منتديات الحوار الجامعية السياسية

الوقائع و الأحداث التاريخية
By نهى العشيوان
#31214

لطالما كانت الثورة الفرنسية بشعاراتها الشهيرة "الحرية والمساواة والإخاء".
وشخصيات الثورة الفرنسية الشهيرة أمثال دانتون , روبسبير , الكونت ميرابو
وسجن الباستيل الشهير , وقصر فرساي
عامل جذب ومحفز لي لقراءة التاريخ الأوربي .

الثورة الفرنسية كـ حدث تاريخي مهم بدأ على شكل إنقلاب سياسي في فرنسا
وأثر في العالم كله. ويختلف المؤرخون كثيراً في أسبابها ، فيرى بعضهم أنها
حركة عقلية نشأت من حركة الاستنارة الحرة في القرن الثامن عشر ، ويرى
آخرون أنها ثورة الطبقات المحرومة من الإمتيازات ضد الطغيان الإقطاعي !
ويرى غيرهم أنها توطيد لسلطة البورجوازية الرأسمالية الحديثة ضد نظام
إقتصادي وإجتماعي مقيد وعتيق .
والرأي الغالب هو أن السبب المباشر للثورة كان دون شك حالة الإفلاس التي كانت
عليها خزانة الدولة ، إذ نشأت عن حروب القرنين السابع عشر والثامن عشر وقصور
النظام الضريبي ومجافاته للعدالة والإسراف .

بحثت عن كتاب يحكي لي قصة الثورة الفرنسية من البداية , لكن لم أجد . ولاأخفي
انزعاجي من عدم وجود كتاب يتحدث عن حقبة تاريخية مهمة في التاريخ الأوربي !
عن طريق الصدفة وجدت كتاب إلكتروني يتحدث عن الثورة الفرنسية بالتفصيل .
قمت بطباعته وقرأته في يومين , ولاأخفي إعجابي الشديد بالكتاب لغزارة معلوماته .






كتاب الثورة الفرنسية لـ الدكتور لويس عوض

الكتاب بالأصل عبارة عن مقالات مطولة نُشرت عام 1989 م في جريدة الأهرام
بمناسبة مرور 200 عام على الثورة الفرنسية . وهو آخر كتاب من تأليف لويس .
يتحدث الكتاب بالتفصيل عن الثورة ومسبباتها ونتائجها , وأهم شخصياتها القيادية .
في موسوعة ويكبيديا , المعلومات المذكورة عن سجن الباستيل تم اقتباسها بالكامل
من كتاب الثورة الفرنسية للويس عوض , دون إشارة إلى المصدر !



لويس عوض " 1915-1990 "
مفكر و مؤلف مصري , حاصل على الماجستير في الأدب الانجليزي من جامعة
كامبردج , والدكتوراة في الأدب من جامعة بريستن عام 1953. لم أقرأ له صراحة
وهذا الكتاب أول كتاب أقراه له . ماأثار انتباهي وأنا أقرأ سيرته هي المواجهات
التي خاضها مع أ. محمود شاكر حول أبحاثه عن الشاعر أبي العلاء المعري
والمواجهة الكبرى التي خاضها بسبب كتابه الممنوع "مقدمة في فقه اللغة العربية".






كلما ذُكرت الثورة الفرنسية ذُكر زوال ذلك الرمز الباقي في خيال الأجيال .
" الباستيل "
سقوط ذلك الرمز في أيدي الثورة الفرنسية كان أهم علامة مميزة
لـ إنتصار الثورة والبداية الحقيقية لسقوط النظام الإقطاعي في فرنسا .
يقول كلود كيتيل رئيس الجمعية التاريخية الدولية في كتابه " الباستيل "
بأن الأسطورة في سجن الباستيل أكثر من الحقيقه .هو يهون من دور السجن كمعتقل
للسياسيين ويدلل على ذلك بأن الألوف من الجماهير التي استولت على الباستيل لم
تجد فيه إلا سبعة أشخاص نصفهم من المجانين !

هناك من يرفض مثل هذه المقولة وإصباغ تلك الروح على رمزية السجن
وتاريخه الاسود .ويحدث بين الحين والآخر سجالات تاريخية بين شرائح
المثقفين الذين يدين بعضهم الثورة الفرنسية جملة بدعوى غزارة ماسفكت من دماء
ويتفق معهم في جزئية بسيطة من الرأي الروائي الروسي ليوتولستوي عبرقوله

" لو كانت الغاية هي عظمة فرنسا، فإنها كان يمكن إدراكها بدون الثورة و الملكية.
ولو كان الهدف نثر بعض الأفكار ، فإن المطبعة كانت قادرة على القيام به أفضل
بكثير مما قدر عليه الجنود. و لو كانت الغاية تطور المدينة ، فإن بالإمكان التقبل
دون أي صعوبة بأن هناك من الوسائل الناجعة لنشر المدنية أفضل بكثيرٍ من إفناء
الرجال و ثرواتهم."

تاريخ هذا السجن حافل بالكثير من الإثارة , أُنشئ في فرنسا في عام 1370 كحصن
للدفاع عن باريس .ومن ثم كسجن للمعارضين السياسيين , وأصبح على مدار السنين
رمزاً للطغيان والظلم , وانطلقت منه الشرارة الأولى للثورة الفرنسية
في 14 يوليو 1789م . وما تزال فرنسا حتى اليوم تحتفل
بمناسبة اقتحام السجن باعتباره اليوم الوطني لفرنسا .

الصورة التقليدية عن الباستيل حتى قبل سقوطه في يد الثوار أنه لم يكن حصناً للدفاع
بقدر ماكان قلعة للطغيان وسجناً للتعذيب . ولم يعتبر الباستيل قصراً إلا في عهد لويس
الرابع عشر حين أصدر هذا الملك في 1667 أمراً ملكياً لقومندان الباستيل باعتبار
الباستيل أحدالقصور الملكية وأمره بموجب هذا أن يطلق المدافع ابتهاجاً بمولد ابنته.

من أهم الشخصيات الأدبية والسياسية الذين دخلوا الباستيل .
الفيلسوف الفرنسي فولتير , المفكر لاروشفوكو , القائد ديموريين بطل معركة فالمي
الكاردينال دي روهان بطل فضيحة جواهر الملكة انطوانيت . الكونت لويس ,الكونت
جاك أرميناك , دوق نمور حاكم باريس , الأب بريفو , فونتنيل , والكثير الكثير !

كانت المطابع والكتب المصادرة في عهد لويس الرابع عشر تكدس في الباستيل
حتى اضطروا أن يبنوا لها جناحاً خاصاً . من أهم الكتب المصادرة في السجن
كتاب " رسائل من الريف " للفيلسوف باسكال
كتاب " رسائل فلسفية " للفيسلوف فولتير , وأُحرق بقرار من البرلمان
موسوعة " الانسيكلوبييا " التي كتبها أقطاب حركة التنوير
وأحرق كتاب فلسفة الطبيعة في ميدان الجريف .

By نهى العشيوان
#31215


معركة الباستيل

إختصر المؤرخ الفرنسي ميشليه معركة وسقوط الباستيل في سطرين
يحملان دلالة عميقة لرمزية السجن وسمعته التي أصبحت رمزاً للحكم .





" يجب أن يقال أن الباستيل لم يسقط ولكنه سُلم .
سُلم لأن ضميره المفعم بالذنوب أقلقه !
إلى حد الجنون وجعله يفقد روحه المعنوية "
في 13يوليو لم تكن باريس تحلم إلا بالدفاع عن نفسها . كانت سماؤها لاتزال مبلدة
بالشكوك . وفي 14 يوليو انتقلت من الدفاع إلى الهجوم , ولم تعد لديها شكوك !
في المساء كان هناك اضطراب وهياج , وفي الصباح كان هناك صفاء رهيب

مع الصباح استولت على باريس فكرة , ورأى الجميع نفس الضياء . في كل نفس
ضياء وفي كل قلب صوت يقول - قم - . وسوف تستولي على الباستيل !

كان ذلك شيئاً جنونياً - مستحيلاً - غريباً أن يقال ومع ذلك فقد أمن به كل الناس
وقد تحقق . كانت الساعة 5.30 , وارتفعت صيحة مدوية من ميدان الجريف
تقول " الباستيل سقط "

كل الرجال كانوا مسلحين , بعضهم عاري , والبعض الآخر يلبس ثياب من كل لون
يحملون أكثر من 32.000 بندقية , وخمسة مدافع أخذوها بالقوة من ثكنات الجيش !
ينتمون لضاحية سانت انطوان المتاخمة للسجن , تتبعهم فصيلتان متمردتان تضم
الحرس الوطني والميليشيا البرجوازية التي كونها أبناء الطبقة المتوسطة .

مجموعة مسلحة كبيرة تتمنى فناء الباستيل بأكمله .
بعضهم حطم بالحجارة عقارب الساعة الحديدية !
والبعض صعد إلى قمة الأبراج ليصب جام غضبه على المدافع المنصوبة !
والبعض صب جام غضبه على أحجار الحصن . فأدموا إيديهم وهم يحاولن اقتلاعها

لحظة الإلتحام بين الجماهير الثائرة وجنود حامية الباستيل . كان السجن بأمان
والحرس السويسري يصوب بنادقه تجاه الجماهير وهم في مأمن من نيران
الجماهير الثائرة . فقتلوا 83 رجلاً بينهم عشرون من فقراء الأباء الذين تركوا
ورائهم نساءً وأطفال ليموتوا جوعاً !

أدى سفك دماء الجماهير بأيدي السويسريين لإستياء من قبل بعض الجنود الفرنسيين
فألقوا الأسلحة . وطلبوا واستعطفوا من قائد الباستيل القومندان دي لوني أن يوقف
المذبحة .الحالة النفسية للقائد كانت في الحظيظ . فما دام الأمر يعني الموت فقط ,
قرر أن ينسف الحصن بأكمله وبنفسه . وهي فكره جهنمية قد تؤدي لتدمير ثلث
باريس وسحق ضاحية سانت انطوان وحي الماريه .

أخذ القائد فتيل ليشعل في مخزن يضم أكثر من 135 برميل بارود . فحال دون
ارتكاب تلك المذبحة الكبيرة إثنان من الضباط اعترضا طريقه إلى البارود .
وهنا ادعى الرغبة بالإنتحار فأخذ سكيناً ولكنهما انتزعاه منه .

إقتحمت الجماهير الباستيل بعد استسلام الحرس السويسري , والمصادفة أو الغريب
أن الجنود السويسريين لم يمسهم شيء , فقد كانوا في نظر الجماهير خدم أو مساجين
بينما جُرح الجنود الفرنسيين وقتل الكثير منهم . ولم يتوقف المنتصرون عند حدود
الباستيل فخاضوا معركة أخرى في ميدان الجريف . واجهوا جماعات لم تشترك في
القتال فرأت أن تشارك بشيء ما ولو بقتل الأسرى . فقتلوا رجلين أحدهم في تورنيل
والآخر على رصيف نهر السين

وتبعت الجماهير نسوة شعورهن محلولة عرفن أن أزواجهن من بين من ماتوا
فتركوهن باحثات علن القتلة . أما قائد الحصن القومندان دي لوني فقد هرب
بحماية اثنان من الرجال الشجعان لكن ذلك لم ينفعه أمام ثورة الجماهير الغاضبة .
فرأس القائد وجد بعد فترة قصيرة من سقوط الحصن معلقاً في طرف حربه .



مصدر المعلومات " كتاب الثورة الفرنسية - الفصل السابع " للمؤرخ ميشليه





مجلس الطبقات الفرنسي


في عام 1786 م غرقت فرنسا في الديون لتمويل القتال في حرب السنوات السبع
والثورة الأمريكية . وبحلول عام 1788م كانت الحكومة قد أفلست تقريبًا . مما
أجبر لويس السادس عشر أن يجري إنتخابات برلمانيه من أجل تنفيذ تشريع
ضرائبي ينقذ فرنسا من الفوضى المالية والإقتصادية .

كان البرلمان المنتخب طبقياً , بحيث يعبر عن كل طبقة من طبقات المجتمع
1/ طبقة رجال الدين وتضم بعض أنصار الإصلاح وبعض المؤيدين للملك
2/ طبقة النبلاء وتضم نبلاء مؤيدين للأفكار الجديدة , وآخرين متعصبين
3/ الطبقة الثالثة , وهي التي تضم شخصيات ثورية أمثال ميرابو , وروبسبير




كان معظم أعضاء الطبقتين الأوليين يرغبون في أن تناقش كل طبقه الأمور، وأن
يكون التصويت عليها منفصلاً. وكان عدد ممثلي الطبقة الثالثة يساوي عدد ممثلي
الطبقتين الأخريين مجتمعتين . فأصرت الطبقة الثالثة على دمج الطبقات الثلاث في
مجلس وطني واحد ، وأن يكون لكل ممثل صوت واحد . كذلك رأت الطبقة الثالثة
أن يكتب للمجلس دستورًا .

رفض الملك والطبقتان الأوليان مطالب الطبقة الثالثة. وفي يونيو 1789م، أعلن
ممثلو الطبقة الثالثة أنهم هم المجلس الوطني لفرنسا. وتجمعوا بعد محاصرة الملك
لهم في المجلس عند ملعب للتنس وأقسموا بألا يتفرقوا إلا بعد أن يفرغوا من كتابة
الدستور وأصبح هذا القسم معروفًا بقسم ملعب التنس .
وركناً من أركان الثورة الفرنسية !

" نص القسم "

أقسم أمام الله والوطن أنه أياً كان المكان الذي نضطر إلى الانعقاد فيه , فإن الجمعية
الوطنية هي الجمعية الوطنية , ولاشيء يمكن أن يحول دون استمرار مداولاتها
وأنه حتى قبل وضع الدستور وإقراره , فإنها تأخذ على نفسها عهداً بألا تنفصل أبداً

بعد ذلك بفترة سمح الملك لويس السادس عشر للطبقات الثلاث بالاجتماع معًا
ممثلين للمجلس الوطني . لكنه بدأ في تجميع القوات حول باريس ليفضّ المجلس
طُلب من نواب الطبقة الثالثة الخروج من القاعة - خاطبهم بذلك رئيس التشريفات -
فبرزت شخصية الكونت دي ميرابو أخطب خطباء الثورة الفرنسية , الذي رد على
رئيس التشريفات بقول فُهم معناه أن الكونت هو الملك الجديد لفرنسا
" نحن هنا بإرادة الشعب , ولن نخرج من هنا إلا على أسنة الحراب "


المناقشات والأحداث التي دارت في مجلس الطبقات كانت اللبنة الأولى للثورة .
دار الكثير من المناقشات الصاخبة والمواقف الكبيرة التي حصلت في ملعب التنس
لاأستطيع ذكرها منعاً لـ إطالة الموضوع كثيراً رغم روعتها وجمالها .

ولكن أذكر حديث للمؤرخ الفرنسي ميشليه يتحدث عن منع نواب الطبقة الثالثة
من الدخول لقاعة المجلس , وهو حديث مهم , لأنه يختصر ميول النواب السياسية .

" هؤلاء هم ملوكنا الجدد . يُحتجزون ويقفون بالباب وكانهم جماعة من التلامذة
المشاغبين . هاهم هائمون تحت المطر وبين الناس على طريق باريس . الكل
مجمع على الجلسة وعلى التجمع . قال بعضهم إلى سوق السلاح ! وقال آخرون
إلى قصر مارلى , وقال آخرون بل إلى باريس ! وكان هؤلاء هم أكثرهم تطرفاً
لـ أنهم ارادوا إشعال البارود "

By نهى العشيوان
#31216


المحامي ماكسمليان روبسبير

إذا كانت هناك شخصية من شخصيات الثورة الفرنسية جسدت الثورة تجسيداً كاملاً
فهي في شخصية المحامي ماكسمليان روبسبير . لم يعش سوي 36 عاما ، وتولى
حكم فرنسا بعد أن قتل دانتون , بعد أن أعدم الملك لويس السادس عشر . خطيب
مفوه ومنحاز للفقراء , ومؤمن بجان جاك روسو إيماناً أعمى .كانت الجماهير مفتونه
به لكن كانت تخشاه لأنه كان يعرف نقاط ضعفها التي يمكن استخدامها ضدها .
في كتاب الثورة الفرنسية للويس عوض تم ذكر بعض الخطب الرنانة التي كان
يستخدما روبيسبير لتهييج الجماهير وإثارة مشاعرهم .




رغم أنه تولي السلطة ثلاث سنوات ثم انفرد بحكم فرنسا كحاكم مطلق لمدة عام واحد
إلا أن فرنسا عاشت في ظل حكمه أسوأ عصور الإرهاب والطغيان ، وأصبح الإعدام
يوميا بالمقصلة من المشاهد المألوفة في باريس .وقال عنه المؤرخون أنه قتل ستة
آلاف مواطن فرنسي في ستة أسابيع دون أن يهتز له ضمير!

يقول عنه المؤرخ الإنجليزي هربرت .ج. ويلز في كتابه موجز تاريخ العالم
أصبحت الثورة تحت سلطان زعيم متسلط شديد التعصب هو روبسبير . ومن العسير
علينا أن نفضي في هذا الرجل برأي ، فإنه كان ضعيف البنية جبانا بفطرته، لكنه
أوتي ألزم الصفات لبلوغ القوة وهي الإيمان ، ومن ثم أصبحت عقيدته الراسخة أن
بقاءه في الحكم هو السبيل لإنقاذ الجمهورية، وخيل إليه أن الروح الحي للجمهورية
قد نشأ عن تذبيح الملكيين وإعدام الملك "



كيف كانت نهاية روبيسبير ؟
في عام 1794م صدر قانون كان بمثابة السيف على رقاب أعضاء المؤتمر الوطني
الفرنسي ! بمقتضي هذا القانون حُرم أعضاء المؤتمر من حصانتهم البرلمانية، وكان
يهدف من وراء هذا القانون الإطاحة بكل من يرفع رأسه معارضاً إياه ، أو مخالفاً له

خشي أعضاء المؤتمر الذين وعوا دروس المقصلة جيدا على أنفسهم ولذا دبرت
مؤامرة ضد روبسبير واتفق بعض رجال الثورة اللذين كانوا خائفين على ما يفعله
روبسبير ومن معه، على التخلص من هذا الرجل !
وبدلاً من استخدام الخطب والكلمات لإسقاطه إستخدما نفس أسلحته.
تم تجهيز قوة عسكرية إقتحمت دار البلدية التي كان بها روبسبير ونجحت إحدى
الرصاصات التي أطلقت عليه في أن تصيب فكه، واقتيد وهو يقطر دماً إلي المقصلة
كي يذوق نفس الكأس التي أذاقها الكثير من فرائسه.
تنفس الجميع الصعداء لموت روبسبيير وسفاحيه الـ 17 وراهن الكثيرون على أن
موت روبسبير سيوقف حمامات الدم إلى الأبد ، ويعيد لفرنسا بعض السكينة لبناء
ما انهار ولترميم الدمار الذي عم البلاد في كافة المجالات ، وقد صدق رهانهم، لأن
موت مارا وهيبير ودانتون قبل روبسبير لم يوقف مسيرة القتل ، وقد توقف النزف
فعلاً بعد موت السفاح الضئيل الجسم الممتلئ ضغينة ضد الحياة نفسها.


تتفاوت الإحصائيات حول الأعداد الحقيقية لضحايا الثورة الفرنسية عامة وفترة حكم
روبسبير ورفاقه بصفة خاصة ، ولكن أقرب التقديرات تشير الى أن ما يقرب من
نصف مليون قد ماتوا ، لتغسل دماؤهم تراب بلادهم ولتبقى إنذاراً في هذا البلد ضد أي
تسلط محتمل ، حتى إن الفرنسيين أصبحوا أكثر شعوب العالم خوفاً من الدكتاتورية
وأحرص الناس على منح شعبهم حقوقه ، في الحرية والتعبير وطول إجراءات القضاء
وبعد كابوس حكم روبسبيير وقف كارنو يعلق على مصرع القيادات الثورية واحداً
بعد واحد بقوله الشهير " إن الثورة دائماً تأكل أبناءها " .

ويمكن القول أن من استطاع كبح جماح الثورة وتصديره للخارج هو نابليون بونابرت
الذي وجد أبناء الثورة الفرنسية يأكل بعضهم بعضاً فوجه هذه الطاقة البركانية إلى
الخارج ليأكل الفرنسيون غيرهم من الأمم . في البداية فعل هذا تحت راية الثورة .
فلما استتب الأمر له فعل ذلك تحت رايات فرنسا كلها !



لويس السادس عشر



لم يكن التاريخ كريماً مع الملك لويس السادس عشر, ولعل ذلك سببه أن التاريخ
نادراً ماكان كريماً مع الفاشلين . فقد وصفه التاريخ بالتفاهة ونقص الذكاء وقلة
الفاعلية . ويدل على ذلك أنه يوم أن أقتحم الثوريين الباستيل كتب في مذكراته
"لم يحدث شىء".

أُعدم بالمقصلة بعد أن أقتيد لها وهو في كامل أبهته كملك وزوجته ماري انطوانيت
وبكل مظاهر الاحترام أركبوه عربته المذهبة وداروا به في باريس بين شعبه الذي
لم يحسن التعامل معه .

عُرف عنه عناده الشديد الذي تجلى في يوم الباستيل , وظهر في احتقاره للطبقة الثالثة
يوم ميثاق ملعب التنس. كذلك رفضه للتصديق على الدستور المدني للكنيسه والقوانين
الصادره . ومصادرة أملاك النبلاء الهاربين , ونفي رجال الدين الرافضين لأداء
يمين الولاء لدستور الكنيسة المدني الذي يجعل من الكنائس تابعة للدولة لا إلى روما .




بالنسبة لإعدام لويس السادس عشر بالمقصلة , في عام 1996 م تم نشر خطاب
أصلي لشارل اونري سانسون كبير جلادي باريس في الحقبة المرعبة للثورة
الفرنسية للبيع في قاعة مزادات كريستي . وتم بيعها بأكثر من 200 ألف دولار !

تقول الوثيقة أن ملك فرنسا لويس السادس عشر مات مرفوع الهامة !
" احقاقاً للحق قاوم كل هذا بهدوء وثبات اذهلنا جميعاً !
مازلت مقتنعاً بأنه جاء بكل هذا الثبات من المبادئ الدينية التي لم يظهر
أن أي شخص آخر متأثر ومقتنع بها بعمق مثله"