين ..
فلما بلغ أبو يوسف سن الشباب .. ونبغ على أقرانه .. أصابه مرض أقعده ..
فزاره أبو حنيفة .. وكان المرض شديداً متمكناً منه .. فلما رآه أبو حنيفة حزن .. وخاف عليه الهلاك ..
وخرج وهو يكلم نفسه قائلاً : آآآه يا أبا يوسف .. لقد كنت أرجوك للناس من بعدي !!
ومضى أبو حنيفة يجر خطاه حزيناً إلى حلقته وطلابه ..
ومضت يومان .. فشفي أبو يوسف .. واغتسل ولبس ثيابه ليذهب لدرس شيخه ..
فسأله من حوله : إلى أين تذهب ؟
قال : إلى درس الشيخ ..
قالوا : إلى الآن تطلب العلم ؟ أنت قد اكتفيت .. أما بلغك ما قال فيك الشيخ ؟
قال : وما قال ؟!
قالوا : قد قال : كنت أرجوك للناس من بعدي .. أي أنك قد حصلت كل علم أبي حنيفة .. فلو مات الشيخ اليوم جلست مكانه ..
فأعجب أبو يوسف بنفسه ..
ومضى إلى المسجد ورأى حلقة أبي حنيفة في ناحية .. فجلس في الناحية الأخرى .. وبدأ يدرس ويفتي ..
التفت أبو حنيفة إلى الحلقة الجديدة .. فسأل : حلقة من هذه ؟
قالوا : هذا أبو يوسف ..
قال : شُفي من مرضه ؟!
قالوا : نعم ..
قال : فلم لم يأت إلى درسنا ؟!
قالوا : حدثوه بما قلت .. فجلس يدرس الناس واستغنى عنك ..
ففكر أبو حنيفة كيف يتعامل مع الموقف برفق .. وجعل يفكر ثم قال :
يأبى أبو يوسف إلا أن نقشِّر له العصا!!
ثم التفت إلى أحد طلابه الجالسين وقال :
يا فلان .. اذهب إلى الشيخ الجالس هناك .. يعني أبا يوسف .. فقل له : يا شيخ .. عندي مسألة ..
فسيفرح بك ويسألك عن مسألتك .. فما جلس إلا ليسأل !!
فقل له : رجل دفع ثوباً له إلى خياط ليقصره .. فلما جاءه بعد أيام يريد ثوبه جحده الخياط .. وأنكر أنه أخذ منه ثوباً .. فذهب الرجل إلى الشرطة فاشتكاه فأقبلوا واستخرجوا الثوب من الدكان ..
والسؤال : هل يستحق الخياط أجرة تقصير الثوب أم لا يستحق ؟
فإن أجابك وقال : يستحق .. فقل له : أخطأت ..
وإن قال : لا يستحق .. فقل له : أخطأت ..
فرح الطالب بهذه المسألة المشكلة .. ومضى على أبي يوسف وقال : يا شيخ .. مسألة ..
قال : ما مسألتك ؟
قال : رجل دفع ثوباً إلى خياط ..
فأجاب أبو يوسف على الفور قائلاً : نعم يستحق الأجرة .. ما دام أتم العمل ..
فقال السائل : أخطأتَ ..
فعجب أبو يوسف .. وتأمل في المسألة أكثر .. ثم قال : لا .. لا يستحق الأجرة ..
فقال السائل : أخطأت ..
فنظر أبو يوسف إليه .. ثم سأله : بالله من أرسلك ..
فأشار إلى أبي حنيفة .. وقال : أرسلني الشيخ ..
فقام أبو يوسف من مجلسه .. ومضى حتى وقف على حلقة أبي حنيفة وقال : يا شيخ .. مسألة ..
فلم يلتفت أبو حنيفة إليه ..
فأقبل أبو يوسف حتى جثى على ركبتيه بين يدي الشيخ .. وقال بكل أدب : يا شيخ .. مسألة ..
قال : ما مسألتك ؟
قال : تعرفها ..
قال : مسألة الخياط والثوب ؟
قال : نعم ..
قال : اذهب وأجب .ز ألست شيخاً ..
قال : الشيخ أنت ..
فقال ابو حنيفة : ننظر في مقدار تقصير الخياط للثوب .. فإن كان قصره على مقاس الرجل .. فمعنى ذلك أنه قام بالعمل كاملاً .. ثم بدا له أن يجحد الثوب .. فيكون قام بالعمل لأجل الرجل .. فيستحق عليه الأجرة ..
وإن كان قصره على مقاس نفسه .. فمعنى ذلك أنه قام بالعمل لأجل نفسه .. فلا يستحق على ذلك أجرة ..
فقبل أبو يوسف رأس أبي حنيفة .. ولازمه حتى مات أبو حنيفة .. ثم قعد أبو يوسف للناس من بعده ..
فلو استعمل الزوجان الرفق مع بعضهما ..
وكذلك الأبوان ..
والمدراء .. والمدرسون ..
نستعمل الرفق دائماً .. في سواقة السيارة .. في التدريس .. في البيع والشراء ..
وإن كان المرء قد يحتاج الشدة أحياناً .. حتى في النصح .. وهذا هو الحكمة في النصيحة .. وهي وضع الأمور في مواضعها ..
وقد كان غضبه r دائماً – إن غضب – في الأمور الدينية ..
فما غضب رسول الله  لنفسه قط .. إلا أن تنتهك حرمة من محارم الله ..
قابل عمر بن الخطاب  يوماً رجلاً من اليهود ..
فأطلعه على كلام في التوراة .. فأعجبه .. فأمره فنسخه له ..
ثم جاء عمر بهذه الصحيفة من التوراة إلى رسول الله  ..
فقرأها عليه ..
فلاحظ النبي  أن عمر معجب بما معه .. وأن التلقي عن الديانات السابقة .. إن فُتح المجال له .. اختلط ذلك بالقرآن .. والتبس الأمر على الناس ..
وكيف يفعل عمر ذلك .. وينسخ .. ويكتب .. دون استئذان النبي  !!
فغضب  .. وقال : أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب ؟! أي شاكّون في شريعتي ..
والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية .. لا تسألوهم عن شيء .. فيخبروكم بحق فتكذبوا به .. أو بباطل فتصدقوا به .. والذي نفسي بيده لو أن موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني .. ( ) ..
والله يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح ..
في أوائل بعثة النبي  .. كان  يأتي عند الكعبة وقريش في مجالسهم .. ويصلي .. ولا يلتفت إليهم ..
وكانوا يؤذونه بأنواع الأذى .. وهو صابر ..
وفي يوم ..
اجتمع أشرافهم في الحجر .. فذكروا رسول الله  فقالوا :
ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط .. سفّهَ أحلامنا .. وشتم آباءنا .. وعاب ديننا .. وفرق جماعتنا .. وسب آلهتنا .. وصرنا منه على أمر عظيم ..
فبينما هم في ذلك .. إذ طلع رسول الله  .. فأقبل يمشي حتى استلم الركن ..
ثم مر بهم طائفاً بالبيت ..
فغمزوه ببعض القول ..
فتغير وجه رسول الله  .. فرفق بهم .. وسكت عنهم .. ومضى ..
فلما مر بهم الثانية .. غمزوه بمثلها ..
فتغير وجهه أيضاً .. فسكت عنهم .. ومضى في طوافه ..
فمر بهم الثالثة .. فغمزوه بمثلها ..
فرأى أن الرفق لا يصلح مع أمثال هؤلاء .. فوقف عليهم وقال :
أتسمعون يا معشر قريش !! أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح .. ووقف أمامهم ..
فلما سمع القوم هذا التهديد .. الذبح .. وهو الصادق الأمين ..
انتفضوا .. حتى ما منهم من رجل إلا وكأنما على رأسه طائر وقع .. حتى أن أشدهم عليه ليتلطف معه .. وصاروا يقولون : انصرف أبا القاسم راشدا .. فما كنت جهولاً ..
فانصرف رسول الله  عنهم ..
نعم ..
إذا قيل : حلم ، قل : فللحلم موضع **
وحلم الفتى في غير موضعه جهل
وإن كان المتتبع لسيرة النبي r يجد أنه كان يغلب الرفق دائماً ..
انتبه !! ليس الضعف والجبن .. وإنما الرفق ..
ومن مواقف الرفق :
أنه بعد وقعة بدر بشهر .. أراد أبو العاص زوج زينب بنت النبي  أن يرسلها إلى المدينة عند أبيها ..
فبعث رسول الله r زيد بن حارثة .. ورجلاً من الأنصار ..
فقال :كونا ببطن يأجح حتى تمر بكما زينب فتصحباها فتأتياني بها ..
فخرجا مكانهما ..
فأمرها أبو العاص بالتجهز .. فبدأت في جمع متاعها ..
فبينا هي تتجهز .. لقيتها هند بنت عتبة .. زوجة أبي سفيان ..
فقالت : يا ابنة محمد .. ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك ؟
قالت : ما أردت ذلك ..
فقالت : أي ابنة عم .. أن أردت أن تفعلي ..
فإن كان لك حاجة بمتاع مما يرفق بك في سفرك .. أو بمال تتبلغين به إلى أبيك ..
فإن عندي حاجتك فلا تضطني مني .. أي لا تخجلي ..
فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال ..
قالت زينب : والله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل .. ولكني خفتها فأنكرت أن أكون أريد ذلك ..
فلما أتمت جهازها .. قدّم إليها أخو زوجها كنانة بن الربيع بعيراً ..
فركبته و أخذ قوسه و كنانته ..
ثم خرج بها نهاراً يقود بها و هي في هودج لها ..
فرآها الناس .. و تحدث بذلك رجال من قريش .. كيف تخرج إليه ابنته وقد فعل بنا ما فعل في بدر ..
فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طوى ..
وكان أول من سبق إليها هبار بن الأسود .. فروعها بالرمح و هي في الهودج ..
فقيل : إنها كانت حاملاً ففزعت .. وطرحت ولدها ..
وأقبل الكفار يتسابقون إليها .. وعهم السلاح ..
وهي ليس معها إلا أخو زوجها كنانة ..
فلما رأى ذلك ..
وبرك على الأرض .. ثم نثر كنانته وصف رماحه بين يديه .. ثم قال :
و الله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما .. وكان رامياً .. فتكركر الناس عنه وتراجعوا ..
وأخذوا ينظرون إليه من بعيد .. لا هو يقدر على الذهاب .. ولا هم يجترئون على الاقتراب منه ..
حتى بلغ أبا سفيان أن زينب خرجت إلى أبيها ..
فأقبل في جلة جمع من قريش .. فلما رأى كنانة قد تجهز بنبله .. ورأى القوم قد استوفزوا لقتاله ..
صاح به وقال :
يا أيها الرجل .. كف عنا نبلك حتى نكلمك ..
فكف نبله .. فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه .. فقال :
إنك لم تصب .. خرجت بالمرأة على رؤوس الناس علانية ..
وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا في بدر .. و ما دخل علينا من محمد .. قتل أشرافنا .. ورمل نساءنا ..
فإذا رآك الناس .ز وتسامعت القبائل .. أنك خرجت بابنته علانية .. على رؤوس الناس من بين أظهرنا ..
أن ذلك عن ذل أصابنا .. وأن ذلك ضعف منا ووهن ..
ولعمري مالنا بحبسها من أبيها من حاجة .. ومالنا من ثأر عليها ..
ولكن ارجع بالمرأة .. حتى إذا هدأت الأصوات .. وتحدث الناس أن قد رددناها ..
فسُلّها سراً .. وألحقها بأبيها ..
فلما سمع كنانة ذلك .. اقتنع به .. وعاد بها ..
فأقامت ليالي في مكة ..
حتى إذا هدأت الأصوات .. خرج بها ليلة من الليالي .. فمشى بها ..
حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه ..
فقدما بها ليلاً على رسول الله r ..

وحي ..