- الجمعة ديسمبر 31, 2010 11:45 pm
#31251
تبدو كل الأطراف وكأنها في سباق محموم قبل أيام من استفتاء جنوب السودان.. الرئيس السوداني عرض التنازل عن نصيب الشمال في البترول للجنوب إذا اختار البقاء في سودان موحد، والحركة الشعبية المسيطرة على الجنوب والتي تقود التحرك نحو الانفصال، تطلب أن تحافظ على سيطرتها الكاملة على الجنوب وجيشها المستقل وأن تتبادل موقع رئاسة الدولة مع الشمال.. أي تطلب الجنوب كاملاً ونصف السلطة في الشمال! ورؤساء مصر وليبيا وموريتانيا يجتمعون في الخرطوم مع البشير وسلفاكير، في محاولة لاجتياز المرحلة الصعبة بأقل الأضرار.. بينما أميركا تلقي بكل ثقلها لإنجاز المهمة وتحقيق الانفصال، والرئيس الأميركي يبعث برسائل للزعماء العرب والأفارقة، ليؤكد على الموقف الأميركي الذي يرفض وضع أي عراقيل تمنع السياسة الأميركية من تحقيق «نجاح» انتظرته طويلاً، وبعض الدول الإفريقية المجاورة في حالة استنفار سياسي وعسكري (وبالتنسيق مع واشنطن)، لاستكمال جهد سنوات من التدخل والدعم لقوى الانفصال في جنوب السودان، وإسرائيل حاضرة وتستعد لحضور أكبر بعد ولادة دولة الجنوب الجديدة، التي أعلن مسؤولوها مبكراً استعدادهم للاعتراف بإسرائيل وإقامة العلاقات الوثيقة معها في كل المجالات.
الإدارة الأميركية تتعامل مع الأمر بكل جدية، وتعتبر «إنجاز المهمة» وانفصال الجنوب، انتصاراً كبيراً في سياستها الخارجية، في وقت تعاني فيه من الفشل في أكثر من مكان.
وقد كان انفصال الجنوب قراراً أميركياً قبلته حكومة السودان حين وقعت اتفاق «نيفاشا»، في محاولة للخروج من أزماتها التي تكاثرت في الداخل والخارج؛ من حرب أهلية في الجنوب تستنزف مواردها وتمنع استثمار ثرواتها، إلى حرب أخرى في دارفور تهدد بتكرار المأساة ووضعت الرئيس السوداني في موقف المطلوب للمحاكمة الدولية، إلى اتهامات بالتعامل مع الإرهاب الدولي، إلى علاقات متوترة في الداخل مع أحزاب الشمال، وفي الخارج مع دول الجوار. وهكذا استغلت واشنطن كل ذلك، ومارست كل الضغوط، وبذلت كل الجهد لإفشال المبادرات العربية والإفريقية لحل النزاع، وأبرزها المبادرة المصرية ـ الليبية، ومبادرة «الإيغاد»، لتفرض بعد ذلك الانفصال من خلال اتفاق «نيفاشا»، ثم باغتيال «جون غارانغ» القائد السابق للحركة الشعبية، والذي كان وجوده يبقي اختيار الوحدة قائماً حتى مع صعوبته.
ورغم كل الأخطاء التي ارتكبها الحكم في السودان، أو التي ورثها عن عهود سابقة، فإن هذا لا يبرر التجاهل العربي لمصير هذه الدولة الهامة في المنظومة العربية، والذي أتاح للولايات المتحدة تنفيذ رؤيتها التي لن تنتهي بانفصال الجنوب، بل ستنطلق منه إلى أهداف أكبر داخل السودان وفي كل المنطقة. صحيح أن الكثير من النظم العربية كان واقعا تحت ضغوط داخلية وخارجية، وصحيح أن الهجمة الأميركية التي بدأت مع غزو العراق، كانت تخطط لإعادة رسم خريطة المنطقة العربية وفقاً للمصالح الأميركية (والإسرائيلية بالطبع)، وصحيح أن العديد من النظم العربية كان في موقف دفاع.. كل هذا صحيح، ولكنه لا يبرر الانصراف العربي عما جرى ويجري في السودان بكل آثاره الخطيرة على المنطقة، ولا يبرر ترك قضايا هذه الدولة المحورية في نظامنا العربي وفي علاقاته مع إفريقيا، رهينة الضغوط والمؤامرات الخارجية من ناحية، والممارسات الداخلية الخاطئة من ناحية أخرى، ولا يبرر تعامل العالم العربي مع انفصال الجنوب كأنه قضاء وقدر، ثم انتظار الأسوأ بعد ذلك!
والأسوأ قادم في حروب داخل دولة الجنوب وحولها، وفي حروب الشمال التي تهدد بتفتت ما تبقى من السودان إلى دويلات، وفي انكشاف خطير لأمن مصر وتهديد خطير لمواردها المائية من النيل، وفي تكريس الفصل بين العرب وإفريقيا، ووضع الحواجز بين الشمال العربي والجنوب الإفريقي، وفي تأكيد مزاعم حتميه الصدام بين الإسلام وغيره من العقائد واستحالة التعايش بينها، ثم.. في فتح الباب أمام المزيد من الانقسامات التي تهدد عالمنا العربي، من العراق إلى اليمن ومن المغرب إلى الخليج، والتي لا تستثني دولاً راسخة، مثل مصر والجزائر والمغرب والسعودية!!
الأسوأ قادم.. إذا لم نتصدّ له بشراسة، وإذا لم ندرك أن انفصال جنوب السودان ليس هو الحل.. لا للسودان ولا للعرب ولا لإفريقيا.. فلا جنوب السودان سيصبح جنة لأبنائه في غيبة ارتباط وثيق بالشمال، ولا شمال السودان سيتحرر من أعباء الجنوب، إلا لمن يريدون الاستمتاع بجلد النساء لارتداء «البنطلون»، ولا يجلدون من قادوا السودان إلى مأساة يتفتت فيها الوطن!
الأسوأ قادم إذا لم نتحرك.. والحركة ممكنة بلا شك، ورغم كل الضغوط والمؤامرات فإن كل الإمكانيات العربية ينبغي أن توضع على الفور من أجل إنهاء كل النزاعات في شمال السودان، ثم ترك الأمور لتهدأ في الجنوب، انتظاراً للحظة يعود فيها الجميع إلى الوحدة التي تضمن حقوق كل المواطنين وتحقق المصالح المشتركة لهم. ونقطة البداية في ذلك أن يعترف الجميع بما ارتكبوه من أخطاء، فلا يمكن أن تكون نهاية عشرين سنة من التبشير بحكم إسلامي رشيد، أن تضيع دولة من أجل «بنطلون امرأة»، ولا يمكن أن ينتهي حلم «غارانغ» بسودان واحد تحكمه المساواة ويجسد الحلم بالتكامل الإفريقي العربي.. إلى تقسيم السودان إلى أشلاء دولة وتكوين قاعدة لتنفيذ مخططات أميركا أو مؤامرات إسرائيل.
التحرك العربي ـ ولو تأخر ـ ضروري وممكن، والدول الإفريقية، حتى تلك التي تشارك في التآمر على وحدة السودان، تعرف أن الطلقة التي تسددها لوحدة السودان سترتد عليها، وأنها حين تنتهك المبدأ الذي أرساه مؤسسو منظمة الوحدة الإفريقية (وفي مقدمتهم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر)، بعدم المساس بالحدود بين الدول الإفريقية رغم أي نزاعات، فإنها تفتح أبواب جهنم التي أراد الاستعمار الأوروبي أن يتركها للجميع.
فليتحرك العرب قبل فوات الأوان، وقبل انتقال عدوى التقسيم إلى مناطق أخرى، وقبل ترسيخ القبول العربي بما يقرره الآخرون. فليتحرك العرب بيقين أن جنوب السودان سيعود لشماله، وأن شمال السودان يستطيع التغلب على مشاكله، وأن الاعتراف بالفشل ـ سودانياً وعربياً ـ أمر واجب، وأن معالجة هذا الفشل ضرورية وممكنة.. وساعتها سيدرك أشقاؤنا في السودان أن الحل لا يرتبط بـ»بنطلون» امرأة، بل بنظام يجسد أفضل ما في العروبة وما في الإسلام، حين يحتضن الكل في وطن واحد يتسع لكل أبنائه، وينشر رسالة الحرية والمساواة.
الإدارة الأميركية تتعامل مع الأمر بكل جدية، وتعتبر «إنجاز المهمة» وانفصال الجنوب، انتصاراً كبيراً في سياستها الخارجية، في وقت تعاني فيه من الفشل في أكثر من مكان.
وقد كان انفصال الجنوب قراراً أميركياً قبلته حكومة السودان حين وقعت اتفاق «نيفاشا»، في محاولة للخروج من أزماتها التي تكاثرت في الداخل والخارج؛ من حرب أهلية في الجنوب تستنزف مواردها وتمنع استثمار ثرواتها، إلى حرب أخرى في دارفور تهدد بتكرار المأساة ووضعت الرئيس السوداني في موقف المطلوب للمحاكمة الدولية، إلى اتهامات بالتعامل مع الإرهاب الدولي، إلى علاقات متوترة في الداخل مع أحزاب الشمال، وفي الخارج مع دول الجوار. وهكذا استغلت واشنطن كل ذلك، ومارست كل الضغوط، وبذلت كل الجهد لإفشال المبادرات العربية والإفريقية لحل النزاع، وأبرزها المبادرة المصرية ـ الليبية، ومبادرة «الإيغاد»، لتفرض بعد ذلك الانفصال من خلال اتفاق «نيفاشا»، ثم باغتيال «جون غارانغ» القائد السابق للحركة الشعبية، والذي كان وجوده يبقي اختيار الوحدة قائماً حتى مع صعوبته.
ورغم كل الأخطاء التي ارتكبها الحكم في السودان، أو التي ورثها عن عهود سابقة، فإن هذا لا يبرر التجاهل العربي لمصير هذه الدولة الهامة في المنظومة العربية، والذي أتاح للولايات المتحدة تنفيذ رؤيتها التي لن تنتهي بانفصال الجنوب، بل ستنطلق منه إلى أهداف أكبر داخل السودان وفي كل المنطقة. صحيح أن الكثير من النظم العربية كان واقعا تحت ضغوط داخلية وخارجية، وصحيح أن الهجمة الأميركية التي بدأت مع غزو العراق، كانت تخطط لإعادة رسم خريطة المنطقة العربية وفقاً للمصالح الأميركية (والإسرائيلية بالطبع)، وصحيح أن العديد من النظم العربية كان في موقف دفاع.. كل هذا صحيح، ولكنه لا يبرر الانصراف العربي عما جرى ويجري في السودان بكل آثاره الخطيرة على المنطقة، ولا يبرر ترك قضايا هذه الدولة المحورية في نظامنا العربي وفي علاقاته مع إفريقيا، رهينة الضغوط والمؤامرات الخارجية من ناحية، والممارسات الداخلية الخاطئة من ناحية أخرى، ولا يبرر تعامل العالم العربي مع انفصال الجنوب كأنه قضاء وقدر، ثم انتظار الأسوأ بعد ذلك!
والأسوأ قادم في حروب داخل دولة الجنوب وحولها، وفي حروب الشمال التي تهدد بتفتت ما تبقى من السودان إلى دويلات، وفي انكشاف خطير لأمن مصر وتهديد خطير لمواردها المائية من النيل، وفي تكريس الفصل بين العرب وإفريقيا، ووضع الحواجز بين الشمال العربي والجنوب الإفريقي، وفي تأكيد مزاعم حتميه الصدام بين الإسلام وغيره من العقائد واستحالة التعايش بينها، ثم.. في فتح الباب أمام المزيد من الانقسامات التي تهدد عالمنا العربي، من العراق إلى اليمن ومن المغرب إلى الخليج، والتي لا تستثني دولاً راسخة، مثل مصر والجزائر والمغرب والسعودية!!
الأسوأ قادم.. إذا لم نتصدّ له بشراسة، وإذا لم ندرك أن انفصال جنوب السودان ليس هو الحل.. لا للسودان ولا للعرب ولا لإفريقيا.. فلا جنوب السودان سيصبح جنة لأبنائه في غيبة ارتباط وثيق بالشمال، ولا شمال السودان سيتحرر من أعباء الجنوب، إلا لمن يريدون الاستمتاع بجلد النساء لارتداء «البنطلون»، ولا يجلدون من قادوا السودان إلى مأساة يتفتت فيها الوطن!
الأسوأ قادم إذا لم نتحرك.. والحركة ممكنة بلا شك، ورغم كل الضغوط والمؤامرات فإن كل الإمكانيات العربية ينبغي أن توضع على الفور من أجل إنهاء كل النزاعات في شمال السودان، ثم ترك الأمور لتهدأ في الجنوب، انتظاراً للحظة يعود فيها الجميع إلى الوحدة التي تضمن حقوق كل المواطنين وتحقق المصالح المشتركة لهم. ونقطة البداية في ذلك أن يعترف الجميع بما ارتكبوه من أخطاء، فلا يمكن أن تكون نهاية عشرين سنة من التبشير بحكم إسلامي رشيد، أن تضيع دولة من أجل «بنطلون امرأة»، ولا يمكن أن ينتهي حلم «غارانغ» بسودان واحد تحكمه المساواة ويجسد الحلم بالتكامل الإفريقي العربي.. إلى تقسيم السودان إلى أشلاء دولة وتكوين قاعدة لتنفيذ مخططات أميركا أو مؤامرات إسرائيل.
التحرك العربي ـ ولو تأخر ـ ضروري وممكن، والدول الإفريقية، حتى تلك التي تشارك في التآمر على وحدة السودان، تعرف أن الطلقة التي تسددها لوحدة السودان سترتد عليها، وأنها حين تنتهك المبدأ الذي أرساه مؤسسو منظمة الوحدة الإفريقية (وفي مقدمتهم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر)، بعدم المساس بالحدود بين الدول الإفريقية رغم أي نزاعات، فإنها تفتح أبواب جهنم التي أراد الاستعمار الأوروبي أن يتركها للجميع.
فليتحرك العرب قبل فوات الأوان، وقبل انتقال عدوى التقسيم إلى مناطق أخرى، وقبل ترسيخ القبول العربي بما يقرره الآخرون. فليتحرك العرب بيقين أن جنوب السودان سيعود لشماله، وأن شمال السودان يستطيع التغلب على مشاكله، وأن الاعتراف بالفشل ـ سودانياً وعربياً ـ أمر واجب، وأن معالجة هذا الفشل ضرورية وممكنة.. وساعتها سيدرك أشقاؤنا في السودان أن الحل لا يرتبط بـ»بنطلون» امرأة، بل بنظام يجسد أفضل ما في العروبة وما في الإسلام، حين يحتضن الكل في وطن واحد يتسع لكل أبنائه، وينشر رسالة الحرية والمساواة.