كتاب في سرّ الرؤساء
مرسل: الجمعة ديسمبر 31, 2010 2:06 am
في سر الرؤساء 21/12/2010
عرض/بوعلام رمضاني
يكتسي هذا الكتاب أهمية غير مسبوقة في مسار المؤلفات السياسية التي عرفت طريقها إلى المكتبات الفرنسية في المدة الأخيرة.
أهمية الكتاب تفسرها غزارة المعلومات السرية التي كشف عنها المؤلف بعد عمل عميق وجاد توزع بين المقاربة الأكاديمية النظرية والتحقيق الميداني والعملي الرصين والمستند على مقابلات هامة مع صناع القرار السياسي وقادة الجيوش ومسؤولي أجهزة المخابرات والإعلاميين المرموقين الذين عرفوا وعايشوا أهم وأخطر الحروب والصراعات الدولية التي شهدتها الفترة الممتدة بين 1981 و2010.
الكتاب يغطي فترات حكم الرؤساء ميتران وشيراك وريغان وبوش الأب والابن وكلينتون، ويهم العرب والمسلمين الذين يكتشفون في هذا الكتاب الكثير من الأسرار التي تم تبادلها بين الرؤساء الأميركيين والفرنسيين من أجل كسر شوكة قادة عرب يقلقون الغرب.
ميتران أميركي سريا
في الجزء الأول من كتابه الذي يضم تسعة فصول خصها لحكم الرئيس ميتران كشف فانسان نوزيل عن توظيفه للوزراء الشيوعيين على النحو الذي يضمن التوازن التكتيكي الداخلي واختراقه الآلة الأمنية السوفياتية الرهيبة "كي جي بي"، من خلال عملية سرية أطلق عليها فرويل وتعاونه في المجال النووي مع البيت الأبيض والتزامه بأخذ المسافة المطلوبة أميركيا من الكرملين دوليا وعن بقاء فرنسا في فلك الحلف الأطلسي وتسطيره سياسة فرنسا الخارجية بمفرده.
وأضحى التخوف الأميركي من الشيوعيين ذكرى مضحكة، على حد تعبير الدبلوماسي ألن هولمز الذي تحدث للكاتب معبرا عن دهشة بوش الأب لحديث ميتران عن تقليب الشيوعيين وإرغامهم على تأييد سياسة مضادة لتوجههم الأيديولوجي، ناهيك عن سماحه للغواصات النووية الأميركية باستعمال الموانئ الفرنسية سريا تلبية لمطلب أميركي تقدم به البنتاغون منذ العام 1974، وبذلك تبين للكاتب أن ميتران لم يكن ذلك الرئيس الذي اختلف كثيرا على الصعيد الخارجي عن سلفه الرئيس اليميني السابق فاليري جيسكار ديستان.
"سي آي إيه" واغتيال القذافي
أصبحت "دي أس اتي" حسب الكاتب نوزيل مديرية رقابة الحدود الفرنسية خادمة للبيت الأبيض من خلال توظيفه للمعلومات الأمنية التي ظفرت بها "دي أس اتي" على الصعيد النووي لصالح الأميركيين، واختلقت "دي أس اتي" بالتعاون مع "سي آي إيه" سيناريوهات وهمية عن الجوسسة السوفياتية التي دفعت ميتران إلى طرد 47 دبلوماسيا سوفياتيا من باريس، وبلغ التعاون الأمني الفرنسي الأميركي درجة دفعت الإليزيه إلى المشاركة في بلورة فكرة اغتيال الرئيس الليبي معمر القذافي، ونسجت الفكرة "سي آي إيه" من منطلق اعتبار القائد الليبي أداة في يد الكرملين وإسلاميا مختلا عصبيا وداعما للإرهاب العالمي وللمتطرفين الفلسطينيين والأيرلنديين تحديدا.
"
ميتران فضل أسلوب المحاصرة السياسية على الاغتيال للقذافي الذي من شأنه تأجيج الكراهية والحقد حيال الغرب, واتفق الإليزيه والبيت الأبيض على محاربة القذافي في أفريقيا
"
تحمست واشنطن لفكرة إزاحة القذافي بالتعاون مع ميتران تعميقا لاستعداد الرئيس السابق ديستان على المشاركة في اغتيال الزعيم الليبي بالتعاون مع الرئيس السادات، ولم تتم عملية الاغتيال التي خطط لها في بنغازي في مطلع الثمانينيات، لأن ميتران فضل أسلوب المحاصرة السياسية على الاغتيال الذي شأنه تأجيج الكراهية والحقد حيال الغرب، على حد تعبيره، واتفق الإليزيه والبيت الأبيض على محاربة القذافي في أفريقيا من خلال تنسيق وثيق بين مخابرات واشنطن وباريس.
بيع الأسلحة لإيران العدوة
خلافا لواشنطن كانت باريس تؤمن بأن الخطر الأكبر يكمن في الإرهاب السوري، وعليه لم تتردد في اتهام دمشق باغتيال السفير الفرنسي في لبنان لوييه دلمار، وبلغ توافق جهاز مخابرات واشنطن وباريس الحد الذي أدى إلى إشراك المخابرات السعودية واللبنانية حسب نوزيل يوم الثامن من مارس/آذار 1985 في محاولة اغتيال الشيخ الراحل محمد حسين فضل الله.
ومن الأسرار التي حفل بها الكتاب في الفصل الخاص بصراع البيت الأبيض والإليزيه مع طهران إبرام صفقة تسريح الرهائن مقابل بيع الأسلحة لإيران، وتمت صفقة البيع من خلال شركة لوشير الفرنسية التي باعت لطهران قذائف إسرائيلية مضادة للدبابات.
إن غزو صدام للكويت ليلة الفاتح من أغسطس/آب 1990 كرّس التعاون الفرنسي الأميركي بإرسال الإليزيه جيشا مدججا قاد عملية أطلق عليها داقية، وحدد تاريخ عملية عاصفة الصحراء لإخراج صدام من الكويت بقرار أميركي خالص لم يعلم به الأميرال لنكساد ووزير الدفاع الفرنسي جان بيار شيفمان، وحسب الكاتب نوزيل الذي حاور الأميرال لنكساد فإن هذا الأخير كان شاهدا على الخضوع الفرنسي التام للبيت الأبيض.
شيراك ديغولي في قبضة واشنطن
في الجزء الثاني من الكتاب الذي تضمن عشرة فصول أيضا, كشف فانسان نوزيل مواقف الإليزيه الانهزامية التي تركت الرئيس شيراك يتفرج على إبادة مسلمي البوسنة الشرقية وسريبرنيتشا تحت رعاية "سي آي إيه" التي سبق أن أكدت في وقت سابق ساعة قدوم إبادة مسلمي سريبرنيتشا في ظل خطة تطهير مسلمين يعطلون مشروع صربيا الكبيرة، على حد تعبير الجنرال ملاديك.
شيراك الذي كان يدعي الحفاظ على الإرث الديغولي الفرنسي تعهد بتعزيز مكانة باريس في الحلف الأطلسي بإرساله سريا سفيره في واشنطن فرانسوا بوجو دوليستو إلى البيت الأبيض، رغم رفض الأخير إعطاء أي دور للأوروبيين في التحالف الغربي وإصراره على إزاحة بطرس بطرس غالي المدعوم فرنسيا وتزكية كوفي أنان على رأس الأمم المتحدة، ولم تشفع تبعية الإليزيه للبيت الأبيض حينما حاول شيراك نزع موافقة أميركية على قيادته بارجة الحلف الأطلسي السادسة في المتوسط وإبداء رأي مخالف لواشنطن حيال فكرة ضرب العراق إثر تعرض الأكراد المدعومين من "سي آي إيه".
"
راحت واشنطن تعاقب شيراك رغم استعداده للمشاركة عسكريا في ضرب العراق تحت الوصاية الأممية، وفرضت عليه مسح الديون العراقية وإنشاء قاعدة أمنية سرية مع "سي آي إيه", واستعمال قاعدة جيبوتي الفرنسية
"
أعلنت واشنطن الحرب يوم 19 مارس/آذار 2003 على العراق متجاوزة الأمم المتحدة وساخرة من تنبؤ شيراك بتنامي إرهاب القاعدة بسبب غزو العراق ووقوعه في أسر الشيعة، وتمادت واشنطن في عنجهيتها حسب الكاتب نوزيل، وراحت تعاقب شيراك، رغم استعداده للمشاركة عسكريا في ضرب العراق تحت الوصاية الأممية وفرضت عليه مسح الديون العراقية وإنشاء قاعدة أمنية سرية مع "سي آي إيه" في ضاحية سان كلو المخملية بمشاركة مخابرات الحلف الأطلسي واستعمال القاعدة الفرنسية الواقعة في جيبوتي لإقلاع الطائرات الأميركية بريداتور درون.
وتكلل مسار الانبطاح الفرنسي حيال واشنطن على الصعيد الأمني بعد أن قررت غزو العراق رغم تأكيد باريس عدم صحة حيازة صدام للأسلحة النووية عن طريق "المخبر" ناجي صبري وزير الخارجية، كما أكد ذلك من قبل هانز بليكس كبير المفتشين الدوليين.
شيراك ينتقم لاغتيال الحريري
في الفصل الثامن عشر أبرز الكاتب نوزيل أسلوب شيراك في شن حرب دعائية على النظام السوري الذي وصفه بالسوفياتي قبل المطالبة بحتمية تحرير لبنان من الهيمنة السورية، وأصر على الانتقام لصديقه الحريري بعد أن جسد نبض الرئيس السوري الذي استقبل مستشار شيراك موريس غوردو مونتاني سريا في دمشق في نوفمبر/تشرين الثاني 2003، وتمثلت أسباب التعاون الفرنسي الأميركي أمنيا وسياسيا ودبلوماسيا لتضييق الخناق على دمشق في استياء واشنطن مما تسميه بالدعم السوري لإرهابيي القاعدة واستيلائها على الأموال العراقية المودعة في البنوك السورية ودعمها لحزب الله والحركات الفلسطينية الراديكالية ضد إسرائيل.
ومكن شيراك صديقه الحميم الراحل رفيق الحريري من قراءة التوصية 1559 على يخته أثناء قضائه العطلة الصيفية في جزيرة سردينيا في أغسطس/آب 2004 بعد لقاء جمعه بكوندوليز رايس ومسؤولين أميركيين.
وكما كان متوقعا -يقول الكاتب نوزيل في الفصل الثامن عشر– اعتبرت واشنطن وباريس اغتيال الحريري إعداما سوريا للرجل الذي تحداها بتشجيع من الإليزيه والبيت الأبيض، الأمر الذي عجل بتطبيق التوصية الأممية بكل أبعادها والشروع في تنفيذ الدعوة الفرنسية إلى إنشاء لجنة دولية لمحاسبة قتلة الحريري بدعم من الأسرة الدولية بقيادة واشنطن ودعم تل أبيب.
بلغ اندهاش بوش لحقد شيراك حيال الأسد درجة تناغم غير مسبوق رغم عدم سقوط النظام السوري من تلقاء نفسه إثر انسحاب جيشه من لبنان، كما قال شيراك لبوش في سياق تصوره الشامل للإطاحة بالأسد، وتمادت باريس في الانتقام من دمشق من خلال التشنيع بطهران حليفها الطبيعي والمتعنت نتيجة سعيه الدؤوب إلى صنع القنبلة النووية واتصل ببوش يوم 22 فبراير/شباط 2006، ليقول له إن محور دمشق وطهران أصبح قويا أكثرمن أي وقت مضى إثر تغلغل الشيعة في العراق وفي المنطقة العربية كلها.
"
المرحلة الجديدة من العلاقات الفرنسية الأميركية لا تقوم على النفاق، لأن ساركوزي لا يخجل في الجهر بتشربه قيم العم سام وبتأييده غير المشروط لإسرائيل!
"
في الجزء الثالث الأخير الذي تضمن الفصلين التاسع عشر والعشرين.. أكد الكاتب نوزيل الولاء الفرنسي الجديد حيال واشنطن من خلال الرئيس نيكولا ساركوزي، وبين أن المرحلة الجديدة من العلاقات الفرنسية الأميركية لا تقوم على النفاق، لأن ساركوزي لا يخجل في الجهر بتشربه قيم العم سام وبتأييده غير المشروط لإسرائيل، كما يبين ذلك اتفاق التحالف التكتيكي بين الإليزيه والبيت الأبيض عشية العام 2011 واختلاف مزاج الرئيس أوباما الهادئ والرزين مقارنة بمثيله عند الرئيس الفرنسي العصبي والمتسرع لا يشكل عائقا في وجه مصالح بلديهما.
الأهمية القصوى للكتاب لا تحجب نقطة ضعف تمثلت في حشو غير ضروري كان باستطاعة نوزيل تفاديه، لأنه لم يصب بالضرورة في صلب إشكالية الكتاب وتناول جوانب شخصية وحميمية عدة زادت من وزنه وحجمه.
عرض/بوعلام رمضاني
يكتسي هذا الكتاب أهمية غير مسبوقة في مسار المؤلفات السياسية التي عرفت طريقها إلى المكتبات الفرنسية في المدة الأخيرة.
أهمية الكتاب تفسرها غزارة المعلومات السرية التي كشف عنها المؤلف بعد عمل عميق وجاد توزع بين المقاربة الأكاديمية النظرية والتحقيق الميداني والعملي الرصين والمستند على مقابلات هامة مع صناع القرار السياسي وقادة الجيوش ومسؤولي أجهزة المخابرات والإعلاميين المرموقين الذين عرفوا وعايشوا أهم وأخطر الحروب والصراعات الدولية التي شهدتها الفترة الممتدة بين 1981 و2010.
الكتاب يغطي فترات حكم الرؤساء ميتران وشيراك وريغان وبوش الأب والابن وكلينتون، ويهم العرب والمسلمين الذين يكتشفون في هذا الكتاب الكثير من الأسرار التي تم تبادلها بين الرؤساء الأميركيين والفرنسيين من أجل كسر شوكة قادة عرب يقلقون الغرب.
ميتران أميركي سريا
في الجزء الأول من كتابه الذي يضم تسعة فصول خصها لحكم الرئيس ميتران كشف فانسان نوزيل عن توظيفه للوزراء الشيوعيين على النحو الذي يضمن التوازن التكتيكي الداخلي واختراقه الآلة الأمنية السوفياتية الرهيبة "كي جي بي"، من خلال عملية سرية أطلق عليها فرويل وتعاونه في المجال النووي مع البيت الأبيض والتزامه بأخذ المسافة المطلوبة أميركيا من الكرملين دوليا وعن بقاء فرنسا في فلك الحلف الأطلسي وتسطيره سياسة فرنسا الخارجية بمفرده.
وأضحى التخوف الأميركي من الشيوعيين ذكرى مضحكة، على حد تعبير الدبلوماسي ألن هولمز الذي تحدث للكاتب معبرا عن دهشة بوش الأب لحديث ميتران عن تقليب الشيوعيين وإرغامهم على تأييد سياسة مضادة لتوجههم الأيديولوجي، ناهيك عن سماحه للغواصات النووية الأميركية باستعمال الموانئ الفرنسية سريا تلبية لمطلب أميركي تقدم به البنتاغون منذ العام 1974، وبذلك تبين للكاتب أن ميتران لم يكن ذلك الرئيس الذي اختلف كثيرا على الصعيد الخارجي عن سلفه الرئيس اليميني السابق فاليري جيسكار ديستان.
"سي آي إيه" واغتيال القذافي
أصبحت "دي أس اتي" حسب الكاتب نوزيل مديرية رقابة الحدود الفرنسية خادمة للبيت الأبيض من خلال توظيفه للمعلومات الأمنية التي ظفرت بها "دي أس اتي" على الصعيد النووي لصالح الأميركيين، واختلقت "دي أس اتي" بالتعاون مع "سي آي إيه" سيناريوهات وهمية عن الجوسسة السوفياتية التي دفعت ميتران إلى طرد 47 دبلوماسيا سوفياتيا من باريس، وبلغ التعاون الأمني الفرنسي الأميركي درجة دفعت الإليزيه إلى المشاركة في بلورة فكرة اغتيال الرئيس الليبي معمر القذافي، ونسجت الفكرة "سي آي إيه" من منطلق اعتبار القائد الليبي أداة في يد الكرملين وإسلاميا مختلا عصبيا وداعما للإرهاب العالمي وللمتطرفين الفلسطينيين والأيرلنديين تحديدا.
"
ميتران فضل أسلوب المحاصرة السياسية على الاغتيال للقذافي الذي من شأنه تأجيج الكراهية والحقد حيال الغرب, واتفق الإليزيه والبيت الأبيض على محاربة القذافي في أفريقيا
"
تحمست واشنطن لفكرة إزاحة القذافي بالتعاون مع ميتران تعميقا لاستعداد الرئيس السابق ديستان على المشاركة في اغتيال الزعيم الليبي بالتعاون مع الرئيس السادات، ولم تتم عملية الاغتيال التي خطط لها في بنغازي في مطلع الثمانينيات، لأن ميتران فضل أسلوب المحاصرة السياسية على الاغتيال الذي شأنه تأجيج الكراهية والحقد حيال الغرب، على حد تعبيره، واتفق الإليزيه والبيت الأبيض على محاربة القذافي في أفريقيا من خلال تنسيق وثيق بين مخابرات واشنطن وباريس.
بيع الأسلحة لإيران العدوة
خلافا لواشنطن كانت باريس تؤمن بأن الخطر الأكبر يكمن في الإرهاب السوري، وعليه لم تتردد في اتهام دمشق باغتيال السفير الفرنسي في لبنان لوييه دلمار، وبلغ توافق جهاز مخابرات واشنطن وباريس الحد الذي أدى إلى إشراك المخابرات السعودية واللبنانية حسب نوزيل يوم الثامن من مارس/آذار 1985 في محاولة اغتيال الشيخ الراحل محمد حسين فضل الله.
ومن الأسرار التي حفل بها الكتاب في الفصل الخاص بصراع البيت الأبيض والإليزيه مع طهران إبرام صفقة تسريح الرهائن مقابل بيع الأسلحة لإيران، وتمت صفقة البيع من خلال شركة لوشير الفرنسية التي باعت لطهران قذائف إسرائيلية مضادة للدبابات.
إن غزو صدام للكويت ليلة الفاتح من أغسطس/آب 1990 كرّس التعاون الفرنسي الأميركي بإرسال الإليزيه جيشا مدججا قاد عملية أطلق عليها داقية، وحدد تاريخ عملية عاصفة الصحراء لإخراج صدام من الكويت بقرار أميركي خالص لم يعلم به الأميرال لنكساد ووزير الدفاع الفرنسي جان بيار شيفمان، وحسب الكاتب نوزيل الذي حاور الأميرال لنكساد فإن هذا الأخير كان شاهدا على الخضوع الفرنسي التام للبيت الأبيض.
شيراك ديغولي في قبضة واشنطن
في الجزء الثاني من الكتاب الذي تضمن عشرة فصول أيضا, كشف فانسان نوزيل مواقف الإليزيه الانهزامية التي تركت الرئيس شيراك يتفرج على إبادة مسلمي البوسنة الشرقية وسريبرنيتشا تحت رعاية "سي آي إيه" التي سبق أن أكدت في وقت سابق ساعة قدوم إبادة مسلمي سريبرنيتشا في ظل خطة تطهير مسلمين يعطلون مشروع صربيا الكبيرة، على حد تعبير الجنرال ملاديك.
شيراك الذي كان يدعي الحفاظ على الإرث الديغولي الفرنسي تعهد بتعزيز مكانة باريس في الحلف الأطلسي بإرساله سريا سفيره في واشنطن فرانسوا بوجو دوليستو إلى البيت الأبيض، رغم رفض الأخير إعطاء أي دور للأوروبيين في التحالف الغربي وإصراره على إزاحة بطرس بطرس غالي المدعوم فرنسيا وتزكية كوفي أنان على رأس الأمم المتحدة، ولم تشفع تبعية الإليزيه للبيت الأبيض حينما حاول شيراك نزع موافقة أميركية على قيادته بارجة الحلف الأطلسي السادسة في المتوسط وإبداء رأي مخالف لواشنطن حيال فكرة ضرب العراق إثر تعرض الأكراد المدعومين من "سي آي إيه".
"
راحت واشنطن تعاقب شيراك رغم استعداده للمشاركة عسكريا في ضرب العراق تحت الوصاية الأممية، وفرضت عليه مسح الديون العراقية وإنشاء قاعدة أمنية سرية مع "سي آي إيه", واستعمال قاعدة جيبوتي الفرنسية
"
أعلنت واشنطن الحرب يوم 19 مارس/آذار 2003 على العراق متجاوزة الأمم المتحدة وساخرة من تنبؤ شيراك بتنامي إرهاب القاعدة بسبب غزو العراق ووقوعه في أسر الشيعة، وتمادت واشنطن في عنجهيتها حسب الكاتب نوزيل، وراحت تعاقب شيراك، رغم استعداده للمشاركة عسكريا في ضرب العراق تحت الوصاية الأممية وفرضت عليه مسح الديون العراقية وإنشاء قاعدة أمنية سرية مع "سي آي إيه" في ضاحية سان كلو المخملية بمشاركة مخابرات الحلف الأطلسي واستعمال القاعدة الفرنسية الواقعة في جيبوتي لإقلاع الطائرات الأميركية بريداتور درون.
وتكلل مسار الانبطاح الفرنسي حيال واشنطن على الصعيد الأمني بعد أن قررت غزو العراق رغم تأكيد باريس عدم صحة حيازة صدام للأسلحة النووية عن طريق "المخبر" ناجي صبري وزير الخارجية، كما أكد ذلك من قبل هانز بليكس كبير المفتشين الدوليين.
شيراك ينتقم لاغتيال الحريري
في الفصل الثامن عشر أبرز الكاتب نوزيل أسلوب شيراك في شن حرب دعائية على النظام السوري الذي وصفه بالسوفياتي قبل المطالبة بحتمية تحرير لبنان من الهيمنة السورية، وأصر على الانتقام لصديقه الحريري بعد أن جسد نبض الرئيس السوري الذي استقبل مستشار شيراك موريس غوردو مونتاني سريا في دمشق في نوفمبر/تشرين الثاني 2003، وتمثلت أسباب التعاون الفرنسي الأميركي أمنيا وسياسيا ودبلوماسيا لتضييق الخناق على دمشق في استياء واشنطن مما تسميه بالدعم السوري لإرهابيي القاعدة واستيلائها على الأموال العراقية المودعة في البنوك السورية ودعمها لحزب الله والحركات الفلسطينية الراديكالية ضد إسرائيل.
ومكن شيراك صديقه الحميم الراحل رفيق الحريري من قراءة التوصية 1559 على يخته أثناء قضائه العطلة الصيفية في جزيرة سردينيا في أغسطس/آب 2004 بعد لقاء جمعه بكوندوليز رايس ومسؤولين أميركيين.
وكما كان متوقعا -يقول الكاتب نوزيل في الفصل الثامن عشر– اعتبرت واشنطن وباريس اغتيال الحريري إعداما سوريا للرجل الذي تحداها بتشجيع من الإليزيه والبيت الأبيض، الأمر الذي عجل بتطبيق التوصية الأممية بكل أبعادها والشروع في تنفيذ الدعوة الفرنسية إلى إنشاء لجنة دولية لمحاسبة قتلة الحريري بدعم من الأسرة الدولية بقيادة واشنطن ودعم تل أبيب.
بلغ اندهاش بوش لحقد شيراك حيال الأسد درجة تناغم غير مسبوق رغم عدم سقوط النظام السوري من تلقاء نفسه إثر انسحاب جيشه من لبنان، كما قال شيراك لبوش في سياق تصوره الشامل للإطاحة بالأسد، وتمادت باريس في الانتقام من دمشق من خلال التشنيع بطهران حليفها الطبيعي والمتعنت نتيجة سعيه الدؤوب إلى صنع القنبلة النووية واتصل ببوش يوم 22 فبراير/شباط 2006، ليقول له إن محور دمشق وطهران أصبح قويا أكثرمن أي وقت مضى إثر تغلغل الشيعة في العراق وفي المنطقة العربية كلها.
"
المرحلة الجديدة من العلاقات الفرنسية الأميركية لا تقوم على النفاق، لأن ساركوزي لا يخجل في الجهر بتشربه قيم العم سام وبتأييده غير المشروط لإسرائيل!
"
في الجزء الثالث الأخير الذي تضمن الفصلين التاسع عشر والعشرين.. أكد الكاتب نوزيل الولاء الفرنسي الجديد حيال واشنطن من خلال الرئيس نيكولا ساركوزي، وبين أن المرحلة الجديدة من العلاقات الفرنسية الأميركية لا تقوم على النفاق، لأن ساركوزي لا يخجل في الجهر بتشربه قيم العم سام وبتأييده غير المشروط لإسرائيل، كما يبين ذلك اتفاق التحالف التكتيكي بين الإليزيه والبيت الأبيض عشية العام 2011 واختلاف مزاج الرئيس أوباما الهادئ والرزين مقارنة بمثيله عند الرئيس الفرنسي العصبي والمتسرع لا يشكل عائقا في وجه مصالح بلديهما.
الأهمية القصوى للكتاب لا تحجب نقطة ضعف تمثلت في حشو غير ضروري كان باستطاعة نوزيل تفاديه، لأنه لم يصب بالضرورة في صلب إشكالية الكتاب وتناول جوانب شخصية وحميمية عدة زادت من وزنه وحجمه.