أثر حركة الإصلاح الديني البروتستانتي في عملية التحول السياسي
مرسل: الجمعة ديسمبر 31, 2010 9:49 pm
أثر حركة الإصلاح الديني البروتستانتي في عملية التحول السياسي
ديما أحمد صالح
ان عملية البحث في علاقة الدين بالديمقراطية لا تتم إلا بالعودة إلى التجربة التاريخية التي مرت بها أوروبا خاصة بالقرون الوسطى،فهذه المرحلة تعتبر الأساس.فما نجده اليوم من آراء حول علاقة الدين بالديمقراطية في الفكر الغربي ماهو في الحقيقة إلا ردة فعل تجاه واقع حكومة رجال الدين.ففي بدايات القرون الوسطى منذ إصدار إمبراطور الروم الشرقية «جستنيان» أمره في عام 529م بإغلاق الجامعات وتعطيل المدارس في أثينا والإسكندرية ففر العلماء خوفاً على أرواحهم ولجأ وا إلى مناطق أخرى،ومن الخصائص العامة لهذه المرحلة التي دخلتها أوروبا هو تسلط الكنيسة على المراكز العلمية ومناهج المدارس والجامعات وبالتالي كان رجال الدين يفتحون المجال فقط للأفكار والعقائد التي تتلاءم مع الأفكار المسيحية وكانوا يرفضون الأفكار المخالفة ويحاربونها بشدة.وجرائم رجال الدين ضد المفكرين لا تحصى من حيث الظلم والإستبداد الفكري والإرهاب الديني والذي استطاع أن يجثم على المجتمع الأوروبي ما يقارب الألف سنة.لكن حركةالإصلاح البروتستانتي كانت فاتحة التحول باتجاه رؤية علمانية مسيطرة في الثقافة الأوروبية،حيث مهدت لولادة الحداثة وظهور الذاتية والعقلانية والتاريخية حتى الحداثة السياسية متجسدة في الأنسنة والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وما يتمحور حوله هذا الموضوع هو هل هناك اثر ايجابي لحركة الإصلاح الديني البروتستانتي في عملية التحول السياسي نتيجة لسياسة الحركة ورفضها لسلطة الكنيسة ( التشديد على ان علاقة الفرد مع الله لا تحتاج إلى وسيط من كنيسة وبابا..) ودعمها للسلطة الزمنية،مما أثار الجدل حول وجوب أو عدم وجوب طاعة الحاكم، فهل لها دور في عملية التغيير و التطور وظهور الديمقراطية في أوروبا؟ وسيتم الوصول إلى النتائج من خلال محاولة الإجابة على عدة تساؤلات منها:
1) هل عملت البروتستانتية على نقل السلطة الزمنية للناس أم أبقتها في يد الكنيسة؟كيف أثرت في السياسة؟
2) هل يوجد انقسامات واختلافات حول موضوع السلطة الزمنية داخل البروتستانتية؟
3) هل البروتستانتية هي حركة إصلاح ديني،أم أنها أعمق من ذلك؟؟
الوضع قبل وبعد ظهور حركة الإصلاح الديني البروتستانتي
ساد التفاهم بين السلطة الزمنية والروحية في بداية العصور الوسطى،إذ أن المسيحية وضعت حداً للمزج بين السلطتين.ولقد مارست الكنيسة نشاطها ضمن الميدان الروحي والأخلاقي واستطاعت تحقيق النجاح في عصر آباء الكنيسة واجتنبت التدخل بأمور الدولة والتعرض لتفوق سلطة أخرى.ثم قوي رجال الكنيسة من مركز الملك وذلك من أجل الحصول على الدعم والتأييد.ثم اختلف الوضع بعد انتقال المسيحية إلى أوروبا،ولعدم وجود حد فاصل واضح بين السلطتين اندلع نزاع بينهما ونتيجة لذلك برز تياران في الفكر السياسي:تيار ينادي بتفوق السلطة الروحية على السلطة الزمنية وتيار يؤيد السلطة الزمنية.
عند العودة إلى تاريخ العصور الوسطى (الفترة الواقعة بين القرن العاشر والثاني عشر) نجد أن السلطة في تلك الفترة أصبحت متمركزة في الكنيسة وفي يدي البابا خاصة،و التعليم حكراً على رجال الدين و الثقافة مستمدة من ثقافة الكنيسة ومن المعتقدات الدينية المسيحية والبعيدة عن المنطق والتجربة بعكس ما أصبحت عليه في العصور الحديثة من حيث الثقافة العلمانية القائمة على أسس التحليل العلمي.فالتطور الذي وصل إليه الفكر الأوروبي تم نتيجة عاملين،الأول صراع طويل في أواخر القرون الوسطى داخل الكنيسة البابوية للحد من الصلاحيات والامتيازات الدينية والدنيوية التي كان يتمتع بها البابا،ولوضع نظريات جديدة كفيلة لإنشاء برنامج إصلاحي جذري يتناول الكنيسة بأكملها.أما الثاني فهو التطورات الإقتصادية المتراكمة خلال حقبة طويلة من الزمن والتي أدت إلى خلق تشكيل ثوري جديد من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية السائدة خلال العصور الحديثة ومتميزة بشكل ظاهر عن المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية التي عايشت القرون الوسطى.
فالهجوم على البابوية ومؤسسة الكنيسة،قد أخذ في أواخر العصور الوسطى،أبعاد جديدة من حيث الاتساع والجرأة.ومن الملاحظ أن هذا الهجوم لم يشنه أصحاب الأفكار اللادينية فقط،بل شارك فيه العديد من أهل الرأي والمتدنين الذين حملوا على البابوية ومؤسسات الكنيسة باسم ما اعتبروه انحرافا عن تعاليم المسيح.ولقد تعاظمت حدة النقد الديني داخل الكنيسة إلى أن أدت في القرن السادس عشر إلى تبلور تيار عرف ب حركة الإصلاح الديني.
المحاولات الإصلاحية قبل ظهور حركة البروتستانت:
كما سبق وذكرنا،كانت الكنيسة هي المسيطرة في القرون الوسطى،حيث سيطرت على كافة نواحي الحياة وخاصة التعليم فجعلته حكرا لها،ومع ذلك فإن القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر،قرني عصر النهضة بما حوته هذه العلوم من تحرير قضايا العلم والبحث والفلك والفنون والتعليم والرسوم والنحت وكان هذا على حساب الكنيسة.
وكان من أهم العلوم الإغريقية التي بقيت طي الكتب،هو علم الديمقراطية الأثيني،الذي لم ينجح أن يتخطى عَتبات أمراء المدن الإيطالية وبقي هذا العلم حبيساً في مكتبات قصورهم وإن استعملوه على أضيق نطاق ضد الكنيسة،حيث كانوا يطمعون إلى إعادة سلطات الكنيسة إلى داخل أبواب الكنيسة تمهيداً لتقويض نفوذها.بدأت هذه الأفكار العلمية تغزو الكنيسة وتطارد نفوذها،وظهرت توجهات مبكرة تدعو لتقويض نفوذ الكنيسة ومنع تدخلها في الأمور الدنيوية الخاصة بعامة الناس.ولقد شكل التدخل الديني من البابا ورجاله دفعاً قوياً لانتشار الأفكار الإصلاحية،والتي أثرت في الأفكار الاجتماعية والسياسية،وتشكيل الأمم الأوروبية،وتحديد حدودها [الدولة-الأمة]،وهذا رفع من وتيرة الدراسات للمشاركة القومية سياسياً،مما دفع علماء الأنتربولوجيا إلى إعادة النظر في ديمقراطية أثينا ولو على صفحات الأبحاث والدراسات.
وفي أوائل القرن السادس عشر،فإن أفكاراً جديدة لعصر النهضة قادت بعض الناس لتحدي تعاليم الكنيسة الكاثوليكية (روما)،حيث اعتنى رجال الدين الكبار بالحصول على النفوذ و الأموال بوسائل منحطة من أجل الترف والحياة الرغيدة على حساب الدين وتعاليمه.
نتيجة لسياسات الكنيسة وضعف سلطتها،ظهرت الكثير من الكتابات التي انتقدت سياسة الكنيسة،كما وجهت الجدل نحو السلطات البابوية المطلقة في الكنيسة،خاصة وان سلطات الكنيسة ليست دينية فقط وإنما تجاوزتها حيث كان البابا يشرف على منح الإقطاعيات وتحويل المبالغ الضخمة إلى الخزينة البابوية، هذا إلى جانب انتشار الفساد والرشوة في حكومة الكنيسة.ومن أشهر الكتاب،مارسيليو بادوا وويليام آكام.كما كان لكتابات جون ويكليف في إنكلترا وجون هس في بوهيميا قيمة كبرى من حيث التأثير على الكثير من الناس،خاصة مع اعتبارهم أن الكنيسة عبارة عن جميع المسيحيين من العامة والكهنة وأن الكنيسة وليس رجال الدين هي التي تلقت القانون السماوي والسلطة الروحية،وبذلك يكون من حق عموم المؤمنين العضوية في الكنيسة والمشاركة في إصلاحها من فساد رجال الدين.
يظهر مما سبق،أن أفكار الكتاب في تلك الفترة اتجهت إلى اعتبار رجال الدين مجرد وكلاء أو أعضاء يقوم المجتمع عن طريقهم بأداء وظائفه وواجبا ته الدينية،أي أنهم وسيلة مما يضعف من سلطة رجال الدين ومحاولتهم السيطرة على أفراد المجتمع.
وانسجاما مع هذا التوجه،سيطر التساؤل حول مصدر السلطة العليا الحقيقة على كتابات نيكولاس كوسا في معرض دفاعه عن فكرة المجلس العام للكنيسة.وللإجابة عن هذا التساؤل استند في كتاباته على القانون الكنسي الذي ينص على أن رضا المجتمع وموافقته يُعتبران ركناَ جوهريا من أركان القانون.وبما أن رضا المجتمع ينبع من تقاليده وعاداته،يكون المجلس العام للكنيسة الذي يمثل المجتمع المسيحي كله أكثر قدرة من البابا بالتحكم في موضوع السلطة والقوانين،إذ أن كثيراً ما عجزت القرارات البابوية لأن يكون لها قوة القوانين بسبب عدم حيازتها رضا وقبول الناس بها،حيث أن رضا الناس يعتبر شرطاً أساسيا لكي يصبح القانون ملزم.
أما ميكافيللي، فيُمثل أصحاب الأفكار اللادينية.فالوضع السياسي والاجتماعي الفاسد في ايطاليا أثر على أفكاره وأوصله إلى ان سبب التشتت والتناحر في ايطاليا هي البابا والكنيسة.فالبابا بدلاً من أن يبقى حكماً بين المسيحيين في أوروبا بأكملها،جعل من نفسه حاكماً يسعى للسلطة والنفوذ مثله مثل أي حاكم زمني آخر،مما أدى إلى تردي الأوضاع.كما أن ميكافيللي انتقد الدين المسيحي لأن المسيحية لها دور في احتقار الفضائل والقوة العسكرية وتشجيعها على الخنوع والمسكنة مما أدت إلى ضعف الدولة،فالدين الحقيقي يكون العامل الأساسي في تقوية الدولة.
ركز ميكافيللي على الأمير وعلى ضرورة اعتماده على شتى الوسائل حتى لو تجاوزت حدود الأخلاق والدين،لكن ظهر فيما بعد أن ميكافيللي دعا إلى تلك السياسة نتيجة للأوضاع السيئة في ايطاليا.ففي كتاب الخطب،ظهر أن ميكافيللي يفضل الحكم الجمهوري على الحكم الملكي (لكن هذا الحكم لا يصلح إلا للشعوب المتمسكة بالأخلاق والقيم)،لكنه وبسبب فساد الأوضاع في ايطاليا فقد رأى أنها لن تصلح إلا من خلال أمير قاسي وقوي.
ديما أحمد صالح
ان عملية البحث في علاقة الدين بالديمقراطية لا تتم إلا بالعودة إلى التجربة التاريخية التي مرت بها أوروبا خاصة بالقرون الوسطى،فهذه المرحلة تعتبر الأساس.فما نجده اليوم من آراء حول علاقة الدين بالديمقراطية في الفكر الغربي ماهو في الحقيقة إلا ردة فعل تجاه واقع حكومة رجال الدين.ففي بدايات القرون الوسطى منذ إصدار إمبراطور الروم الشرقية «جستنيان» أمره في عام 529م بإغلاق الجامعات وتعطيل المدارس في أثينا والإسكندرية ففر العلماء خوفاً على أرواحهم ولجأ وا إلى مناطق أخرى،ومن الخصائص العامة لهذه المرحلة التي دخلتها أوروبا هو تسلط الكنيسة على المراكز العلمية ومناهج المدارس والجامعات وبالتالي كان رجال الدين يفتحون المجال فقط للأفكار والعقائد التي تتلاءم مع الأفكار المسيحية وكانوا يرفضون الأفكار المخالفة ويحاربونها بشدة.وجرائم رجال الدين ضد المفكرين لا تحصى من حيث الظلم والإستبداد الفكري والإرهاب الديني والذي استطاع أن يجثم على المجتمع الأوروبي ما يقارب الألف سنة.لكن حركةالإصلاح البروتستانتي كانت فاتحة التحول باتجاه رؤية علمانية مسيطرة في الثقافة الأوروبية،حيث مهدت لولادة الحداثة وظهور الذاتية والعقلانية والتاريخية حتى الحداثة السياسية متجسدة في الأنسنة والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وما يتمحور حوله هذا الموضوع هو هل هناك اثر ايجابي لحركة الإصلاح الديني البروتستانتي في عملية التحول السياسي نتيجة لسياسة الحركة ورفضها لسلطة الكنيسة ( التشديد على ان علاقة الفرد مع الله لا تحتاج إلى وسيط من كنيسة وبابا..) ودعمها للسلطة الزمنية،مما أثار الجدل حول وجوب أو عدم وجوب طاعة الحاكم، فهل لها دور في عملية التغيير و التطور وظهور الديمقراطية في أوروبا؟ وسيتم الوصول إلى النتائج من خلال محاولة الإجابة على عدة تساؤلات منها:
1) هل عملت البروتستانتية على نقل السلطة الزمنية للناس أم أبقتها في يد الكنيسة؟كيف أثرت في السياسة؟
2) هل يوجد انقسامات واختلافات حول موضوع السلطة الزمنية داخل البروتستانتية؟
3) هل البروتستانتية هي حركة إصلاح ديني،أم أنها أعمق من ذلك؟؟
الوضع قبل وبعد ظهور حركة الإصلاح الديني البروتستانتي
ساد التفاهم بين السلطة الزمنية والروحية في بداية العصور الوسطى،إذ أن المسيحية وضعت حداً للمزج بين السلطتين.ولقد مارست الكنيسة نشاطها ضمن الميدان الروحي والأخلاقي واستطاعت تحقيق النجاح في عصر آباء الكنيسة واجتنبت التدخل بأمور الدولة والتعرض لتفوق سلطة أخرى.ثم قوي رجال الكنيسة من مركز الملك وذلك من أجل الحصول على الدعم والتأييد.ثم اختلف الوضع بعد انتقال المسيحية إلى أوروبا،ولعدم وجود حد فاصل واضح بين السلطتين اندلع نزاع بينهما ونتيجة لذلك برز تياران في الفكر السياسي:تيار ينادي بتفوق السلطة الروحية على السلطة الزمنية وتيار يؤيد السلطة الزمنية.
عند العودة إلى تاريخ العصور الوسطى (الفترة الواقعة بين القرن العاشر والثاني عشر) نجد أن السلطة في تلك الفترة أصبحت متمركزة في الكنيسة وفي يدي البابا خاصة،و التعليم حكراً على رجال الدين و الثقافة مستمدة من ثقافة الكنيسة ومن المعتقدات الدينية المسيحية والبعيدة عن المنطق والتجربة بعكس ما أصبحت عليه في العصور الحديثة من حيث الثقافة العلمانية القائمة على أسس التحليل العلمي.فالتطور الذي وصل إليه الفكر الأوروبي تم نتيجة عاملين،الأول صراع طويل في أواخر القرون الوسطى داخل الكنيسة البابوية للحد من الصلاحيات والامتيازات الدينية والدنيوية التي كان يتمتع بها البابا،ولوضع نظريات جديدة كفيلة لإنشاء برنامج إصلاحي جذري يتناول الكنيسة بأكملها.أما الثاني فهو التطورات الإقتصادية المتراكمة خلال حقبة طويلة من الزمن والتي أدت إلى خلق تشكيل ثوري جديد من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية السائدة خلال العصور الحديثة ومتميزة بشكل ظاهر عن المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية التي عايشت القرون الوسطى.
فالهجوم على البابوية ومؤسسة الكنيسة،قد أخذ في أواخر العصور الوسطى،أبعاد جديدة من حيث الاتساع والجرأة.ومن الملاحظ أن هذا الهجوم لم يشنه أصحاب الأفكار اللادينية فقط،بل شارك فيه العديد من أهل الرأي والمتدنين الذين حملوا على البابوية ومؤسسات الكنيسة باسم ما اعتبروه انحرافا عن تعاليم المسيح.ولقد تعاظمت حدة النقد الديني داخل الكنيسة إلى أن أدت في القرن السادس عشر إلى تبلور تيار عرف ب حركة الإصلاح الديني.
المحاولات الإصلاحية قبل ظهور حركة البروتستانت:
كما سبق وذكرنا،كانت الكنيسة هي المسيطرة في القرون الوسطى،حيث سيطرت على كافة نواحي الحياة وخاصة التعليم فجعلته حكرا لها،ومع ذلك فإن القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر،قرني عصر النهضة بما حوته هذه العلوم من تحرير قضايا العلم والبحث والفلك والفنون والتعليم والرسوم والنحت وكان هذا على حساب الكنيسة.
وكان من أهم العلوم الإغريقية التي بقيت طي الكتب،هو علم الديمقراطية الأثيني،الذي لم ينجح أن يتخطى عَتبات أمراء المدن الإيطالية وبقي هذا العلم حبيساً في مكتبات قصورهم وإن استعملوه على أضيق نطاق ضد الكنيسة،حيث كانوا يطمعون إلى إعادة سلطات الكنيسة إلى داخل أبواب الكنيسة تمهيداً لتقويض نفوذها.بدأت هذه الأفكار العلمية تغزو الكنيسة وتطارد نفوذها،وظهرت توجهات مبكرة تدعو لتقويض نفوذ الكنيسة ومنع تدخلها في الأمور الدنيوية الخاصة بعامة الناس.ولقد شكل التدخل الديني من البابا ورجاله دفعاً قوياً لانتشار الأفكار الإصلاحية،والتي أثرت في الأفكار الاجتماعية والسياسية،وتشكيل الأمم الأوروبية،وتحديد حدودها [الدولة-الأمة]،وهذا رفع من وتيرة الدراسات للمشاركة القومية سياسياً،مما دفع علماء الأنتربولوجيا إلى إعادة النظر في ديمقراطية أثينا ولو على صفحات الأبحاث والدراسات.
وفي أوائل القرن السادس عشر،فإن أفكاراً جديدة لعصر النهضة قادت بعض الناس لتحدي تعاليم الكنيسة الكاثوليكية (روما)،حيث اعتنى رجال الدين الكبار بالحصول على النفوذ و الأموال بوسائل منحطة من أجل الترف والحياة الرغيدة على حساب الدين وتعاليمه.
نتيجة لسياسات الكنيسة وضعف سلطتها،ظهرت الكثير من الكتابات التي انتقدت سياسة الكنيسة،كما وجهت الجدل نحو السلطات البابوية المطلقة في الكنيسة،خاصة وان سلطات الكنيسة ليست دينية فقط وإنما تجاوزتها حيث كان البابا يشرف على منح الإقطاعيات وتحويل المبالغ الضخمة إلى الخزينة البابوية، هذا إلى جانب انتشار الفساد والرشوة في حكومة الكنيسة.ومن أشهر الكتاب،مارسيليو بادوا وويليام آكام.كما كان لكتابات جون ويكليف في إنكلترا وجون هس في بوهيميا قيمة كبرى من حيث التأثير على الكثير من الناس،خاصة مع اعتبارهم أن الكنيسة عبارة عن جميع المسيحيين من العامة والكهنة وأن الكنيسة وليس رجال الدين هي التي تلقت القانون السماوي والسلطة الروحية،وبذلك يكون من حق عموم المؤمنين العضوية في الكنيسة والمشاركة في إصلاحها من فساد رجال الدين.
يظهر مما سبق،أن أفكار الكتاب في تلك الفترة اتجهت إلى اعتبار رجال الدين مجرد وكلاء أو أعضاء يقوم المجتمع عن طريقهم بأداء وظائفه وواجبا ته الدينية،أي أنهم وسيلة مما يضعف من سلطة رجال الدين ومحاولتهم السيطرة على أفراد المجتمع.
وانسجاما مع هذا التوجه،سيطر التساؤل حول مصدر السلطة العليا الحقيقة على كتابات نيكولاس كوسا في معرض دفاعه عن فكرة المجلس العام للكنيسة.وللإجابة عن هذا التساؤل استند في كتاباته على القانون الكنسي الذي ينص على أن رضا المجتمع وموافقته يُعتبران ركناَ جوهريا من أركان القانون.وبما أن رضا المجتمع ينبع من تقاليده وعاداته،يكون المجلس العام للكنيسة الذي يمثل المجتمع المسيحي كله أكثر قدرة من البابا بالتحكم في موضوع السلطة والقوانين،إذ أن كثيراً ما عجزت القرارات البابوية لأن يكون لها قوة القوانين بسبب عدم حيازتها رضا وقبول الناس بها،حيث أن رضا الناس يعتبر شرطاً أساسيا لكي يصبح القانون ملزم.
أما ميكافيللي، فيُمثل أصحاب الأفكار اللادينية.فالوضع السياسي والاجتماعي الفاسد في ايطاليا أثر على أفكاره وأوصله إلى ان سبب التشتت والتناحر في ايطاليا هي البابا والكنيسة.فالبابا بدلاً من أن يبقى حكماً بين المسيحيين في أوروبا بأكملها،جعل من نفسه حاكماً يسعى للسلطة والنفوذ مثله مثل أي حاكم زمني آخر،مما أدى إلى تردي الأوضاع.كما أن ميكافيللي انتقد الدين المسيحي لأن المسيحية لها دور في احتقار الفضائل والقوة العسكرية وتشجيعها على الخنوع والمسكنة مما أدت إلى ضعف الدولة،فالدين الحقيقي يكون العامل الأساسي في تقوية الدولة.
ركز ميكافيللي على الأمير وعلى ضرورة اعتماده على شتى الوسائل حتى لو تجاوزت حدود الأخلاق والدين،لكن ظهر فيما بعد أن ميكافيللي دعا إلى تلك السياسة نتيجة للأوضاع السيئة في ايطاليا.ففي كتاب الخطب،ظهر أن ميكافيللي يفضل الحكم الجمهوري على الحكم الملكي (لكن هذا الحكم لا يصلح إلا للشعوب المتمسكة بالأخلاق والقيم)،لكنه وبسبب فساد الأوضاع في ايطاليا فقد رأى أنها لن تصلح إلا من خلال أمير قاسي وقوي.